-
PDA

عرض كامل الموضوع : إعادة النظر في الاستشراق. إدوارد سعيد.


dot
07/05/2007, 17:23
ترجمه عن الانجليزية .. ثائر ديب

تنبع المشكلات التي أودُّ تناولها من القضايا العامة التي سبق أن تناولتها في الاستشراق. وأهمّها: تمثيل الثقافات، والمجتمعات، والتواريخ الأخرى؛ والعلاقة بين القوة والمعرفة؛ ودور المثقف؛ والمسائل المنهجية المرتبطة بالعلاقة بين أنواع النصوص المختلفة، وبين النصّ والسياق، وبين النصّ والتاريخ.‏

وعليَّ، بدايةً، أن أوضح أمرين. أولهما، هو أنني لا أستخدم كلمة "الاستشراق" للإشارة إلى كتابي بقدر ما أستخدمها للإشارة إلى المشكلات التي ارتبط بها ذلك الكتاب، خاصةً أنني سأُعنى بذلك النطاق الفكري والسياسي الذي غطّاه الاستشراق (الكتاب) وما قمتُ به من أعمالٍِ بعد صدوره على حدٍّ سواء. أمّا ثانيهما، فهو أنني لا أريد أن يُظَّن أنَّ هذه محاولةٌ للردّ على منتقديَّ. فلقد أثار الاستشراق قدراً كبيراً من التعليق، أكثره إيجابيّ وبنّاء، وقِسْطٌ منه معادٍ بل وبذيء في بعض الحالات. وواقع الأمر أنني لم أهضم أو أفهم كلَّ ما كُتِبَ أو قيل. لكنني التقطتُ، عوضاً عن ذلك، تلك المسائل التي طرحها منتقديَّ وبدت لي مفيدةً في التوصّل إلى نقاشٍ مُرَكَّز. أمّا الملاحظات الأخرى، كاستبعادي للاستشراق الألماني، الذي لم يقدّم لي أحد أيَّ سبب لأن أضمّه، فقد بدت لي صراحةً ملاحظات سطحية وتافهة، فلا أجد مبرراً للردّ عليها. وبالمثل، فإنَّ الزعم الذي أطلقه بعضهم، بأنني لا تاريخي ومفتقر إلى التماسك، كان ليكتسي مزيداً من الأهمية لو أنَّ فضائل التماسك، كائناً ما كان المقصود بهذا المصطلح، قد أُخضِعَتْ لتحليلٍ صارم؛ أمّا بالنسبة للا تاريخيتي، فهذه أيضاً تهمة وزن تأكيداتها أثقل من وزن براهينها.‏

معروفٌ أنَّ الاستشراق، بوصفه نطاقاً من الفكر والخبرة، يشتمل على العديد من الأوجه المتداخلة: أولها، تلك العلاقة التاريخية والثقافية المتغيّرة بين أوروبا وآسيا، والتي ترجع في التاريخ إلى 4000 عام؛ وثانيها، ذلك الفرع العلمي الذي بدأ في الغرب منذ أوائل القرن التاسع عشر، وراح يتخصّص المرء على أساسه في دراسة الثقافات والتراثات الشرقية المختلفة؛ وثالثها، تلك الافتراضات الإيديولوجية، والصور، والاستيهامات المتعلّقة بمنطقةٍِ من العالم تُدْعى الشرق. والقاسم المشترك بين أوجه الاستشراق الثلاثة هذا هو الخطّ الذي يفصل الغرب عن الشرق، والذي لا يمثّل، كما سبق أن رأيت، واقعةً من وقائع الطبيعة بقدر ما يمثّل واقعةً من نتاج البشر، كنت قد أسميتها بالجغرافيا التخيّلية. وما يعنيه ذلك هو أنَّ الانقسام بين الشرق والغرب ليس بالثابت الذي لا يتغيّر، كما أنّه ليس مجرّد اختلاف أو تخييل. ما يعنيه ـ يقيناً ـ هو أن الشرق والغرب، شأن جميع الأوجه فيما دعاه فيكو عالم الأمم، هما واقعتان من نتاج البشر، وبذا تتوجّب دراستهما كعنصرين مكوّنين من عناصر العالم الاجتماعي، وليس العالم الإلهي أو الطبيعي. ولأنَّ العالم الاجتماعي يشتمل على الشخص أو الذات التي تضطلع بالدراسة فضلاً عن الموضوع أو الميدان المدروس، فلابدّ من إدراجهما كليهما في كلِّ تناول للاستشراق. ومن الواضح كفايةً أنَّ الاستشراق ما كان ليوجد لولا وجود المستشرقين، من جهة أولى، ووجود الشرقيين، من جهة ثانية.‏

وحقيقة الأمر، أنَّ هذه واقعة أساسية بالنسبة لأيّة نظرية في التأويل. غير أنّه لا يزال هنالك إحجام لافت عن مناقشة مشكلات الاستشراق في السياقات السياسية أو الأخلاقية أو حتى الأبستمولوجية التي تلائمه وتقترن به. وهذا ما يصحّ على نقّاد الأدب المتخصّصين الذين كتبوا عن كتابي كما يصحّ على المستشرقين أنفسهم. وإذْ يبدو لي أنَّ من المستحيل تماماً أن نغفل حقيقة الأصل السياسي للاستشراق وراهنيته السياسية المتواصلة، فإننا مجبرون استناداً إلى أسس فكرية وسياسية معاً لأن نستقصي ما تواجهه سياسات الاستشراق من مقاومة، تلك المقاومة التي تمثّل على وجه الدقّة عَرَضاً من أعراض ما يتمّ إنكاره.‏

وإذا ما كانت المجموعة الأولى من المسائل معنيّة بمشكلات الاستشراق إذْ يُعاد فيه النظر من زاوية قضايا محدودة وموضعية مثل من الذي يدرس الشرق ويكتب عنه، وفي أية أوضاع مؤسساتية أو خطابية، ولأيّ جمهور، ولأية غاياتٍ متوخّاة، فإنَّ المجموعة الثانية من المسائل تمضي بنا إلى دائرة من القضايا أوسع وأعرض. وهي قضايا تُطْرَح بادئ ذي بدء من طرف المنهجية. وتُعَمَّق إلى حدٍّ بعيد بأسئلةٍ كالسؤال كيف لإنتاج المعرفة أن يخدم على أفضل وجه غايات جماعية لا غايات فئوية أو طائفية؛ وكيف يمكن إنتاج معرفة غير هيمنية أو قهرية في وضعٍ مُحوَّطٍ بسياسات القوة، واعتباراتها، ومواقفها، واستراتيجياتها. ولسوف أُلْمِعُ عامداً، في هذه الضروب المنهجية والأخلاقية من إعادة النظر في الاستشراق، إلى قضايا مشابهة طرحتها تجارب النسوية أو دراسات النساء، والدراسات السوداء أو الإثنية، والدراسات الاشتراكية والمناهضة للإمبريالية، حيث تنطلق جميعاً من حقّ جماعاتٍ بشرية لم تُمثّل من قبل أو أُسيء تمثيلها في أن تعبّر عن نفسها وأن تمثّل نفسها في ميادين جرى تحديدها، سياسياً وفكرياً، بحيث تعمل بصورةٍ عادية على إقصائها، واغتصاب وظائفها الدلالية والتمثيلية، وطمس واقعها التاريخي. وباختصار، فإنَّ إعادة النظر في الاستشراق من هذا المنظور الواسع والتحرّري لا يمكن أن ترضى بأقلّ من خلق موضوعاتٍ لنوعٍ جديد من المعرفة.‏

فلنعد إلى تلك المشكلات المحدودة والموضعية التي ذكرتها أولاً. فأمر التفهّم اللاحق الذي يتفهّم به الكتّاب الأشياء بعد وقوعها لا يقتصر على إثارة إحساسهم بالندم على ما كان بمقدورهم أن يقوموا به أو كان من الواجب أن يقوموا به ولم يفعلوا، بل يوفّر لهم أيضاً منظوراً أوسع للإحاطة بما فعلوه. وفي حالتي، فقد أعانني على التوصّل إلى هذا التفهّم الواسع كلُّ من كتبوا عن كتابي، ونظروا إليه ـ في جميع الأحوال ـ على أنّه جزء من الجدالات الجارية، والتأويلات المتنازعة، والصراعات الفعلية في العالم العربي ـ الإسلامي، على النحو الذي يتفاعل فيه هذا العالم مع الولايات المتحدة وأوروبا. وفي حالتي الأشدّ تحديداً، فإنَّ الوعي بأنني شرقي يعود إلى شبابي في فلسطين ومصر الكولونياليتين، على الرغم من أنَّ الدافع لمقاومة التأثيرات السلبية المرافقة لهذا الوعي قد تنامى في مناخ الاستقلال ما بعد الحرب العالمية الثانية حين عملت القومية العربية، والناصرية، وحرب 1967، ونهوض الحركة الوطنية الفلسطينية، والحرب الأهلية اللبنانية، والثورة الإيرانية بعواقبها الرهيبة، على خلق تلك السلسلة غير العادية من التقلّبات صعوداً وهبوطاً والتي لم تنته ولم تُتِح لنا أن نفهم فهماً كاملاً ما كان لها من تأثيرٍ ثوريٍ لافت. فمن الصعب أن نحاول فهم منطقة من العالم تبدو سماتها الأساسية في حالٍ من التغيّر والتقلّب الدائم، ولا يُتاح لكلّ من يحاول الإحاطة بها أن يقف، بفعل الإرادة المحضة أو الفهم المتسيّد، في نقطةٍ أرخميديةٍ خارج هذا التغيّر والتقلب. وما يعنيه هذا هو أنَّ السبب ذاته الذي يدفع إلى فهم الشرق عموماً، والعالم العربي خصوصاً، قد كان، أولاً، من ذلك النوع الذي يتملّك المرء، ويأسر اهتمامه ويلحّ عليه، سواء لأسباب اقتصادية، أو سياسية، أو ثقافية، أو دينية، كما كان، ثانياً، من ذلك النوع الذي يتحدّى التعريف المحايد، أو المتجرّد، أو المستقر.‏

والحال، أنَّ مشكلات مشابهة تشيع في تأويل النصوص الأدبية. وعلى سبيل المثال، فإنَّ كلّ عصر من العصور يعيد تأويل شكسبير، ليس لأنّ شكسبير يتغيّر، بل لأنَّه لا وجود لموضوعٍ ثابت وقيّم كموضع شكسبير بمعزلٍ عن محرّريه، والممثلين الذين لعبوا الأدوار التي كتبها، والمترجمين الذين نقلوه إلى لغاتٍ أخرى، ومئات ملايين القرّاء الذين قرأوه أو شاهدوا عروض مسرحياته منذ أواخر القرن السادس عشر، وذلك على الرغم من وجود عدد هائل من طبعات شكسبير الموثوقة. وبالمقابل، فإنَّ من المبالغة القول إنَّ لا وجود مستقلاً لشكسبير البتّة، وإنّه يخضع لإعادة بناء كاملة في كلّ مرّة يُقدِمُ فيها أحدٌ ما على قراءته، أو تمثيله، أو الكتابة عنه. فحقيقة الأمر أنَّ شكسبير يعيش حياةً مؤسساتية أو ثقافية أسهمت من بين أشياء أخرى في ضمان علوّ كعبه كشاعرٍ عظيم، وكمؤلّفٍ لما ينوف على الثلاثين مسرحية، وكحائزٍ سلطاتٍ استثنائية في الغرب من حيث اعتماده وتكريسه. والأمر الذي أبسطه هنا هو أمر أولي وبدئي: حتى الموضوع الخامل نسبياً مثل النص الأدبي يُفتَرَض عموماً أن يستمدّ شيئاً من هويته من لحظته التاريخية متفاعلةً مع اهتمامات قرّائه، وأحكامهم، وبحثهم، وأداءاتهم. غير أنَّ مثل هذا الامتياز نادراً ما يُتاح للشرق، أو العرب، أو الإسلام، هذه الموضوعات التي يَفتَرِضُ بها التيار السائد في الفكر الأكاديمي أن تظلَّ، سواء معاً أم كلّ على حدة، حبيسة ذلك الوضع الثابت لموضوعٍ جمّدته تحديقة المراقبين الغربيين مرّة وإلى الأبد فلا يمرّ عليه الزمن.‏

f.y
10/05/2007, 00:03
it is a very important book .........thanks

معروف طارق
09/02/2009, 01:26
شكرا ’,شكرا ، شكرا ،شكرا ،شكرا ’,شكرا ، شكرا ،شكرا

banna
15/02/2009, 09:54
شي حلو كتير

ميرسي إلك

:deal: