نيقولا
01/08/2005, 23:28
في البداية اعتذر على الإطالة الشديدة , لأن الرد الأول الذي يأتي غالباً من الأخوة هو " لم نفهم .. طلاسم وألغاز .. غير واضح .. لف ودوران ... الخ " لذلك أحببت أن يأخذ هذا الشرح وقتاً قبل نشره حتى أستطيع أن أوفيه ما أستطيع من حقّ .
ولن اختصر فاعذروني على الإطالة . سأحاول طرح الأسئلة كما استخلصتها من موضوعات الأخ " روح الحقّ " .
أحب أن الفت انتباه الأخوة هنا إلى حقيقة أن الكنيسة عندما تطلق تفسيراً لآيه أو لكلمة ما فعي تعود للنص اليوناني الأصلي وليس للترجمة إلى أية لغة كانت .
أولاً - هل كان سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى يعبد اله واحد كما يعبد المسلمين الآن أم عبد اله له ثلاثة أقانيم ؟
الجواب : سأرد هنا بأن أوضح أن حقيقة الثالوث القدوس كانت موجودة في العهد القديم وإنما بصورة ليست كما هي واضحة في العهد الجديد والسبب في ذلك أن هذه العقيدة بلغت ذروة وضوحها بتجسد الأقنوم الثاني ( الكلمة أو الإبن ) وبحلول الأقنوم الثالث على الكنيسة ( يوم الخمسين ) .
هكـذا كشف الله هو نفسه لنا .. ففي العهد القديم قال :
الإعلان الأول : فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ * ( تكوين 1: 1 ) وفي الأصل العبري جاءت كلمة خلق بالمفرد، بينما ورد اسم الله بالجمع، إذ تقول الآية في الأصل العبري في البدء خلق إلوهيم السموات والأرض وكلمة إلوهيم هي جمع للاسم العبري إلوه أي إله . فالله الخالق واحد حسب الآية لكن أشيرَ له بلفظ الجمع .
الإعلان الثاني : قال الله بعد ان خلق الأرض وما عليها * نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا * ( تكوين 1: 26 ) .. مع من كان الله يتحدث قبل خلق الإنسان ؟ وما دلالة النون في " نعمل " و نا في " صورتنا كشبهنا " ؟
وقد يقول قائل: إن ألفاظ هذه الصيغة لا تعني أكثر من أن الله استخدم لغة التعظيم فتكلم كما يتكلم الملك فيقول نحن.. بصيغة الجمع والدلالة على المفرد .. لكن القائل بهذا القول يجهل بالتاريخ القديم، فالتاريخ القديم حسب العهد القديم محور حديثنا يؤكد لنا أنه لم يكن للملوك عادة التكلم بلغة الجمع أي بلغة التعظيم. ففرعون ملك مصر إذ تحدث إلى يوسف قال له * قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ * ( تكوين 41: 41 ) ولم يقل قد جعلناك على كل أرض مصر وفي سفر دانيال نقرأ حديث الملك نبوخذ نصر، وقد كان ملكاً جباراً ، ومع ذلك فهو لم يستعمل لغة التعظيم عندما تكلم عن نفسه بل تحدث إلى الكلدانيين قائلاً قَدْ خَرَجَ مِنِّي الْقَوْلُ: إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِا لْحُلْمِ وَبِتَعْبِيرِهِ تُصَيَّرُونَ إِرْباً إِرْباً * دانيال 2: 5 ولم يقل الملك العظيم قد خرج منا القول فلغة التعظيم ليست هي لغة الكتاب المقدس، ولا كانت لغة تعظيم الملوك في القديم، فالقول بأن الله استخدم في هذه الآية أو غيرها لغة التعظيم مردود من نصوص الكتاب المقدس , اللغة العبرية القديمة لم تستخدم لفظ الجمع في الدلالة على الشخص المفرد ( يمكن مراجعة الكتاب المقدس بالتفصيل ) .
الإعلان الثالث : بعد أن سقط آدم وحواء بعصيانهما الله بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر نقرأ الكلمات: وَقَالَ الرَّبُّ الْإِلهُ: * هُوَذَا الْإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً الْخَيْرَ وَالشَّرَّ * ( تكوين 3: 22 ) وهنا تظهر الوحدانية في تعددية إذ تؤكد الكلمات وقال الرب الإله وحدانية الله، وتعلن الكلمات قد صار كواحد منا الثالوث في الوحدانية وإلاّ فما معنى قول الله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا ؟ ومع من كان الله يتحدث بهذا الحديث؟
الإعلان الرابع : يرينا سفر التكوين صورة للبشرية بعد الطوفان تتحدث بلسان واحد ولغة واحدة، وتفكر في الاستقلال عن إله السماء، وبهذا نقرأ الكلمات: * وَقَالُوا: هَلُمَّ نَبْنِ لِأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لِأَنْفُسِنَا اسْماً لِئَلَّا نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الْأَرْضِ . فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. وَقَالَ الرَّبُّ: هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهذَا ابتِدَاؤُهُمْ بِالْعَمَلِ. وَالآنَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لَا يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ * ( تكوين 11: 4-7 ) .
فالوحدانية تظهر في الكلمات وقال الرب والتعددية تظهر في الكلمات هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم . ونكرر السؤال مع من كان الله يتكلم إذا لم يكن جامعاً في وحدانيته؟
الإعلان الخامس : في ظهور الرب عند بلوطات ممرا لابراهيم :
· وظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو – ابراهيم – جالس في باب الخيمة وقت حرّ النهار فرفع عينيه ونظر و إذا ثلاثة رجال واقفون لديه فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض وقال يا سيد إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك ليؤخذ قليل ماء واغسلوا ارجلكم واتكئوا تحت الشجرة ... لأنكم قد مررتم على عبدكم ..... .... وقالوا له أين سارة امرأتك فقال ها هي في الخيمة فقال إني أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن ... * ( تكوين 18: 1-22 )
إنه غريب حقاً أن يظهر الرب لابراهيم يوم بشره بولادة ابن له من سارة امرأته في شيخوختهما فيظهر الرب بهيئة ثلاثة اشخاص , ويسجد لهم ابراهيم ويكلمهم كرجل واحد تارة وكثلاثة تارة اخرى في نفس الجملة ويتحدثون هم بلغة وعبارة واحد ... !
الإعلان السادس: عن وحدانية الله في تعددية جاء في قصة بلعام وبالاق:
فبعد أن بنى بالاق لبلعام سبعة مذابح وهيأ له سبعة ثيران وسبعة كباش نقرأ الكلمات فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: قِفْ عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ، فَأَنْطَلِقَ أَنَا لَعَلَّ الرَّبَّ يُوافِي لِلِقَائِي، فَمَهْمَا أَرَانِي أُخْبِرْكَ بِهِ . ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى رَابِيَةٍ. فَوَافَى اللّهُ بَلْعَامَ * عدد 23: 3 و4 .
ولم يلعن بلعام بني إسرائيل كما أراد بالاق بل باركهم، وهنا نقرأ الكلمات فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: مَاذَا فَعَلْتَ بِي؟ لِتَشْتِمَ أَعْدَائِي أَخَذْتُكَ، وَهُوَذَا أَنْتَ قَدْ بَارَكْتَهُمْ . فَأَجَابَ: أَمَا الذِي يَضَعُهُ الرَّبُّ فِي فَمِي أَحْتَرِصُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ بَالَاقُ: هَلُمَّ مَعِي إِلَى مَكَانٍ آخَرَ تَرَاهُ مِنْهُ. إِنَّمَا تَرَى أَقْصَاءَهُ فَقَطْ، وَكُلَّهُ لَا تَرَى. فَالْعَنْهُ لِي مِنْ هُنَاكَ . فَأَخَذَهُ إِلَى حَقْلِ صُوفِيمَ إِلَى رَأْسِ الْفِسْجَةِ، وَبَنَى سَبْعَةَ مَذَابِحَ وَأَصْعَدَ ثَوْراً وَكَبْشاً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ. فَقَالَ لِبَالَاقَ: قِفْ هُنَا عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ وَأَنَا أُوافِي هُنَاكَ . فَوَافَى الرَّبُّ بَلْعَامَ وَوَضَعَ كَلَاماً فِي فَمِهِ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى بَالَاقَ وَتَكَلَّمْ هكَذَا * عدد 23: 11-16 .
وفي هذه المرة الثانية لم يلعن بلعام الشعب وتضايق بالاق فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: لَا تَلْعَنْهُ لَعْنَةً وَلَا تُبَارِكْهُ بَرَكَةً ... فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: ابْنِ لِي ههُنَا سَبْعَةَ مَذَابِحَ وَهَيِّئْ لِي ههُنَا سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ . فَفَعَلَ بَالَاقُ كَمَا قَالَ بَلْعَامُ، وَأَصْعَدَ ثَوْراً وَكَبْشاً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ... وَرَفَعَ بَلْعَامُ عَيْنَيْهِ وَرَأَى إِسْرَائِيلَ حَالاًّ حَسَبَ أَسْبَاطِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ اللّهِ * عدد 23: 25-30 و24: 2 .
ويثبت النص التوراتي ثلاث تسميات للإله الواحد جاءت في هذه العبارات:
* فَوَافَى اللّهُ بَلْعَامَ * ( عدد 23: 4 )
* فَوَافَى الرَّبُّ بَلْعَامَ * ( عدد 23: 16 )
* فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ اللّهِ * ( عدد 24: 2 )
ويتساءل المرء : ما معنى هذه التسميات الثلاث للإله الواحد؟ أليس الله هو الرب وهو روح الله؟
ونحن نرى فيه - في نور العهد الجديد - أن الله هو الآب وأن الرب هو المسيح ، وأن روح الله هو الروح القدس ، وهكذا يظهر الله في وحدانيته الجامعة في هذه القصة من سفر العدد.
الإعلان السابع : عن وحدانية الله في التعددية جاء في سفر إشعياء:
وأول إعلان جاء في هذا السفر نراه في رؤيا إشعياء المجيدة، التي رأى فيها السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع واعترف أمام قداسة الله بنجاسة شفتيه، ونرى واحداً من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، قد جاء ومس بها فم إشعياء وقال إِنَّ هَذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ * إشعياء 6: 8 ، وبعد أن تطهر إشعياء من خطيته، وأصبح إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد سجل هذه الكلمات المنيرة:
ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ: مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟ * إشعياء 6: 8 .
السيد يتكلم بالمفرد .. ومن يذهب من اجلنا بالجمع !
ويرى القارئ أن وحدانية الله تظهر في كلماته التي جاءت بصيغة المفرد من أرسل ، وأن التعددية تظهر في صيغة الجمع من يذهب من أجلنا ؟ لو تحدث بلغة التعظيم مثلاً لماذا لم يقل " من نرسل ومن يذهب من اجلنا ؟ "
الإعلان الثامن : عن وحدانية الله في التعددية جاء في سفر المزامير ( الزبور ) بلسان داود النبي :
* قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ * ( مزمور 110: 1 ) .
لو أن اليهود حرفوا العهد القديم لكانت أولى الآيات التي حذفوها هي هذه الآية. فداود النبي، وهو يهودي يؤمن بوحدانية الله، يكتب بوحي الروح القدس فيقول قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك
كان داود النبي ملكاً ثيوقراطياً، لا تعلوه سلطة أرضية فعن من يقول قال الرب لربي ومن هو ذاك الذي يدعوه داود الملك ربي ؟ وأي رب يتكلم مع أي رب ؟؟
الجواب نجده في حوار المسيح مع الفريسيين:( وبهذا إجابة تضاف لسؤالك هل عرفكم يسوع عن الثالوث او قال أنه احد الأقانيم )
وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ: * مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ابْنُ دَاوُدَ . قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ابنَهُ؟ *( متى 22: 41-45 ) .
هذا يبين أنّ الآيات في العهد القديم لم تكن باهرة الوضوح بل ضبابية قليلاً و لم تنكشف إعلانات الله إلا في العهد الجديد .. ولهذا الكنيسة تقرأ العهد الجديد وتفهمه في نور يسوع المسيح وأقواله وأفعاله .
أكتفي بهذا واقول : اليهود بإجماع المسيحيين والمسلمين – مهما كان موقفنا منهم – هم موحدون وديانتهم توحيدية .. ولقد ورد في كتابهم ما ورد وهم يقرؤونه ولكن لم يفهموه حتى جاء المسيح وحاول شرح ذلك لهم فلم يسمعوا .
إذاً هناك إعلانات في العهد القديم عن حقيقة التعددية في الوحدة في الله تعالى وهذا بعد ان نعلم ان كتب التوراة ( التكوين والخروج والتثنية والعدد واللاويين ) تنسب لموسى النبي .. والمزامير لداود ..
يعني : إله موسى وابراهيم من كتاب موسى هو واحد .. في تعددية ثالوثية : الإله الآب .. الإله الإبن . الإله الروح . هم ثلاثة ولكنهم واحد كما ترون . بكلام آخر موسى وابراهيم والأنبياء عبدوا وعرفوا إلهاً واحداً أعلن ذاته لهم في تعدديته ولكن بشكل غامض إذ لم يكن حان وقت التجسد وإعلان الله عن نفسه صراحة في ابنه يسوع المسيح الذي هو * َ صُورَةُ اللّهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ * ( كولوسي 1: 15 ) .
بهذا أكون قد أجبتك عن سؤالك الأول , وأنتقل مباشرة للسؤال الثاني الذي يتكامل مع الأول وهو :
ثانياً – من أين أتيتم بأن ذات الله تنقسم لثلاثة اقانيم : اقنوم الآب وأقنوم الابن وإقنوم الروح القدس , هل عندكم نص في الإنجيل بهذا ؟
وهل شرح يسوع لكم المعنى وهل عرفكم انه أحد هذه الأقانيم ؟
أجيب عن كل شطر من السؤال على حدىً لعدم خلط الكلام ,
أولاً : من أين عقيدة الثالوث الأقدس ؟
سأعرض هنا نصوصًا واضحة ومريحة عن مذهب الوحدانيّة في المسيحيّة وعن التأكيد أنّ عبارة " لا إله إلاَّ الله " عبارة مسيحية، قبل أنّ تكون إسلاميّة.
من العهد القديم : بعض الأمثلة
قال موسى النبي: " فَاعْلمِ اليَوْمَ وَرَدِّدْ فِي قَلبِكَ أَنَّ اَلرَّبَّ هُوَ اَلإِلهُ فِي اَلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلى اَلأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. ليْسَ سِوَاهُ " (تثنية 4/39).
وقال أيضًا: " إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: اَلرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ ".(ثنية 6/4).
وقال " اُنْظُرُوا الآنَ! أَنَا أَنَا هُوَ وَليْسَ إِلهٌ مَعِي. أَنَا أُمِيتُ وَأُحْيِي " (تثنية 32/39).
من العهد الجديد بعض الأمثلة :
فأَجابَ يسوع: الوَصِيَّةُ الأُولى هيَ: اِسمَعْ يا إِسرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو الرَّبُّ الأَحَد. " (مرقس12/29).
وإنَّ لا إله إلاَّ الله الوَاحِد "( 1 كورنتس 8/4).
من تاريخ الكنيسة : كافحت الكنيسة بقوّة وإصرار في القرون الأولى كلّ أنواع الوثنيّة والشرك، وما زالت تكافح وتقاوم الوثنيّين وأصحاب البدع. ومن البدع المشهورة في هذا المجال بدعة " ماني " التي تعتمد على الفلسفة المازديّة بإيران، وهي تُعْلن أنّ هناك إلهين: إله الخير وإله الشرّ. وكلاهما في صراع مستمرّ طوال التاريخ. فكافحت المسيحيّة هذه البدعة بكلّ قواها وأعلنت أنَّ: لا إله إلاَّ واحد. و كلّ هذا تأكيدًا لأنَّ المسيحيّة تعتمد على الوحدانيّة.
ما معنى كلمة أقـنوم؟
في اللاهوت المسيحيّ نقول إنَّ " الله واحد في ثلاثة أقانيم ". فما معنى " أقنوم "؟ إن كلمة " أقـنوم " تعنى شخصًا. فنقول إنَّ الآب أقنوم والابن أقنوم والروح القدس أقنوم. لماذا لا نستخدم كلمة " شخص " ونقول إن الله واحد في ثلاثة أشخاص؟ لقد رفضت الكنيسة استخدام كلمة " شخص "، لأنَّ هذه الكلمة قد توحي لبعض الناس بكائن بشريّ له حدوده وشكله وملامحه. فتحاشيًا لكلّ تصوّر خاطئ ولكلّ تحديد للأثسخاص الإلهيّين، لجأت الكنيسة إلى كلمة و مصدرها سريانيّ. وقد استخدمت كلمة أقنوم في اللاهوت المسيحيّ للإشارة إلى الأشخاص الإلهيّة الثلاثة. وهى لا تستخدم فى أي مجال آخر غير هذا المجال.
إن أسمى تعبير عن الله الواحد في المسيحية هو في قولنا " الله محبة " والمحبة اساساً تفترض الثنائية أي وجود المحب والمحبوب الذين تربطهما علاقة حب متبادلة..
- فلو قلنا الله واحد ومحبة وهو يحب ذاته لكان ذلك أنانية وليس محبة لأن المحبة ليست حب الذات
- ولوقلنا الله يحب الإنسان فقط ويتبادل الحب معه,لقيدنا الله ومحبته بالبشر المحدود , هناك حدود لتبادل الحب بين الإنسان والله لكون الإنسان محدوداً . كما أن الكأس تمتليء بالماء على قدر استيعابها ولا تعود تمتليء أكثر مهما سُكبَ فيها .
- أن يتبادل الله الحب مع إله آخر يعني تعدد الآلهة والمسيحية ترفض ذلك تماماً
كما ان الخلق موجود في إطار الزمان أما محبة الله وكماله فهما خارج أطر الزمان . هكذا كانت ولادة الإبن قبل الزمن من الآب ...لو بقي الله رباً وإلهاً وسيداً طول الزمن لا يوجد سوى المخلوق ليبادله الحب لكان هذا الإله مرتبطاً بمخلوقاته وحاشا له ذلك فهو غني بذاته عن خليقته .
من هنا فإن الحب الداخلي الكبير في الله والموجود كما الله خارج الزمان تجلى في ولادة الإبن خارج إطار الزمان أيضاً حاملاً كل الذات الإلهية وكل صفاتها وقدرتها , كان الإبن في الآب وله كل ما للآب تماماً ويرتبطان بتلك العلاقة التناغمية من المحبة المطلقة أحدهما للآخر. ولكن، عندما وهب الله ذاته للابن، هل وهبه أيضًا صفة الألوهيّة أم لا؟... طبعًا نعم، لأنّه ما كان ممكنًا أنْ يحتفظ الله بشيء له، إذ كان لا بدّ أنْ تكون محبّته محبّة مطلقة تجعله يهب فيها كلّ ما كان لديه، بما فيه الألوهيّة التي لا تنفصل عن كيانه. فوهب الآب لابنه كلّ ذاته وأعطاه أنْ يكون إلهًا مثله.
" فأنت ابنى بالحقيقة، ابني الوحيد، ابني الحبيب الذي فيه كلّ رضاي " كما قال الصوت الذي أتى من السماء على يسوع في لحظة عماده ولحظة تجليه .
الولادة التي نتكلّم عنها هي ولادة روحيّة، لا تحتمل أيّ تفسير بشريّ، جسديّ، من أيّ نوع. لذا نرى يوحنّا الرسول، إلى جانب تعبيره عن " الابن "، يستعمل تعبيرًا آخر وهو: " الكلمـة "، باليونانية " لوغوس ". وقد استخدم كلمة " لوغوس " تحاشيًا لأيّ تفسير مشوّه. هذا الإبن هو بالحقيقة كلمة الله الآب .
عندما يتحدث الإنسان، فكلامه صادر من داخله ويُعبّر عن ذاته ونفسه، فما بالك بكلمة الله ؟
ولا تكرار في الولادة لدى الله. لماذا؟ لأنّ المحبّة الإلهيّة، عندما تعطي من ذاتها، فهي تعطي كلّ شيء وتهب كلّ ما لديها. فعندما وَلَد الآب الابن، وَهَب له مرّة واحدة كلّ ذاته ولم يبقَ لديه شيء يهبه لابن آخر، خلافًا لِمَا يجرى عند البشر، فهم ينجبون مرّات كثيرة، وكلّ ابن يكتسب بعض صفات والدَيه. أمّا ابن الله، فقد أخذ من أبيه كلّ شيء بالكامل، حتّى إنّه صورة مطابقة للأصل: لذلك عندما سأل فيلبّس المسيح عن أبيه، أجابه: " مَن رآني رأَى الآب. فكَيفَ تَقولُ: أَرِنا الآب؟ أَلسْتَ تُؤِمِنُ بِأَنِّي في الآبِ وأَنَّ الآبَ فيَّ؟ " (يوحنا 14/9-10). نعم، بكلّ تأكيد، الابن صورة مطابقة للأصل، " مَنْ رآني رأَى الآب ". وليس لدينا وسيلة أخرى لمعرفة الآب إلاَّ الابن.
ولكن هنا يتجلى امر مهم في أسئلة الأخ روح الحق ...
قد تقول: بما أنّ الابن وُلدد من الآب، فالآب له فضل على الابن، وهو أعظم منه. فكيف نقول في قانون الإيمان المسيحي إنّ الابن مساوٍ الآب في الجوهر؟
ممّا لا شكّ فيه أنَّ الآب هو مصدر الابن. لذا نسمّيه الآب، والابن نسمّيه الابن لأنه من الآب. والمسيح نفسه يقول في الإنجيل هذا القول المدهش: " لأَنَّ الآبَ أَعظَمُ مِنِّي " (يوحنا 14/28).
نقول عن الابن في قانون الإيمان: " إله من إله، نور من نور، إله حقّ من إله حقّ ". ويعني ذلك أنّ ألوهيّة الابن ونوره يأتيان من مصدر آخر، ألا وهو الآب، وكأنّ الابن هوانعكاس ألوهيّة الآب ونوره.
فأين المساواة بين الأب والابن؟.
سنوضّح هذه المساواة عندما نُدرك أنَّ بين الآب والابن شرط وجود متبادَل، فلا وجود للابن إلاَّ من خلال الآب كونه منه ويرتبط معه بعلاقة الحب الإلهي الأزلي، ولا وجود للآب إلاَّ من خلال الابن وإلا انغلق على ذاته. وكما أنَّ الابن لا ينفرد بذاته بعيدًا عن الآب، كذلك الآب لا يحقق ذاته إلاَّ بفضل الابن. فهناك فضل متبادَل بين الآب والابن، لأنَّ كلاً منهما شرط للآخر. كيف ذلك؟ هل يمكن للآب أنْ يُحقق أبوّة بدون الابن؟ طبعًا لا. فوجود الابن ضروريّ لتتوافر صفة الأبوّة لدى الآب. وهل يمكن للآب أنْ يعيش المحبّة المطلقة بدون الابن؟ طبعًا لا. فوجود الابن ضروري أيضًا لتتوافر صفة المحبّة لدى الآب.
إذا قلنا إنَّ الله كان في البدء وحيدًا، ارتكبنا خطأ، إذ لا يمكن أنْ يكون الله وحيدًا، لأنّه، دون انطلاقة المحبّة التي تؤدّي إلى ولادة الابن، ليس هناك ألوهيّة. وتلك الألوهيّة هي علاقة الحبّ المتبادَل بين قطبيّ الذات الالهيّة. في ديناميّة العطاء بينهما، يصبح الآب أبًا والابن ابنًا، ويوجَد الاثنان في اللحظة نفسها كشرط أساسيّ لوجودهما المتبادَل.
ما من أولويّة ولا تفضيل بين الآب والابن، لأنَّ الاثنَين يوجَدان معًا فى الحركة واللحظة نفسيهما فى لحظة أزليّة.
"أبي اعظم مني " فمنه خرجت أنا الإبن .. " كل ما هو لي هو لك وما لك فهو لي " أي نحن متساويان لأن الآب " دفع كل شيء للإبن " . وجوهرهما الإلهي واحد لا يتجزأ او ينفصل او ينقسم .
وأين الروح القدس قيما لو قبلنا هذا المنطق ؟
إن الروح القدس بمثابة سهم ذي اتجاهين، يمثّل ديناميّة الحبّ بين الآب والابن وحركة العطاء المتبادَل بينهما. وهو السهم الذي يدفع كلاً منهما نحو الآخر. هو في الآن نفسه يربط ويوحّد بينهما... لذلك نرى الكنيسة، في ختام صلواتها، تذكر دائمًا الآب والابن " في وحدة الروح القدس "... فالروح القدس ّ هو المحبّة ذاتها التي بين الاب والإبن.
الروح القدس فى الكتاب المقدّس
إنَّ الروح في الكتاب المقدّس له شخصيّة غامضة. فنجده كطير يرفرف على وجه المياه في بداية الخليقة، أو على شكل حمامة تحلّق فوق نهر الأردن يوم عماد المسيح. (تكوين 1/1 ومتّى 3/16). ونجده أيضًا على شكل نسمة نَفَخَ بها الله في آدم، عندما خلقه (تكوين 2/7) - وأيضًا على شكل نسيم خافت حين كان إيليّا النبي على جبل الكرمل ( 1 ملوك 19). ولكنّه ظهر أيضًا بشكل مخالف تمامًا يوم العنصرة، حيث تحوّل النسيم الخفيف إلى ريح عاصفة هزّت البيت على قواعده. ثمّ نزل الروح على شكل ألسنة من النار أشعلت التلاميذ غيرةً وشجاعة وأطلقتهم إلى الخارج (أعمال 2).إنه نار المحبة الإلهية التي أطلقت التلاميذ شهوداً للمسيح في العالم وجعلتهم يستشهدون في سبيله .. وهو نار المحبة والغيرة الإلهية التي تحل في الكنيسة وتقودها في ليل العالم إلى بر السلام .
وسمّيَ أيضًا الروح في الإنجيل " الباركليت " وهي كلمة تعني المعزّي أو المحامي أو المُلْهم (يوحنّا من 15/26 إلى 16/15 ).
وكما هو يوحد الكنيسة هذا يشبه إلى حد بعيد عمله ودوره في وحدانية الثالوث . والروح هو عنصر يقيم في داخلنا ويجعلنا نفهم كلّ شيء، دون أنْ نفهمه, لأنه مصدر الفهم كما النور الذي هو مصدر الرؤية للأشياء دون ان نراه .
انبثاق الروح القدس
يتحدّث قانون الإيمان عن الروح بأنَّه منبثق ". فما معنى " الانبثاق "؟ وما الفرق بين الولادة والانبثاق؟ نقول عن الابن إنَّه مولود من الآب لأنَّه يأخذ من الآب كلّ شيء. ومفهوم الولادة هو عطاء من ناحية وقبول من ناحية أخرى. أمَّا الانبثاق فهو دافع لتحقيق العطاء والمحبَّة، أو هو حركة انطلاق واندفاع، ينبثق الروح القدس بقدر ما تتحقَّق المحبَّة من الآب والابن بالعطاء المتبادَل, فلو علمنا ان المحبة بين الآب والابن كاملة متكاملة فهمنا أن انبثاق الروح القدس من الآب نحو الإبن هو كامل متكامل . وكان هذا الإنبثاق تماماً كما الولادة خارج الزمن ولم تكن لحظة لم يكن فيها هذا الثالوث " آب ابن وروح قدس " يتواجد الثلاثة معًا كشرط تواجدهم كإله واحد: الثلاثة مرتبطون ارتباطًا لا ينّفك. وهم معًا كشرط لتحقيق الألوهيّة الواحدة.و انبثاق الروح تمَّ عن طريق ولادة الابن. هو روح الآب في الإبن .. ومن خلال الإبن أتى الروح إلى العالم أي إلى الكنيسة .
كلمة اخيرة :
بعد ما حاولنا أنْ نحلّل وأنْ نفسّر ما لا يُفسّر، لنفهم مقتضيات المحبَّة في الكيان الإلهيّ، علينا الآن أنْ نجمع ونوحّد ما اضطررنا إلى أنْ نجزّئـه.
ليس هناك ابن أمام الآب ومنفصل عنه.
ليس هناك آب فوق الابن ومنعزل عنه.
وليس هناك روح مستقلّ عنهما، إذ إنَّه روحهما المشترك.
وليس هناك ذات إلهية قائمة بذاتها خارج الأقانيم الثلاثة كعنصر رابع متميّز عنها. إن كنّا قد لجأنا إلى هذه التصوّرات، فلكي نشرح فقط، ولكوننا جسديّين وزمنيّين.
فى الولادة البشرية، ينفصل الابن عن أبويه ليتمتّع بحياة مستقلة وكيان منفصل، في حين أنَّ ولادة الابن من الآب هي ولادة داخل الذات الإلهيّة ولا تمثل أي انفصال عن كيان الآب، بل هى ثبات فيه. إنَّ تعبير الإنجيل صريح وواضح كلّ الوضوح، فهو يتكلم عن " الابن الواحد الذي في حضن الآب " (يوحنا 1/18).
لم ينفصل الابن عن الآب لحظة واحدة، ولم يبتعد عنه على الإطلاق، حتّى فى عمليّة التجسّد. وهذا ما جعل يسوع يردّ على فيلبّس الذي قال له: " أَرِنَا الآَب وحَسْبَنَا ": " يَا فِيلُبّس، مَنْ رَآَنِي رَأَى الآب ... أّلاَ تُؤمن بأنِّي في الآب وأنَّ الآب فيَّ ؟ " (يوحنّا 14/10). كلّ ذلك ليؤكّد أنَّ التثليث في الذات الإلهيّة الواحدة لا يقبل أيّ تجزئة ولا تفرقة ولا ابتعاد ولا انفصال ولا تعدّد.ومن هنا نفهم ان حضور الروح القدس في الكنيسة هو حضور المسيح وهو حضور الآب فيها . هو حضور الثالوث في الجماعة المؤمنة , ولهذا صدق يسوع في قوله أثناء صعوده للسماء " ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر " .
هكذا نفهم الثالوث يا عزيزي روح الحق ,
أما سؤالك كما طرحته هل من نصّ واضح في الإنجيل بوجود الثالوث وهل يسوع قال ذلك او شرحه ؟
هذه بعض النصوص :
" مَنْ رآني رأى الآب ...".
- " أنا في الآب والآب فيّ " (يوحنا 14/9-11).
- " الابن الذي في حصن الآب هو يشهد " (يو 1/18).
- " أنا والآب واحد " (يوحنا 10/30).وتناول اليهود حجارة ليرجموه هنا فقال لهم لأي عمل حسنٍ ترجمونني فأجابوه " ليس لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً " اليهود يرونه إنساناً ويحكمون بتجديفه لأنه قال صراحة انا الله .. أنا هو إلهكم ونحن لسنا منفصلين بل واحد .
- " ليكونوا واحدًا كما نحن واحد " (يوحنا 17/11).
- " ليكونوا بأجمعهم واحدًا كما أنّك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك..." (يوحنا 17/21).
هناك نقطة سأعود وأوضحها وهي التي أثارت اعتراضك ضدي في ردي الأول في غير هذا الموضع وهي أنك استغربت كيف تريدني أن أقنعك أن قول يسوع " أنا هو " تعني " أنا هو الله " !لأنها برأيي تحسم كثيراً الخلاف وتوفر علينا كتابة صفحات إضافية للموضوع :
لما سأل موسى الله ما اسمك أو من انت لأقول للشعب أنك ارسلتني إليهم , كان يقصد أن يستفهم شيئاً عن ذات الله . لأنه لا يسأل عن اسم يحدد به الله فهو يستطيع القول " إلهكم أرسلني إليكم وكفى " .. أجابه الله بعبارة " أنا هو الذي أنا هو" أو " أنا هو الكائن " وكلمة الكائن تعكس الوجود الأزلي والسرمدي لله أي بمعنى آخر " أنا هو الموجود في كل مكان وزمان , الذي كان ويكون الآن وسيكون " وهذا ما يطلق على الله انه " الأول والآخر , الألف والياء , البداية والنهاية ... "
لما قال يسوع لليهود " أنا هو " التي لم تقنعك كان يحدثهم بلغتهم التي يفهمونها تماماً قال لهم نفس العبارة التي قالها لموسى على جبل حوريب " أنا هو الذي كان ويكون وسيكون " لهذا تناولوا حجارة ليرجموه إذ جعل نفسه الله .. هذه مرة أخرى ارادوا قتله لأنه جعل نفسه الله ولكنهم جبنوا .فالمسيح عاد وكرر ناسباً لنفسه ما قاله الله عن ذاته لموسى على الجبل .
اليهود يا عزيزي يعرفون أن المسيح الذي ينتظرونه هو ابن الله , من أين ذلك ؟ من كتبهم طبعاً أي من العهد القديم الذي تحدث عن مجيء ابن الله في تمام الأزمنة ليخلص شعبه .. وهم فهموا ذلك بخلاصهم هم وحدهم وهذا شأنهم لذلك لما شاهدوا يسوع عكس ما توقعوا رفضوه لقساوة قلوبهم .يتضح مفهومهم هذا من قول قيافا رئيس أحبارهم ليسوع " هل أنت المسيح ابن المبارك " ( مرقس14: 61 ) وجاءته الضربة القاضية من يسوع بالجواب نفسه الذي يفهم معناه جيداً جداً " أنا هو – الكائن أبداً – " ولم يكتفِ بذلك بل ليؤكد له استطرد يسوع بقوله مشيراً لنبوءة دانيال النبي الواضحة عن المسيح المتجسد في هيئة الإنسان " سوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء " ( انظر دانيال 7: 13-14 ) انظر كلام دانيال " كنت ارى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والمم والألسنة سلطانه ساطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " . رئيس كهنة اليهود فهم ما قال يسوع تماماً فمزق ثيابه لما اعتقد انه تجديف على اسم الله بأن يقوم هذا الذي هو في هيئة البشر بالقول انا هو الذي تؤمنون به وتنتظرون مجيئه .
عزيزي روح الحق : سؤالين من أسئلتك كلفا هذا الموضوع الطويل فحتى لا يمل القراء أكثر اكتفي اليوم بهذا ونتناقش فيه بشفافيه (على ان اجيبك بعد غد عن أي تساؤل لطبيعة عملي) ثم أنتقل لباقي الأسئلة كل يوم اثنين أو ثلاثة مثلاً بحيث تحظى بأجوبة عنها كلها بحلول الأحد القادم لأني بعدها سأنقطع لفترة شهر تقريباً بداعي السفر وستكون مداخلاتي أقل . المهم الآن انا لا أقنعك بمعنى تعال واقتنع .. أنا فقط أجيبك عما هو لدينا وعما سألت عنه بالتحديد . وتوخياً للسرعة حدد اسئلتك واستفساراتك في نقاط مركزة وواضحة لتعطيني الفرصة للإجابة عن باقي الأسئلة لن الوقت مشكلة كبرى .وإذا أحسست بأن لاداعي لاستفسار فاطلب مني أن انتقل للنقاط الأخرى بسرعة .ليس معنى هذا ان لا اعتراضات ولكن الاعتراض شيء وعدم وضوح نقطة شيء آخر فأنا يهمني أن تعرف ما يفكر به المسيحيون اما الإعتراضات فلن تنتهي لأنها عقائدية .
شكراً جزيلاً. :D
ولن اختصر فاعذروني على الإطالة . سأحاول طرح الأسئلة كما استخلصتها من موضوعات الأخ " روح الحقّ " .
أحب أن الفت انتباه الأخوة هنا إلى حقيقة أن الكنيسة عندما تطلق تفسيراً لآيه أو لكلمة ما فعي تعود للنص اليوناني الأصلي وليس للترجمة إلى أية لغة كانت .
أولاً - هل كان سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى يعبد اله واحد كما يعبد المسلمين الآن أم عبد اله له ثلاثة أقانيم ؟
الجواب : سأرد هنا بأن أوضح أن حقيقة الثالوث القدوس كانت موجودة في العهد القديم وإنما بصورة ليست كما هي واضحة في العهد الجديد والسبب في ذلك أن هذه العقيدة بلغت ذروة وضوحها بتجسد الأقنوم الثاني ( الكلمة أو الإبن ) وبحلول الأقنوم الثالث على الكنيسة ( يوم الخمسين ) .
هكـذا كشف الله هو نفسه لنا .. ففي العهد القديم قال :
الإعلان الأول : فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ * ( تكوين 1: 1 ) وفي الأصل العبري جاءت كلمة خلق بالمفرد، بينما ورد اسم الله بالجمع، إذ تقول الآية في الأصل العبري في البدء خلق إلوهيم السموات والأرض وكلمة إلوهيم هي جمع للاسم العبري إلوه أي إله . فالله الخالق واحد حسب الآية لكن أشيرَ له بلفظ الجمع .
الإعلان الثاني : قال الله بعد ان خلق الأرض وما عليها * نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا * ( تكوين 1: 26 ) .. مع من كان الله يتحدث قبل خلق الإنسان ؟ وما دلالة النون في " نعمل " و نا في " صورتنا كشبهنا " ؟
وقد يقول قائل: إن ألفاظ هذه الصيغة لا تعني أكثر من أن الله استخدم لغة التعظيم فتكلم كما يتكلم الملك فيقول نحن.. بصيغة الجمع والدلالة على المفرد .. لكن القائل بهذا القول يجهل بالتاريخ القديم، فالتاريخ القديم حسب العهد القديم محور حديثنا يؤكد لنا أنه لم يكن للملوك عادة التكلم بلغة الجمع أي بلغة التعظيم. ففرعون ملك مصر إذ تحدث إلى يوسف قال له * قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ * ( تكوين 41: 41 ) ولم يقل قد جعلناك على كل أرض مصر وفي سفر دانيال نقرأ حديث الملك نبوخذ نصر، وقد كان ملكاً جباراً ، ومع ذلك فهو لم يستعمل لغة التعظيم عندما تكلم عن نفسه بل تحدث إلى الكلدانيين قائلاً قَدْ خَرَجَ مِنِّي الْقَوْلُ: إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِا لْحُلْمِ وَبِتَعْبِيرِهِ تُصَيَّرُونَ إِرْباً إِرْباً * دانيال 2: 5 ولم يقل الملك العظيم قد خرج منا القول فلغة التعظيم ليست هي لغة الكتاب المقدس، ولا كانت لغة تعظيم الملوك في القديم، فالقول بأن الله استخدم في هذه الآية أو غيرها لغة التعظيم مردود من نصوص الكتاب المقدس , اللغة العبرية القديمة لم تستخدم لفظ الجمع في الدلالة على الشخص المفرد ( يمكن مراجعة الكتاب المقدس بالتفصيل ) .
الإعلان الثالث : بعد أن سقط آدم وحواء بعصيانهما الله بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر نقرأ الكلمات: وَقَالَ الرَّبُّ الْإِلهُ: * هُوَذَا الْإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً الْخَيْرَ وَالشَّرَّ * ( تكوين 3: 22 ) وهنا تظهر الوحدانية في تعددية إذ تؤكد الكلمات وقال الرب الإله وحدانية الله، وتعلن الكلمات قد صار كواحد منا الثالوث في الوحدانية وإلاّ فما معنى قول الله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا ؟ ومع من كان الله يتحدث بهذا الحديث؟
الإعلان الرابع : يرينا سفر التكوين صورة للبشرية بعد الطوفان تتحدث بلسان واحد ولغة واحدة، وتفكر في الاستقلال عن إله السماء، وبهذا نقرأ الكلمات: * وَقَالُوا: هَلُمَّ نَبْنِ لِأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لِأَنْفُسِنَا اسْماً لِئَلَّا نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الْأَرْضِ . فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. وَقَالَ الرَّبُّ: هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهذَا ابتِدَاؤُهُمْ بِالْعَمَلِ. وَالآنَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لَا يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ * ( تكوين 11: 4-7 ) .
فالوحدانية تظهر في الكلمات وقال الرب والتعددية تظهر في الكلمات هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم . ونكرر السؤال مع من كان الله يتكلم إذا لم يكن جامعاً في وحدانيته؟
الإعلان الخامس : في ظهور الرب عند بلوطات ممرا لابراهيم :
· وظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو – ابراهيم – جالس في باب الخيمة وقت حرّ النهار فرفع عينيه ونظر و إذا ثلاثة رجال واقفون لديه فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض وقال يا سيد إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك ليؤخذ قليل ماء واغسلوا ارجلكم واتكئوا تحت الشجرة ... لأنكم قد مررتم على عبدكم ..... .... وقالوا له أين سارة امرأتك فقال ها هي في الخيمة فقال إني أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن ... * ( تكوين 18: 1-22 )
إنه غريب حقاً أن يظهر الرب لابراهيم يوم بشره بولادة ابن له من سارة امرأته في شيخوختهما فيظهر الرب بهيئة ثلاثة اشخاص , ويسجد لهم ابراهيم ويكلمهم كرجل واحد تارة وكثلاثة تارة اخرى في نفس الجملة ويتحدثون هم بلغة وعبارة واحد ... !
الإعلان السادس: عن وحدانية الله في تعددية جاء في قصة بلعام وبالاق:
فبعد أن بنى بالاق لبلعام سبعة مذابح وهيأ له سبعة ثيران وسبعة كباش نقرأ الكلمات فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: قِفْ عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ، فَأَنْطَلِقَ أَنَا لَعَلَّ الرَّبَّ يُوافِي لِلِقَائِي، فَمَهْمَا أَرَانِي أُخْبِرْكَ بِهِ . ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى رَابِيَةٍ. فَوَافَى اللّهُ بَلْعَامَ * عدد 23: 3 و4 .
ولم يلعن بلعام بني إسرائيل كما أراد بالاق بل باركهم، وهنا نقرأ الكلمات فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: مَاذَا فَعَلْتَ بِي؟ لِتَشْتِمَ أَعْدَائِي أَخَذْتُكَ، وَهُوَذَا أَنْتَ قَدْ بَارَكْتَهُمْ . فَأَجَابَ: أَمَا الذِي يَضَعُهُ الرَّبُّ فِي فَمِي أَحْتَرِصُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ بَالَاقُ: هَلُمَّ مَعِي إِلَى مَكَانٍ آخَرَ تَرَاهُ مِنْهُ. إِنَّمَا تَرَى أَقْصَاءَهُ فَقَطْ، وَكُلَّهُ لَا تَرَى. فَالْعَنْهُ لِي مِنْ هُنَاكَ . فَأَخَذَهُ إِلَى حَقْلِ صُوفِيمَ إِلَى رَأْسِ الْفِسْجَةِ، وَبَنَى سَبْعَةَ مَذَابِحَ وَأَصْعَدَ ثَوْراً وَكَبْشاً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ. فَقَالَ لِبَالَاقَ: قِفْ هُنَا عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ وَأَنَا أُوافِي هُنَاكَ . فَوَافَى الرَّبُّ بَلْعَامَ وَوَضَعَ كَلَاماً فِي فَمِهِ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى بَالَاقَ وَتَكَلَّمْ هكَذَا * عدد 23: 11-16 .
وفي هذه المرة الثانية لم يلعن بلعام الشعب وتضايق بالاق فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: لَا تَلْعَنْهُ لَعْنَةً وَلَا تُبَارِكْهُ بَرَكَةً ... فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: ابْنِ لِي ههُنَا سَبْعَةَ مَذَابِحَ وَهَيِّئْ لِي ههُنَا سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ . فَفَعَلَ بَالَاقُ كَمَا قَالَ بَلْعَامُ، وَأَصْعَدَ ثَوْراً وَكَبْشاً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ... وَرَفَعَ بَلْعَامُ عَيْنَيْهِ وَرَأَى إِسْرَائِيلَ حَالاًّ حَسَبَ أَسْبَاطِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ اللّهِ * عدد 23: 25-30 و24: 2 .
ويثبت النص التوراتي ثلاث تسميات للإله الواحد جاءت في هذه العبارات:
* فَوَافَى اللّهُ بَلْعَامَ * ( عدد 23: 4 )
* فَوَافَى الرَّبُّ بَلْعَامَ * ( عدد 23: 16 )
* فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ اللّهِ * ( عدد 24: 2 )
ويتساءل المرء : ما معنى هذه التسميات الثلاث للإله الواحد؟ أليس الله هو الرب وهو روح الله؟
ونحن نرى فيه - في نور العهد الجديد - أن الله هو الآب وأن الرب هو المسيح ، وأن روح الله هو الروح القدس ، وهكذا يظهر الله في وحدانيته الجامعة في هذه القصة من سفر العدد.
الإعلان السابع : عن وحدانية الله في التعددية جاء في سفر إشعياء:
وأول إعلان جاء في هذا السفر نراه في رؤيا إشعياء المجيدة، التي رأى فيها السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع واعترف أمام قداسة الله بنجاسة شفتيه، ونرى واحداً من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، قد جاء ومس بها فم إشعياء وقال إِنَّ هَذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ * إشعياء 6: 8 ، وبعد أن تطهر إشعياء من خطيته، وأصبح إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد سجل هذه الكلمات المنيرة:
ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ: مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟ * إشعياء 6: 8 .
السيد يتكلم بالمفرد .. ومن يذهب من اجلنا بالجمع !
ويرى القارئ أن وحدانية الله تظهر في كلماته التي جاءت بصيغة المفرد من أرسل ، وأن التعددية تظهر في صيغة الجمع من يذهب من أجلنا ؟ لو تحدث بلغة التعظيم مثلاً لماذا لم يقل " من نرسل ومن يذهب من اجلنا ؟ "
الإعلان الثامن : عن وحدانية الله في التعددية جاء في سفر المزامير ( الزبور ) بلسان داود النبي :
* قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ * ( مزمور 110: 1 ) .
لو أن اليهود حرفوا العهد القديم لكانت أولى الآيات التي حذفوها هي هذه الآية. فداود النبي، وهو يهودي يؤمن بوحدانية الله، يكتب بوحي الروح القدس فيقول قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك
كان داود النبي ملكاً ثيوقراطياً، لا تعلوه سلطة أرضية فعن من يقول قال الرب لربي ومن هو ذاك الذي يدعوه داود الملك ربي ؟ وأي رب يتكلم مع أي رب ؟؟
الجواب نجده في حوار المسيح مع الفريسيين:( وبهذا إجابة تضاف لسؤالك هل عرفكم يسوع عن الثالوث او قال أنه احد الأقانيم )
وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ: * مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ابْنُ دَاوُدَ . قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ابنَهُ؟ *( متى 22: 41-45 ) .
هذا يبين أنّ الآيات في العهد القديم لم تكن باهرة الوضوح بل ضبابية قليلاً و لم تنكشف إعلانات الله إلا في العهد الجديد .. ولهذا الكنيسة تقرأ العهد الجديد وتفهمه في نور يسوع المسيح وأقواله وأفعاله .
أكتفي بهذا واقول : اليهود بإجماع المسيحيين والمسلمين – مهما كان موقفنا منهم – هم موحدون وديانتهم توحيدية .. ولقد ورد في كتابهم ما ورد وهم يقرؤونه ولكن لم يفهموه حتى جاء المسيح وحاول شرح ذلك لهم فلم يسمعوا .
إذاً هناك إعلانات في العهد القديم عن حقيقة التعددية في الوحدة في الله تعالى وهذا بعد ان نعلم ان كتب التوراة ( التكوين والخروج والتثنية والعدد واللاويين ) تنسب لموسى النبي .. والمزامير لداود ..
يعني : إله موسى وابراهيم من كتاب موسى هو واحد .. في تعددية ثالوثية : الإله الآب .. الإله الإبن . الإله الروح . هم ثلاثة ولكنهم واحد كما ترون . بكلام آخر موسى وابراهيم والأنبياء عبدوا وعرفوا إلهاً واحداً أعلن ذاته لهم في تعدديته ولكن بشكل غامض إذ لم يكن حان وقت التجسد وإعلان الله عن نفسه صراحة في ابنه يسوع المسيح الذي هو * َ صُورَةُ اللّهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ * ( كولوسي 1: 15 ) .
بهذا أكون قد أجبتك عن سؤالك الأول , وأنتقل مباشرة للسؤال الثاني الذي يتكامل مع الأول وهو :
ثانياً – من أين أتيتم بأن ذات الله تنقسم لثلاثة اقانيم : اقنوم الآب وأقنوم الابن وإقنوم الروح القدس , هل عندكم نص في الإنجيل بهذا ؟
وهل شرح يسوع لكم المعنى وهل عرفكم انه أحد هذه الأقانيم ؟
أجيب عن كل شطر من السؤال على حدىً لعدم خلط الكلام ,
أولاً : من أين عقيدة الثالوث الأقدس ؟
سأعرض هنا نصوصًا واضحة ومريحة عن مذهب الوحدانيّة في المسيحيّة وعن التأكيد أنّ عبارة " لا إله إلاَّ الله " عبارة مسيحية، قبل أنّ تكون إسلاميّة.
من العهد القديم : بعض الأمثلة
قال موسى النبي: " فَاعْلمِ اليَوْمَ وَرَدِّدْ فِي قَلبِكَ أَنَّ اَلرَّبَّ هُوَ اَلإِلهُ فِي اَلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلى اَلأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. ليْسَ سِوَاهُ " (تثنية 4/39).
وقال أيضًا: " إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: اَلرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ ".(ثنية 6/4).
وقال " اُنْظُرُوا الآنَ! أَنَا أَنَا هُوَ وَليْسَ إِلهٌ مَعِي. أَنَا أُمِيتُ وَأُحْيِي " (تثنية 32/39).
من العهد الجديد بعض الأمثلة :
فأَجابَ يسوع: الوَصِيَّةُ الأُولى هيَ: اِسمَعْ يا إِسرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو الرَّبُّ الأَحَد. " (مرقس12/29).
وإنَّ لا إله إلاَّ الله الوَاحِد "( 1 كورنتس 8/4).
من تاريخ الكنيسة : كافحت الكنيسة بقوّة وإصرار في القرون الأولى كلّ أنواع الوثنيّة والشرك، وما زالت تكافح وتقاوم الوثنيّين وأصحاب البدع. ومن البدع المشهورة في هذا المجال بدعة " ماني " التي تعتمد على الفلسفة المازديّة بإيران، وهي تُعْلن أنّ هناك إلهين: إله الخير وإله الشرّ. وكلاهما في صراع مستمرّ طوال التاريخ. فكافحت المسيحيّة هذه البدعة بكلّ قواها وأعلنت أنَّ: لا إله إلاَّ واحد. و كلّ هذا تأكيدًا لأنَّ المسيحيّة تعتمد على الوحدانيّة.
ما معنى كلمة أقـنوم؟
في اللاهوت المسيحيّ نقول إنَّ " الله واحد في ثلاثة أقانيم ". فما معنى " أقنوم "؟ إن كلمة " أقـنوم " تعنى شخصًا. فنقول إنَّ الآب أقنوم والابن أقنوم والروح القدس أقنوم. لماذا لا نستخدم كلمة " شخص " ونقول إن الله واحد في ثلاثة أشخاص؟ لقد رفضت الكنيسة استخدام كلمة " شخص "، لأنَّ هذه الكلمة قد توحي لبعض الناس بكائن بشريّ له حدوده وشكله وملامحه. فتحاشيًا لكلّ تصوّر خاطئ ولكلّ تحديد للأثسخاص الإلهيّين، لجأت الكنيسة إلى كلمة و مصدرها سريانيّ. وقد استخدمت كلمة أقنوم في اللاهوت المسيحيّ للإشارة إلى الأشخاص الإلهيّة الثلاثة. وهى لا تستخدم فى أي مجال آخر غير هذا المجال.
إن أسمى تعبير عن الله الواحد في المسيحية هو في قولنا " الله محبة " والمحبة اساساً تفترض الثنائية أي وجود المحب والمحبوب الذين تربطهما علاقة حب متبادلة..
- فلو قلنا الله واحد ومحبة وهو يحب ذاته لكان ذلك أنانية وليس محبة لأن المحبة ليست حب الذات
- ولوقلنا الله يحب الإنسان فقط ويتبادل الحب معه,لقيدنا الله ومحبته بالبشر المحدود , هناك حدود لتبادل الحب بين الإنسان والله لكون الإنسان محدوداً . كما أن الكأس تمتليء بالماء على قدر استيعابها ولا تعود تمتليء أكثر مهما سُكبَ فيها .
- أن يتبادل الله الحب مع إله آخر يعني تعدد الآلهة والمسيحية ترفض ذلك تماماً
كما ان الخلق موجود في إطار الزمان أما محبة الله وكماله فهما خارج أطر الزمان . هكذا كانت ولادة الإبن قبل الزمن من الآب ...لو بقي الله رباً وإلهاً وسيداً طول الزمن لا يوجد سوى المخلوق ليبادله الحب لكان هذا الإله مرتبطاً بمخلوقاته وحاشا له ذلك فهو غني بذاته عن خليقته .
من هنا فإن الحب الداخلي الكبير في الله والموجود كما الله خارج الزمان تجلى في ولادة الإبن خارج إطار الزمان أيضاً حاملاً كل الذات الإلهية وكل صفاتها وقدرتها , كان الإبن في الآب وله كل ما للآب تماماً ويرتبطان بتلك العلاقة التناغمية من المحبة المطلقة أحدهما للآخر. ولكن، عندما وهب الله ذاته للابن، هل وهبه أيضًا صفة الألوهيّة أم لا؟... طبعًا نعم، لأنّه ما كان ممكنًا أنْ يحتفظ الله بشيء له، إذ كان لا بدّ أنْ تكون محبّته محبّة مطلقة تجعله يهب فيها كلّ ما كان لديه، بما فيه الألوهيّة التي لا تنفصل عن كيانه. فوهب الآب لابنه كلّ ذاته وأعطاه أنْ يكون إلهًا مثله.
" فأنت ابنى بالحقيقة، ابني الوحيد، ابني الحبيب الذي فيه كلّ رضاي " كما قال الصوت الذي أتى من السماء على يسوع في لحظة عماده ولحظة تجليه .
الولادة التي نتكلّم عنها هي ولادة روحيّة، لا تحتمل أيّ تفسير بشريّ، جسديّ، من أيّ نوع. لذا نرى يوحنّا الرسول، إلى جانب تعبيره عن " الابن "، يستعمل تعبيرًا آخر وهو: " الكلمـة "، باليونانية " لوغوس ". وقد استخدم كلمة " لوغوس " تحاشيًا لأيّ تفسير مشوّه. هذا الإبن هو بالحقيقة كلمة الله الآب .
عندما يتحدث الإنسان، فكلامه صادر من داخله ويُعبّر عن ذاته ونفسه، فما بالك بكلمة الله ؟
ولا تكرار في الولادة لدى الله. لماذا؟ لأنّ المحبّة الإلهيّة، عندما تعطي من ذاتها، فهي تعطي كلّ شيء وتهب كلّ ما لديها. فعندما وَلَد الآب الابن، وَهَب له مرّة واحدة كلّ ذاته ولم يبقَ لديه شيء يهبه لابن آخر، خلافًا لِمَا يجرى عند البشر، فهم ينجبون مرّات كثيرة، وكلّ ابن يكتسب بعض صفات والدَيه. أمّا ابن الله، فقد أخذ من أبيه كلّ شيء بالكامل، حتّى إنّه صورة مطابقة للأصل: لذلك عندما سأل فيلبّس المسيح عن أبيه، أجابه: " مَن رآني رأَى الآب. فكَيفَ تَقولُ: أَرِنا الآب؟ أَلسْتَ تُؤِمِنُ بِأَنِّي في الآبِ وأَنَّ الآبَ فيَّ؟ " (يوحنا 14/9-10). نعم، بكلّ تأكيد، الابن صورة مطابقة للأصل، " مَنْ رآني رأَى الآب ". وليس لدينا وسيلة أخرى لمعرفة الآب إلاَّ الابن.
ولكن هنا يتجلى امر مهم في أسئلة الأخ روح الحق ...
قد تقول: بما أنّ الابن وُلدد من الآب، فالآب له فضل على الابن، وهو أعظم منه. فكيف نقول في قانون الإيمان المسيحي إنّ الابن مساوٍ الآب في الجوهر؟
ممّا لا شكّ فيه أنَّ الآب هو مصدر الابن. لذا نسمّيه الآب، والابن نسمّيه الابن لأنه من الآب. والمسيح نفسه يقول في الإنجيل هذا القول المدهش: " لأَنَّ الآبَ أَعظَمُ مِنِّي " (يوحنا 14/28).
نقول عن الابن في قانون الإيمان: " إله من إله، نور من نور، إله حقّ من إله حقّ ". ويعني ذلك أنّ ألوهيّة الابن ونوره يأتيان من مصدر آخر، ألا وهو الآب، وكأنّ الابن هوانعكاس ألوهيّة الآب ونوره.
فأين المساواة بين الأب والابن؟.
سنوضّح هذه المساواة عندما نُدرك أنَّ بين الآب والابن شرط وجود متبادَل، فلا وجود للابن إلاَّ من خلال الآب كونه منه ويرتبط معه بعلاقة الحب الإلهي الأزلي، ولا وجود للآب إلاَّ من خلال الابن وإلا انغلق على ذاته. وكما أنَّ الابن لا ينفرد بذاته بعيدًا عن الآب، كذلك الآب لا يحقق ذاته إلاَّ بفضل الابن. فهناك فضل متبادَل بين الآب والابن، لأنَّ كلاً منهما شرط للآخر. كيف ذلك؟ هل يمكن للآب أنْ يُحقق أبوّة بدون الابن؟ طبعًا لا. فوجود الابن ضروريّ لتتوافر صفة الأبوّة لدى الآب. وهل يمكن للآب أنْ يعيش المحبّة المطلقة بدون الابن؟ طبعًا لا. فوجود الابن ضروري أيضًا لتتوافر صفة المحبّة لدى الآب.
إذا قلنا إنَّ الله كان في البدء وحيدًا، ارتكبنا خطأ، إذ لا يمكن أنْ يكون الله وحيدًا، لأنّه، دون انطلاقة المحبّة التي تؤدّي إلى ولادة الابن، ليس هناك ألوهيّة. وتلك الألوهيّة هي علاقة الحبّ المتبادَل بين قطبيّ الذات الالهيّة. في ديناميّة العطاء بينهما، يصبح الآب أبًا والابن ابنًا، ويوجَد الاثنان في اللحظة نفسها كشرط أساسيّ لوجودهما المتبادَل.
ما من أولويّة ولا تفضيل بين الآب والابن، لأنَّ الاثنَين يوجَدان معًا فى الحركة واللحظة نفسيهما فى لحظة أزليّة.
"أبي اعظم مني " فمنه خرجت أنا الإبن .. " كل ما هو لي هو لك وما لك فهو لي " أي نحن متساويان لأن الآب " دفع كل شيء للإبن " . وجوهرهما الإلهي واحد لا يتجزأ او ينفصل او ينقسم .
وأين الروح القدس قيما لو قبلنا هذا المنطق ؟
إن الروح القدس بمثابة سهم ذي اتجاهين، يمثّل ديناميّة الحبّ بين الآب والابن وحركة العطاء المتبادَل بينهما. وهو السهم الذي يدفع كلاً منهما نحو الآخر. هو في الآن نفسه يربط ويوحّد بينهما... لذلك نرى الكنيسة، في ختام صلواتها، تذكر دائمًا الآب والابن " في وحدة الروح القدس "... فالروح القدس ّ هو المحبّة ذاتها التي بين الاب والإبن.
الروح القدس فى الكتاب المقدّس
إنَّ الروح في الكتاب المقدّس له شخصيّة غامضة. فنجده كطير يرفرف على وجه المياه في بداية الخليقة، أو على شكل حمامة تحلّق فوق نهر الأردن يوم عماد المسيح. (تكوين 1/1 ومتّى 3/16). ونجده أيضًا على شكل نسمة نَفَخَ بها الله في آدم، عندما خلقه (تكوين 2/7) - وأيضًا على شكل نسيم خافت حين كان إيليّا النبي على جبل الكرمل ( 1 ملوك 19). ولكنّه ظهر أيضًا بشكل مخالف تمامًا يوم العنصرة، حيث تحوّل النسيم الخفيف إلى ريح عاصفة هزّت البيت على قواعده. ثمّ نزل الروح على شكل ألسنة من النار أشعلت التلاميذ غيرةً وشجاعة وأطلقتهم إلى الخارج (أعمال 2).إنه نار المحبة الإلهية التي أطلقت التلاميذ شهوداً للمسيح في العالم وجعلتهم يستشهدون في سبيله .. وهو نار المحبة والغيرة الإلهية التي تحل في الكنيسة وتقودها في ليل العالم إلى بر السلام .
وسمّيَ أيضًا الروح في الإنجيل " الباركليت " وهي كلمة تعني المعزّي أو المحامي أو المُلْهم (يوحنّا من 15/26 إلى 16/15 ).
وكما هو يوحد الكنيسة هذا يشبه إلى حد بعيد عمله ودوره في وحدانية الثالوث . والروح هو عنصر يقيم في داخلنا ويجعلنا نفهم كلّ شيء، دون أنْ نفهمه, لأنه مصدر الفهم كما النور الذي هو مصدر الرؤية للأشياء دون ان نراه .
انبثاق الروح القدس
يتحدّث قانون الإيمان عن الروح بأنَّه منبثق ". فما معنى " الانبثاق "؟ وما الفرق بين الولادة والانبثاق؟ نقول عن الابن إنَّه مولود من الآب لأنَّه يأخذ من الآب كلّ شيء. ومفهوم الولادة هو عطاء من ناحية وقبول من ناحية أخرى. أمَّا الانبثاق فهو دافع لتحقيق العطاء والمحبَّة، أو هو حركة انطلاق واندفاع، ينبثق الروح القدس بقدر ما تتحقَّق المحبَّة من الآب والابن بالعطاء المتبادَل, فلو علمنا ان المحبة بين الآب والابن كاملة متكاملة فهمنا أن انبثاق الروح القدس من الآب نحو الإبن هو كامل متكامل . وكان هذا الإنبثاق تماماً كما الولادة خارج الزمن ولم تكن لحظة لم يكن فيها هذا الثالوث " آب ابن وروح قدس " يتواجد الثلاثة معًا كشرط تواجدهم كإله واحد: الثلاثة مرتبطون ارتباطًا لا ينّفك. وهم معًا كشرط لتحقيق الألوهيّة الواحدة.و انبثاق الروح تمَّ عن طريق ولادة الابن. هو روح الآب في الإبن .. ومن خلال الإبن أتى الروح إلى العالم أي إلى الكنيسة .
كلمة اخيرة :
بعد ما حاولنا أنْ نحلّل وأنْ نفسّر ما لا يُفسّر، لنفهم مقتضيات المحبَّة في الكيان الإلهيّ، علينا الآن أنْ نجمع ونوحّد ما اضطررنا إلى أنْ نجزّئـه.
ليس هناك ابن أمام الآب ومنفصل عنه.
ليس هناك آب فوق الابن ومنعزل عنه.
وليس هناك روح مستقلّ عنهما، إذ إنَّه روحهما المشترك.
وليس هناك ذات إلهية قائمة بذاتها خارج الأقانيم الثلاثة كعنصر رابع متميّز عنها. إن كنّا قد لجأنا إلى هذه التصوّرات، فلكي نشرح فقط، ولكوننا جسديّين وزمنيّين.
فى الولادة البشرية، ينفصل الابن عن أبويه ليتمتّع بحياة مستقلة وكيان منفصل، في حين أنَّ ولادة الابن من الآب هي ولادة داخل الذات الإلهيّة ولا تمثل أي انفصال عن كيان الآب، بل هى ثبات فيه. إنَّ تعبير الإنجيل صريح وواضح كلّ الوضوح، فهو يتكلم عن " الابن الواحد الذي في حضن الآب " (يوحنا 1/18).
لم ينفصل الابن عن الآب لحظة واحدة، ولم يبتعد عنه على الإطلاق، حتّى فى عمليّة التجسّد. وهذا ما جعل يسوع يردّ على فيلبّس الذي قال له: " أَرِنَا الآَب وحَسْبَنَا ": " يَا فِيلُبّس، مَنْ رَآَنِي رَأَى الآب ... أّلاَ تُؤمن بأنِّي في الآب وأنَّ الآب فيَّ ؟ " (يوحنّا 14/10). كلّ ذلك ليؤكّد أنَّ التثليث في الذات الإلهيّة الواحدة لا يقبل أيّ تجزئة ولا تفرقة ولا ابتعاد ولا انفصال ولا تعدّد.ومن هنا نفهم ان حضور الروح القدس في الكنيسة هو حضور المسيح وهو حضور الآب فيها . هو حضور الثالوث في الجماعة المؤمنة , ولهذا صدق يسوع في قوله أثناء صعوده للسماء " ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر " .
هكذا نفهم الثالوث يا عزيزي روح الحق ,
أما سؤالك كما طرحته هل من نصّ واضح في الإنجيل بوجود الثالوث وهل يسوع قال ذلك او شرحه ؟
هذه بعض النصوص :
" مَنْ رآني رأى الآب ...".
- " أنا في الآب والآب فيّ " (يوحنا 14/9-11).
- " الابن الذي في حصن الآب هو يشهد " (يو 1/18).
- " أنا والآب واحد " (يوحنا 10/30).وتناول اليهود حجارة ليرجموه هنا فقال لهم لأي عمل حسنٍ ترجمونني فأجابوه " ليس لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً " اليهود يرونه إنساناً ويحكمون بتجديفه لأنه قال صراحة انا الله .. أنا هو إلهكم ونحن لسنا منفصلين بل واحد .
- " ليكونوا واحدًا كما نحن واحد " (يوحنا 17/11).
- " ليكونوا بأجمعهم واحدًا كما أنّك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك..." (يوحنا 17/21).
هناك نقطة سأعود وأوضحها وهي التي أثارت اعتراضك ضدي في ردي الأول في غير هذا الموضع وهي أنك استغربت كيف تريدني أن أقنعك أن قول يسوع " أنا هو " تعني " أنا هو الله " !لأنها برأيي تحسم كثيراً الخلاف وتوفر علينا كتابة صفحات إضافية للموضوع :
لما سأل موسى الله ما اسمك أو من انت لأقول للشعب أنك ارسلتني إليهم , كان يقصد أن يستفهم شيئاً عن ذات الله . لأنه لا يسأل عن اسم يحدد به الله فهو يستطيع القول " إلهكم أرسلني إليكم وكفى " .. أجابه الله بعبارة " أنا هو الذي أنا هو" أو " أنا هو الكائن " وكلمة الكائن تعكس الوجود الأزلي والسرمدي لله أي بمعنى آخر " أنا هو الموجود في كل مكان وزمان , الذي كان ويكون الآن وسيكون " وهذا ما يطلق على الله انه " الأول والآخر , الألف والياء , البداية والنهاية ... "
لما قال يسوع لليهود " أنا هو " التي لم تقنعك كان يحدثهم بلغتهم التي يفهمونها تماماً قال لهم نفس العبارة التي قالها لموسى على جبل حوريب " أنا هو الذي كان ويكون وسيكون " لهذا تناولوا حجارة ليرجموه إذ جعل نفسه الله .. هذه مرة أخرى ارادوا قتله لأنه جعل نفسه الله ولكنهم جبنوا .فالمسيح عاد وكرر ناسباً لنفسه ما قاله الله عن ذاته لموسى على الجبل .
اليهود يا عزيزي يعرفون أن المسيح الذي ينتظرونه هو ابن الله , من أين ذلك ؟ من كتبهم طبعاً أي من العهد القديم الذي تحدث عن مجيء ابن الله في تمام الأزمنة ليخلص شعبه .. وهم فهموا ذلك بخلاصهم هم وحدهم وهذا شأنهم لذلك لما شاهدوا يسوع عكس ما توقعوا رفضوه لقساوة قلوبهم .يتضح مفهومهم هذا من قول قيافا رئيس أحبارهم ليسوع " هل أنت المسيح ابن المبارك " ( مرقس14: 61 ) وجاءته الضربة القاضية من يسوع بالجواب نفسه الذي يفهم معناه جيداً جداً " أنا هو – الكائن أبداً – " ولم يكتفِ بذلك بل ليؤكد له استطرد يسوع بقوله مشيراً لنبوءة دانيال النبي الواضحة عن المسيح المتجسد في هيئة الإنسان " سوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء " ( انظر دانيال 7: 13-14 ) انظر كلام دانيال " كنت ارى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والمم والألسنة سلطانه ساطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " . رئيس كهنة اليهود فهم ما قال يسوع تماماً فمزق ثيابه لما اعتقد انه تجديف على اسم الله بأن يقوم هذا الذي هو في هيئة البشر بالقول انا هو الذي تؤمنون به وتنتظرون مجيئه .
عزيزي روح الحق : سؤالين من أسئلتك كلفا هذا الموضوع الطويل فحتى لا يمل القراء أكثر اكتفي اليوم بهذا ونتناقش فيه بشفافيه (على ان اجيبك بعد غد عن أي تساؤل لطبيعة عملي) ثم أنتقل لباقي الأسئلة كل يوم اثنين أو ثلاثة مثلاً بحيث تحظى بأجوبة عنها كلها بحلول الأحد القادم لأني بعدها سأنقطع لفترة شهر تقريباً بداعي السفر وستكون مداخلاتي أقل . المهم الآن انا لا أقنعك بمعنى تعال واقتنع .. أنا فقط أجيبك عما هو لدينا وعما سألت عنه بالتحديد . وتوخياً للسرعة حدد اسئلتك واستفساراتك في نقاط مركزة وواضحة لتعطيني الفرصة للإجابة عن باقي الأسئلة لن الوقت مشكلة كبرى .وإذا أحسست بأن لاداعي لاستفسار فاطلب مني أن انتقل للنقاط الأخرى بسرعة .ليس معنى هذا ان لا اعتراضات ولكن الاعتراض شيء وعدم وضوح نقطة شيء آخر فأنا يهمني أن تعرف ما يفكر به المسيحيون اما الإعتراضات فلن تنتهي لأنها عقائدية .
شكراً جزيلاً. :D