![]() |
الا ترى ان الشعر فى شكليه الموسيقيين العمودى والتفعيلى _ ما يزال مليئا بالغبار والاتربة ؟؟؟
الشعر الحر_ بكل اسف _ بعد مرور اكثر من نصف قرن الان لم نهتم بان نقيم مؤتمرا واحدا نقيم فيه حصاد هذا الشعر ... ماذا صنعت ايها الشعر الحر فى القصيدة العربية ؟؟ ماذا قدم شعراؤك عبر نصف قرن من انجاز شعرى؟؟ انا هنا لا اتكلم عن شاعر , ولا عن قصائد ... انا اتكلم عن حركة شعرية بسطت جناحيها على الافق العربى كله , ما هو الانجاز الحقيقى لهذه الحركة ؟ هل هو المسرح عندما كتب عبد الرحمن الشرقاوى وصلاح عبد الصبور مسرحيات بالشعر الحر؟؟ هل الانجاز مسرحى بالدرجة الاولى خصوصا ان هناك من يرى ان صلاح عبد الصبور قمه فى مسرحه تختلف عنه فى شعره , والكلام نفسه قيل عن شوقى وقيل عن الشرقاوى هل جاء الشعر الحر ليحل معادلة الدراما المسرحية والشعر الحر وكفى ؟؟ هل الشعر الحر فى اطار القصيدة _ والقصيدة الذات_ ما زال يعطى الزخم الذى قدمه فى موجاته الاولى عندما كان السياب انشودة المطر وصلاح عبد الصبور يكتب "اغنية حب) واحمد عبد المعطى حجازى يكتب ( كان لى قلب ) هل هذا كله مستمر حتى الان ام ان هناك شيئا اخر؟ كل هذا كان لابد ان يخضع للدراسة والتقييم , انا فى كثير من الاحيان احس ان هناك جيشانا فى داخلى يطمح الى كبرياء القصيدة العمودية , واسميه ( كبرياء ) لان القصيدة العمودية فى وجدانى كانت تعنى الشموخ والهيبة والكبرياء والسلطة الشعرية والاحكام ... كل هذه المفردات . انا اتامل الان ما يكتب من نماذج فى الشعر الحر .. اجد التدفق الموسيقى , اجد انسياب اللغة , اجد الطواعية اجد الاقتراب احيانا من اللغة الواقعية لكن لا اجد هذه الاشياء التى تكلمت عنها والتى كانت تجعلنى استشعر الزهو... هذا هو شعر امتى , هذا هو ابداع لغتى , ليس هذه الكتابات المهمشة التى يوحى الىّ الكثير منها انها مترجمة , وانها خلت من الوتر او خيط الامومة الشعرى الذى لا يرى , والذى يربط الشعر الراهن بابيه وجده , والذى يقول لى هذا شعر جده عند المتنبى او عند ابى تمام , الابن غير الاب وغير الجد ولابد ان يكون هكذا لكن الخيط المشدود الذى قد لا يرى بالعين لكنه يحس عند القراءة لا نراه الان الذين يتكلمون عن ( قطيعة شعرية ) واهمون لان ( قطعة ) مع ماذا ؟ ماذا صنعت ليكون ذلك قطيعة معه ؟ انت تتمرد عليها .؟؟ ...انت تريد ان تفجر وتهشم .. ما الذى بين يديك؟ ما هو الموروث الشعرى الذى تعرفت على جمالياته؟؟ لا يمكن لاى بناء بناء ان يمسك ب ( المسطرين ) ليبنى الا اذا كان قد خبر كيف يبنى البيت , ويبنى القصر وتبنى الفيلا ويبنى القش ويبنى الكوخ , ويعرف معمار كل نموذج من هذه النماذج ... انت ماذا بنيت قبل ان تمسك بمسطرين الشعر لتبنى مدماكا واحدا فى البناء الشعرى؟؟؟!!! |
يار يت تكون الحوارات كاملة
|
1 ملف مرفق .
- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا - |
أجرت المجلة الفرنسية “ليكسبريس” (عدد 03 /05/2007) مع الكاتب التركي أورهان باموك، الحائز على جائزة نوبل للأدب سنة 2006، حواراً مهما عقب صدور مؤلفه الأخير “إسطنبول- ذكريات مدينة-”. و هو بمثابة سيرة مزدوجة للكاتب و مدينته التي نشأ و ترعرع فيها.
و في هذا الحوار يتحدث الكاتب عن وجهة نظره في العمل الأدبي و عن مدينته وكذلك عن التهديدات التي وجهت إليه داخل تركيا بالقتل. للتذكير فأورهان باموك من مواليد إسطنبول بتركيا سنة 1953، وله عدة أعمال روائية أهمها : الكتاب الأسود، القلعة البيضاء، إسمي أحمر، ثلج و اسطنبول. وقد نال عن جل أعماله عدة جوائز أدبية من وطنه تركيا و من فرنسا و ألمانيا كانت آخرها جائزة نوبل السويدية. |
- كيف هي أحوالك؟
- على أحسن وجه، لقد استقررت منذ أسابيع بنيويورك في إطار تلبيتي لدعوة وجهت لي من طرف جامعة كولومبيا. إنها المرة الأولى التي ألقي فيها دروساً، كما أنها المرة الأولى التي أزاول فيها مهنة معينة، فطوال عمري لم أفعل شيئا غير الكتابة. كما أنه بالنسبة إلي إنه رجوع إلى الأصل لأنني هنا داخل غرفة طلاب صغيرة كتبت روايتي الأولى : الكتاب الأسود. حينها لم أكن أملك مالا و لم أكن تقريبا أجد ما أقتات به و كنت أقرأ الكتب داخل أروقة المكتبات. - تعود اليوم بعدما حصلت على جائزة نوبل للأدب، فما الذي تغير الآن؟ - لندع لغة الخشب جانبا. إن أول شيء يتغير بعد حصولك على جائزة نوبل هو رصيدك البنكي. بطبيعة الحال هذه الجائزة هي بمثابة تشريف لي خصوصا أنني أول تركي يحرز هذا التتويج. و إنني جد سعيد بذلك. و لكن من جهة أخرى فالجائزة تفرض علي أن أتحول إلى دبلوماسي ضدا على طبعي الذي لا يتلاءم مع كثرة الترحال و الاستجوابات بل ينحً تجاه العزلة و الإبداع. إنني أًستدعى في أنحاء المعمور لأعطي رأيي فيما يجري سياسيا، وهذا أمر يزعجني لأنني كاتب و لست معلقا سياسيا. من جهة أخرى حصولي على الجائزة مبكرا يوفر عني الإجابة عن أسئلة الصحافيين الدائرة حول إمكانية حصولي يوما عليها. - أليست المسؤولية هي أكبر على عاتق من تسلم الجائزة؟ - إنه سوء فهم، فلا أعتقد أنه بحصولي على الجائزة أصبحت فجأة إنسانا مختلفا، أي مخولا لي الحديث في السياسة. أنا لا أحبذ فعل ذلك. إننا لا نصبح أكثر تأدبا لأننا حصلنا على جائزة نوبل. مسؤوليتي لا تنحصر في ادعاء إنقاذ العالم أو تغييره بخطابات سياسية، ولكن مهمتي هي الاستمرار في كتابة الروايات، ولهذا حصلت على الجائزة و ليس لأسباب سياسية. - لكن هذا ما يروج له بعض خصومك داخل تركيا. - هذا صحيح، و لكن ما يحرك هذه الهجمات هي الغيرة أو عدم اهتمام الوسط الأدبي بأصحابها. و في جميع الأحوال هذه الجائزة لا تغير من رؤيتي لحياتي في شيء، فأنا لا أنوي توجيه الضمائر بل سأستمر في الاستيقاظ كل صباح لأكتب القصص. |
- ولكن ألا تظن أنه بطريقة معينة يمكن للأدب أن يغير العالم؟
- ليس لي مثل هذا الادعاء. فأنا لا أكتب لأغير العالم. إنني أكتب لأنه يجب علي أن أكتب. هذا كل ما في الأمر. إنني أشبه بطفل يلعب الكرة عن حب و تأتي أنت لتسأله هل له نية في تغيير العالم بضربة كرة.لا، إنه يلعب لأن هذه اللعبة هي الوسيلة الوحيدة المتوفرة له للوجود. و إذا أصبح يوما بطلا و ساهم ذلك في تغيير بعض الأشياء في العالم فهذا شيء آخر. فلنكن جديين، إن غاية الأدب ليست هي خدمة الإنسانية. على الكاتب أن يرصد أعماق وجدانه و مخيلته. التغيير يقع عندما يذهب بعيدا إلى حدود هذه المغامرة، و بنفاذه إلى عمق الروح الإنسانية قد يكتب روايات يمكنها، بطريقة ما، أن تكون مفيدة للبشرية. و لكن لا يجب أن تصير هذه النقطة هاجساً، فخدمة الإنسانية هي نتيجة و ليست هدفاً. - تلقيت تهديدات بالقتل من طرف قوميين متعصبين فهاجرت من اسطنبول، فهل ستعود إليها؟ - نعم، لأنني لا أهول الأمور. و قد تلقيت دائما تهديدات و لكن لم يكن ذلك بسبب رواياتي، فالذين يهددونني لا يقرؤون كتبي. إن تصريحاتي خلال الاستجوابات الصحافية هي ما يجر علي هذه الاعتداءات و ليس عملي ككاتب، فتصريحاتي غالبا ما تُحور و تؤول بشكل سيء من طرف أشخاص أظن أنهم غيورون أو أناس هم في حالة غضب. - هل تخشى الموت؟ - بطبيعة الحال. و لكننا سنموت يوماً. أليس كذلك؟ أظن أن إحدى السمات الرئيسية للطبيعة البشرية هي قدرتنا على نسيان المستقبل، و هذا ما يسمح لنا بأن نكون متفائلين. شخصيا هذا ما يجعلني أحافظ على ابتسامتي وفي البقاء على قيد الحياة. إنني باقٍ. - تتموقع اسطنبول في قلب كل أعمالك و تكتب بأنها مدينة بين “عالمين”، كيف يمكن العيش هكذا مفرقاْ؟ - إن تركيا و اسطنبول تغري بالكثير من الكليشهات، بعضها يتضح أحيانا وكأنه واقع. و لكن في ما يخص اسطنبول يجب أن نفهم بأن هذه الحاضرة هي ثقافيا من أوربا الشرقية المنغرسة في المشرق. طبيعتها أن تكون بين الشرق و الغرب. و لكن، عندما نعيش هناك حياة يومية لا نشعر بالأمر. يجب أن يغادر المرء المدينة ليحس بذلك أو أن يكون أجنبيا و يقوم بجولة سياحية فيها. إن لنا ثقافتان، و روحان أيضا. - هل تشكل هذه الطبيعة المزدوجة امتيازا أم مشكلا؟ - بالنسبة لي إنها امتياز. في اسطنبول كُثُر نحن الذين نريد الاستفادة من جميع ما تمنحه كل ثقافة على حدة. لكن بالنسبة لآخرين –وهم قلة- هذه الازدواجية غير متحملة و يًنظر إليها على أساس أنها “شيزوفرينيا”. مشاكل الهوية التي يتعرض لها بعض سكان المدينة هي مرتبطة جذريا بذلك. إنهم محاصرون بين وجهين متناقضين جداً في ما بينهما. بالنسبة للبعض هذه الازدواجية هي أيضا تعارض بين أمل في الديمقراطية و رفض لها. بينما أظن أن غنى و عمق الثقافة التركية مرتبط بهذا المزيج من حضارتين و وجدانين تتولد عنها مخاضات، لكن في خضم هذه المخاضات تنبثق الثقافة الحقيقية. - كثيرا ما يقال عن نيويورك بأنها ليست الولايات المتحدة الأمريكية. فهل يمكنك أن تقول نفس الشيء عن اسطنبول، أي بأنها ليست تركيا؟ - في الواقع إن اسطنبول لهي مختبر خصوصا في مجال السياسة و الديمقراطية. وعلى العكس من ذلك إنني أتجاهل ذاك التكبر الفكري القائم على القول بأن المدينة التي نقيم فيها (نيويورك بالنسبة للأمريكيين أو اسطنبول بالنسبة للأتراك) هي مختلفة عن باقي البلاد، أي أنها أعلى منها مرتبة. إذا أكدت بأن اسطنبول لا تشبه المدن التركية الأخرى فهذا مرده قبل كل شيء لكوني كاتبا اسطنبوليا، فقد ولدت وترعرعت في اسطنبول و أكتب عنها منذ أن حملت القلم. والاختلافات التي أشدد عليها هي مميزات خاصة بهذه الحاضرة أكثر من أن تكون مجرد أشياء لا نراها بباقي المدن، وهذا بكل صراحة لأن اسطنبول مدينة تركية. لننسَ الخطاب السياحي الذي يدعي بأن الأمر يتعلق بطرف أوربا الموجود في آسيا. لا، فاسطنبول هي بحق حاضرة مخضرمة، غربية و شرقية، و لكنها تركية، تركية بعمق. إنها مدينة تسكنها عشرة ملايين نسمة أي أكثر من سكان نيويورك. بينما لا يزور السياح سوى جانب واحد، ذاك الذي يقطنه مليون واحد فقط من البشر، هذا المليون لا يمكنه أن يخفي التسعة الباقين و الذين يشبهون ملايين الأتراك في باقي البلاد. اسطنبول تشمل كل مشاكل تركيا. لا تنسوا بأن بعض سكانها هم من أشد الفقراء في كل البلاد. إن المدينة السياحية لا يجب أن تخفي الواقع. كل المشاكل التي تواجه تركيا هي متواجدة في اسطنبول: الهجرة، الدين، القومية… - ستكون هناك إذن محاولة لتقديس اسطنبول على حساب باقي تركيا. - إنها محاولات الغربيين خصوصا، أليس كذلك؟ صحيح أن الأحياء السياحية هي أكثر تقدما و أحسن تحديثا و تفتحا، و سياسيا هي أكثر وعيا من الأحياء الأخرى و لكنها ليست أكثر أهمية منها. إن اسطنبول حيث ترعرعت لا يزورها سياح، إنها نفس البيئة التي لقرية بوسط أناطوليا، يجب الإقرار بذلك. إن هناك جانبا أسود قديماً في هذه المدينة و الذي يجعل التعايش بين هذين العالمين مهما وخطيراَ في نفس الوقت. |
- في أية بيئة ترعرعت؟
- هذا الكتاب هو سيرة ذاتية، لكنه أيضا تأريخ للخمسين سنة الأخيرة من حياة اسطنبول. إنني أروي القصة الثقافية لمدينتي دون أن تستحوذ فيها سيرتي على الباقي. المشكل هو أن السيرة الذاتية هي فن الاجتزاء و عدم الإفصاح، أن نشتغل بواسطة الأجزاء و نترك بعض اللقطات للمونتاج كما يقال في السينما. كان بإمكاني أن أكتب عشرة أجزاء عن حياتي و عشرة أخرى عن مدينتي، و لكن بالاحتفاظ على نقط الاشتراك بين الاثنين لم يبق سوى كتاب واحد: هو هذا. لم أحتفظ سوى بالحلقات التي طبعت لحظات الانفتاح الفكري على الفن والسياسة، فكلها عرفت ميلادها في مكان ما من المدينة وفي وقت محدد، و بطريقة جعلتني لا أدعي رصد تاريخ اسطنبول بل أن أبين بأنه كان لها تأثير واضح في حياة شاب كان على الدوام يحلم بأن يصبح كاتباَ. - أنت تروي بأنك كنت تتمنى أن تصبح رساماَ. - نعم هذا صحيح بالفعل. بين 7 سنوات و 22 سنة أردت أن أصبح رساماَ. لقد رويت بأية طريقة دفعتني اسطنبول أن أصبح ذاك الرسام الذي لسته. وأنا يافع كنت أتنزه في أزقة المدينة أصور المناظر و الناس و عندما أعود إلى البيت كنت أظنني بمتابة بيسارو أو أوتريو. بعدئذ تساءلت عن البعد الجمالي لهذه المدينة، وبتأملي في هذه الفكرة اكتشفت نصوص الكتاب الفرنسيين للقرن التاسع عشر وعلى الخصوص بودلير. بالنسبة له فالمناظر تؤثر مباشرة على الحواس وعلى وجدان من يتأملها. و بالتنقيب في هذه الفكرة و بمحاولة معرفة لماذا كانت اسطنبول مثيرة جدا صادفت أيضا كبار الأدباء الفرنسيين الآخرين أمثال فلوبير ونيرفال و غوتيي الذين كانوا يأتون إلى اسطنبول ويكتبون حولها الكثير مؤثرين في الكتاب الأتراك و مانحين إياهم القوة أيضا للكتابة. وهكذا بقراءتي لهؤلاء الكتاب فهمت أن الكتابة كانت بصيغة أخرى تتساوى مع الرسم. و لأجل ذلك نجد الرسم والرسامين حاضرين دوما في رواياتي. إن الكاتب هو رسام يستخدم الكلمات بدل الألوان و القلم عوض الريشة. - لماذا قايضت بالريشة القلم؟ - من بين أمنياتي في أن أصبح رساما هناك الرغبة في قضاء الساعات كل يوم وحيدا داخل المكتب. إنها أيضا ميزة الكاتب، إنني أحب هذه العزلة، كما أحب الحلم كذلك. - ما هو مفتاح فهم اسطنبول؟ - التعقيد. إننا نعيش في مجتمعات تريد أجوبة آنية و سهلة لكل شيء. إن اسطنبول مدينة تذكرنا بأن هذه الرغبة هي مجرد وهم، فوحده التعقيد يجيب عن الأسئلة التي تطاردنا. واسطنبول هي وجه التعقيد بعينه، إنها المزيج بين مدينة إسلامية تقليدية و مدينة أوربية ليبرالية. مفتاح هذه الحاضرة هو في هذه النصيحة: احترموا هذه الظلال و الرموز، فكلما أفلتت منك المدينة يمكنك أن تفهمها، إنها مفارقة مطلقة، أفهم ذلك. ففي اسطنبول نأتي للتفرج على المدينة و ليس لاستكشاف أسرارها، لأننا في هذه الحال لن نخرج سالمين. - هل هذا يعني أن اسطنبول قابلة للاندماج في أوربا؟ - بالنسبة إلي فاسطنبول تشكل جزءا من أوربا بما أن فريق غلط سراي لكرة القدم يلعب من أجل كأس أوربا. إذا طلبتم مني معرفة هل اسطنبول توجد في أوربا سأجيبكم بأن تنظروا إلى الخارطة لتعاينوا الأمر. لكن بكل جدية لسنا لحدود اليوم في المستوى المطلوب. من هذا المنطلق يتوجب على تركيا أن تكون ثقافيا قادرة على اللحاق بالديمقراطيات الأوربية في الاتحاد لكن دون القطع مع جوهرها الحقيقي. فرغبة تركيا في دخول الاتحاد الأوربي تطرح المشكل التالي: ماهي الثقافة الأوربية؟ هل هو الدين؟ هل هو التاريخ؟ هل هي الجغرافيا؟ أم هو شيء آخر؟ إن اسطنبول تنتمي تاريخيا و جغرافيا إلى أوربا، لكن السؤال الذي يجب علينا جميعا (الأتراك و باقي دول الاتحاد) الإجابة عليه هو : كيف نرى مستقبل أوربا؟ |
1 ملف مرفق .
- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا - |
* هل يستطيع المثقف العربي النجاة من السؤال السياسي؟
- لا.. إطلاقا سواء باعتباره إنسانا عربيا، أو باعتباره مثقفا عربيا، لا ينجو أبدا من الغرق في تفاصيل السياسية. وأنا أصاب بانزعاج شديد لأن معظم الكتاب الجدد في مصر يفتخرون بأنهم لا علاقة لهم بالسياسة إطلاقا، ويعلنون أن هذا شأن السياسيين وليس شأن المثقفين، وبالتالي لا علاقة لهم ولا اهتمام لهم بالسياسة، مع أنه – في تصوري – أن تعريف المثقف هو الإنسان الذي يتعدى إدراكه مشاكله الشخصية، يعني يكون مرشحا ليشعر بمشاكل الآخرين ويحس بهمومهم وبآلامهم ويعبر عنها وينفعل بها ويعتبرها همومه حتى لو لم يكن يعاني منها، هذا هو التعريف البسيط لكلمة مثقف، ومن لا يفعل هذا يفقد شرط من شروط أن يكون مثقفا. * لو حدث أن تورط المثقف، هل يمكن للنص أن ينجو؟ - أنا أيضا معترض عن كلمة "التورط" والنص لا بد أن ينجو إذا كان صاحبه يريد له أن يبقى، لأن الكتابة الآنية لا يبقى منها شيء، وربما يُغتفر للشاعر أن يتابع حدث آني بقصيدة شعرية، ليس لمذبحة دمشق التي كتب عنها أحمد شوقي، ولا الحرب اليابانية التي كتب عنها حافظ إبراهيم، لكن في كتابة النص الروائي لا بد أن يستند إلى شيء باق، شيء يبقى مع الزمن، حتى عندما يقرأ هذا النص شخص لم يعاصر هذا الواقع يستطيع أن يصل إلى النص بسهولة، أو شخص بعيد عن المكان الذي تمت فيه كتابة هذا النص. الكتابة شرطها الجوهري يتأتى من تحقق شكلها الفني، وليس لأنها تحتوي على هذا الهم أو ذاك. |
* عندما حصل ماركيز على نوبل سنة 1984 صرح بأنه أخذ منجزات القص من ألف ليلة وليلة وأنه لولا قراءته لها، ما كان قد أنجز ما أنجز. بعدها مباشرة تفطن جيلكم الذي كان مفتونا بالسطح إلى عمق هذا التراث، لكن للأسف عن طريق وساطة، فهل يحتاج كل جيل أدبي إلى كاتب مثل ماركيز ليهديه شهرزاده؟
- أنا أريد أن أحكي لك شيئا قبل أن نتحدث عن شهرزاد، عندما كتبت رواياتي الأولى في منتصف الستينات من القرن الماضي، كنا جميعا نفخر بأننا قرأنا البحث عن الزمن الضائع لمارسيل بروست ويولي لجوليس، ونعتبر أن قراءة هذين العملين هي جواز المرور إلى الكتابة الروائية، لكن بعد نكسة يوليو 1967، النكسة المدوية التي حدثت، حدث نوع من العودة إلى التراث كنوع من البحث عن أركان الذات وعن أشياء نستند إليها في معركتنا مع العدو الصهيوني، وفي هذه الأثناء أعدنا اكتشاف تراثنا، وأنا شخصيا اكتشفت في تراثنا سرد وحكي متقدم على الغرب نفسه يغني، فلو قرأت القرآن بعين الفنان ستكتشف أن في سورة يوسف وفي سورة مريم كل منجزات القص الحديثة التي جاءت من الغرب، المونولوج الداخلي، الجملة الاعتراضية، ضمير الغائب، ضمير المتكلم، ضمير المخاطب، ففي سورة يوسف تتجلى كل هذه الأشكال الفنية التي جاءت لنا من الغرب وسعدنا بها جدا، وأريد أن أقول أيضا أنه في سنة 1984 عندما حصل ماركيز على جائزة نوبل وصرح علنا أنه أخذ منجزات القص من ألف ليلة وليلة وأنه لولا قراءته لها مترجمة إلى لغته التي يقرأ بها، ما كان قد أنجز ما أنجز وأن الواقعية السحرية التي قدمها نابعة من ألف ليلة وليلة، هذا الكلام دفع أجيالا جاءت بعدنا لقراءة ألف ليلة وليلة، وأنا آسف لأننا عرفنا هذا التراث عن طريق الغرب، ويجب أن نعترف أيضا بحادثة أخرى مؤلمة، وهي أن ألف ليلة وليلة نشرت بالفرنسية قبل أن تنشر بالعربية، وأن نشرها العربي جاء بعد اكتشاف النص وترجمته إلى اللغة الفرنسية، لكننا جميعا أحفاد شهرزاد، والارتباط بتراثنا مهم جدا في أن نجد لغة قص عربية ونكهة عربية في القص والحكي وكتابة الرواية. * تعتبر أن هذا الجيل الجديد أكثر حظا منكم؟ - لا.. أنا مختلف معك، هو أتعس حظا منا، أنا عندي ابن اسمه أحمد يدرس دراسات عليا في كندا، أنا أنظر إليه بإشفاق، الكتاب الذين جاؤوا بعدنا لن يكونوا أسعد حظا منا، نحن مررنا بخيبات وويلات لكن ما ينتظرهم مجهول، لا أدري إلى أين يمكن أن يقود الأشياء، يعني المدونات على الإنترنت خطر يهدد الكتاب، وضع الكتب على الإنترنت خطر يهدد الكتاب المقروء، هذا الإعلام الرهيب وهذه الفضائيات الرهيبة التي تملأ السماء العربية لا تخدم الثقافة، لكنها تشكل خطرا حقيقيا عليها، أنا لا أعرف شكل المستقبل الآتي، لكني أعتقد أن الوجدان، الكتابة والمعاني المجردة التي جرينا وراءها وحلمنا بها معرضة للخصخصة، وبالتالي أنا أعتقد أنه ينتظرهم مستقبل قد يكون ما عشناه نحن بويلاته وآلامه أفضل بكثير من الآتي. |
هل المستقبل للرواية، وما رأيك في مقولة "الرواية ديوان العرب"؟
- أنا موافق جدا على هذا الكلام، أنا أريد أن أقول أن الرواية ديوان العالم وليس العرب فقط، بمعنى أن أكثر الكتب نشرا وقراءة هي النص الروائي، ليس لأني روائي ولكن عندما أعرف مثلا أنه في فرنسا وحدها صدر سنة 2006 أكثر من 600 رواية، يعني بواقع روايتين في اليوم وأن حوالي 180 رواية منهم تنشر لكتاب يكتبون لأول مرة، للأسف لا توجد عندنا مثل هذه الإحصائيات في الوطن العربي، لكن أعتقد أن الرواية هي الفن الأول والجوهري والأساسي، ليس في مصر، ولا في العالم العربي، ولا في العالم الإسلامي وفي العالم الثالث، ولكنها على مستوى العالم * كيف تفسر ظاهرة لجوء الشعراء العرب للرواية، هل هو موسم الهجرة إلى الرواية؟ - محمود درويش قال لي أنه يكتب رواية اسمها "البيوت" تدور حول البيوت التي سكن بها وعاش فيها، سميح القاسم يفكر في كتابة نص روائي، محمد عفيفي مطر انتهى من كتابة مجموعة قصص قصيرة للأطفال ويكتب نصا روائيا الآن، سعدي يوسف كتب نصا روائيا، محمد القيسي له نص روائي كتبه قبل أن يموت، وهكذا الكل يجري وراء النص الروائي، علما بأنني أعتقد بأن القصيدة الروائية التي تحافظ على الشكل الشعري وتحكي وتسرد، ربما كانت أفضل من أن يترك الشاعر النظم أساسا من أجل أن يكتب نصا روائيا، كان يمكن أن يكتب نصا مفتوحا يمكن أن يكون رواية ويمكن أن يكون قصيدة في نفس الوقت. * هل أصيب الموضوع الشعري بالعجز وصار معقدا إلى هذا الحد؟ - ليست عاجزة، أنا سمعت من المنصف المزغني – باعتباره معنا الآن – في العراق منذ سنوات قصيدة سردية كان عنوانها "عياش" أعتقد أنها سرد حقيقي وأنها نص روائي، وأنه لو ابتعد قليلا عن القصيدة ودخل قليلا إلى الرواية كانت أصبحت نصا روائيا كاملا ومتكاملا. * هل سرق منكم نجيب محفوظ قراء وحجب عنكم أشياء كثيرة؟ - لا.. أنا لا أوافقك، لأنه توجد دعوى مثارة في مصر من سنة 1968 تقول أن نجيب محفوظ أصبح عقبة أمام الروائيين العرب، وهذه الدعوى تقوم على نظرية تقول أنه في أعقاب كل روائي كبير مثل تولستوي، مثل تشيكوف، مثل دستوفسكي، مثل بلزاك.. أنه في أعقاب كل روائي كبير تأتي فترة من التدهور في الكتابة الروائية، إلى أن يأتي كاتب كبير بعد قرن من الزمان، وهي دعوى مغلوطة، لأني أعتقد أن نجيب محفوظ لم يحجب عنا شيئا ولم يأخذ منا قراء إطلاقا، ونحن لنا تواجدنا، لكنه ليس بشهرته وكثافته، وفقط ما أقوله عن محفوظ أن نوبل التي حصل عليها سنة 1988 لم تتحول إلى نوبل للأدب العربي مثلما كانت نوبل التي حصل عليها ماركيز سنة 1984 وأصبحت نوبل للأدب المكتوب باللغة الإسبانية، يعني أصبحت نهضة حقيقية لرواية أمريكا اللاتينية، والفارق الأساسي بين حالة محفوظ وحالة ماركيز، أن ماركيز جزء من الغرب لكن نجيب محفوظ الآخر، والآخر هذه هي مشكلته الأساسية. |
* هل تعتقد أن هذه الجائزة العالمية أصبحت مشبوهة ومغلوطة، وبالتالي السؤال عن القيمة الحقيقية لهذا النص المتوج أو ذاك؟
- طبعا واضح جدا، الكاتب الأخير الذي حصل عليها هو التركي أورهان باموك وكان في زيارة لمصر منذ أيام وأنا قابلته مرتين وهو كاتب جيد ودؤوب وله انجاز روائي، لكن الجوهر في سبب حصوله على الجائزة هو موقفه من مذبحة الأرمن التي تمت إبان الحرب العالمية الأولى في تركيا، والأرمن مسيحيون وجزء من أوروبا، وتعرضوا للإبادة من تركيا، وتصديه لهذه القضية، وباموك لم يتصدى لها روائيا بمعنى لم يكتب روايات عنها، هو تصدى لها بتصريحات صحفية إثارية، لكن هذه هي حجر الزاوية في حصوله على الجائزة، الجائز طبعا أنا متأكد أن هناك دوافع سياسية تحركها، لكن بالنسبة لنجيب محفوظ أنا أعتقد أنه يستحق الجائزة التي حصل عليها في اليوم الذي كتب فيه الكلمة الأخيرة في ثلاثية بين القصرين سنة 1950، يستحق الجائزة فعلا بعيدا عن السياسة. * هل يمكن أن ينزع أحد الكتاب العرب منزع باموك ويصرح تصريحات قد تكون خطيرة العواقب من شأنها أن ترفع أسهمه لدى البيت الأبيض السويدي؟ - أتوقع هذا، أتوقع كتابة روائية تغازل نوبل، مثل التركيز على الأقليات العربية مثل المسيحيين أو النوبة أو الأرمن أو الأكراد، أتوقع كتابة فلكلورية موجهة للغرب، أعتقد أن تكون هناك تصريحات نارية بهذا الشكل، أعتقد ستظهر الشخصيات الإسرائيلية أو الصهيونية كثيرا في المشهد الروائي العربي بحثا عن مثل هذا الرواج، وأتوقع أيضا أن هناك كتاب سيكتبون من أجل الترجمة، كما أعتقد أن هناك زيادة مطردة في ستحصل في أعدد العرب الذين سيكتبون بلغات غير اللغة الأصلية، أعتقد أنه ستظهر كتابة ناتجة من خطة خلفية من أجل الحصول على جائزة نوبل في السنوات القادمة. * لماذا انحرفت الجائزة، ألم يكن أدونيس المرشح الأقرب؟ وهل فعلا أدونيس يستحقها؟ - أدونيس يستحق الجائزة وغيره كثيرون من المبدعين العرب، لكن أعتقد أنه يكون هناك قرار مسبق، أعتقد في سنة حصول محفوظ عليها كان هناك قرار أن تمنح لعربي، أن تمنح لشخص يكتب باللغة العربية، أو أن تمنح لمسلم، أعتقد أن أدونيس دخل في دائرة التصفيات الأخيرة لأني قرأت هذا الكلام على لسان سكرتير الأكاديمية، لكن الجوائز لا تعبر عن ضمير أدبي حقيقي في جميع الأحوال، وتحدث تداخلات كثيرة، الأدب آخر تجلياتها عند منح الجائزة لهذا الكاتب أو لذاك. * اللهفة التي أصابت بعض الكتاب لترجمة أعمالهم إلى لغات أخرى مهما كان اسم المترجم، ومهما كانت ظروف الترجمة، ومهما كان ثمنها، هل يحط ذلك من قيمة النص العربي أصلا؟ - تماما.. أنا قلت لك أنه من توقعاتي السابقة أنه قد يكتب كاتب من أجل الترجمة، وهناك نصوص تصدر دون ذكر أسماء، هناك نصوص تقدم لمترجمين وهي مخطوطة قبل أن تنشر باللغة العربية، ثم تترجم وتصدر بلغات أجنبية قبل ان تصدر بلغتها الأصلية، وهذا ضد قانون الترجمة، لأن الترجمة تقوم على ترجمة نص أثبت وجوده في لغته وبيئته الأصلية ثم يترجم بعد ذلك، الآن يحدث العكس، واللاهثين وراء الترجمة الذين يقيمون في العواصم الأوروبية أكثر مما يقيمون في بلادهم، هؤلاء لا يعنيهم سوى أن يترجَموا بصرف النظر عن أي اعتبار آخر. وأنا أرى أنها هوجة لن يبقى منها شيء لأن القضية الأساسية مثلا أنا سافرت لندن وباريس وموسكو وطوكيو من أجل أن أحضر حفلات توقيع لكتبي المترجمة، وقد سألت سؤالا محددا للناشر، هذه الكتب التي تترجم هل تطبع منها طبعات شعبية؟ قال لا، سألت سؤالا آخر: هل يقرأها راكب المترو؟ قال: لا. وقال لي أنها في معظمها موجهة إلى دارسي الأدب العربي والمهتمين بالحضارة العربية والمهتمين بالتجربة العربية بعيدا عن القارئ العادي الذي يقرأ النص للمتعة، وأنا أعتقد أنه من النادر أن تصدر طبعات شعبية لكتاب عرب، وأن هذه الترجمات كلها لا تخرج عن نطاق دارسي الأدب والباحثين عن الأدب في أي مكان في العالم. |
أنا أتساءل معك: ما قيمة الترجمة لكاتب لم يقنع حتى في قومه؟
- لا قيمة لها، ولكن هناك كتاب ينفقون على ذلك الشيء الكثير، وهناك أنظمة حكم عربية أنت تعرفها كما أعرفها تنفق على كتابها بسخاء من أجل أن يترجَموا بصرف النظر عن هل هم موجودين في واقعهم أم لا؟ وهل هم مؤثرين في بلدهم أم لا؟ وهل لهم دور في مجتمعاتهم أم لا؟ والهدف هي الترجمة فقط، وهي تشكل حالة من الهوس الحقيقي عند كثير من الكتاب، وأنا أنظر لهم بسخرية شديدة جدا. الحمد لله أنا فقير ومن بلد فقيرة، لا أنا مستعد أن أنفق على ترجمة كتاب لي، ولا مستعد أن أسافر على حسابي الخاص، لا أستطيع حتى إذا أنا رغبت. وأيضا لا توجد حكومة مصرية مستعدة أن تلعب دورا من أجل ترجمة أعمالي، لأن أعمالي ضدها. وبالتالي فالحمد لله أنا خارج هذا المزاد الرهيب الذي يسيء كثيرا للأدب العربي المعاصر. * المجتمعات العربية لا تقل غرائبية وسحرية عن مجتمع أمريكا اللاتينية، هل عجز الكاتب العربي على كتابة هذا المهرجان التراثي المتأصل أم أننا نفتقد إلى كاتب عربي مثل ماركيز لنستدل به على تراثنا وحضارتنا؟ - لم يعجز أبدا، فالمرآة التي تطير موجودة في ألف ليلة وليلة، الرجل الذي يتواجد في مكانين في وقت واحد موجودة في ألف ليلة وليلة، هذه الغرائبية السحرية موجودة في قصص القرآن نفسها، موجودة ويكتبها كتاب عرب معاصرون. لدينا من يكتب هذا ولدينا كتاب أهم بكثير من ماركيز، لكن المجتمع العربي لم يعد حاضنا لمواهب أبنائه وكتابه مثلما كانت تجربة مصر في الستينات. * هل يمكن لواقع مثل واقعنا أن يفرز "الكاتب المؤسّسة"؟ - هذا غير موجود في مجتمعنا، نجيب محفوظ حتى وفاته لم يكن له سكرتير، عندما أتى باولو كويهلو إلى مصر كان معه 18 شخصا مرتبطين به، لدرجة أني أسميتها قافلة كويهلو، كان معه سكرتيرة خاصة، كاتب سيرته الذاتية، مخرج يخرج فيلم عنه، هذه تجربة لا بأس بها، أن يكون معك من يحمل عنك بعض الأعباء لكي تتفرغ للكتابة، لكن للأسف هذه غير موجودة في الوطن العربي، وأنا روايتي الأولى أصدرتها سنة 1969 يعني 38 سنة ومع ذلك مازلت أكدح من أجل أن أعيش، وما زلت أعيش من عائد عملي الصحفي وليس من عائد نشر أعمالي الأدبية، فالكاتب المؤسسة لم نعرفه بشكل متوسع في واقعنا، فأنا لا أخشى من فكرة المؤسسة. * تراوح في الكتابة بين الرواية والقصة والمقالة، في أي موضع إبداعي يمكننا نتحسس روح يوسف القعيد؟ - أنا كاتب روائي بالدرجة الأولى، وأكتب القصة القصيرة في الاستراحة بين روايتين، أنا لا أدعي أني كاتب قصة قصيرة، أنا روائي، أعبر عن نفسي بالرواية وأحيانا أكتب القصة القصيرة، ولذلك تجد أن عدد رواياتي يفوق بكثير عدد مجموعاتي القصصية وأستريح جدا عندما أكتب واقع طالع من القرية المصرية، وأضيق ذرعا بالمدينة. أستريح جدا عندما أكتب رواية، وتقل هذه الراحة كثيرا عندما أكتب قصة قصيرة. * المقالة الصحفية اليومية تقريبا هل تأخذ من النص الإبداعي؟ - أبدا، كل الأدباء لديهم إجابة جاهزة، يقول الصحافة سرقتني من الأدب، ولو لم أكن صحفيا كنت صرت أديبا أحسن، أنا أقول أن الصحافة خدمت الأدب كثيرا بالنسبة لي ومكنتني من رؤية كل شبر في مصر، ومكنتني من التنقل وأعطتني الوقت الكافي للقراءة والكتابة بشرط أن ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وأنا أفعل هذا بدقة شديدة، أن أخصص وقت للكتابة الصحفية مرة في الأسبوع وأنتهي منها بسرعة، لكن الجوهر بالنسبة لي هو ما أكتبه أدبا، وهذا ما أنشره في الكتب وأسعى إلى نشره. وأعتقد أن هذا ما سيبقى مني وليس الكتابة الصحفية التي تكتب بمنطق "أكل العيش" أو مورد الرزق أو وسيلة حياة. رهاني الأساسي هو كتاباتي الأدبية وليست كتاباتي الصحفية. * بمنطق "أكل العيش" هل يمكن أن تجمع في يوم ما كتاباتك الصحفية بين كتفي كتاب؟- غير وارد بالنسبة لي، أو ممكن أفعل ذلك، يعني ليس لي موقف من هذه القضية. لكن الكتابة الصحفية مثل كتابة السيناريو للتلفزيون أو للسينما، يدخل فيها الإنتاج، يعني أنا مقالتي الصحفية تصدر في جريدة لها سياسة وتوجه ويمكن أن يتدخل رئيس التحرير، ودعك من كل دعوة من دعاوي الحرية في الوطن العربي لأنها كلها دعاوي كاذبة في كل أنحاء الوطن العربي ولا أستثني أي دولة منه، لكن الكتابة الأدبية مختلفة، عندما أكتب أدبا لا أعبأ بأي شيء ليس معنى هذا أني في الصحافة أنافق لكن عندما أكتب لا أكون حرا بالقدر الذي أكون به عندما أكتب نصا أدبيا. |
هل يؤمن يوسف القعيد بروائية أبناء جيله؟
- طبعا.. أؤمن جدا وأؤمن بالأجيال التي جاءت بعدنا. * هل ثمة أسماء مختلفة عن البقية؟ - من جيلنا هناك جمال الغيطاني، لديه تجربة مهمة جدا في استوحاء التراث، استوحاء السرد، استوحاه من كاتبين مؤرخين، لكنهم لو عرفوا معنى كلمة رواية في زمانهما لكانوا قاموا بانقلاب في تاريخ كتابة الرواية كلها كابن إياس الذي أرخ لمرحلة المماليك في مصر.. من الأجيال التي جاءت بعدنا، هناك كاتبة اسمها أمنية زيدان، كاتبة مهمة جدا تكتب نصا روائيا فيه إضافة، وهناك روائي شاب اسمه حسين عبد العليم كاتب له أهميته وله تفرده وأنا شخصيا أتابعهم باهتمام وأيضا أتابع الرواية العربية بقدر وصولها إلينا. هناك في تونس حسن بن عثمان، آخر نص قرأته له اسمه "شيشخان" نص مهم، وطبعا محمود المسعدي الذي اشتهر كثيرا لأن الدكتور طه حسين كتب عنه مقالا نشر عندنا في مصر، وأتابع بقدر كبير الكتابة الروائية في الوطن العربي بقدر وصول الكتاب، لأن الكتاب العربي ينتقل من قطر عربي إلى آخر بصعوبة شديدة، هذا إذا انتقل طبعا. * ألم يتراجع دور مصر ثقافيا، وسحب منها البساط لصالح – ما تسمونه أنتم – الأطراف؟ - لا.. مصر تراجع دورها السياسي كثيرا منذ أن وقع السادات على كامب ديفيد، وأقام صلحا منفردا مع العدو الإسرائيلي، وأثر ذلك كثيرا على دورها الثقافي، لكن مازال هناك إبداع أدبي في مصر جيد وممتاز رغم تردي الوضع السياسي، أيضا أنا من المؤمنين بأن الأطراف، وأنا ضد هذا التعبير تماما، تأخذ دورها، حتى لو سحبت البساط. أنا سعيد بهذا لأنهم أشقاء ويكتبون بنفس لغتي ويطرحون نفس همومي ويشعرون بكل ما أتألم به، وأنا سعيد بهم جدا. * يعاني الكاتب المغربي نظير شقيقه المشرقي من الغبن والتجاهل، ليس من الإعلام فحسب، بل من الكتاب المشارقة أنفسهم؟ - لا تصل كتبهم إلينا، وإذا وصلت في مناسبة مثل معرض الكتاب، تصل غالية جدا، أسعار فلكية، يعني كتاب بخمسين جنيه، من يشتريه؟ المشكلة في عدم التواصل وعدم وصول إنتاجهم إلينا، لكنه لو أتى إلينا، لو طبع في مصر، سنحتضنه، ولا تنسى أن رموز الثقافة العربية في النصف الأول من القرن العشرين، وإلى حد ما الربع التالي، كانوا كلهم صناعة مصرية، وكانوا كلهم ينشرون في المجلات المصرية، وينشرون كتبهم في مصر. هذه العادة تراجعت، وبالتالي لا نعرف عنها أي شيء. * أبو القاسم الشابي مثلا اشتهر في المشرق؟ - طبعا، لأنه نشر في مصر وكان مرتبطا جدا بمصر، ولو لم ينشر – وهذا ليس من باب الشوفينية المصرية – لو لم ينشر الشابي شعره في مصر ما عرفه العالم العربي بهذه الكثرة وما ردّدت أشعاره عن الحرية بهذه الطريقة التي تمت بها عبر مصر. * هل على الكاتب أن يقيم في مصر ليشتهر؟ - لا.. ينشر في مصر لا أقصد الإقامة بل النشر، هذه مسألة مهمة. نرجو أن نعود لها مرة ثانية، مصر مقصرة في حق الأشقاء العرب وهم أيضا مقصرين في حق مصر لأنهم يفضلون بيروت علينا الآن، لأسباب كثيرة ومتنوعة ولا أريد الدخول فيها، لكن يوجد تقصير مصري أنا معترف به، وأيضا هناك تقصير عربي لا بد أن يعترف به الأشقاء العرب ولا بد أن يتلافوه. * كيف تفاعل يوسف القعيد مع الأحداث الأخيرة في لبنان؟ - أنا مؤمن بمبدأ يقول عدو عدوي حليفي، حسن نصر الله مسلم وعربي، نصر الله وقف ضد إسرائيل 34 يوما، وهذه مسألة أنا شخصيا فخور بها، بصرف النظر عن كثير من تجاوزاته داخل لبنان، هذه مسألة تخص الشعب اللبناني الشقيق لكن أنا سعيد بأن جيشا عربيا وقف ضد العدو الإسرائيلي 34 يوما، الباقي تفاصيل أنا لست طرفا فيها، ليست مسألة أني أنا متعب أو غير متعب، لكن أنا سعيد. طبعا ما يقوم به حسن نصر الله مؤخرا في الدعوة إلى عصيان مدني أنا ضده، لكن أقول أن هذه مشكلة لبنانية داخلية ممكن أن يتصرفوا فيها مع بعضهم. * وماذا عن أشباه المثقفين الذين هرولوا لتمجيد إسرائيل؟ - خونة، خونة، خ..و..ن..ة.. * هل أنت متفائل بمستقبل الرواية العربية؟ - لا لست متفائلا، أنا مشغول جدا بقضية تراجع القراءة في حياتنا، مشغول بلا حدود بهذه القضية. * ما رأيك في مقولة "الحداثة المزعومة"؟ - رأيي الشخصي أن الكتابة في العالم كله والعالم العربي جزء منه، داخلة على ما يسمى بالنص، الذي يكون فيه قص وشعر ودراما وبداخله كل تجليات الكتابة، أنا رأيي أن هذا هو مستقبل الكتابة القادم شئنا أم أبينا وبالتالي أعتقد أن الكتابة تسير في هذا الطريق حتى وإن لم ندرك نحن هذا وإن لم نستوعبه. * عل ذكر "النص" في آخر كتاب لدرويش أشّر على غلافه كلمة "نص"؟ - هذا هو مستقبل الكتابة العربية كلها، الرواية والقصيدة والنص المسرحي والدراما.. سيكون هناك النص الذي يحتوي بداخله كل أشكال الكتابة المختلفة. * الحداثة، هل هي نص أم سلوك؟ - الحداثة هي سلوك وليست نصا، وللأسف الشديد الحداثة فهمت خطأ مثلما فهمت البنيوية في النقد خطأ عندنا، الحداثة أن ترتبط بمجتمعك أكثر، أن تعبر عنه، أن تصير ضميره، أن تصير لسانه المعبر، أن تصير صوت من لا صوت لهم، لكن للأسف الشديد الفهم العربي للحداثة فهم خاطئ لأنه يرى أن الحداثة هي الإيغال داخل الذات والإطلال داخل النفس والبعد عن الجماهير، ويعتبرون الجماهير جريمة، لكن أنا رأيي أن هذا مفهوم خاطئ للحداثة، والحداثة لا تعني معاداة الجماهير كما يفهم الكثير من المحدثين العرب. * هل ثمة كتاب -في فترة من فترات حياتك- أثر في توجهك الأدبي والفكري؟ - لا أنا ضد هذا.. ممكن أن أقول لك ألف ليلة وليلة لكن بمعنى أنه ساعدني على تأكيد اتجاهي أكثر من تغييري، الإنسان الذي يمكن أن يعيد إنتاج نفسه لأنه قرأ كتاب، أعتقد أنه غير صادق. بخصوصي ألف ليلة وليلة والقرآن الكريم، وأنا لا أقول القرآن نفاقا للإسلاميين، إطلاقا، أنا أقول القرآن بطريقة تغضب الإسلاميين لأنه عندما أتكلم عنه كنص قصصي يغضبون جدا ويعتبرون أ، هذا إبعاد للقداسة عن القرآن، لكن ساعدني على تأكيد اتجاهي لكنه لم يؤدي إلى تغيير هذا الاتجاه تغييرا مطلقا، من يقرأ كتابا فيصبح إنسانا آخر لا أعتقد أنه صادق. |
حوار مع الروائي البرازيلي باولو كويهلو |
"لست وحيدا في هذه الحياة.. إنني قادر على أن أحب الناس ولو لم أكن قادرا على أن أتكلم لغتهم. لقد تألمت كثيرا ليس فقط من وجودي في المحتشد، فلقد عرفت أيضا مستشفى الأمراض النفسية على إثر تجربة عاطفية جارفة، وقد اعتبروني مجنونا، واكتشفت هناك كيف يكره الإنسان الإنسان، وعملت فيما بعد على أن أحارب هذه الحالة حتى لا يعيش الإنسان الإهانة. كما أني أحارب الظلم، فمنذ 1982 وأنا أدعو إلى عدم الزج بالإنسان في المحتشدات.. إنها جريمة.. أبدا لا يجب أن تتكرّر.. كلّ هذه التجارب في حياتي جعلتني أؤمن بأن الإنسان قادر على أن يكون مسؤولا عن الآخرين فطفقت أكتب.. وأكتب حتى اكتشفني الآخرون وأصبح صوتي مسموعا". بهذا البوح استهلّ الكاتب البرازيلي باولو كويهلو حديثه معنا مستلهما سيرة حياته وسجنه ومرارته وتجربته مع الجنون والمصحات النفسية وآرائه حول الموت والحياة والوطن والغربة والشرق والغرب. ولد باولو كويهلو سنة 1947 بريوديجانيرو في عائلة متوسطة وكان والده «بيدرو» يعمل مهندسا، في حين تهتم والدته "ليجيا" بأمور البيت. زاول تعليمه بالمدرسة المسيحية بسان أنياسيو بريو وسرعان ما نحت لنفسه روحا ثورية متمردة على الأساليب التعليمية الصارمة التي ينتهجها الرهبان، كما شهدت تلك الفترة ظهور ميولاته الأدبية ،
وفي السابعة عشر من عمره قرر أبوه وضعه في مستشفى الأمراض النفسية فكانت تلك التجربة مادة لروايته «فيرونيك تقرر الموت» خلال سنوات الستين التي شهدت انفجار التيار العالمي «الهيبي» وانطلاق ثورة فكرية عارمة طلب الملحن والمغني «رول سيكساس» من «باولو» أن يوحدا عملهما فأصبح الناطق بلسانه وتواصلا معا إلى سنة 1976 حيث حققا معا نجاحا هاما وساهما في تغيير وجه ساحة «الروك» البرازيلية. ولكن مختلف الأنشطة التي قام بها باولو بتنسيق كامل مع رول سيكساس كانت تتراوح بين العمل الصحفي والموسيقى والصور المتحركة فلم تلق قبولا في ظل الحكم الديكتاتوري المسيطر في البرازيل آنذاك والذي اعتبرها أعمالا تخريبية وهدامة فكان مآل «باولو» نتيجة ذلك السجن وخضع إلى التعذيب. لكنه استعاد حريته بفضل ملفه النفسي السابق الذي أدرجه ضمن المجانين وكان ذلك عاملا ساعده على مغادرة السجن. بعد تجربة السجون والمصحات العقلية بدأ كويهلو العمل في مؤسسة بوليغرام أين التقى بزوجته الأولى. لكن هذه الفترة لم تدم سوى عدة سنوات إذ قرر سنة 1978 مغادرة العمل ليرحل إلى مخيم داشوا حيث استعاد قدراته الأدبية ورغبته على ممارسة الكتابة فمثلت تلك الفترة منعرجا حاسما في حياته والتزامه الأدبي كما صالحت بينه وبين الكاثوليكية. فسلك الطريق القديمة للحج إلى «سان جاك دي كومبو ستال» صحبة «كريستينا أوتيسيكا» رفيقته الجديدة التي أصبحت في ما بعد زوجته واكتشف هنالك عديد الأسرار داخله والعالم المحيط به فكانت بمثابة الأفكار الرئيسية لكتابه الأول «حاج كومبوستال» الذي يعتبر بداية ظاهرة «باولو كويهلو» وهذا الكتاب الأول تولت إصداره دار نشر صغيرة برازيلية وسحبت منه تسعمائة نسخة ثم باعت منه إلى يومنا هذا ثلاثة وأربعين مليون كتاب وزع في مائة و أربعين بلدا وبخمس وخمسين لغة. وفي سنة 1999 قامت مجلة «لير» بتحقيق كانت نتيجته أن «باولو كويهلو» هو الكاتب الثاني في العالم من حيث مبيعات مؤلفاته. ثم رواية «الكيميائي» التي أحدثت نجاحا باهرا في العالم يوازي النجاح الذي حققته رواية «الأمير الصغير» لأنطوان دي سانت كسيبري أو رواية «النبي» لجبران خليل جبران ومنذ ظهورها أصبح لهذا الكاتب رصيد يعد بملايين القراء في العالم تمكن من شد اهتمامهم بمختلف المواضيع والأفكار التي يطرحها والتي تجسد روحانيات الإنسانية وشغفها الدائم وطوقها إلى الحياة بأسلوب بسيط وممتع. له أيضا مؤلفات أخرى عديدة إلى جانب «الكيميائي» حيث أصدر «الجبل الخامس» و«الشيطان والآنسة بريم» «إحدى عشر دقيقة» و«على ضفة نهر بيادرا جلست وبكيت» وغيرها من المؤلفات التي بيع منها في فرنسا وحدها سبعة ملايين وخمس مائة ألف نسخة. |
* كيف يصبح كاتبا ما مختلفا؟
* "وجدت وأنا أكتب في بداياتي أن الروايات هي نفس القصص التي تتردّد، هي قصص الحب، وقصص الحرب، وقصص العلاقة بين الإنسان والقوة والسلطة، وقصص السفر والرحلات. لقد حلمت دائما بأن أكون كاتبا.. ولمّا أصبحت كذلك ازددت تعلّقا بالكتابة الأدبية وبأهميتها ولم يكن من قبيل الصدفة أن يحب الناس الأدب وأن يتعلقوا به. ** يلاحظ القارئ في مجمل أعمالكم اشتغالكم الدائم على الروحانيات وسبر أغوار الذات البشرية الدفينة وخاصة تطعيمها بعبق سحر الشرق، فهل تجيز لنا الادعاء بأنّنا في مجمل أعمالكم نشتمّ بشغف رائحة الشرق المذهلة؟ * لقد أصبحت مبهورا بالوطن العربي وكانت البداية بمدينة طنجة في المغرب، ثم اطّلعت على قصص "ألف ليلة وليلة" التي أعتبرها الأصل في الكتابة الروائية في العالم.. واكتشفت التصوّف الإسلامي.. وقرأت الكثير من النصوص، لن أحسّ بالنقص إذا ما قلت بأني متأثر جدا بثقافة الشرق وآدابه. وإني لا أبالغ إذا قلت بأن الإنسان الذي لا يقدر على أن يحب الشرق يعني أنه بلا قلب. اكتشافي الأول للحضارة العربية الإسلامية كان من خلال العرب المقيمين في البرازيل، ثم طورت معرفتي من خلال قراءة الأدب العربي مثل كتاب ألف ليلة وليلة إضافة للأدب الصوفي مثل كتابات جلال الدين الرومي إلى جانب اطلاعي على النصوص الدينية. ولمّا مارست الكتابة وجدت أن ثقافتكم في أعماق قلبي وتظهر طبعا في تلافيفها.. لقد أحببت الشرق بعمق. |
** فماذا عن الادّعاءات التي يروّجها البعض بإعلان نهاية ثقافة الشرق ومواتها؟
* أبدا.. إن ثقافة الشرق هي نفسها ثقافة الحب والشوق فاليوم أنت تقف على أطلال قرطاج، إنّك لا تقول بأنها انتهت، لأنها في القلوب وتاريخها يسري في الذهنية والوجدان الإنساني. الشرق هو الشرق لا ينتهي ثقافيا لحدوث المتغيرات التي كثيرا ما كان الغرب هو المتسبب فيها.. وهو الذي يصنع الآن الصورة التي يريدها عن الإسلام وعن العرب. ** عن أيّة صورة نتحدّث ؟ هل تقصد شرق الموت والخوف والرعب؟؟ * لا يوجد شرق الرعب.. إنما هذه الصفة القذرة توجد في الصحافة الغربية، وكل شيء بدأ على إثر الهجوم على نيويورك وقبيل الحرب على العراق واحتلاله. الشرق لم يتغير رغم الحروب إن الصحافة الغربية هي التي تخلق صراع الحضارات ومن هنا يأتي دور المثقف والأديب والفنان لتجاوز الحروب فالشرق لم يتغير كما أن الأشخاص هم نفسهم.. غير أنني لا أستطيع أن أوقف غزو العراق لكنني أستطيع أن آمل وأن أحارب من أجل قيمي. ** هذه الصفة توجد أيضا في الروايات والكتب والأشعار، فهل تخلّى الأدب الغربي عن ضميره ورسالته الحضارية وأوكل مهامه إلى الصحفيين؟ * الأدب رغم أنه لا يكون بعيدا عن الأحداث لا يجب أن يتورط في ما يصنعه الآخرون ضد الإنسانية، علينا أن نفهم هذه الحقيقة، فالأدب يبحث عن إنسانية الإنسان ويصف الحب ويدافع عنه ويشرب من ثقافته والشرق بالتالي مازال عندي جميلا وزاخرا بالروحانيات المفيدة للإنسانية في هذه التحولات الكبرى التي تعيشها البشرية. ** إذن، قد يلوذ الكاتب بالفرار كلّما أحسّ بخطر يستهدف وجوده البيولوجي وكيانه الضيق؟ * ما زلت مرتبطا بكل ما يجري في العالم، أعتقد أن السياسة تكمن في كل شيء وأساسا في الكتابة. ** ماذا يمكن لكاتب واسع الشهرة أن يقدّم للبشرية، ماذا يمكن أن يغيّر في هذا العالم بالكتابة، ماذا قدّمتم أنتم بالكتابة؟ * أعرف أني لا أستطيع أن أغير شيئا كثيرا في هذا العالم لكني متفائل بالكتابة، أعرف أني لا أستطيع أن أمنع حرب العراق رغم أني كنت ولا زلت ضدها، أعرف أني لم أمنع التعذيب والمحتشدات ولكني مع ذلك أكتب وأناضل وأقاوم. وإن كنت لا أقدر أن أغير الكثير بالكتابة فإني مقتنع بضرورة فعل شيء ما فتحرّكت في محيطي وأسست معهدا يحمل اسمي في الحي الذي أقطنه وهذا المعهد يقدم بعض الخدمات الثقافية والاجتماعية التي تسعدني. ** في أقصى حالات العجز والوحدة يُسأل الكاتب عن حياته هو، عن أسطورته الذاتية، فهل نسألك عن " الكيميائي "مثلا؟ * في إحدى أحرج فترات حياتي.. وكنت وقتها غريبا مشردا أكاد أن انهار.. أمدتني هذه الرواية بقوة الأمل.. كنت أقرأها منشورة مسلسلة في مجلة أسبوعية، وفي كل أسبوع تمدني شحنة أمل وشجاعة لتحقيق أسطورتي الذاتية، أي رسالة الحياة.. تشجعت حتى وصلت إلى الشاطئ الأمريكي، شاطئ الحرية حيث أكتب الآن.. |
* لا أنفي رغبتي في الحصول على جائزة نوبل للأدب لكن الأمر طبعا ليس بيدي خاصة وأن الجائزة كانت دائما لغزا.
** كنت من أبرز معارضي الحرب على العراق فقد كتب رسالة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش للاحتجاج على احتلال العراق تحت عنوان "شكرا سيد بوش"؟ * بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول فقدت السيطرة على الأحداث وعمت الفوضى بعد غزو العراق، فلا فائدة من الكتابة عن الحرب لأن قادة الحرب لا يسمعون أصوات دعاة السلام. ** على غرار معظم الكتاب الكبار تم استدراجك روائيا إلى الشاشات الكبيرة لكننا إلى الآن لم نشاهد لك فيلما واحدا بعد كل هذا الزخم الإبداعي، فهل تفسّر ذلك بعدم قابلية نصوصك الروائية إلى الترجمة البصرية؟ * إن حبي للأدب وللكتابة جعلني أفرق بينه وبين السينما فأنا أحب السينما ولكني مع ذلك كثيرا ما أخرج من قاعة السينما منزعجا إذا كان الفيلم مأخوذا من رواية، فالسينما مهما فعلت لا تستطيع أن تعبر بدقة عمّا ذهبت إليه الرواية. ومن هنا سحبت الرواية التي كنت قد تعاقدت بها مع هوليود على إخراجها سينمائيا، ففي البداية كنت مبهورا بالسينما وأبهرتني هوليود لمّا استقبلتني بالسجّاد الأحمر ولكني لما اكتشفت عدم قدرتها على نقل روح الكتاب تراجعت. ** ماذا عن الذاكرة ؟ ما هي اللحظة الأصدق التي تتمثلها الآن في علاقتك بالشرق؟ * في مصر سألت مرافقي العربي لحظة وقوفنا أمام الأهرامات أن يقول جملة ما بالعربية لأرددها، فرددت ما علمني وقلت: أهدنا الصراط المستقيم! و لم أزل أسأل الله ليستجيب فيهديني وأسير طريقا يسيرا مستقيما في ما أكتب تحية له و لمن وجّه له الدعوة. ** لكل شعب ختمه السري ورموزه الخاصة، في تقديرك ما هو المفتاح السري لكل شعب؟ * إذا أردت أن تعرف روح شعب فاقرأ رواياته وقصصه، اقرأ أدبه عموما. |
- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا - |
أجرى الحوار: ريتشارد فيسر R.Wisser
ترجمه عن الألمانية: إسماعيل المصدق نقدم فيما يلي ترجمة للحوار الذي أجراه ريتشارد فيسر مع هايدجر لفائدة إحدى قنوات التلفزة الألمانية ونشر في إطار مؤلف جماعي تحت إشراف ريتشارد فيسر عن دار النشر Karl Alber، فرايبورج، ميونيخ 1970، ص: 67-77. وقد ألحقنا بالنص عدة هوامش، إما لتفسير الترجمة العربية لبعض المصطلحات والتعابير أو لتوضيح بعض القضايا والأفكار التي وردت في الحوار. والحوار يتناول قضايا هامة مثل: الفلسفة والمجتمع والفلسفة والتقنية، والفلسفة والكائن الخ. |
فيسر:
السيد الأستاذ هايدجر! هناك في زماننا أصوات ترى أن تغيير العلاقات الاجتماعية هو المهمة الحاسمة في الوقت الحاضر ونقطة الانطلاق الوحيدة الواعدة بالنسبة للمستقبل؛ هذه الأحداث يتكاثر عددها وتزداد قوتها باستمرار، ما هو موقفكم إزاء مثل هذا الاتجاه لما يسمى "بروح العصر"، مثلا فيما يخص إصلاح الجامعة؟ هايدجر: سأجيب عن السؤال الأخير فقط؛ ذلك أن ما سألتم عنه قبل ذلك واسع جدا. والجواب الذي أعطيه لكم، هو نفس الجواب الذي أعطيته قبل أربعين سنة في محاضرتي الافتتاحية بجامعة فرايبورج سنة 1929. أورد لكم جملة من محاضرة "ما هي الميتافيزيقا؟": "إن مجالات العلوم بعيدة جدا عن بعضها البعض، وأساليب معالجة موضوعاتها تختلف اختلافا أساسيا. هذه التعددية المتفتتة للشعب لا تتم المحافظة على تماسكها اليوم إلا بواسطة التنظيم التقني للجامعات والكليات، كما لا تتم المحافظة على دلالتها إلا بفضل توجيه المواد نحو غايات عملية، في حين أن تجذر العلوم في أساس ماهيتها قد اضمحل." أعتقد أن هذا الجواب يجب أن يكون كافيا. فيسر: هناك دوافع متباينة تماما هي التي قادت إلى المحاولات الحديثة الرامية إلى تغيير التوجيه فيما يتعلق بتحديد الأهداف وإلى "تحويل بنية" المعطيات الواقعية داخل المستوى الاجتماعي أو كذلك مستوى العلاقات بين الناس. جلي أن في هذا الأمر كثيرا من الفلسفة، فيما هو إيجابي وفيما هو سلبي. هل ترون أن هناك مهمة اجتماعية للفلسفة؟ هايدجر: لا! لا يمكن الحديث عن مهمة اجتماعية بهذا المعنى. إذا أردنا أن نجيب على هذا السؤال فينبغي أولا أن نسأل: "ما هو المجتمع؟" وأن نتذكر بأن المجتمع اليوم ليس سوى صيغة مطلقة للذاتية() الحديثة، وبأنه انطلاقا من ذلك، فإن فلسفة تخطت زاوية نظر الذاتية ليس لها الحق في أن تساهم في ذلك. أما السؤال: إلى أي حد يمكن الحديث عموما عن تغيير المجتمع، فهو سؤال آخر. إن السؤال عن ضرورة تغيير العالم يعود إلى جملة لكارل ماركس من "أطروحات حول فويرباخ"، وهي جملة يتم الاستشهاد بها كثيرا. أريد أن أنقل هذه الجملة بدقة وأن أتلوها أمامكم: "لم يقم الفلاسفة إلا بتأويل العالم بكيفيات مختلفة، في حين أن المهم هو تغييره." يغفل المرء عند الاستشهاد بهذه الجملة والأخذ بها أن تغيير العالم يفترض تغيرا في تصور العالم، وأنه لا يمكن الوصول إلى تصور للعالم إلا إذا تم تأويله على نحو كاف. يعني هذا أن ماركس في مطالبته "بتغيير العالم" يستند إلى تأويل محدد تماما للعالم، وبذلك يتبين أن هذه الجملة غير مؤسسة. إنها تولد الانطباع بأنه قد تم الحديث بكيفية جازمة ضد الفلسفة، في حين أن القسم الثاني من الجملة يفترض ضمنيا ضرورة الفلسفة. |
فيسر:
كيف يمكن أن تصير فلسفتكم اليوم فعالة في مجتمع مشخص له مهامه وهمومه المتعددة، متاعبه وآماله؟ أم هل الحق هو بجانب نقادك الذين يدعون بأن مارتن هايدجر ركز اهتمامه على "الكون"() إلى حد أنه ضحى بالشرط البشري، أي بكون الإنسان في المجتمع وكشخص؟ هايدجر: هذا النقد يقوم على سوء فهم كبير! فسؤال الكون وبسط هذا السؤال يفترضان بالضبط تأويلا للدازاين()، أي تحديدا لماهية الإنسان. والفكرة الأساسية لتفكيري هي بالضبط أن الكون وبالتالي انفتاح الكون يحتاج إلى الإنسان، وأن الإنسان لا يكون بدوره إنسانا إلا لأنه يقيم في انفتاح الكون. بذلك يجب أن يكون قد تم الحسم في السؤال: إلى أي حد اهتممت فقط بالكون ونسيت الإنسان. لا يمكن أن نسأل عن الكون دون أن نسأل عن ماهية الإنسان. فيسر: قال نيتشه ذات مرة: الفيلسوف هو الضمير المعذب لعصره. لنترك جانبا ماذا قصد نيتشه بذلك. ولكن تأمل محاولتكم لكشف تاريخ الفلسفة لحد الآن كتاريخ للتدهور فيما يتعلق بالكون، ثم بالتالي لتقويض هذا التاريخ، ربما يغري البعض بأن يسمي مارتن هايدجر الضمير المعذب للفلسفة الغربية. أين ترون السمة، حتى لا أقول العلامة الفكرية، التي تميز على الأكثر ما تسمونه "نسيان الكون" أو "هجران الكون"؟() هايدجر: يجب علي في البداية أن أصحح سؤالكم من أحد الجوانب عندما تتحدثون عن تاريخ للتدهور. لا يجب فهم ذلك بمعنى سلبي! إنني لا أتحدث عن تاريخ للتدهور، ولكن عن مصير الكون، من حيث أنه ينسحب أكثر فأكثر بالمقارنة مع انفتاح الكون لدى الإغريق() -إلى حد انتشار الكون كمجرد موضوعية() للعلم، واليوم كمجرد رصيد يستعمل من أجل التحكم التقني في العالم. إذن: ما نعيشه ليس تاريخا للتدهور، بل انسحابا للكون. إن السمة التي تميز على الأكثر نسيان الوجود- ويجب هنا دائما تفكير النسيان انطلاقا من الإغريقية، من الـ Lethe، أي من اختفاء أو انسحاب الكون-، أي السمة المميزة للعصر الذي نعيش فيه هي -بقدر ما أرى عموما- واقعة أن سؤال الكون الذي أطرحه لم يفهم بعد. |
فيسر:
هناك أمران وضعتموهما المرة تلو المرة موضع سؤال وجعلتموها جديرين بالسؤال: طموح العلم إلى السيطرة، وفهم للتقنية لا يرى فيها سوى وسيلة صالحة لبلوغ الهدف الذي نرغب فيه كل مرة بكيفية أسرع. إنه بالضبط في زماننا الذي ينتظر فيه أغلب الناس من العلم كل شيء، والذي تظهر لهم فيه برامج تلفزيونية من كل العالم، بل ومن المناطق المعزولة عن العالم، أن الإنسان يحصل بفضل التقنية على ما يريده، في هذا الزمن تثير أفكاركم حول العلم وحول ماهية التقنية لدى الكثيرين وجع الدماغ(). ماذا تقصدون أولا بادعائكم أن العلم لا يفكر. هايدجر: لكي أبدأ أولا بوجع الدماغ: إنني أعتبره ظاهرة صحية تماما! هناك اليوم في العالم قليل جدا من وجع الدماغ وغياب كبير للتفكير، وهو غياب مرتبط بالضبط بنسيان الكون. أما الجملة: العلم لا يفكر، التي لفتت الأنظار كثيرا عندما نطقت بها في إحدى محاضراتي الجامعية بفرايبورج، فتعني: أن العلم لا يتحرك في بعد الفلسفة. ولكنه مع ذلك متوقف، دون أن يعرف ذلك، على هذا البعد. مثلا: تتحرك الفيزياء في إطار مفاهيم الزمان والمكان والحركة. ولكن العلم كعلم لا يمكن أن يحسم في تحديد الحركة، المكان، الزمان. إن العلم إذن لا يفكر، إنه لا يستطيع بتاتا بواسطة مناهجه أن يفكر بهذا المعنى. لا يمكنني مثلا أن أقول ما هي الفيزياء بواسطة مناهج فيزيائية. إنني لا أستطيع أن أفكر ما هي الفيزياء إلا بكيفية السؤال الفلسفي. فالجملة: العلم لا يفكر، ليست مأخذا على العلم، بل تسجيلا لبنيته الداخلية: ينتمي إلى ماهية العلم أنه، من جهة، يتوقف على ما تفكره الفلسفة، وأنه، من جهة أخرى، هو ذاته ينسى ولا ينتبه إلى ما ينبغي تفكيره. فيسر: وماذا تقصدون عندما تتحدثون ثانيا عن خطر أكبر من خطر القنبلة الذرية على البشرية الحالية، هو قانون() التقنية، أو "الوحدة المجمعة لكيفيات الاستشارة"() كما تسمون السمة الأساسية للتقنية، التي تتجلى في جعل الواقعي ينكشف كرصيد() تحت الطلب، أو بعبارة أخرى في جعل كل شيء وأي شيء رهن الإشارة بمجرد ضغط على الزر. هايدجر: فيما يتعلق بالتقنية، فإن تحديدي لماهية التقنية، هذا التحديد الذي لم يصادف لحد الآن القبول في أي مكان، هو -حتى أقول ذلك بكيفية مشخصة- أن أساس علم الطبيعة الحديث قائم في سيادة ماهية التقنية وليس العكس(). يجب أن أقول في البداية بأنني لست ضد التقنية. لم أقل أبدا شيئا ضد التقنية، ولا ضد ما يسمى شيطانيا في التقنية. ولكنني أحاول أن أفهم ماهية التقنية. عندما توردون هذه الفكرة عن خطورة للتقنية أكبر من خطورة القنبلة الذرية، فإنني أعني ما يتطور اليوم كبيوفيزياء، وهو أننا سنصبح في مدة غير بعيدة قادرين على أن نصنع الإنسان، أي على أن نبنيه في ماهيته العضوية المحضة، حسب ما نحتاجه: ماهرين وغير ماهرين، أذكياء وأغبياء. سيصل بنا الأمر إلى هذا الحد! إن الإمكانيات التقنية اللازمة لذلك متوفرة اليوم، وقد سبق أن تم الإعلان عنها من قبل علماء حاملين لجوائز نوبل في إحدى المؤتمرات بمدينة Lindan، وهو ما سبق أن ذكرته قبل سنوات في محاضرة ألقيتها في مدينة Messkirsch. إذن: يجب أولا رفض سوء الفهم الذي يجعلني كما لو كنت ضد التقنية. إنني أرى في التقنية، وبالضبط في ماهيتها، أن الإنسان يوجد تحت قوة تتحداه ولم يبق حرا إزاءها، وأن أمرا ما يعلن في ذلك عن ذاته، هذا الأمر هو علاقة للكون بالإنسان، وأن هذه العلاقة التي تختفي في ماهية التقنية ربما ستظهر للنور ذات يوم في لا اختفائها. لا أعرف هل سيحدث ذلك! ولكنني أرى في ماهية التقنية الظهور الأول لسر أكثر عمقا بكثير أسميه "الحدوث"(). من ذلك يمكنكم أن تفهموا أنه لا مجال للحديث عن مقاومة أو إدانة للتقنية. ولكن الأمر يتعلق بفهم ماهية التقنية والعالم التقني. وحسب رأيي لا يمكن أن يتم ذلك، ما دام المرء يتح |
يسر: كل تأملاتكم تتأسس في ذلك السؤال، الذي هو السؤال الأساسي لفلسفتكم، في "سؤال الكون" وتفضي إليه. لقد أشرتم المرة تلو المرة أنكم لا تريدون إضافة أطروحة جديدة إلى الأطروحات المتوفرة لحد الآن عن الكون. نظرا بالضبط لأن الكون تم تحديده بكيفيات مختلفة جدا، مثلا كخاصية، كإمكان وفعل، كحقيقة، بل وكإله، فإنكم تبحثون عن وحدة قابلة للفهم بين الآراء؛ وبالضبط ليس بمعنى أطروحة فوق الأطروحات، بل كسؤال عن معنى الكون.
في أي اتجاه يمهد تفكيركم الطريق لجواب عن السؤال: لماذا هناك كائن، وليس بدل ذلك لا شيء؟ هايدجر: هنا يجب علي أن أجيب عن سؤالين، أولا: توضيح سؤال الكون. أعتقد أن هناك غموضا في صيغة سؤالكم. إن تعبير "سؤال الكون" مزدوج الدلالة. يعني أولا سؤال الكون السؤال عن الكائن من حيث هو كائن. وفي هذا السؤال يتم تحديد ما هو الكائن. الجواب على هذا السؤال يعطي تحديدا للكون. ولكن يمكن أيضا فهم سؤال الكون بمعنى: ما هو أساس كل جواب على السؤال عن الكائن، أي، أين يتأسس عموما لا اختفاء الكون؟ وإذا تكلمنا بصيغة المثال: حدد الإغريق الكون كحضور لما هو حاضر(). في الحضور يتكلم الحاضر()، في الحاضر هناك لحظة للزمان، إذن: إن تحديد الكون كحضور يربطه بالزمان. وإذا حاولت الآن أن أحدد الحضور انطلاقا من الزمان واستطلعت في تاريخ التفكير عما قيل عن الزمان، فإنني سأجد بأن ماهية الزمان قد تم تحديدها منذ أرسطو انطلاقا من فهم للكون محدد مسبقا(). إذن: إن المفهوم التقليدي للزمان غير قابل للاستعمال. ولذلك حاولت في "الكون والزمان" أن أقوم ببسط مفهوم جديد للزمان والزمانية() بمعنى الانفتاح المتخارج(). إن السؤال الآخر هو سؤال سبق أن طرحه ليبنز ووضعه شيلنج بدوره، ثم كررته من جديد حرفيا في ختام محاضرتي "ما هي الميتافيزيقا؟" التي سبق أن أشرت إليها. ولكن: هذا السؤال يتخذ لدي معنى مختلفا تماما. إن التصور الميتافيزيقي المعتاد لما يسأل عنه في هذا السؤال هو: لماذا هناك إطلاقا كائن وليس بدل ذلك لا شيء؟ وهذا يعني: ما هو السبب أو الأساس الذي يجعل الكائن كائنا وليس لا شيء؟ وعلى العكس من ذلك فأنا أسأل: لماذا هناك كائن وليس بالأحرى اللاشيء؟ لماذا يحظى الكائن بالأسبقية، لماذا لا يتم تفكير اللاشيء بوصفه متطابقا مع الكون؟() وهذا يعني: لماذا يسود نسيان الكون ومن أين يأتي؟ إنه سؤال مخالف تماما للسؤال الميتافيزيقي. وهذا يعني أنني أسأل: "ما هي الميتافيزيقا؟" إنني لا أسأل سؤالا ميتافيزيقيا، بل أسأل عن ماهية الميتافيزيقا. كل هذه الأسئلة تتميز، كما ترون، بصعوبة غير معتادة، وهي ليست أساسا في متناول الفهم المألوف. يحتاج الأمر إلى وجع طويل للدماغ وتجربة طويلة وحوار حقيقي مع التراث الكبير. إن إحدى المخاطر الكبرى لتفكيرنا اليوم تتمثل بالضبط في أن التفكير -بمعنى التفكير الفلسفي- لم تبق له علاقة حقيقية أصلية مع التراث. فيسر: واضح أن كل شيء يتعلق حسبكم بتقويض الذاتية، وليس بما يتم التركيز عليه اليوم: ما هو أنتروبولوجي ومتمركز على الإنسان، ليس بالتصور الذي يرى أن الإنسان يكون بفضل المعرفة التي لديه عن نفسه والفعل الذي يقوم به قد أدرك ماهيته. بدل ذلك توجهون الإنسان إلى الانتباه لتجربة الدا-زاين() الذي يتعرف فيها الإنسان على نفسه ككائن منفتح على الكون والتي يعطي فيها الكون ذاته للإنسان كلا - اختفاء(). إن أعمالكم بمجملها تنصب على بيان ضرورة مثل هذا التحول في كون الإنسان انطلاقا من تجربة الدا-زاين. هل هناك علامات على أن هذا الأمر الذي تفكرون ضرورته سيصير واقعا؟ هايدجر: لا أحد يعرف كيف سيكون مصير التفكير. سبق أن تكلمت سنة 1964 تحت عنوان "نهاية الفلسفة ومهمة التفكير"، في محاضرة لم ألقها أنا نفسي وقدمت في ترجمتها الفرنسية. إنني أميز إذن بين الفلسفة، أي الميتافيزيقا، والتفكير كما أفهمه. إن التفكير الذي أميزه في هذه المحاضرة عن الفلسفة - وذلك عن طريق محاولة توضيح ماهية المفهوم اليوناني aletheia -، هذا التفكير هو من حيث الشيء ذاته بالمقارنة مع التفكير الميتافيزيقي أسهل بكثير من الفلسفة، ولكنه بسبب سهولته بالضبط أصعب بكثير عند الإنجاز. وهو يتطلب عناية جديدة باللغة، لا ابتكارا لمصطلحات جديدة كما كنت أعتقد سابقا، بل عودة إلى المضمون الأصلي للغتنا الخاصة، التي هي آخذة في الاضمحلال. سيكون على مفكر قادم يجد نفسه ربما أمام مهمة الاضطلاع بالتفكير الذي حاولت تهييئه أن يرتضي كلمة سبق أن كتبها هاينريش فون كلايست H. von Kleist، وهي: "أنحنى أمام ذلك الذي ليس هنا بعد وأنحني أمام روحه قبل قدومه بألف عام". |
- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا - |
محمود عزب باريس فى 4 أكتوبر 2006 مدخل كان الاستشراق دائماَ مثار جدل فى الماضى والحاضر. ومازالت رموزه مثار دراسات، لم تكن فى اغلبها علمية أو على درجة كافية من الموضوعية. ذلك فى الغالب لأن العرب والمسلمين من جانبهم حين يحاولون دراسة الاستشراق والمستشرقين، يقع أكثرهم فى فخاخ المشاعر والعواطف... فقد شاع ربط الاستشراق بالاستعمار، فأصبح ذا سمعة ليست بالحسنة، حتى أن الكثيرين ممن كانوا يسمون مستشرقين أصبحوا يتوجسون من هذه التسمية، ويفضلون أن يدُعَوا مستعربين Arabisants أو علماء إسلاميات Islanologues وليس معنى ذلك أن كل من كتبوا عن الاستشراق والمستشرقين، من الباحثين العرب والمسلمين، كانوا أسرى العاطفة والذاتية.. كما أن الاستشراق لم تكن كل رموزه قاتمة أو منحازة فى بحوثها وآرائها.... ومعنا الآن خلال هذه الدراسة القصيرة واحد من كبار علماء الإسلاميات فى أكبر جامعة من جامعات فرنسا وأوروبا كلها.. تعلم فيها، ثم عاش حياته أستاذاً لتاريخ الفكر الاسلامى بها – هو محمد أركون. وقد ولد ونشأ فى بلد ذي ثقافة عربية إسلامية هو الجزائر، وبدأ حياته الدراسية هناك فى جامعات يقوم بالتدريس فيها أساتذة فرنسيون، فى الجزائر المستعمرة التى كانت تدعى الجزائر الفرنسية، كان على وعي ببدايات تكوينه فى هذا الجو قبل أن يأتى إلى فرنسا نفسها لاستكمال دراساته. إنه تعود منذ بدايات حياته الدراسية والعقلية على تخطى الحدود... هكذا وصفه الأستاذ شتيفانى فيلد فى برلين سنة 2003 إلا أن منحه جائزة ابن رشد للفكر الحر لسنة 2003. |
يقول الأستاذ فيلد:
"ربما كانت أفضل طريقة لوصف حياة ونشاطات محمد أركون هى القول بأنها دائماً تتخطى الحدود. فالحد الأول هو مسقط رأسه. ولد أركون سنة 1928 فى الجزائر من أصل بربرى. وقد تخطى الحدود الجغرافية عندما ذهب للدراسة الجامعية، حيث قطع البحر المتوسط من الجزائر إلى باريس للدراسة فى السوربون. ثم تجنس بالجنسية الفرنسية، بذلك يكون قد تخطى الحدود اللغوية، ثم الحدود الثقافية السياسية. وكل تخط لأى حدود هو تعب ووداع، وحزن، وبنفس الوقت هو انطلاق جديد، ثم فرصة.... ثم فى عام 1968أركون أستاذاً لتاريخ الفكر الإسلامى والفلسفة فى السوربون". وإشكالية هذا البحيث، هى، السؤال التالى: "ماذا عندما يكون ناقد المستشرقين جامعاً هذه التركيبة كونه بربرياً، عربياً مسلماً، مزدوج اللغة أو متعدد اللغات يرى المستشرقين منذ سنواته الجامعية الأولى، ويدرس بمناهجهم ويكمل معهم فى بلادهم، ويدرس وينتج بلغتهم؟ لم تثر شخصية من بين علماء الإسلاميات فى جامعات الغرب ما تثيره شخصية محمد أركون. غزير الإنتاج كتباً ومقالات ومحاضرات، مدعُو ومحاضر فى أوروبا وأمريكا وكل قارات العالم تقريباً. هو موضع ثقة أكثر الباحثين فى العالم، بل وموضع ثقة أكثر المسئولين وكبار رجالات السياسة.. كانت ثمة محاولات دائمة لتصنيفه، هل هو مستشرق أم باحث مسلم؟ وكانت الإجابة أو محاولات الإجابة عن هذا السؤال مثار جدل كبير، واختلافات فى الشرق والغرب، أما فى الشرق، أى فى البلاد العربية والإسلامية، فكانوا يضعونه أحيانا فى صفوف المستشرقين، أليس بنقد الإسلام وعلومه بمناهج شبه حاسمة، أبعد ما تكون عن التمجيد والتقديس"؟ وأما فى الغرب فهم يرونه يكتب بشكل مختلف عن إشكاليات العقل الإسلامى، ويستحضر النصوص الأصلية دائماً، ثم انه دأب منذ رسالته للدكتوراه فى جامعة السوربون على نقد للعقل الاستشراقى.. كان لصعوبة لغته، وخصوية مفرداته، ومنحوتاته واصطلاحاته الجديدة غير المتعارف عليها، دور فى عدم سهولة فهم مايكتب وكان كثيراً مايتصف، أو يوصف بالغموض فى الشرق والغرب كذلك وكان نادراً مايترجم للعربية، ونادراً ماتكون الترجمة واضحة سهلة مفهومة، حتى اختص بترجمته باحث عربى جاد هو هاشم صالح الذى يحاول كثيراً أن يفسر ويحلل كثيراً من العبارات والأفكار الأركونية فى هوامش الكتب ليساعد القارئ العربى على استيعاب لغة أركون.و لهذا فإن تأثيره فى جامعات البلاد العربية، مازال فى دور التنامى ويسير بشكل بطئ.. وإن كان له حواريون، وأنصار متزايدون. هو يختلف إذن عن الباحثين العرب والمسلمين حتى أولئك الذين درسوا مثله فى باريس وفى السوربون. وأدى ذلك إلى اعتبار بعضهم إياه مستشرقاً... وهو يختلف كذلك عن الباحثين الغربيين فى علوم الإسلام اختلافاً كبيراً فى المنهج وغير المنهج وكثير منهم لذلك لايعتبره مستشرقاً. ثم إن هؤلاء وأولئك قد يقولون أو يقول كثير منهم إنه خرج على تقاليد المستشرقين منذ عهد ليس بالبعيد.. |
كيف يقدم أركون نفسه؟
فى حوار مباشر مع الكاتب الصحفى أحمد الشيخ. وفى كتاب بعنوان "حوار الاستشراق (صادر عن المركز العربى للدراسات الغربية .. والذى يضع الحوار مع أركون ضمن عشرين من أسماء كبار المستشرقين المعروفين. يقول احمد الشيخ فى ص 63: "فى إطار حواري مع المستشرقين الفرنسيين توجهت للبروفيسور محمد أركون، وهو من أصل جزائرى، وسألته كيف يفسر واقع أن البعض يعدونه ضمن المستشرقين كجان بيير برونسيل هوجوز " فى مقال نشر فى صحيفة "لوموند" الفرنسية، وأن البعض يضعونه بأنه من الأصوليين، مثل أوليفييه كاريه" فى كتابه الأخير "سيد قطب: قراءة ثورية للقرآن"، والبعض الآخر يصنفون كتاباته خارج الحقل الإسلامى" "طرحت هذه الاختلافات على البروفيسور أركون، وطلبت منه أن يحدد لنا موقفه من حركة الاستشراق فأجاب: " أود أن ألاحظ إن الذين يظنون أننى أكتب عن الاستشراق والمستشرقين. لم يطلعوا على جميع الكتب التى نشرتها حتى الآن. كان كتابى الأول - وهو أطروحتى – يعالج ماأسميته الإنسية فى القرن الرابع الهجرى، وهو كتاب يدرس جوهر الثقافة العربية، فى فترة محدودة، تعتبر من أهم الفترات التى يمكن دراستها اليوم فى تاريخ الفكر العربى، واعتمدت على نصوص لمفكرين مسلمين، وحاولت فى هذه الدراسة التى كتبتها فى الستينات أن أرد على مناهج المستشرقين، فى دراسة الفلسفة العربية، وفى دراسة الفكر الإسلامى بصفة عامة، وموقفى مما يخص جميع الثقافة العربية الإسلامية هو موقف جزائرى تربى فى الجزائر وتكون فى الجزائر فى عهد الاستعمار، حيث كان فى نفسى مثل زملائى فى هذا الوقت، رد فعل ضد الضعف الذى كنا نتألم منه فى الجامعة الجزائرية التى يدرس فيها الفرنسيون، وكان المناخ السائد هو مناخ استعمار، وكنا نريد أن نرد على هذا الوضع وأن نتحرر منه، وهذا الشعور يطبع جميع ما كتبته انطلاقاً من الخبرة الجزائرية فى الخمسينيات، التى كانت تتصف بهذا الاضطرام الثقافى والفكرى، بين الشخصية الجزائرية، وأهداف التحرير الجزائرية، وبين الفكر الذى كان ينتقل إلينا عن طريق الثقافة الفرنسية إلا أننى كباحث لا أتكلم عن هذا الأمر بصورة مباشرة، لكن الذى يقرأ يتمعن ماكتبته وما أكتبه يمكنه أن يجد فى مقاصدى واتجاهاتي هذا الاستلهام المتصل بهذه الخبرة التى عشناها فى عهد الاستعمار". إنه فى هذا يكاد يشبه أكثر الطلاب العرب الذين تكونوا فى جامعات فرنسا... وهمومه تشبه هموم حوارهم مع جامعاتهم وأساتذتهم.. كان يكافح المستشرقين والجامعة كفاحاً إيديولوجيا، وعندما جاء إلى فرنسا للدراسات العليا رأى الاستشراق من قرب آخر، يقول: "هذا ما اكتشفته هنا فى باريس، ولازلت أكافح ضده، لكن هذا الكفاح هو كفاح منهجى ومعرفى وليس بكفاح إيديولوجى" ولكنه فى الوقت ذاته يدعو إلى: "ضرورة تغيير المناهج التى يتبناها الباحثون المسلمون عن الفكر الإسلامى، والمسائل الإسلامي |
وهو ربما يخشَّى أن يحسب طرف من الطرفين وكأنه انحاز للآخر ولذا نراه يؤكد فى وضوح:
"... لذلك أنقد نقداً حاسماً مواقف المستشرقين الذين يقفون بعيداً عن المناهج الحديثة" وانتقد أيضاً المسلمين الذين يرفضون هذه المناهج الحديثة لأنها غربية.. مامعنى هذا الكلام، هل هناك عقل خاص بالغرب وعقل خاص بالعرب والمسلمين؟ نحن بشر وجميع مسائل المعرفة متعلقة بالإدراك، وعلى هذا الأساس النفسانى الجذرى، ينبغى علينا أن ننتقد المعرفة، أن ننتقد جميع ماينتجه العقل البشرى أنىَّ كان فى جميع الثقافات.. وجميع التجارب، بغض النظر عن كونه يابانيا أو أفريقيا، أو عربيا أو مسلماً". § نقد الاستشراق: أما من داخله فنقده قليل، ونادراً مايتسلط النقد على أعماق الاستشراق ذاته، على مناهجه، وأصوله... وأما من خارجه أى عند العرب والمسلمين خصوصاًُ فالقضية معقدة ولايسهل الحكم فيها أو عليها بتسرع ولابحسم.. وإذا أخذنا نقطة بداية محددة، ولتكن بدايات عصر نهضة العرب والمسلمين، ولنقل منذ بدايات التواصل خلال نشأة الجامعات العربية، غير الدينية بدأ الحديث عن الاستشراق والمستشرقين، بل قبل ذلك بما يشبه القرن، منذ حوارات الطهطاوى، مع دو ساسى ورفاقه... أما بداية الاحتكاك المادى الحقيقى فكانت تقريبا مع الجامعة المصرية، التى صارت فيما بعد جامعة القاهرة.. (بعد تمهيد الأفغانى ومحمد عبده اللذين كانا على اتصال مباشر ببعض رموز الاستشراق). لقد استدعت الجامعة المصرية عدداً من المستشرقين من أوروبا الغربية، للتدريس بها ... وهم أولئك المتخصصون فى العربية والإسلام وعلومهما... ومازالت أسماء كارلو ناللينو أستاذ تاريخ الأدب العربى حتى العصر الأموى، وسنتلانا أستاذ تاريخ الفلسفة الإسلامية وتاريخ الترجمة، وميلونى الذى كان يدرس تاريخ الشرق القديم/ وإنُّو ليتمان الذى كان يتحدث عن اللغات السامية، وبدأ بعد ذلك حديث يقدر لهؤلاء وغيرهم حسن جهودهم فى دراسة التراث العربى الاسلامى وتحقيقه ونشر أكثره، وفى الوقت ذاته بدأ الحديث عن بعض المواقف الاستشراقية الإيديولوجية والأحكام المسبقة. وتتابعت الدراسات الناقدة للاستشراق بشكل أو بآخر، والمكتبة العربية غنية نسبياً، ومن الناحية الكمية بالدراسات التى تنقد الاستشراق والمستشرقين، بمنهجية أحياناً، وبعاطفية وإيديولوجية كثيراً. ثم جاء إدوار سعيد، وفتح باباً جديداً، يتبنى كثيراً من التحليل التاريخى والأدبى والنفسى، ويبحث عن كثير من موضوعية، وأجبر الباحثين فى الشرق والغرب على السواء وكثيراً من المستشرقين أنفسهم على قراءته ومناقشته واحترامه. فأين أركون ونقده الاستشراق من ذلك كله؟ أين هو بمكوناته الغزيرة المتعددة والمعقدة والمتراكبة، وقدرته الفائقة على تخطى الحدود، وعبور الزمان والمكان؟ أين هو من نقد الاستشراق والمستشرقين، وهو الذى يتميز بمعاشرة واقتراب فائق النظير؛ وهو يكاد يشكل وحده فى ذلك نموذجاً شبه فريد، وشكلاً ولوناً خاصة فى تكوينه، وفى منهجيته، وفى إنتاجه؟ |
أركون ونقد الاستشراق:
أنه حسب كلامه هو، قد انتقل من الجانب الوطنى، جانب الشخصية الجزائرية وأهداف التحرير الجزائرية، جانب مشوب بالإيديولوجية، وهو أمر مفهوم إلى جانب واع مثقل بالخبرة: "عندما انتقلت إلى باريس، درست فيها، اتسعت خبرتى النفسانية والثقافية واكتشفت أن مانطلق عليه "الاستشراق" فى حقيقته حركة علمية هامشية" وهو تعبير على حد علمنا لم يُسبَق إليه محمد أركون. ولاجتماع عوامل عدة – فى رأينا كذلك – سيبدو نقد أركون للاستشراق وكأنه نقد داخلى، وكأنه آت من أعماق الاستشراق ذاته... يراه من داخله، وينقده فى سياقه الجغرافى والتاريخى والفكرى. ويمتاز أركون فى نقده هذا بالتوجه مباشرة إلى أصول الاستشراق إلى أعماقه ومنهجيته، فهل هو بذلك، وبكل معطياته الخاصة فى تكونه وتطوره منخرطاً فى خط توجه بدأ على استحياء يدعو إلى مايسمى بعلم الاستقراب – دراسة الغرب وثقافاته وعلومه دراسة نقدية تحليلية فى موازاة الاستشراق.." ولكن أركون ليس أتيا من خارج الاستشراق تماماً، لاجغرافياً ولا منهجياً. ثم إن "مشروع الاستقراب " هذا مازال فى أطواره الأولى... بل مازال مشروعاً يبحث عن إطار ومناهج وأدوات .. مازال متردداً ومحاطاً بأسئلة صعبة تنقد الفكرة ذاتها. فنقد الاستشراق لن يكون بالضرورة استغراباً.. فالأول يتوجه إلى حقل دراسات بعينه رموزه معروفة ومناهجه مطروحة منذ زمان أما الآخر .. الاستغراب فيحاول التوجه إلى الغرب وثقافاته كلها.. وهو عالم شبه هلامى أو واسع فضفاض. هل يكشف أركون فى دراساته عن جديد من قصور فى الاستشراق وهو ينقده برؤية جديدة من داخله، ويضيف إليه أساساً كان الاستشراق يفتقده حتى صرح به أركون؟ وحيث يقول بأن الاستشراق حركة علمية هشه أو هامشية فهو لايوجه اتهاماً جغرافيا، ويتركه على علاته! وإنما يقول: "أقصد أن الدراسات العربية الإسلامية فى الجامعات الغربية، وليس فى فرنسا فقط تتسم بأنها منعزلة فى الجامعة لاتنغمس فى الحياة الجامعية ككل. وهذه الدراسات تعتبر دراسات خاصة، لبعض الناس الذين يريدون أن يخوضوا فى أمور بعيدة عما يهم الفكر الغربى والثقافة الغربية". إن هذا هو ما جعلنا نقول بأن النقد الأركونى لاستشراق أت من داخله وموجه إليه, فلا يتصَّوَرُن الكثيرون من الباحثين العرب والمسلمين بل ومن الأوربيين والغربيين أو غيرهم، أن أركون يعود إلى حظيرة الإسلام والمسلمين، ويحن إليه أو ينقد نقاده من المستشرقين! إن ذلك سيكون حكاً سطحياً مبنياً على كثير من الذاتية والعاطفة، ولاصلة له بالعلم والبحث... فنحن نرى أن أركون لم يتغير ولم يحد عن طريقه الذى كان بدأه: " كان كتابى الأول – وهو أطروحتى - يعالج ما اسميته الانسية فى القرن الرابع الهجرى.... وحاولت فى هذه الدراسة التى كتبتها فى الستينات أن أرد على المستشرقين، على مناهج المستشرقين فى دراسة الفلسفة العربية، وفى دراسة الفكر الإسلامي بصفة عامة". إن ما قد حدث ربما هو تعميق وتعمق فى الرؤية نتيجة الخبرة وليس تغييراً أو تغيراً فى أساس التوجه، فإذا عاد اليوم إلى التأكيد على هامشية الاستشراق، فهو بالأحرى فقد يأتى من داخل المجتمع العلمى الغربى، وكأن أركون يدرك أكثر من المستشرقين حاجات هذا المجتمع الغربى والثقافة الغربية، ويعيب على هؤلاء وعلى العقل الاستشراقى عدم تلبيته لهذه الحاجات، وعدم إشباع ذلك الاهتما |
وبذلك لايكون أركون فقد داخلاً فى سباق نقد العرب والمسلمين المعتاد للاستشراق والمستشرقين، إذ هو ينطلق من رؤية المجتمع الغربى واحتياجاته وهمومه.. وعدم انسجام الاستشراق معه.
وهو من ناحية أخرى ينطلق يختلف عن منطلق إدوارد سعيد كذلك فى نقده للاستشراق ... يقول سعيد فى مقدمته: "وإذا اتخذنا من أواخر القرن الثامن عشر نقطة انطلاق محددة تحديداً تقريباً، فإن الاستشراق يمكن أن يناقش.. ويحلل بوصفه المؤسسة المشتركة للتعامل مع الشرق. التعامل معه بإصدار تقريرات حوله، وإجازة الآراء فيه، وإقرارها. وبوصفه، وتدريسه، والاستقرار فيه وحكمه .. الاستشراق كأسلوب غربى للسيطرة على الشرق، واستبنائه وامتلاك السيادة عليه" إن أول فرق يتبادر إلى ذهن القارئ أن أركون، ويحسب مفرداته يرى ويقر أن: أولاً: الدراسة العربية الإسلامية - الاستشراق - فى الجامعات الغربية، تتسم بالانعزال ولاتنغمس فى الحياة الجامعية ككل. ثانياً: هى بالتالى تعتبر دراسات خاصة، أو فردية لبعض الناس، لآحاد من الناس، يريدون أن يخوضوا فى أمور بعيدة عما يهم الفكر الغربى والثقافة الغربية. أما إدوارد سعيد، فهو يرى، وبحسب مفرداته كذلك: أن الاستشراق مؤسسة،أى عمل جماعى، وليس عمل أفراد. ولكن من هى هذه المؤسسة .. هل هى المستشرقون وحدهم أم أنهم جزء من كيان أكبر؟ ليس ذلك مايهم إدوارد سعيد، ولكن مايهمه هو: أولاً: كيف يتم ذلك التعامل؟ إنه يتم "باصدار تقريرات حول الشرق، وإجازة الآراء فيه، وإقرارها، وبوصفه وتدريسه". ثانياً: ...."والاستقرار فيه، وحكمه... الاستشراق كأسلوب للسيطرة على الشرق واستبنائه، وامتلاك السيادة عليه"، · ولكن لماذا هذه المقارنة؟ حاشا لنا أن نجتزئ أو نقطع، أو أن نمر بهذه الأمور الدقيقة مرور الكرام، فالمقارنة التى قد تفيد حقاً فى فهم خط دراسة الاستشراق من توجه إدوارد سعيد، إلى توجه محمد أركون – وهى ما قد نعد به – تحتاج إلى وقت وجهد للتحليل أعمق فى داخل أعمال كلا الباحثين الكبيرين، وهما – على اختلافهما فى المنطلق وفى الوسائل - قد يتداخلان ويتكاملان، فهى إشكالية الاستشراق. أما مانريد أن نركز عليه الآن، ومانرى أن أركون ينفرد به حقاً، فهو الخطوة الثانية فى نقده الاستشراق والمستشرقين وهى رؤية علمية أكاديمية بحته. يرى أركون "أن المستشرقين لايتبنون مايظهر من جديد فى إشكاليات البحث ومناهجه، فظاهرة العلوم الإنسانية، فى الجامعات الغربية ترجع إلى الخمسينيات والستينيات.. وعندما نقارن المناهج التى ينتهجها، المستشرقون بالمناهج التى ينتهجها الباحثون والمؤرخون والانتروبولوجيون، واللسانيون، وجميع مايتعلق بالعلوم الإنسانية والاجتماعيةن نجد فرقاً كبيراً بين المناهج الاستشراقية، ومناهج هؤلاء لأن العلماء المستشرقين لايتابعون الإنتاج العلمى فى جميع العلوم، كما يوجد فى جميع الميادين التى يمارسها المتخصصون الذين يدرسون المجتمعات والمسائل الفكرية". إنهم إذن منعزلون، ليس فى داخل جامعاتهم ولكن فى داخل أقسامهم، والأمر جد خطير فإن ذلك الانعزال وعقليته تتوالد وتستمر، ثم إن ملامح تلك العقلية تؤثر سلباً على علوم العربية والإسلام، فالطلاب والباحثون المسلمون يأتون من بلادهم للدراسة فى تلك الأقسام وهذه الجامعات، ويعودون فيؤثرون بدورهم فى مجتمعاتهم .. وهكذا إلى مالانهاية. والذى يقرأ كتابات أركون بدقة ويستمع إليه فى محاضراته باهتمام يجده يحمل بشدة على أولئك الذين يتجاهلون تطبيق المناهج الحديثة والإشكاليات الحديثة فى دراسة الثقافة العربية. |
وهو يطرح ذلك على محورين متزامنين معاً:
الأول للدراسيين والباحثين المستشرقين: "هذا هو موقفى الحقيقى من الاستشراق، ولازلت منذ سنين، ولا أزال أدعو فى محاضراتى وكتبى من أجل تطبيق مناهج حديثة فى الدراسات الإسلامية.. وألخ.. على هذه النقطة، لأنها أساسية". والأخر: للدراسيين والباحثين المسلمين والعرب: "يجب على الباحثين العرب أن ينتقلوا من النقد الايديولوجى المحض، والجدلى، لما يسمونه الاستشراق إلى النقد العلمى والمعرفى، وإنهم إذا انتقلوا إلى هذا المستوى سيدركون ضرورة تغيير المناهج التى يتبناها الباحثون المسلمون عن الفكر الاسلامى والمسائل الإسلامية. لأننا إذا لم ندرك أهمية الايستمولوجيا، لايمكننا أن نتقدم فى تحديث البحوث التى تتناول المسائل العربية الإسلامية" · ثم إنه يؤكد ويكرر: لذلك "أنقد نقداً حاسماً مواقف المستشرقين الذين يقفون بعيداً عن المناهج الحديثة" .... "وأنقد أيضاً المسلمين الذين يرفضون هذه المناهج لأنها غربية". أما نقده للباحثين العرب والمسلمين، فهو قديم، وهو ليس فريداً فيه، ولاجديداً، وربما يميل إلى العموميات والخطوط العريضة، وربما كان ذلك متوازياً مع تزايد حالات التضييق على الباحثين والمفكرين فى بلاد الإسلام. وقليلاً مايدخل إلى التفاصيل الدقيقة لملامح فكر إسلامى عربى جديد، تظهر رموزه هنا وهناك. وهو يحاول الاستمرار والتقدم، وهو يلاقى كثيراً من التهميش فى الداخل والخارج على السواء... وأما نقده- أي أركون - للفكر الاستشراقى، وهو نقد علمى منهجى، وهو ليس جديداً، كما يقول أركون نفسه، فهو فى حالة تطور مستمر، وفرق بين التحول والتطور، وهو ربما يطالب المستشرقين أولئك بما يشبه تطوره هو، إذ يزداد اعتماده كثيراً على ما انتجه الفكر الغربى الحديث أو على المنظرين الغربيين، بل على نصوص كنصوص الشافعى وابن رشد والفارابى". وهذا فرق أساسي بينه وبين المستشرقين، إذ لايعتبر نفسه إذن مستشرقاً. أما الملمح الأخير - الذى نود التنويه به - من ملامح نقد أركون للاستشراق والمستشرقين، والذى نعد بالتركيز عليه أكثر وتفصيله فى تنمية هذه الدراسة أو فى غيرها، فهو نقد تعامل المستشرقين مع القرآن ودراساته. ومجال الدراسات القرآنية عند المستشرقين، وربما عند كثير من الباحثين المسلمين مجال يتسم إما بالركود والتراجع، وإما بالمغامرة والجرأة غير العلمية غالباً. وفى كتابه عن "الفكر الأصولى واستحالة التأصيل - نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامية " (ترجمة هاشم صالح، صادر عن دار الساقى بيروت ط 2 سنة 2002). فصل فى غاية الأهمية بعنوان"القرآن والدراسات النقدية المعاصرة وفى سياق نقده للمستشرقين يقول أركون: |
"ولكننا سوف نذكر أيضاً بمعطيين اثنين يفاقمان من حالة المستشرقين الغربيينن الذين يستخدمون أدوات ومسلمات العقل التاريخوى والفيلولوجى المتضامن مع العقل العلموى:
1) كل المستشرقين (ماعدا استثناءات قليلة جداً لم تترك أى أثر دائم) يزودون المناقشات المنهجية. والقلق الإبستمولوجى، ولايهتمون إلا بدراسة الوقائع المادية المحسوسة، بالمعنى الذى يقصدونه، وضمن الإطار المعرفى الذى يختارونه". 2) هناك نوعان من العلماء المستشرقين: المؤمنون وغير المؤمنين. والمؤمنون يحملون معهم عندما يدرسون التراث الاسلامى ثقافتهم اللاهوتية اليهودية والمسيحية، وأما غير المؤمنين، من لا أدريين أو ملاحدة، أو حتى مجرد علمانيين، فإنهم يطمسون تماماً مسألة المعنى فى الخطاب الدينى أو يتجاهلونها تماماً. وهكذا يرفضون الدخول فى مناقشات حول مضامين الإيمان ليس بصفتها قواعد حياة وسلوك مستبطنة من قِبَل كل مؤمن، وإنما بصفتها تركيبات نفسية لغوية واجتماعيه وتاريخية. هكذا نجد أن القضية المركزية لمسألة "الحقيقة" قد أخليت تماماً من الدراسة العلمية للقرآن. ومعلوم أنه نص يهدف أولاً، وقبل كل شئ إلى تقديم المعيار الوحيد والمطلق، والمقدس للحقيقة الكلية العليا، بصفتها الكائن الحقيقى، والواقع الحقيقى، والشريعة الحقيقة (أو الحق فى لغة القرآن) هكذا نجد أن هذه المسألة المركزية بالنسبة للعقل الدينى، كما للعقل الفلسفى الأكثر نقدية وتقدماً، تهمل من قبل هؤلاء الباحثين الأشاوس". لقد أطلنا هذا الاستشهاد من أركون لنقد الدراسات القرآنية فى جامعات الغرب، قاصدين واعدين بتوسيع الدراسة وتعميقها ونشرها... ولأننا نلاحظ على جانب من جوانب الاستشراق وهو جانب الدراسات السامية أموراً مشابهه كثيرة وخلطاً وتجاهلاً، وسرعة أو تسرعاً فى إصدار الأحكام وكأنها - أي الدراسات السامية - تعانى ما تعانيه الدراسات القرآنية من تكرار ودوران فى حلقة مفرغة.. وإن آثار ثقافة الباحث، مؤمناً كان أو ملحداً أو علمانياً لذات أثر كبير فى نقده وتحليله، واستنتاجاته. "أما حديث الأجيال الجديدة من المستشرقين، شأنه شأن حديث الأجيال الجديدة من الباحثين العرب، فهو حديث ذو شجون، وحدث ولاحرج" |
حوار مع الفيلسوف ميشيل فوكو :D
|
1 ملف مرفق .
اجرى الحوار اباديو
ترجمة محمد ازويته |
حوار مع الروائية نوال السعداوى :D
|
![]() محمد السيد - مصر: قادة التنوير في المجتمعات يندمجون فيها محاولين إصلاح ما أفسدته الديكتاتورية و التطرف وليس بالهروب. السؤال هو ما هي أطروحاتكم التي تسهم في جعل المواطن المصري يعيش بكرامة؟ نوال السعداوي: كلمة "الهروب" لا تنطبق علي و لا أحبها، وهناك إناس يصطادون في المياة العكرة. فأنا مندمجة في المجتمع المصري حتى النخاع أكثر من الحكومة المصرية ذاتها. فكتبي قرأتها أربعة أجيال منذ نشرها حتى الآن. عندما خرجت من مصر كنت غاضبة من النخبة المصرية والعربية التي باعت نفسها لرجال المال والسلطة الذين يحكمون البلاد. ليس غريبا أن تصمت تلك النخبة عندما تم تقديمي للمحاكمة بتهمة التكفير. أتمنى أن تكون الأسئلة القادمة موضوعية و ليست مجرد هجوم. جنان - السودان: ما هو رأيك في موضوع ختان الإناث لأن هناك أراء كثيرة في هذا الموضوع الحساس؟ نوال السعداوي: أنا ضد ختان الإناث والذكور. أقول هذا من منطلق كوني طبيبة، كما أقول أيضا بصوت عالي إن كل المعلومات الطبية تقول إن قطع جزء من جسد الطفل فيه خطورة شديدة. تاريخيا، فكرة الختان جاءتنا عن طريق العبودية و ليس لها علاقة بالإسلام. إنه لمن المضر قطع جزء مهم من جسد المرأة، فدول مثل السعودية و سوريا و العراق و تونس لا تعرف فكرة ختان الإناث. لقد ذكر في التوراة أن بني إسرائيل و ذرية إبراهيم سيكون لهم الأرض الموعودة مقابل أن يختنوا الذكور. أؤكد أن الختان عادة ليس لها علاقة بالإسلام أو الطب. هل منطقي أن نقوم بقطع جزء من الطفل الذي خلقه الله سليما؟! مينا - مصر: لماذا ترفضين الحجاب وتهاجميه و أيضا الحج؟ نوال السعداوي: ما أعارضه هو أن يستولي الزوج على مصاريف أسرته ومدخرات زوجته و يشتري تذكرة للحج و يقبل الحجر الأسود. فالعمل عبادة و إطعام الأطفال عبادة. بل أن كل طقوس الحج جاءت قبل ظهور الأديان، وهذا هو جزء من التاريخ. الحج ليس عبادة إسلامية فقط، فالإسلام جاء ليمنع تقبيل الحجر الأسود. أما بالنسبة للحجاب، فأنا ضد اعتبار أن المرأة عورة. فالأخلاق في سلوك المرأة و عملها وليس في تغطية شعرها الذي يعد تزييفا للأخلاق. لا بد أن ننظر للمرأة على أن لها عقل. |
أيمن الدالاتي - سوريا: اتفق مع الدكتورة السعداوي بنقاط كثيرة، و اختلف معها بنقاط أقل، إنما أكثر أهمية و دسما، لكن بالنسبة لفصل الدين عن الدولة لا يمكن هذا أبدا. إنما الصح هو عدم تسييس الدين و عدم تديين السياسة؟
نوال السعداوي: عزيزي أيمن. اختلف معك، فمن الممكن فصل الدين عن الدولة وقد حدث ذلك بالفعل في بلاد أخرى. أنحن شعوب أقل من الشعوب الأخرى التي قامت بذلك؟! طالما أن الدين دخل في السياسة لن يكون هناك نقاش وسيكون القتل مصير من يختلف معك. فعلى الدولة أن تحكم بقوانين مدنية، فالدين حالة خاصة، وعلى كل شخص أن يعبد إلهه في بيته. صابر بابان - بغداد: هل مصر والدول العربية تتمتع بالديمقراطية كي تستطيعي أن ترشحي نفسك و خصوصا آراءك العلمانية تلقي رفض من كل الحكومات العربية بسبب العقيدة الدينية ... وما هو سبيل التغيير في مصر بصورة خاصة والدول العربية بصورة عامة؟ نوال السعداوي: لماذا نناضل إذا كانت بلادنا تتمتع بالديمقراطية؟! نريد أن نتحدى الديكتاتورية لا أن انتظر الديمقراطية تهبط من السماء، و لذلك قمت بترشيح نفسي في الانتخابات لمواجهة النظام ديكتاتوري في مصر برغم أنني كنت أعي جيدا أن مشاركتي رمزية و لن يسمح بها. أشير هنا أن الحكومات العربية كلها ديكتاتورية، وكذلك الحكومات الغربية. الحل هو أن يبدأ كل شخص بنفسه. لا بد أن تسأل نفسك "ماذا قدمت حتى يكون هناك ديمقراطية حقيقية" بدلا من أن تجلس في بيتك لتربية الأولاد. أتعجب لماذا لم يكن هناك رد فعل عندما تم استدعائي للنيابة. أبو عمرو - فلسطين: كل كتاباتك عن المرأة وعلاقاتها مع الرجل ..ما هو موقفك من قضايا الأمة ؟ نوال السعداوي: أنا لا أفصل بين تحرير المرأة و تحرير مصر و الوطن العربي، و قمت بالربط في كتاباتي بين الاستعمار سواء أكان بريطانيا في السابق وأمريكيا حاليا من ناحية و قضايا المرأة. الصحافة تشيع أنني اكتب عن المرأة فقط، لكني أؤكد أن كتاباتي تربط بين قضايا المرأة وعلاقاتها بالسياسة المحلية و الدولية. |
عباس - كندا: هل فكرت في الحصول على جائزة نوبل؟
نوال السعداوي: أنا رشحت بالفعل لجائزة نوبل، بل أن هناك أفرادا يعتقدون أن إنتاجي الأدبي و الفكري أهم من جائزة نوبل التي هي في الأساس جائزة سياسية أكثر منها فكرية. الأديب الحقيقي هو ما لا يهتم بالجوائز و إن كانت تعطي له دفعة قوية خاصة إذا كان يشعر بالاضطهاد في مجتمعه. رفعت ناجى - مصر: استأذنك أن تعرفي لي من هو المثقف؟ و ما هو وجهة نظرك في من يختلف معك في أرائك؟ نوال السعداوى: يا سيد رفعت، المثقف هو الإنسان الذي يحاول أن يفهم العالم من حوله ويتحاور معه و يربط بين المجالات المختلفة للمعرفة (الطب والأديان و التاريخ). أما بالنسبة للجزء الثاني من السؤال، الاختلاف في الرأي أمر لا بد منه، لكن هذا الاختلاف لابد أن يكون بالفكر و العقل لا بالسيف و التكفير. وهنا تقع مشكلتنا في العالم العربي أن من يختلف معنا نعتبره كافرا يجب أن يعتقل أو يقتل. فلم نتعود على التعامل مع من يختلف معنا في الآراء. مها محمود - الإسكندرية: ما هو تقييمك للديمقراطية في مصر؟ ... ولماذا لم تصمدى طالما أنت مؤمنة بقضيتك؟ نوال السعداوي: لا توجد ديمقراطية في مصر أو في أي من بلاد العالم حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي درست فيها لمدة 13 عاما حيث تبنى فيها الديمقراطية على المال و السلطة. بل أن السؤال يبقى: ما هي الديمقراطية؟ إنها ليست الذهاب إلى صناديق الاقتراع أو ممارسة حرية التعبير، إنما هي العدالة الاجتماعية و الاقتصادية. لقد رأيت فقرا في بلجيكا يشابه ذلك الموجود في مصر، و رأيت فقرا في أمريكا لا يقل عن مثيله في الهند. و الله أنا صامدة حتى الآن. لو قرأت تاريخي لوجدت أنني تعرضت للسجن و النفي و تم وضعي على "قائمة الموت". يا مها، أنا عمري الآن 75 عاما. عندما خرجت من مصر لم أفر كما يقولون ولكن لأن عندي شغل في الخارج أقول به. و أؤكد لك أنني سأعود إلى مصر حتى لو حكم علي في قضية "إزداء الأديان" المرفوعة ضدي. إبراهيم على سالم - أبو ظبي: لماذا رفضتي المناظرة مع الدكتورة سعاد صالح أستاذة وعميدة سابقة بجامعة الأزهر الشريف؟ نوال السعداوي: لم يحدث ذلك، وهو ما يجعلني أشعر بالدهشة من طبيعة انتشار مثل تلك الأخبار غير الصحيحة. على العكس، لقد رفض طلبي لمناظرة الشيخ (محمد متولي) الشعراوي خمس دقائق كل أسبوع وهو الذي يتكلم كل يوم ساعة. رمزي - سدني: تحرر المرأة من أولوياتك خلال السنوات الطويلة الماضية ... هل أنت راضية عما حققته في هذا المجال أم أن المهمة كانت اكبر من توقعاتك؟ نوال السعداوي: أنا راضية بما فعلت، لأن في مصر أشعر بأني محاطة بأربع أجيال من النساء و الرجال تأثروا بأعمالي و كتاباتي... و أنا راضية لأن لي تأثير بين هؤلاء الناس. نجدت صبري القاضي - دهوك - العراق: وضع المرأة في شمال العراق أفضل من وضعها في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، إلا أن التركيبة الاجتماعية المتوارثة و العادات و التقاليد تفرض علينا (الرجال والنساء) أوضاعا لا نملك منها فكاكا علما أن هذه الأوضاع ليس لها علاقة بالالتزام الديني؟ نوال السعداوي: أنا لم أدرس وضع المرأة في شمال العراق، لكن سيدات عراقيات تقلن إن أيام صدام أفضل من الآن. وليست المسألة في هذا الشأن تتعلق بالعادات والتقاليد، بل بالسياسة، حيث أن المرأة في عراق ما قبل الاستعمار الأمريكي الجديد كانت أكثر تحررا. وهنا يجب علينا فهم المشكلات في العراق ووضعها في سياقها. أما عندما نتكلم عن المرأة ومشكلاتها دون الحديث عن الاحتلال والاستعمار فقد بعدنا عن الحقيقة. |
الساعة بإيدك هلق يا سيدي 22:58 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3) |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون