![]() |
Week End امرأة رجل وطفل مدلل يقود شاحنة, وعجوز لاتعرف أنها ستموت بعد ساعة بجلطة دماغية حادة, وشرطي يتحرك مثل آلة كهربائية, ودكان فيه كل شيء ما عدا السجائر, طريق محفورة الجوانب, شجرة كئيبة وحيدة لا يسقيها أحد, بناية من عشرة طوابق تميل نحو اليمين قليلا كمعجزة عمرانية, وقط نافق على حافة الرصيف, تراب على شكل خط طويل تتسلى فيه الريح, شاب يشير بإصبعه الوسطى لآخر خلفه,وصبيه يكاد يقتلها شبقها, تحلم بدعوة عاجلة من عشرة رجال سود إلى عشاء على سرير, جامع يدعو الناس ويفرقهم, وكنيسة تقرع و"لمن تقرع هذي الأجراس", هاتف عمومي, وكيس نايلون يطير في السماء, ولا غيوم.... ولا غيوم. جدار بأسماء عصابات, وعشاق وصور زعماء وشعارات قومية وإسلامية, وزاوية مظلمة صغيرة رطبة من بول الماة, وإشارة حمراء دائما لا يراها أحد, بائع جوال يغني للخيلر والبطاطا, وامرأة منقبة تأكل سندويشة فلافل بصعوبة, زوجها يحمل لها محفظتها وابنهما حليق الرأس, مراهقة تتأكد من أن لباسها الداخلي يظهر من فوق بنطالها, وشاحنة تحمل أكياس الإسمنت والسائق شعره طويل ويغني, حادث يقع بين سيانرتين من النوع ذاته, وأسرة من خمسة أفراد يضحكون جميعا ما عدا الأم تكتفي بابتسامة عريضة, وسيارة الأسعاف تم بسرعة وخلفها سيارة إطفاء وفي السماء عمود دخان أسود... ولا غيوم..... ولاغيوم . طفل يمشي خطواته الأولى ويسقط, ينهض قليلا ثم يسقط وخلفه خادمة إثيوبية بشامة على أنفها وبنطال أزرق فاقع, تمشي خلفه بسعادة ومعها زجاجة حليب وهاتف جوال تنقل فيه الحادث السعيد لوالديه, ممرضة تنتظر سيلرة المشفى التي تأخرت وتفكر بطبيب التخدير الذي قال لها أمس إنها أجمل ممرضة رآها في حياته, ولوحات إعلانية لأطباء ومهندسين, وشركة للملاحة البحرية, ومطعم شعاره خروف يضحك بشاربين مفتولين وطربوش, المتأمل لكي المبلابس, الحزين لتوريد العمالة, عصفور يغط يحمل قطعة خبز يابسة ويرتفع, تسقط من منقاره... يعود ليلتقطها بقوة أكبر ويمضي نحو السماء.... ولاغيوم ....ولا غيوم. وفي المقهى انا, أنا من من وصل قبل خمس ساعات وبع الساعة,بقهوتين ونصف علبة سجائر ونادلة مؤخرتها ناتئة كورم في ظهرها, كتبت رسائل مطمئنة للجميع, أني بخير وآكل جيدا, ومديري في العمل يحبني, وأوفر القليل من المال لشراء بيت أموت فيه حين أكبر بما فيه الكفاية, والرسائل كلها انتهت بعبارة قبلاتي للجميع, المشتاق فلان, وأنا في الحقيقة لا أشعر بالشوق لأحد, المرأة المجاورة تصلح مكياجها بمرة صغيرة,تضع أحمر الشفاه على شفتها السفلى وتمص, تنكش شعرها بكلتا يديها وتعود للتدخين, والنظر إلى الساعة, والنادلة تلمس دون أن يراها أحد مؤخرتها الناتئة تفكر بعملية تجميل ربما, ورجل يوقع شيكات لرجل آخر,وفي الزاوية شخص أعرفه ادعيت أني لا أراه, فكرت بالمنزل, بالإستلقاء أمام التلفاز, أن آخذ أكبر قسط من الراحة, وفي الذهاب إلى البحر, وأحد المراكز التجارية,وشراء حذاء جديد لونه أسود, وبطاريات للساعة الجدارية النتوقفة منذ أسبوع, ومسامير فولاذ لأعلق بعض اللوحات, والذهاب إلى السنما, بحثت في هاتفي عن رقم امرأة أعرفها أدعوها إلى العشاء فلا أجد, تنتابني كآبة خفيفة لا معنى لها, فأمضي تاركا النادلة صاحبة المؤخرة تمسح آثاري لتشعر الزبون الجديد أنه أول من يجلس على هذه الطاولة, بهدوء وأغنية ومكيف أشق الطريق إلى المنزل بقليل من الإثارة أشعرها تدغدغ خصيتي, امرأة صينية تحمل مظلة حمراء وجهها أملس متعرق, وبيدها كيس أعرف محتواياته, أتمهل قربها, تتمهل بتردد, أقترب أكثر أفتح النافذة تلفحني الرطوبة.... اصعدي... تتردد للحظة قبل أن تمد رأسها من النافذة, تستكين لبضع ثوان لهواء المكيف البارد, تبقي كيسها بين رجليها النحيلتين ومن دون ان تتكلم تشير بأصابعها إلى الرقم خمسة. أقول.... خمسة؟ تعطيني هاتفها بعد أن كتبت بأرقامه رقم خمسين, ثم يظهر صوتها الأشبه بتصادم أربع طناجر نحاسية فاك وتكتب 50 فاك + مساج+ ساك تكتب 100 فاك+ مساج+ ساك+ فيلم تكتب 150 تستاء من عدم تفاعلي, تلكزني بمعدن مظلتها في رقبتي, أبتسم وأهز رأسي, وأتذكر أن تحت وسادتي واقيا ذكريا قديما جدا, أرفع صوت المذياع, أشعل سيجارة, وأنطلق مسرعا ونظري عالق في السماء...... ولاغيوم.... ولاغيوم. حازم سليمان |
قُبلات من أجل العراق الهاجس الذي لفها كثوب تقوى وطالعها في ثنايا الساعة لا يتزحزح، لا يترنح، لا يكف عن بعث الخشية في أوصالها. فهذا زمن وذاك زمن آخر، وكلاهما يحترق على أطراف يومها وعنادها. وها هي شمعة الشباب تذوب في ظلمات روحها دون أن تشق درباً للرؤية، ودون أن تُنير. فهي تريد الخلاص، أو الانطلاق، أو التحرر من القبلات الباردة في نهاية يوم متعب. هي تريد أن تشيع زمناً من الوصايا، وزمناً من ليالي السوق إلى الاستثمار بعصا الواجب. هي تعلم، وهم لا يعترفون: النهايات تتكون قبل أن تُدون. الهاجس الذي طالع "حُسنية" كضربة نحس، ينمو سريعاً في عراء الرغبة، يشدها نحو مواجهات لا يُعرف عصيها، أو مدى دفقها، أو ملامح امتداداتها. انقضى نحو عامين من التظلل في خيمة الكتمان والحرص ومحاولة النسيان. العاصفة المدوية في صدرها تقوى وتشتد مع الأيام، وتكاد أن تمزق صبرها وحلمها. وحيلتها على حالها؛ متجمدة من الخوف والشقاء في ركن ميت من الفعل. الصراخ ممنوع، والاحتجاج معصية، واغتصاب القبلات من شفتيها المارقتين عن الشهوة فيه من الفضائل فضيلة السترة والطاعة والعفة! وهذا الرجل المشدوه بجرائد تفيح منها رائحة الدم والقتل والبارود لا يعبأ بمعاناتها. يرجع إلى البيت من مكتبه مقلعاً عن الكلام والابتسام والسلام. يمشط ذقنه في أريكته، ويفتح شهيته لكلمات المذيع في التلفاز وهو يهرب من خبر سيء إلى خبر مؤلم. يكتئب على هدى هموم الساعة، فيرمق "حُسنية" شرراً، أو قهراً، أو عجزاً، ويشفع من اللحظة بالنوم والشخير. يتركها فريسة لملل الليل الطويل. ليلها صاخب بنداءات العوز في دائرة الشعور بالوحدة الضيقة. في الواقع، ليلها يتواصل مع نهارها منذ أن ركب "شارون" خيل غروره وعنجهيته واستعلائه وتحدى الأطفال والحجارة وقُراء الصحف والطالع والمصير في ساحاتهم المقدسة. يوم ذاك، عاد زوجها من مقاهي الكلام الفارغ في ساعة متأخرة من السهرة. بدا محتقناً بالغضب والانكسار. رمقها بفجور وامتعاض، وانكب على المائدة يعلك غيضه. وبعد حين من اجترار المرارة بنهم، نهض متباطئاً وجرها من يدها كالخروف إلى السرير. داعب جسدها البارد بعنف وعدوانية. قبل شفتيها الميتتين وهو شارد الذهن. أحست "حُسنية" بقشعريرة وكادت أن تتقيأ. لكن زوجها لا ينتبه، لا يهتم، لا يكترث. جيش الحجارة يجب أن يكبر ويتنوع. جيل جديد يجب أن يتكون على وقع العجز ويمحو عار الآباء. ومن حيث انتهى من احتقانه أغمض عينيه وتاه وراء الأحلام. نهضت "حُسنية" من السرير بهدوء، وركضت إلى الحمام. بصقت على شفتيها. غسلت شفتيها، وطالعت بقايا القهر في مقلتيها الحزينتين. ناجت ربها: - أستعين بك وحدك. أرحمني من القبلات التائهة. ومضى الزمن يرسم في أوراق أيامها نكبة في كل نكبة وهزيمة في كل هزيمة وخيبة في كل خيبة. عيونها دائماً شاخصة إلى السماء بحثا عن أمل أو فراغ تُضيع وجودها في أفاقه. لكن صور الموت والدمار والتحدي عن بعد والقبلات المتشنجة بالعجز تنتزع منها كل بارقة أمل، تحرمها من الشعور بالطمأنينة، تقذفها إلى بربرية الوحدة والقنوط. تسمع من حين إلى حين عن مظاهرات تخنق الشوارع. زوجها هو الذي يقود تلك المظاهرات، وهو الذي يكتب الشعارات، وهو الذي يعد ويتوعد، وهو الذي يجعلها تبصق على شفتيها. وفي مثل هذه الحالات، كانت "حُسنية" تنطوي على ذاتها وتبكي في حجرتها المغلقة على همومها ومعاناتها، وتتذكر: - وماذا ينفع الصراخ في ملعب كرة قدم؟ أسئلتها تكاثرت وتعقدت وثقلت مع تكاثر شعبية "شارون" بين أوساط اليهود. حرجها كبر أمام جسدها المغتصب يوماً بعد يوم، وكذلك أمام الرجل المقاتل من خلال قراءة الصحف والمسبة والإدانة. لجأت إلى الابتهال لله كي لا تكره نفسها. كانت "حُسنية" متيقنة من أنها لا تملك مفاتيح الخروج من هذه الدائرة. يمكنها أن تمزقها وحسب، ويمكنها أن تنجو من فعلتها هذه أو لا تنجو. وهاجس الخلاص لا يدعها لحظة واحدة. قبل بضعة أيام كادت أن تختنق بضجيج يأتي من خلف البحار فيمزق آذان الشوارع. هو ليس مفاجئ تماماً، لكنه مزعج للغاية. هي لا تحتمله لأن مغتصبها في الليالي والعتمة لا يحتمله. كانت متيقنة من ذلك، فمسها الذعر ككيد شيطان. وها هو ينام على صخب الجرائد والحناجر التي تلعن القادم والآتي وابتهال المؤمنين إلى الله. ومع طلائع الفجر المتمزقة بالنور والنار أيقظتها أنياب زوجها في ساعة مبكرة من الصباح. كان هلوعاً وعيونه تلمع بالجنون. عجنها بقبضاته وعصبيته. عضها بدل أن يقبلها. أنهكها ولم يتركها. لم تفهم "حُسنية" شيئاً، وإن كان الظن قد راودها بأن إسرائيل أنجبت شاروناً جديداً. قال في نهاية المطاف موضحاً: - من المرجح أن يحتاج العراق أطفال حجارة، يجب أن نستعد. نظرت إليه بأسى، بهدوء، برباطة جأش، وقالت كلمة قاطعة: - العراق يحتاج شيئاً آخر. الطلاق. محمد الدروبي:D |
مشكوور جدا
والله موضوع حلو وغني |
الساعة بإيدك هلق يا سيدي 22:40 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3) |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون