![]() |
في هذا الزمن الذي أخصصه لأقرأ ماتكتبه هنا أصيغه بصيغة تشوق وتطلع وسعي للمكان والزمان الذي تبدع فيهما ...
هناك صلة محسوسة لتتفرد في لحظة وجد بكل اندفاعات الروح لتؤطر اللحظة الزمكانية لنستحضر معك الرائحة كما الصوت .. من خلال مفرادتك .. قرصان .. أكيد قرصان اتابعك . |
شكرا على الرحلات الجميلة
بالفعل كلماتك وطريقة سردك جعلتني اشعر بنفسي اجلس بجانبك واسير معك حتى أنني أعطيت الريس من علبة سجائري أيضا أغبط قدرتك في الكتابة وأتمنى لك التوفيق يا صديقي |
اقتباس:
قطعتك الفنية أعلاه دلالة على حسّ قارئٍ مرهف وعلى صفحةٍ من فكرٍ سليم. محبّتي :D. |
اقتباس:
شكراً لتشجيعك يا صديقي وأتمنى لك بالمقابل كلَّ توفيق وسلام :D. |
عزومه مع البدو فى سيناء:
أكلوهم لحم شهى ياريتهم ماأكلوه سألنا قالو لحم جمل ف الدهن حمروه قلب بطونهم والكل ع الخلا جري ياهوه إللى لقا الخلا يابخته والباقى مالحقوه وبعد الصلا كل من صلا معاهم إتهموه حتى الريح ف الصلا ماقدرو يحبسوه تحياتي msabri |
اقتباس:
فنشعر نفس الفرحة ونحن على المركب ونفس الجمال ونحن ننظر للسماء وأمامنا صفحة النتيل العريض ونحن نسكن أحضانه تشعرنا بفس الألم عند إنتهاء الوقت وحان موعد الرحيل ونفس الأمنيه بأن نعيش تلك السعاده بلا إنتهاء وأن تتوقف كل الساعات عن العمل أسلوبك الرائع جدا أخذنى معك فى رحلتك وأعادنى الى رحلتى مع أصدقائى ليس نفس المكان لكن النيل فى بلدى أعرض وحضنه أرحب وجملا جدا حقا نتابع بخشوع لنستمتع أكثر أختك الربيع:D |
اقتباس:
![]() اقتباس:
إن التقت الذكرياتُ ففي هذا ملقى القلوب! وإن طافت بنا كلمةٌ وحملتنا معها إلى أيّامٍ مرّت في كتابِ الحياة، فهذا لأنّها وقعتْ على أسماعِنا وأذهاننا مثلما تقعُ الفراشةُ فوق الزّهور... ولا بُدَّ حينها من أن نرشفَ الرّحيق! صرتِ اليومَ عندي ربيعَ مصرَ وجمالَها :D. |
الإنسان مخترع عظيم يخترع الأشياء ويعمل لها خط إنتاج فمثلا صناعة الكؤوس يصنعها الإنسان منها الطويل ومنها القصير ويصنعها ملونة الأحمر والأبيض والأصفر والأسود وللأكواب عمرها الإفتراضى تكسر ويعاد تصنيعها بأشكال و ألوان أخرى - والإنسان المخترع يطلب لإختراعه براءة الإختراع فلا يتطاول عليه أحد وينسب لنفسه أحقية الإختراع وقد يطلق المخترع على الإختراع إسمه كحق من حقوقه والناس تؤمن بذلك بل وتؤمنه .
وأعظم المخترعين على الإطلاق هو الله إخترع الإنسان فجعل له خط إنتاج فى قرار مكين وجعل منه الطويل والقصير ولون بشرته فمنه الأحمر والأبيض والأصفر والأسود كذلك جعل له عمر إفتراضى فيموت ويعاد إلى التراب ثم يعاد التصنيع لأشكال وألوان أخرى وبعض البشر ماقدوا الله حق قدره فنسبوا هذا الإختراع العظيم لغيره من الإختراعات الأخرى كالشمس والنجوم والبشر ليتهم يتفكروا ويعطوا كل ذى حق حقه تبارك الله أحسن الخالقين . مع تحيات MSABRI |
اقتباس:
:D. |
الخطيئة!
السّبت 23 تمّوز 2005 (جويوزا ماريا- صقلّيّة)
الخطيئة! كنتُ هذا الصّباح عبداً من عبيدِ الخطيئة، من فصيلة الزّناة! كنتُ كتلك العروس التي استبدلتْ عروسَها الأمين بزناة الليلِ الفاسقين، متوهّمةً أنّها تحصل على حياةِ زيتٍ وخبزٍ وخمر! لو ما كنتم تعرفون لما كانتْ عليكم خطيئة، لكنّكم تعرفون فخطيئتكم ثابتة. وهكذا مضت هذه الكلمات تطلقُ في فكري سهامها من كنانةٍ فيها من أصنافِ السّهام ما لا يُحصى ويُعدّ.كنتُ أعلمُ أينَ الحقيقة وفي أيّ دربٍ تكون، لكنّي مضيتُ مصراً في دربِ الخيانةِ دون كللٍ أو ملل. ماذا أقولُ بعدُ وبأيّ لسانٍ أمدحُك يا ربَّ الأكوانِ وعروسَ البشرِ الأبديّ. صرتُ مثل شعبِ إسرائيلَ الزّاني الباحثِ عن الحقيقة خارجاً عنكَ، السّاعي في أثرِ حروفِ الموتِ، بينما يغفل عن رؤيتك أنت الحقيقة في ذاتها. لا يسعُ المكانَ حزني ولا ينفعُ فيه أسفي، فليتمزّق إذاً قلبي الصّغير هذا المملوء من أوهام العالم المنجذب إلى الأباطيل، وليذهب إلى الجحيم. أعدني إليكَ يا ختنَ الأزلِ والأبدِ، أدخلني خدرَك الدّافئ، وأعنّي كي لا أدنّسه من جديد. اطبع في قلبي ختمَ حبّك ختماً أبدياً لا يُمحى، واجعل من العابرين المُبصرين يعرفونَك فيَّ، ويعرفون أنّني لك وحدَك دون شريك. انحت في صخرِ فكري اسمَك، ونمّي في تربةِ قلبي بذورَك، واستأصل منها زؤان الخطايا التي استعبدتني. ساعدني على التأمّل في كلمتِك، لأنّها الوحيدة القادرة بسلطانٍ على تغييرِ القلوب. هي ذي أمثالُك ورموزُك تكلّمني بلغةٍ يعرفها الحاذقون، هو ذا صليبُك مزروعاً أمام ناظريَّ يقصُّ عليَّ رواية خلاصٍ معدٍّ منذ أقدم الأزمان، ها أنتَ تبسطُ على دفّتيه جناحيك محلّقاً في عالم الأموات باعثاً الإنسانَ من أرضِ الرّقاد. ها أنتَ تحملُه كسيفٍ بتّارٍ ذي نصلٍ لا يخيب، تقطعُ به رأسَ الموتِ وتهدُّ مدامك مملكته وتجعلُ منها غباراً تذرّه رياحُ البعثِ والغَلَبة. قدني يا ربُّ إلى حدائقك، وعلّمني أن أحطّ على أزهارها مثلَ فراشةٍ مستنيرةٍ، لا مثل تلك الكسولة التي أفاقتْ بعدَ الغروب فضلّتِ الطّريقَ وحلَّ الظلامُ وبحثتْ عبثاً عن حدائقِ الحقِّ ولم تجد غير أنوار الأباطيل، فدارت حولَها وبقيتْ تدورُ حتى سقطتْ صريعةَ الوهمِ عندَ الصّباح. بل قدني بنفسِك وضعني براحتيك على زهرِ ملكوتِك لأرشفَ منه بقربِك رحيقاً حلواً عذباً لا يفنى ولا يزول. فأمّا شركائي الذين خنتُ فهبهم قلوباً حليمة تسعفني في لحظاتِ ضعفي بغفرانٍ يعزّز من رجائي ويُبعد عني أشباحَ اليأسِ؛ وأفض عليهم مزيداً من الحبِّ ليملأوا فراغَ ما أنقصتُه بخيانتي، ودلّهم إلى بابِ الرّحمةِ بين أبوابِ الفضائل، واجعل منّي ومنهم شجرةً تسكنُها الوحدة والأمانة ولا تثمر إلا الخير والصّلاح. |
تسمح لي يا سيدي اكون منديل صغير تضعني في أي زاوية من حقيبتك لأكون معك في اسفارك...
:D:D |
اقتباس:
كم كان صباحي يفتقد شيئًا كهذا لست أقول يفتقد كلماتٍ كتلك التي سَرت موضعَ المزج ِفي الفم فتعالي وقع الكلمة يكسبها ما يقلب البصيرة ولا يأسر البصر كم اغتنيتُ ... :D |
اقتباس:
|
اقتباس:
|
الثّلاثاء 22 نيسان 2008 (ستوكهولم): اليومَ أعودُ إلى غَيبوبتي من جديد... غيبوبة الخوف والعزلة! اعتزالي ليسَ إراديّاً، بل رغماً عن أنفي، واعتيادي عليه يُساعدُ في رفعِ وتيرة وحدتي. لا أعلمُ الآنَ إلا شيئاً واحداً فقط، هو رغبتي في التحرّرِ والانعتاقِ من عبوديّة هذه الجسدِ العنيدِ الضّعيف... أسائِلُني: لماذا أنظرُ إلى جسدي المسكين على أنّه شيءٌ آخر؟! لماذا لا يكونُ هو من ينظرُ إليَّ ويحتقرني لضعفي وخطاياي الكثيرة؟! ألم يكن هذا الجسدُ أيضاً من صنيعةِ الخالق الإله، أم أنا شيءٌ وهو شيءٌ آخر؟ ما زلنا فوقَ الأراضي الأسّوجيّة المليئة بالغابات والبحيرات والبرد... والسّفرُ والتحليقُ يمنح موقفي من كلِّ شيءٍ بهجةً وجمالاً، بينما يلقي الفراقُ عليه ظلالاً ضبابيّةً ثقيلة. بعدَ قليلٍ نصلُ مطار سكافستا الواقع في جنوبِ العاصمة السّويديّة حيثُ ينتظرني ابنُ خالتي وشريكي في صيدِ الأسماك! انتهى.
|
بين هذا وذاك!
الثّلاثاء 9 كانون الأوّل 2008 (روما)
بين هذا وذاك! عزلتي في عربةِ القطار تدفعني إلى التقيّؤ!! والقلمُ ينكزُ خاصرتي لأخرجَه من عتمةِ الرّداء فيُطلق العنانَ لحبرِه الأسود البليد. لأخرجنّه إذاً، ولأتقيّأنَّ ما تبقّى في ذاكرتي من الأمسِ الذي كانَ يوماً وحيداً... ولربّما كانَ مثلي! أذكرُ البارحة في منتدى "الأخويّة" حيثُ التقيتُ منسِّقة صغيرةَ السنِّ منفعلة محكومة كالآخرين بأوهامٍ سيقَتْ إليها عبر جسورٍ ممتدّةٍ فوق الرّمال، عاجلتني بكلمةٍ أشعلتْ فيَّ ما أحاولُ إطفاءَه منذ أيّام، فنزلتُ معها إلى الحضيض وأسمعتُها ما لاقَ بكلمتِها، لكنّي لا أحملُ منها ومن عباراتها وردودها إلا الأسف!!! تلاها أحدُ المتقاعدين يسألُ عن الشّمسِ في منتصف النّهار، وأعقبَه آخرٌ أفرغَ في الصّفحةِ ما حفظَه من دروسِ الأيّام السّابقة وما تعلّمه على أيدي صنّاع الأقنعة وأساكيم الرّياء!لكنَّ ذلكَ خمدَ فجأةً مثلَ جمرٍ ألقي في قاعِ بحرٍ باردٍ، عندما حادثتني صديقةٌ عزيزةٌ على قلبي، ثمَّ تلقّيتُ اتّصالاً هاتفيّاً من أفضل أصدقائي وأقربهم مودّةً ومعرفةً إليَّ، فأنسياني هرطقات البشر في زمن الإلحاد المُميت! ضحكنا حتّى ارتوينا، وكأنّنا جليسين وحيدين في قاعةٍ تحملُ مائدتُها ممّا لذَّ وطاب، ثمَّ تبادلنا آخر الأخبار، وحدّثته عن بحثي عبثاً عن سكنٍ وعملٍ في مدينةٍ حكمت العالمَ يوماً! فأمّا الآنَ فالقطارُ يمشي الهُوينة مقترباً من مدينةٍ فارغةٍ من كلِّ شيءٍ ما عدا الموت والشّتاء. عبرنا الجسرَ وإلى يميننا وشمالِنا تراكضت الأشجارُ والأسوارُ وسككُ الحديدِ وتلالٌ من رملٍ وبشرٍ راح هؤلاء يدخّنون ويشربون ويسافرون كما راحَ قائدُ القطارِ يصفّرُ مُعلناً عن رحيلٍ آخر! أكلتُ إحدى قطعتي شوكولاده تْويكْس منتظراً رصيفاً جديداً أتنفّسُ فيه دخاناً كئيباً مثل وجه البائسين. آهٍ... تذكّرتُ أنّي البارحة شربتُ جميعَ لفافاتي وأحرقتُها، وعليَّ الآن أن ألفَّ أخرى جديدة قبل الوصول المُقبل! |
قراءة في أدب سيمون جرجي
كتبها الناقد والأستاذ إيليا
يتّسم أدب سيمون جرجي عامة بالحيوية والنشاط، وهما صفتان اكتسبهما غالباً من شخصيته التي تتمتع بهما حقاً. فهو أبداً في حلّ وترحال. يتنقل بين البلدان والقارات بخفة لا تعرف التعبَ. يعاين الأحداث في هذه البلدان، ويستجلي ظواهرها الفكرية والاجتماعية، ويصور للقارئ معالمها البارزة بريشةٍ فنان صنّاع. ولأدبه مضامين فكرية ونفسية متعددة يمكنُ حصرها في النقاط التالية: 1- البوح بالمشاعر الذاتية، ومناجاة الروح بأسلوب شعري جميل مؤثر 2- التغني بحب الوطن، والأم .. 3- بث الشجون التي تولدها الغربة في نفسه، والشكوى من العسر المادي وضيق ذات اليد 4- تصوير مشاهد ومعالم ومواقف وشخصيات من البلدان التي يزورها الكاتب المولع بالرحلات، مع بيان آثارها في عقله ووجدانه 5- وصف شغفه بالكتب، والمكتبات 6- النظرة العميقة إلى الحياة والموت وما يتأرجح بينهما من الأفكار الفلسفية ذات الطابع اللاهوتي كما يتضمن أشياءَ أخرى، منها ما هو طريف ممتع من مثل ميله إلى الأطعمة وعنايته بوصفها، وبوصف إقباله عليها وتذوقه لها، حتى ليذكرنا ببعض شخصيات الجاحظ المولعة بالمآكل. وقد استلفت نظرنا هذا الميل من الكاتب إلى الأطعمة والأشربة، فآثرنا أن نشير إليها حيثما وردت في تدويناته، لما فيها من الظرف والطرافة. نقرأ في تدوينته الأخيرة "الجزّار الافريقي" - وهو عنوان استعاره الكاتب لنهر النيل، ولم يكن مع الأسف موفقاً فيه؛ لأن النيل كما هو معروف واهب للحياة، وليس كالجزار يقبض عليها للذبح - ما يلي: "قرّرنا الخروجَ هذا المساء ونبذ اعتزالنا المنزليّ، فطرحَ صديقي مشروعَ العشاء على الطاولة وتلقّفته أيادينا وأعملنا فيه المشاورة بين أن نتعشّى هنا ونخرج، أم نتناوله خلال الطّريق! رجّحت الأصوات عشاءَ الطّريق، فاستعجلنا الترتيب والتوضيبَ وهرعنا إلى الخارج كطيرٍ أقامَ في قفصٍ أعواماً طوالا... ". ثم يتابع قائلاً :"... بالقربِ من حيّنا الغمراويّ دخلنا مطعم "كوك دور" الذي اشتهرَ في مصر بوجباته السّريعة، وطلبنا صندويتشاً، وكانت حصّتي واحدة محشيّة بصدرِ دجاجٍ مشويّ. حملنا هذا الغداء وبلغنا به كورنيش النّيل... ". وفي تدوينة "مجمع الأديان" ما يماثل هذا النهم إلى الطعام: "كانَ الفطورُ دسماً هذه المرّة فقد ازدردتُ بيضتين و"عيشاً" (خبزاً) مصريّاً مع كأسٍ من الشّاي الثّقيل وتراوحت ملحقاتُ هذا الصَّبوح بين الجبنةِ واللبنةِ... ". وحين يكتب إلى صديقته رداً على رسالتها المنتظرة، لا يفوته أن يستمد من المائدة عناصر فكرته فيقول: "ما يزالُ عندي وقتٌ طويل فحدّثتُ نفسي ودعوتُها إلى مائدة من موائد الأدبِ الرّوائي المصريّ... ". وفيها أيضاً هذا الوصف المسهب الفكه للمأكل والمشرب، ولإحساس الكاتب بهما . وهو إحساس يكاد يقترب من إحساسه حين تبصر عينه إحدى المكتبات: "سألتُ صديقي الذي أُلازم مسكنه عن الغداء فقال لي: "كُشَري"، ستأكل اليومَ طعاماً لذيذاً وستدعو لي من بعدها. خرجَ على أثرها وعادَ بعد قليل حاملاً الكشري الموعود وبضعة أقراص من الطعميّة وعلبتين من اللبن الزّبادي. نزلتُ إلى الميدان بكامل لباسي العسكريّ فمزّقتُ الصّحون والأقداح وجعلتُ منها عبرة لمن اعتبر ... ". وجاء في موضع آخر هذا الحديث العجيب الذي يشبه حديث النساء أو الطهاة: "دخلنا هذا المركز التجاريّ العملاق وسارعنا إلى سوقِه حيث المؤونة والغذاء، وحملنا معنا ما يكفينا أسبوعاً وكانَ بينها باذنجان أبيض أراه لأوّل مرّة أخذناه لنصنعَ منه مع الكوسا والبندورة والفليفلة طعاماً نسمّيه "دولما" وهو "المحشيّ" عند البعض الآخر. بعدَ جولةٍ أخرى من التسوّق في هذا "المول" جلسنا في أحد مقاهيه وطلبتُ كأساً من الشوكولا المثلّجة، بينما اشتهى صديقي كأساً من الشّاي..... عُدنا إلى البيت واقتصر العشاءُ على بقايا الغداء وملحقات السفرة الأخرى". وفي تدوينته "في روما" سنقرأ حبه للأكل أيضاً ولكن في إطار شاكٍ حزين: "ليس في جيبي إلا القليل القليل، بضع قطعٍ نقديّة معدنيّة تبلغُ 7 إِوْرو و67 سنتاً تمكّنني من الحصول على وجبة ونصف في مطاعم المَكْدونالدز الشّهيرة! غداً سيصلُ صديقي من بلدتي مُحَمَّلاً بوصيّتي الأخيرة التي تركتُها على الهاتف عندما جمعني بأمّي الحبيبة. سيحملُ لي كتباً وطعاماً ونقودا.. ". ولن ينسى كاتبنا وهو يستعد للرحيل في تدوينته "في جنوب بلاد الغال" أن يتناول طعامه. فإن تناوله للطعام، طقس مقدس لا بُدَّ من ممارسته قبل الرحيل: "غادرتُ بلدتي الحبيبة صباحَ الأربعاء في الثلاثين من الشّهرِ الماضي تمّوز لتناول الغداءَفي حلب والاستعداد للرّحيل ... ". هذه بعضُ صورٍ للأطعمة رسمها لنا الكاتب في تدويناته بريشة متشهية. وجاءت لترسم في مخيلة القارئ ملامح كاتبٍ له ولعٌ خاص بالأطعمة والأشربة، ولتضعَه وجهاً لوجهٍ أمام رجل بطين، ضخم، ثقيل الحركة، تجحظ عيناه كلما وقعتا على صنفٍ يلذُّه منها. وهو في الواقع ليس كذلك... |
اقتباس:
|
سمعت بانك كاتب مذكرة متعلقة بمدينتي حلب .. فانه شهيتنا نقراها :lol:
|
اقتباس:
مرورك بصفحاتي ألو طابع مميّز ومتل ما قلتلّك بيحمل للآخر صفاء وسكينة، وبوعدك أنّو أكتب شي لمّا رجّع شوي حيويتي اللي مستفقدلها :D. اقتباس:
بس كتبت مرّة عن حدث بحلب يوم التقيت بصديق ساعة 3 وج الصّبح... والله يسامحو لكعني وقوفاً لشقشق الضوّ! لعيونك يا غالي أنا خلال كام يوم بكون بحلب وبظن رح نام فيها لليلة وحدة وبدي أكتبلك أحلى صفحة عن حلب وأهلها، بس اعذرني ما بحب الكذب :p. وبعدين شو هاد شهيتني ما شهيتني... اشتهت إيدي بخناقك... أنتو أهل حلب بتضلّو جوعانين؟! :lol:. |
ناطرينك :D
|
بلا تاريخ (حلب)
كنتُ قافلاً أعودُ من حفلةٍ دعاني إليها أحدُ الأصدقاء، ولذّة شرابها ما زالت تضربُ في رأسي، مثلما بقيتْ تضربُ فيها أنغامُ مغنٍّ شابٍّ، أعادني إلى أيّامِ الرّشيدِ ومغنّيه إبراهيم الموصلي، وشتّان بيني والرّشيد وبين الموصلي وذاك الفتى الحلبيّ الذي راحَ طوال المساء يضرب العودَ بأنامله ويصدحُ ويقول: بـروحي فـتـاةٌ بالعفافِ تجمّلتْ ..... وفي خَدِّها حبٌّ من المِسكِ قَدْ نَبَتْ وقَد ضاعَ عقلي وقد ضاعَ رُشدي ..... ولمـّا طلبـتُ الوصلَ منها تمنّعـتْ فقالـتْ: أمـا تَخشى وأنتَ إمامُ ..... أتزعمُ أنَّ الرّيقَ مـدامٌ والمدامُ حرامُ؟ فكنّا نتمايلُ حاملينَ كؤوسَنا، هاتفينَ معه: أعدْها علينا أعادك اللهُ إلى منزلِك سالماً غانماً... وآخرُ يصيحُ: لا باركَ اللهُ في شرعٍ حرّمَ المدامَ... من لم يذق طعمَ الرّيقِ ما ذاقَ، واللهِ، شيئا... وقسْ على مثل تلك الأقوال! وما إن بدتْ على القوم دلائلُ السّكرِ في تمايلاتهم كالرّيح تعبثُ بالغصون الطريئة، وفي أقوالِهم وقد ضربت الخمرةُ البيضاءُ منهم ما ضربت؛ حتّى نهضتُ وسلّمتُ على صاحب الدّعوة وغادرتُ المكان لا ألوي على شيءٍ. هكذا تركتُ الحفلَ وجمعَ الغناء والمدامَ كما تركتُ الفتاةَ المجمّلةَ بالعفاف وإمامَها سكرانَ الهوى، واخترتُ طريقي في زقاقٍ قديمٍ من أزقّة حيّ "الجديدة" لا شيء فيه إلا الظلمة والسّكون. مددتُ يدي إلى جيبي وأعدتُها محمّلةً بهاتفي الصّغير واخترتُ اسماً ثمَّ ضربتُ الاتّصالَ وانتظرتُ... ألو، مساءُ الخير... كيفَ حالُك؟... أينَ أنتَ؟... أنا في "الجْدَيدِه"، ما رأيُك لو نلتقي بالقربِ من المكانِ الفلانيّ؟... اتّفقنا إذاً! وأنهيتُ الاتّصال. ورحتُ منذ تلك اللحظة أرسمُ في مخيّلتي صوراً لصاحبٍ عرفتُه دون لقاء! وكيفَ تجمعنُا الأيّامُ بأناسٍ لقاؤهم يتركُ أثراً في النّفسِ لا يُمّحى. كنتُ قد تجادلتُ معهُ يوماً حولَ إحدى مقطوعاتِه الشعريّة الفلسفيّة على صفحات منتدىً شبابيّ إلكترونيّ، ومنذ ذلك الحين بتنا نقتربُ خطوةً تلو الخطوة ونلتقي في أفكارٍ تبادلناها تدرسُ هذا الكون الواسع والإنسان الذي يُفسدُ فيه والمظالمَ والقيودَ وكلَّ ما خطرَ لنا على بال. ثمَّ تزاملنا وأدركنا الكثيرَ، كلٌّ عن الآخر، وقد لا يكونُ هذا الكثير في عيني إلا القليل في عينِه... من يدري! كنتُ أمشي مقترباً من مكانِ الموعد ورأسي تلتفتُ ذاتَ اليمين وذاتَ الشّمال تُحدّق في القلائل الذين ما زالوا ساهرين يقطعونَ الشّوارعَ، فهذا عائدٌ من لقاءٍ غراميٍّ، وذاكَ قافلٌ إلى بيتِه بعدَما أضناه السّهر، وهناكَ رجلٌ وامرأته يمارسان المشيَ بعيداً عن ضأضاء الأولاد وهمومهم الكثيرة، وهنالك من كانَ مثلي يبحثُ عن لقاء. ورحتُ أحدّق بكلِّ بشرٍ أسائلُ النّفسَ في من عساه يكونُ الصّاحب! يتبع... |
أي حقيقة أكتشفها .. في تبعثري الكامن والطافح .. واصغائي لذاكرتك الدسمة سأتابع .. تأريخكَ بارع أنت كمعاطف القرصان حتى لو كانت كلماتك حافية ..... |
اقتباس:
اقتباس:
كلنا معك بانتظار اليتبع اقتباس:
|
اقتباس:
هل تعلمين أنَّ متابعتك تُضرم في مواقدي لهيبَ الكتابة وتحثّني على تحبير ما ابيضَّ من أوراقي، فلكِ فضلٌ في ما أفعل، كما كانَ لصديقتنا سونا. ولا بُدَّ من شكران وعرفان يكونان أهلاً بكما! فأمّا إن تعرّت الكلمات، فلأنَّ الكلمة المتدثّرة بمعاطف العادات والشّرائع والتخوم تبدو لرائيها مثلَ قطعةٍ منحوتةٍ قُدّت من صخر، فأمّا الكلمة الحافية فهي طليقةٌ لا تخضع لربٍّ ولا لإله، فتأتي مثلَ طينٍ في يدِ خزّاف! :D. |
ناطرين اليتبع دائما
واذا في شي مخباه عن الاذقية ..... بينو;) |
اقتباس:
بعرف أنّو يوم الحفل كان يوم أحد... وإذا نطرت عليّ شوي فيّ جيبلّك اسم الفتى الحلبي :p. |
اقتباس:
ولتملأ كفّيك من رهان الدهر وما كسبه من خيور هذه الأرض وكنوزها. زرتُ اللاذقيّة مرّةً واحدة وكم أشتهي ألا تكون الأخيرة... فأما تلك المرّة فكانت في ساعات قليلة مررتُ فيها مع صديقٍ لي على سوقِ المدينة وبعدَ أن عثرنا على طلبتنا غادرناها على الفور... :D. |
تكملة الـ"يتبع":
قلتُ: دعني أسيرُ على الرّصيفِ المُقابل لئلا يُدركني قبلَ أن أعرفَه، وما إن أصبحتُ في مواجهةِ بابِ المشفى وإذ بشابٍّ طويلٍ أشقر بعينين تبرقانِ يبحثُ عن شيءٍ – كمن أضاعَ شيئاً - في وجوه البشرِ من حولِه! كانَ يجتازُ الشّارعَ نحوَ الرّصيف الذي شغلتُه متطلّعاً إليَّ فالتقت النظراتُ وتساءلت العيونُ، عبرتُ خطوتين متعمّداً السّيرَ، باحثاً فيهِ عنهُ، مداوماً على التحديق في تينك العينين اليقظتين، متفرّساً في هيئته؛ حتّى وقفتُ فأقبلَ وقلتُ: نوّار؟! فانفردَت شفتاه عن ابتسامةٍ عريضةٍ تعجُّ بها الحياةُ بشتّى الألوانِ ومعه ابتسمَ المكانُ، ثمَّ مدَّ يده مُصافحاً فتصافحنا تلتها قبلُ المودّة. وبينما راحت العينُ تصافحه مرحّبةً تحوّلت الأخرى إلى يسراه ترقبُها وترقبُ الأشياءَ التي حملتها بكفٍّ لا مراءَ فيها وكانت علبة دخانٍ من نوع الـ"لوكي سترايك" وولاعةً وكتاباً عرفتُ لاحقاً أنّه من يدِ الفيلسوف الألمانيّ الشّهير فريدريك نيتشه، هذا الكتاب الذي أزهقَ جبرانُ اللبنانيُّ في قراءته والتأمّل فيه شطرَ حياته الأكبر، وكانَ من ذلك أن أخرجَ مثلَه في قالبٍ يُشبهه إلى حدٍّ بعيدٍ وسمّاه "النبيّ" مثلما سمّى نيتشه كتابَه "هكذا تكلّم زرادَشْت"! أوَ لم يكن باعثُ الرمزيّة في الأدب العربيّ على حقٍّ في مثل هذا التقليد الشّكليّ؟! أوَ ليسَ لكلٍّ منّا نبيٌّ يرى الحياةَ والموتَ في صورٍ وأشكالٍ تختلفُ عن الآخر؟! ومن ثمَّ ألسنا ننظرُ إلى الوقائع والأحداث والإنسان والحيوان والطّبيعة والمدنيّة والشّرائع والأديان نظرةً تتفاوت بين الخيرِ والشرِّ، بين النّقص والكمال؟! قلتُ لنوّار: خذ بنا حيثُ نجلس بسكينةٍ بعيداً عن صخبِ الشّهباء التي لا تعرفُ من الحياة إلا قشورَها ومدنيّتها البائسة المنحصرة في الاسمنت والمعدن! وفي مقهىً قريبٍ ساكنٍ جلسنا حول طاولةٍ منعزلة تُحدّث بعزلتنا قبلَ اللقاء. اختارَ صاحبي القهوةَ التركيّة واخترتُ الغربيّة، ثمَّ قدّم لي من لفافات تبغه فأحرقناها الواحدة تلوَ الأخرى (:larg:)، والأحاديثُ تطولُ وتأبى أن تنتهي، حتّى أتينا على العلبة الأولى. ورأيتُه يُخرجُ من جيبِه علبةً أخرى محليّة الصّنع من نوع "الحمراء" الطّويلة وهكذا لم نشعر بمضيّ الوقت، وعدّتنا نفدت، ولم ننهِ إلا القليل القليل ممّا أردنا الكلامَ فيه حول الأصدقاء والإنسان والدّين والماضي والحاضر والمستقبل، ثمَّ المطامح والمخيّلات، وكيفَ لصديقين يلتقيا أوّلَ مرّةٍ أن يذكرا مثل تلك المسائل في ساعات من الزّمن؟! غبتُ قليلاً لقضاءِ حاجةٍ وعندما عُدتُ وجدتُه قد دفعَ الحسابَ فشكرتُه (:p). وهكذا نهضنا وعُدنا من حيث أتينا، وهمَّ في المغادرة فسألتُه: ما رأيك لو اغتنمناها فرصةً فالتقينا أبا طوني؟ فوافقَ باشّاً! وهكذا تركنا الأقدامَ تسيرُ بنا في طريقٍ جديدٍ بعيد، ورحنا نعبرُ الشّوارعَ والأزقّة، ومن حارةٍ إلى أخرى حتّى بلغنا المكانَ، فبادرتُه: نوّار، أنا لا أعرفُ المنزلَ، ومن الأفضل أن أتّصلَ به! نظرتُ الهاتفَ فإذا السّاعةُ هي الثّانية من صباحِ يومٍ جديد، اتّصلتُ فرنَّ هاتفُه وكنتُ أسمعُ التونَ مخيفةً تبدّدُ سكونَ الليلِ ووحشته... - ألو، صباحُ الخير - صباحُ النّور - هل أنتَ في البيت؟ - نعم، ومن أنت؟ - اخرج وستعرف، أنتظرُك في الشّارع - لن أخرجَ إن لم تخبرني من المتكلّم - حسناً... أنا نوّار (قلتُها كاذباً). - لحظة واحدة وأكون عندَك (صاحَ على الفور). حينَ رأيتُه قادماً كنتُ واقفاً أتطلّعُ إلى السّماء وفي يدي سيجارةٌ تحترق، بينما انزوى نوّار في مقهى للإنترنت وفتحَ بريده وراحَ يُحادثُ أصدقاءَه، ناديتُه: نوّار تعالَ فقد جاءَ! أقبلَ من بعيد ضاحكاً متكلّماً مسلّماً بحيويّة الشبّان وحماستهم. كانَ شابّاً في مُقتبل العمر، يبدو عليه الجوعُ إلى الحياة، والعطش إلى عيشِها بكلّ ما فيها من فرحٍ وحزنٍ، من فشلٍ ونجاح، من يأسٍ ورجاء! هادا أنت؟! قالها بدهشة، ثمَّ تابعَ: واللهِ لم أميّز صوتَك، واعتقدتُ بأنّك نوّار مصدِّقاً كلامَك... يا لكَ من ماكر!كانَ الكلامُ أكثرَ بكثيرٍ من أن يسعه وقتٌ محصورٌ بين غروبِ شمسٍ وشروقِ شمسٍ جديدة، ولهذا وبعدَ زمنٍ قصيرٍ امتلأ من حديثِ الصّديقين، اعتذرَ الصّاحبُ وفارقنا بعدَ أن وعدنا بلقاءٍ آخر في وقتٍ أفضل! وهكذا بقيتُ وحدي مع هذا الجبرائيل رسول الإله "سعدو" الشّهير، ومن مثل جبرائيل الملاك لقادر على إبلاغ البشر شرائع "سعدو" المعظّم وحكمه المكتوبة منذ أزل الآزال على لوحٍ محفوظٍ في قلبِ قلبِ قصرِ الدّهور؟! ولم نلبث أن سِرنا في طريقٍ طويلٍ هدَّ رجليَّ بعدَ مسيرٍ ووقوفٍ طوال النّهار، حتّى أوقفنا العيسَ وضربنا الخيامَ في زاويةٍ من إحدى الحارات الواسعة، وطابَ لنا أن نكثر من القيل والقال عن الأخويّة مجمع الشّبيبة، ومحفل الفكرِ والتسلية... وشيئاً فشيئاً كانَ سوسُ النّورِ ينخرُ في رداءِ الليلِ حتى أحالَ النسيجَ شبكةً ما لبثت أن صارت رقعاً وخيوط الفجرِ تأتي على ما تبقّى منه... وصاحتِ العصافيرُ وأعلنَ اليمامُ بدءَ يومٍ جديد، والشّمسُ ترتقي جبال العتمات التي لفّت مدينة حلب وتطردُ منها النّومَ والرّقادَ وتحيلها إلى قفيرِ نحلٍ لا تملُّ عذراواته من العملِ، ولا تكلُّ من البحث عن الرّحيق وصنع العسل.ودّعتُ الصّديقَ أبا طوني وذهبتُ إلى نزلي وبعدَ بضع ساعات لملمتُ المضاربَ وهمزتُ الخيلَ معلناً رحلةً جديدة في أرضٍ صديقة. |
اقتباس:
الساعة الثالثة فجرا مو الثانية :jakoush: بتعرف انت شو الانطباع الطيب اللي تركته الليلة هي بنفسي وبذاكرتي :D:D:D |
اقتباس:
انو أنا حظي كتير قليل بس الأيام جايات :D |
متابعين دائما
سواء لقاءات ... او مغامرات:p بس هيك ما شفت الاذقية؟؟؟:cry:... خدلك مشوار ع كسب .. بيطلع من العمر :lol: |
اقتباس:
خيّو الذاكرة خوّانة، وعم حاول كون أمين على قدر الإمكان... والإمكان مو كامل فالعذر منك والكريم من عَذَر! بظن أنو أنت بنموك الفكري والثقافي يللي باين متل الشمس عم يترك فيّ انطباع أعمق من لقاء واحد :D. اقتباس:
لا تقول هيك... حظك كتير حلو وأكيد في لقاء :D. اقتباس:
لاتاكيا رح شوفها، ما فيني ضل بدون ما شوفها وأكيد رح أكتبلك شي عنها، من عيني هي لهي :D. |
الخميس 28 تمّوز 2008 (روما): القلمُ الأجير
"كم أحتقرُ كذبةَ الأدبِ وزائفيه! قد لا تكونُ كأسي كبيرة لكنّي لا أشربُ إلا منها". هكذا هتفَ ألفرد دو موسيه لاعناً القلمَ الأجيرَ. دعتني هذا الصّباح الصّحافيّة جمانة حدّاد إلى الكتابةِ من جديد. فقد تمتّعتُ وتلذّذتُ ملتهماً وجبتَها الطيّبة التي أعدّتها ثمَّ نشرتها في جريدة "النهار" (هذا اليوم) تحت عنوان "القلمُ الأجيرُ ظاهرةٌ قديمةٌ في الأدبِ أثيرتْ حولها الفضائحُ في كلّ الأزمنة". مرَّ في خاطري للحال مؤرّخٌ وكاتبٌ سريانيّ نجا من مذابحِ الأتراكِ والأكرادِ إبّان الحرب العالميّة الأولى، بعدما افتداه أخوه بنفسِه، فقامَ، ردّاً لفضلِه، بأود عائلةِ أخيه البارّ وربّى بنفسِه أطفالَه، وقضى بقيّة العمرِ دون زواج. ولم يكن له من معيلٍ إلا قلمه، فكم من مرّةٍ ومرّة دفعَ به إلى الأجرِ لحاجةٍ إلى المال، وحاجةٍ إلى سدّ أبواب العوز والجوع! كان ناسخاً من أمهر النسّاخ، يكتبُ باليُمنى وإن تعبتْ كتبَ باليُسرى، وهكذا يقضي ساعات النّهارِ يعملُ حاملاً قلماً أجيراً ذا فاقة. كما تذكّرتُ صديقاً لي قضيتُ معه ردحاً من الزمنِ في لبنانَ في أثناءِ الدّراسة الجامعيّة، كانَ يتيماً منذ الصِّغَر، وفي السّنة الجامعيّة الأولى توفّيتْ والدتُه، ولم يبقَ له من معيل إلا اللهُ والقليلُ الذي كانَ يجنيه قلمُه الأجير! فقد كانَ على كلّ طالبٍ أن يُعدَّ ثلاثةَ أبحاثٍ على الأقلّ في كلّ عام، وهكذا كانَ صديقي الحمصيّ يقوم بكتابة العشرات منها عنه وعن بعضِ الكسالى مقابلَ أجرٍ زهيدٍ لا يتجاوزُ الخمسةَ أو الستة آلاف ليرة لبنانيّة، يصرفُها على سجائرَ اللوكي سترايك وعلى حاجاته الأخرى! كنّا نعيشُ في مبنىً واحد، وكانَ له، برغمِ فاقته، قلبٌ طيّبٌ لا يرفضُ شيئاً لأحد، حتّى وجدني يوماً في حاجةٍ إلى بعض النّقود، فأخذَ ما كانَ له وقدّمه لي من دون أن يقولَ شيئاً. تمنّعتُ في البداية عالماً بحالِه، لكنَّ يدَه الممدودة وطرفه المخفوض حملاني على الموافقة. أذكرُ ليلتها أنّي بكيتُ ألماً على فقيرٍ أغنى من أصحابِ الملايين. كانَ صديقي السّمين يفتحُ علبة السّجائر بطريقةٍ غريبةٍ، إذ كان، بدلَ أن يفكّ الرّابط البلاستيكيّ وينزعه كاملاً، يشعلُ بولاعتِه أحد أطراف فتحتها، فيزيحه قليلاً ثمَّ يفكّ الأوراق المثلّثة بعنايةٍ ويغلقها من بعدِ كلّ لفافة! سألتُه مرّةً عمّا يفعل ولمَ! أجابَ: أحاولُ قدرَ الإمكان الحفاظَ على التبغِ من الجفاف، فالعلبة عليها أن تكفيَني أربعة أو خمسة أيّام... وكانَ يضحكُ لاعناً الفقرَ! لعبتُ هذا الدّورَ أيضاً في مجلّةٍ محليّةٍ أصدرها أحدُ الأصحاب عملتُ في تحريرِها، وكنتُ أقومُ بكتابةِ أكثر من مادّة لتصدرَ واحدة فقط باسمي والبقيّة بأسماء العاملين معنا. كما كنتُ أصوغُ وأحرّرُ لا بل أعيدُ كتابة مقالات كاملة كتبَها الأصدقاء بسبب رداءة لغتها وركاكة أسلوبها. كما جعلتُ قلمي أجيراً طوال سنوات الدّراسة تماماً كما كانَ يفعلُ صديقي الحمصيّ اليتيم، لكن بدون مقابلٍ ماليٍّ، بل لقاءَ كتابة أعمالي على الآلة الكاتبة أو الكومبيوتر وطباعتها، وهكذا كانت المقايضة هذه تكلّفني ساعات من الليلِ أقضيها في إعدادِ أعمال الآخرين! قد يندمُ الكاتبُ عندَ بيعِه الكلمة، وخصوصاً كلمته هو، ولكأنّها طفلٌ يُنزعُ من حضنِ والدةٍ خرساءَ مقعدةٍ، فلا تجيبُ إلا بأنّات وحركات أليمة باكية! لكنّ الحياة ورغيفَها أثمنُ من الكلمة. إنَّ القلمَ الأجيرَ يتركُ صاحبَه في ندمٍ وأسىً، لا بل يذكّره بين الحينِ والآخر بجريمته وخيانته، فتدمى كلومُه من جديد بعدَ أن رفأتها الأيّامُ ومضيّ السّنين! اليومَ أذكرُ ما فعلتُ ولستُ بنادمٍ، إذ أذكرُ أيضاً حاجتي التي قادتني إلى مبادلة كلمتي بما يقيتني ويكسيني؛ وإن اضطررتُ إليه من جديد لفعلتُ ما فعلت! |
رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى
|
اقتباس:
اصطادت قريحتك صورة بلاغية فذة معبرة عن حال شريحة بأسرها في العالم كله! قلمك زاخر كقوس قزح هل من مزيد قريب؟ تحيات أخوية تليق بابداعك :D |
وأنت هل تكتب باليسرى أو باليمنى اظن كيفما تكتب أنت بمنتهى الجمال
عدت لبعض مواضيعك السابقة وجدتك الأجمل والأروع:D |
اقتباس:
وجودُك إغناء بشتّى معاني الغنى والثّراء. أهلاً بكَ على متنِ مركبي الصّغير هذا :D. |
اقتباس:
فأمّا عن تشبيهك قلمي بقوس قزح فهو مبالغة من بابِ الودّ والتشجيع، وإنّي لشاكرٌ لكِ ذلك. فأمّا الواقع فيقول إنَّ قلمي ما زالَ باهتَ اللونِ لا نضارةَ فيه ولا حياة، وقد يبلغ قريباً اللونَ الأوّل! نعم يا عزيزتي رانيا، فثمّة مزيدٌ وكثيرٌ لكنَّ الوقت سلطان القلم والذّاكرة، فإن أجازَ لي تلك الدقائق لفعلت. ولكِ أنتِ أيضاً تحيّة تليق بردّك اللطيف وإلى اللقاء :D. |
اقتباس:
ولذلك انتقيت كلماتي في تعليقي السابق لتلائم قرصاناً يقتنص ويصطاد أما عن الألوان .. في الأدب تكون الألوان الحقيقية بالمحتوى والمغزى وليس بالأشكال أو بمكان وجودها وأنا رأيت في مواضيعك تدفقاً في المحتوى متعدد الجوانب.. قلمك ليس باهتاً أنت تقلل من قيمته كثيراً ألا تخشى من زعله منك؟ إن زعل القلم فسيحرد ولا يطاوعك بعدها حتى ولو كانت المنشورات لم تتلقى لونك الأول فذلك لا يقلل من قيمة ذخيرتك الحافلة ولابد أن المشكلة العويصة في سوق النشر تعترض على دخول منافس جديد وقرصان من الطراز الأول! لكن مع الصبر ( كثير من الصبر) ستجد لك مكاناً تحت شمس النشر تذكر (غابريل غارثيا ماركيز ).. كان يستدين ثمن الورق الذي يكتب عليه حتى بلغ من العمر عتياً قبل أن تجد كتابته السبيل إلى عيون القراء في كل مكان من العالم وصار هو حلماً!! بعد أن كان مدمناً على الأحلام. تابع مشوارك القرصني بنفس العزم والهمة وستقتنص آمالك اقتناصاً مع تحياتي الأخوية :D |
الساعة بإيدك هلق يا سيدي 19:00 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3) |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون