-
PDA

عرض كامل الموضوع : مقالات أحلام مستغانمي


صفحات : [1] 2

butterfly
06/10/2006, 18:26
أدب الشغّالات


حتمـاً، ثـمَّـة سرٌّ ما. ذلك أني ما أحضرت شغّالة، من أيّ جنسية كانت، إلاّ وبدت عليها أعراض الكتابة، بدءاً بتلك
الفتاة المغربية القروية، التي كانت تقيم عندي في باريس، لتساعدني على تربية الأولاد، فوجدتُ نفسي أُساعدها على كتابة رسائل حبّ لحبيبها. ومن أجل عيون الحبّ، لا من أجل عينيها، كنت أُنفق كثيراً من وقتي لأجعل منها فتاة "شاعرة" ومُشتهاة، حتى انتهى بي الأمر، إلى العمل "زنجيّة" لديها، بكتابة رسائل حبّ لحبيبها نيابة عنها! خديجــة، التي كنت "زنجيتها"، حسب التعبير الفرنسي، والكاتبة التي تختفي خلف أحاسيسها وقلمها، كانت في الواقع فأرتي البيضاء، ومختبراً لتأمُّلاتي الروائية. أُمِّـي كانت تحلف بأغلظ الأَيمَان بأنّ الفتاة سَحَرَتني، حتى إنني منحتها أجمل ثيابي، وكنت أعيرها مصوغاتي وحقائب يدي لمواعيدها العشقية، وأبذل من الجهد والعناء في تحويلها من فتاة كانت قبلي تغسل ثيابها على ضفاف النهر، إلى فتاة من هذا العصر، أكثر مما كانت تُنفق هي من وقت في الاهتمام بأَولادي. ذلك أنَّ البنت ذات الضفائر البدائية الغليظة، ظهرت عليها مع عوارض حُـبٍّ باريسي لشاب سوري، أعراض الكتابة الوجدانية في سذاجة تدفُّقها الأوّل. وأخشى إنْ اعترفت بأنني كنت أيام إقامتها عندي أكتب "ذاكــرة الجســد"، أن يستند أحدهم إلى مقالي هذا، مُلمِّحاً إلى احتمال أن تكون شغّالتي مَن كَتَبَت تلك الرواية، نظراً إلى كونها الوحيدة التي لم تنسب إليها الرواية حتى الآن.


عندما انتقلت إلى بيــــــروت، بَعَثَ لي اللَّــه، سيِّـدة طيِّبة وجميلة، من عمري تقريباً، جَمَعَت، على الرغم من مظهرها الجميل، إلى مُصيبة الفقــر، لعنة انقطاعها باكراً عن التعلُّم. لـــــذا، ما جالستها إلاّ وتنهَّدت قائلــة: "كم أتمنَّى لو كنت كاتبة لأَكتُب قصَّتي". وراحـــت تقصُّ علـيَّ مآسيها، عساني أستفيد منها روائياً، وربما سينمائياً، نظراً إلى ما تزخر به حياتها من مُفاجآت ومُفاجعات مكسيكية. ماري، التي كانت تَجمَع كل ما فاض به بيتي من مجلات، وواظبت على القراءة النسائية بفضلي، مازالت منذ سنوات عـدَّة تتردَّد علـيَّ في المناسبات، ولا تُفوِّت عيــداً للحُبِّ إلاَّ وتأتيني بهدية. في آخر عيــد للحب أهدتني دفتـراً ورديـاً جميلاً لكتابة المذكرات، مرفوقاً بقلم له غطاء على شكل قلب، وكتبت على صفحته الأُولى كلمات مؤثِّـرة، بشَّـرنـي زوجي عند اطِّلاعه عليها بميلاد كاتبة جديدة!


جاءت "روبــا"، وهو اسم شغّالتي السريلانكية التي عرف البيت على أيامها، العصر الذهبي لكتابة الرسائل واليوميات. فقد استهلكت تلك المخلوقة من الأوراق والأقلام، أكثر ممّا استهلكنا عائلياً جميعنا، كتّابـاً وصحافيين.. وتلاميذ. وكنت كلَّما فردت أوراقي وجرائدي على طاولة السفرة، جاءت "روبـــا" بأوراقها وجلست مقابلة لي تكتب(!)، وكان أولادي يَعجبون من وقاحتها، ويتذمّرون من صبري عليها، بينما كنت، على انزعاجي، أجد الْمَشهد جميلاً في طرافته. ففي بيت عجيب كبيتنا، بدل أن تتعلَّم الشغّالة من سيدة البيت طريقة "حفر الكوسة" و"لف الملفوف" وإعداد "الفتُّوش"، تلتحق بـ"ورشة الكتابة" وتجلس بجوار سيِّدتها، مُنهمكة بدورها في خربشة الأوراق.
وعلى الرغم من جهل زوجي للغة "الأوردو" و"السنسكريتية"، فقد كان أوّل مَن باركَ موهبة الشغّالة، واعترف بنبوغها الأدبي، إلى حدِّ تساهله معها في ما لا تقوم به من شؤون البيت، بحُكم وجودها معنا، على ما يبدو، لإنجاز كتابها، واعتبار بيتنا فندقاً للكتابة من تلك الفنادق التي تستضيف الكُتّاب على حساب مؤسسات لإنجاز أعمالهم الأدبيّة. حتى إنه أصبح يناديها "كوماري"، على اسم الكاتبة السريلانكية الشهيرة "كوماري جوديتا"، التي كانت آنــذاك مُرشَّحة لرئاسة "اليونسكو"، وراح يُحذِّرني مازحـــاً من أن تكون البنت مُنهمكة في كتابة مُذكّراتها عندنا، وقد تفشي بكثير من أسراري، وتصدر كتابها قبل كتابي، وقد تصرُّ على توقيعه في معرض بيروت للكتاب، أُسوة بالشغّالة السريلانكية التي تعمل عند الفنان الراحل عارف الريس، التي كانت تقوم نهاراً بأشغال البيت، وترسم سرّاً في الليل، مستفيدة من المواد المتوافرة في مرسم سيِّدها. و كانت عَظَمَة عـــــارف الريس، في تبنِّي موهبة شغّالته، بدل مُقَاصصتها بدل سرقة بعض أدواته، بل ذهب إلى حدِّ إقامة معرض فني لها، تـمَّ افتتاحه برعاية سفير سريلانكا في لبنان.
ولو أنّ أُمِّـي سمعت بتهديدات زوجي لي، بأن تسبقني الشغّالة بإنجاز كتابها، لردَّدت مَثَلَها الجزائري الْمُفضّل "العود اللي تحقــرُو هـــو اللّــي يعميــك". وهو ما كان يعتقده إبراهيــم الكونــي، حين قال "خُلق الْخَدَم ليثأروا منَّا، لا ليخدمونا".


أمَّـا مناسبة هذا الحديــث، فعودة ظهور الأعراض إيّاها، على شغّالتي الإثيوبية، التي لا تكتفي بتقليد ملابسي وثيابي، ومُتابعة نظام حميتي، واستعمال كريماتي، بل وتأخذ من غرفتي أوراقي وأقلامي، وتختفي في غرفتها ساعات طويلة، لتكتب.
أخشى أن تكون مُنهمكة في كتابة: "الأَسوَد يَليق بكِ

butterfly
06/10/2006, 18:28
أطلق لها اللحى

لو لم تكن الصورة تحمل أسفلها خبراً عاجلاً، يعلن وقوعه في قبضة “قوات التحرير”، ما كنا لنصدِّق المشهد.
أيكــون هــو؟ القائد الزعيم الحاكم الأوحد، المتعنتر الْمُتجبِّـر، صاحب التماثيل التي لا تُحصى، والصور التي لا تُعدّ، وصاحب تلك القصيدة ذات المطلع الذي غدا شهيراً، يوم ظهر على الشاشة عند بدء الحرب الأميركية على العراق، مطالباً بوش بمنازلته.
أيكون صاحب “أطلق لها السيف لا خوف ولا وجل”، قد “أطلق لها اللحية”، بعد أن خانه السيف وخذله الرفاق، ولم يشهد له زُحل سوى بالحمق والجريمة؟
أكان هو؟ ذلك العجوز مُتعــب الملامح، المذعور كذئب جريح، فاجأه الضوء في قبو، هو بشعره المنكوش ولحيته المسترسلة، هو ما عداه، يفتح فكّيه مستسلماً كخروف ليفحص جندي أميركي فمه. فمه الذي ما كان يفتحه طوال ثلاثين سنة، إلاّ ليعطي أمراً بإرسال الأبرياء إلى الموت، فبين فكّيه انتهت حيوات ثلاثة ملايين عراقي.

أكانت حقاً تلك صورته؟ هو الذي ظلّ أكثر من ثلاثة عقود، يوزع على العالم سيلاً من صوره الشهيرة تلك، في أزيائه الاستعراضية الكثيرة، وسيماً كما ينبغي لطاغية أن يكون، أنيقاً دائماً في بدلاته متقاطعة الأزرار، ممسكاً ببندقية أو بسيجار، مبتهجاً كما لو أنه ذاهب صوب عرس ما. فقد كان السيد القائد يُزفّ كل يوم لملايين العراقيين، الذين اختاروه في أحد تلك الاستفتاءات العربية الخرافية، استفتاءات “المئة في المئة” التي لا يتغيّب عنها المرضى ولا الموتى ولا المساجين ولا المجانين ولا الفارُّون، ولا حتى المكوّمون رفاتاً في المقابر الجماعيّة. وكان الرجل مقتنعاً قناعة شاوشيسكو، يوم اقتيد ليُنفّذ فيه حكم الشعب، هو وزوجته، رمياً بالرصاص، إنه “معبود الجماهير”، هو الذي بدأ حياته مُصلِّح أحذية قبل أن يصبح حاكماً، وتبدو عليه أعراض الكتابة والتنظير.

وبالمناسبة، آخر كتاب كتبه السيد القائد، كان رواية لم يتمكّن من نشرها، وهي تتمة لـ”زبيبة والملك”. وكان عنوانها “اخرج منها أيها الملعون”. ولا يبدو أنها أفادته في تدبُّـر أمره والخروج من الكارثة التي وضع نفسه فيها، مُورِّطاً معه الأُمّـة العربية جمعاء. فرصته الوحيدة، كانت في النصيحة التي قدّمها إليه الشيخ زايد، بحكمته الرشيدة، حين أشار عليه بالاستقالة تفادياً لمزيد من الضحايا والأضرار، التي ستحلّ بالعراق والأُمة العربية. وأذكر أن وزير خارجيته أجاب آنذاك في تصريح خالٍ من روح الدعابة “الرئيس صدام حسين لا يستطيع اتخاذ قرار بالتخلي عن ملايين العراقيين الذين انتخبوه بقناعة ونزاهة”. في هذه الأُمّـة التي لا ينقصها حُكّام بل حُكماء، كانت الكارثة متوقعة، حتى لكأنها مقصودة. وبعد أن كان العميل المثالي، أصبح صدّام العدو المثالي لأميركا، وعلى مرأى من أُمّة، ما كانت من السذاجة لتحلم بالانتصار على أميركا، ولكن كانت من الكرامة بحيث لن تقبل إلاّ بهزيمة منتصبة القامة تحفظ ماء وجهها.
“حملة النظافة” ستستمر طويلاً، في هذه الحرب، التي تقول أميركا إنّ أهدافها أخلاقية. ومهما يكن، لا نملك إلاّ أن نستورد مساحيق الغسيل ومواد التنظيف من السادة نظيفي الأكفّ في البيت ناصع البياض في واشنطن.
من بعض فجائع هذه الأُمة، فقدان حكامها الحياء. إنه مشهد الإذلال الأبشع من الموت. ومن مذلّة الحمار... صنع الحصان مجده.

butterfly
06/10/2006, 18:32
أن أكون في كلِّ التراويح.. روحَك


ما طلبتُ من اللّهِ
في ليلةِ القدر
سوى أن تكون قَدَري وستري
سقفي وجُدران عُمري
وحلالي ساعةَ الحشرِ
**
يا وسيمَ التُّقَى
أَتَّقي بالصلاةِ حُسنكْ
وبالدعاءِ ألتمسُ قُربكْ
أُلامسُ بالسجودِ سجاداً
عليه ركعتَ طويلاً
عساني أُوافق وجهك
**
مباركةٌ قدماك
بكَ تتباهَى المساجد
وبقامتك تستوي الصفوف
هناك في غربة الإيمان
حيثُ على حذر
يُرفع الأذان
**
ما أسعدني بك
مُتربِّعاً على عرش البهاء
مُترفِّعاً.. مُتمنعاً عصيَّ الانحناء
مُقبلاً على الحبّ كناسك
كأنّ مهري صلاتُك
**
يا لكثرتكْ
كازدحام المؤمن بالذكرِ
في شهر الصيام
مزدحماً قلبي بكْ
**
كيف لــي
أن أكون في كلّ التراويح روحَكْ
كي في قيامك وسجودك
تدعُو ألاَّ أكون لغيرك

butterfly
06/10/2006, 18:35
أقلام للقلب.. وأُخرى للجيب


نسيت أن أقول لكم، إنني كتبت مقالي السابق عن الجزائر، بقلم طُبع عليه بالفرنسية عبارة “بوتفليقة في قلبي”· فقد طاردتني الحملة الانتخابية حتى الطائرة العائدة بي من الجزائر إلى بيروت، ولم أجد وأنا محجوزة مدة أربع ساعات، سوى قلم أهداني إيّــاه أحد أنصار بوتفليقة، عندما زرت صديقتي خالدة مسعودي، وزيرة الثقافة والاتصال، في زيارة ودِّية لرفع العتب قبل مغادرتي الجزائر بيوم·
خالدة الرائعة، والمناضلة الشهيرة بتاريخ تصدِّيها للمتطرفين، الذين أحلُّوا دمها، وأرغموها لسنوات على الدخول في الحياة السرية، هي بثقافتها وشجاعتها السياسية، الفرس البربري الجامح، الذي راهن عليه بوتفليقة لكسب ثقة اليساريين والبربر والنساء بورقة واحدة·
إنها، بأصالتها وبساطتها، لا تشبه إلا نفسها·· بشعرها الأشقر الرجالي القصير، وبملامح أُنثوية جميلة، وبتلقائية وحماسة تفتقدهما عادة النساء حال جلوسهن على كرسي رسمي· فهي لا ترتدي تاييراً سوى في المناسبات· وتفعل ذلك بأناقة أوروبية “عمليّة” من دون بهرجة أو تشاوف· لا يزعجها أن تكون كفّاها مُطرّزتين بالحناء في كل مناسبة دينية، وبهما تكتب مرافعاتها ومحاضراتها السياسية، التي تُمثل بها الجزائر بتفوق في المحافل الدولية، بلغة فرنسية راقية، ما عاد يتقنها الفرنسيون أنفسهم·
لكنها، مذ شغلت مناصب سياسية كثيرة، أحدها ناطقة باسم الحكومة، رفعت خالدة تحدِّي اللغة العربية، وأصبحت تتحدث الفصحى بطلاقة·
مدير مكتبها قال لي مازحاً وهي ترغمني بمودَّة على مُرافقتها إلى قصر الثقافة لتدشين معرض “جمعية الأمل لترقية وحماية المرأة والطفولة”: “إنها امرأة دائمة الركض·· أكثر عدوَاً من العدّاءة حسيبة بومرقة” (الجزائرية حائزة الميدالية الذهبية في العدوِ)·
أتركها تسبقني بخطوات مُراعاة لمنصبها، لكنها تعود وتبحث عني لتُقدمني بفخر لنساء أنصاف أُميّات، يستقبلنها بالزغاريد، ويأخذن معنا صوراً تذكارية·· هـنّ البائسات اللائي فقدن بيوتهن في الزلازل، واللائي أوجدت لهن جمعيات وتظاهرات تمكّنهن من بيع منتجاتهن اليدوية وإعالة عائلاتهن· تضمّهن واحدة واحدة·· تقبّلهن بمودَّة وصبر· توشوشني: “لابد من دعمهن· العمل أشرف لهن من مدّ أيديهن إلى الدولة أو إلى أزواجهن”·
عدنا مُحمَّلتين بالورود، وبهدايا رفضتُ بمحبّة معظمها مُراعاة لحاجة مُقدِّماتها· لكنني احتفظت بالأقلام، ونسيت أن أعطيها أُمي التي كانت سعيدة بأن تعيش أوّل حملة انتخابية على الطريقة الأميركية· فراحت تجمع كل ما لهُ علاقة بمرشحها المفضّل بوتفليقة، من قمصان وقبّعات وشارات، تقوم بتوزيعها بدورها على السائق، وأبناء أخي ومَن يزورنا من شغِّيلة·
وأنا أكتب في الطائرة مقالي بذلك القلم الذي عليه عبارة “بوتفليقة في قلبي”، تذكّرت الدكتور غازي القصيبي الذي قال لي مرّة “إنّ مَن يهدي كاتباً قلم حبر كمن يهدي فرّاناً ربطة خبز”· وكنت يومها أشكو إليه إصرار بعض قارئاتي الثريات، على إهدائي أقلاماً فاخرة، يعادل ثمن بعضها تكاليف طباعة كتاب، من دون أن تكون تلك الأقلام قادرة على إلهامك نصّاً جميلاً، لكونها في حلّتها الذهبيّة تلك، لم تُخلَق سوى لتوقيع الصفقات والشيكات، ما جعلني أحتفظ بها في درج خاص لمجرّد الذكرى، لكوني لا أعرف الكتابة سوى بأقلام التلوين المدرسيّة التي تُباع في علبة من اثني عشر قلماً، لا أستعمل منها سوى أربعة ألوان· ونظراً إلى سعرها الذي لا يتجاوز الثلاثة دولارات، فأنا أُلقي ببقية الأقلام في سلَّة المهملات·
وبالمناسبة، أجمل قلم أحتفظ به أهداني إيّــاه الدكتور غـــازي القصيبي، في التفاتة جميلة من كاتب يدري أن القلم المستعمل، ذا “السوابق الأدبيّة”، أثمن من أقلام “بِكْر” لم تقترن بيد كاتب، وأن إهداء كاتب كاتباً آخر قلمه الشخصيّ هو أعلى درجات المودّة والاعتراف بـ”قلم” الآخر·
لكن المحرج بالنسبة إلى كاتب، أن يكتب بقلم طُبع عليه اسم رئيس، حتى وإن كان ذلك الرئيس صديقاً منذ ثلاثين سنة، ومكانه في القلب حقّــاً·

butterfly
06/10/2006, 18:40
بطاقات معايدة.. إليك

- غيرة
أغــار من الأشياء التي
يصنع حضوركَ عيدها كلّ يوم
لأنها على بساطتها
تملك حقّ مُقاربتك
وعلى قرابتي بك
لا أملك سوى حقّ اشتياقك
ما نفع عيد..
لا ينفضح فيه الحبُّ بكَ؟
أخاف وشاية فتنتك
بجبن أُنثى لن أُعايدك
أُفضّل مكر الاحتفاء بأشيائك
ككل عيد سأكتفي بمعايدة مكتبك..
مقعد سيارتك
طاولة سفرتك
مناشف حمّامك
شفرة حلاقتك
شراشف نومك
أريكة صالونك
منفضة تركت عليها رماد غليونك
ربطة عنق خلعتها لتوّك
قميص معلّق على مشجب تردّدك
صابونة مازالت عليها رغوة استحمامك
فنجان ارتشفت فيه
قهوتك الصباحيّة
جرائد مثنية صفحاتها.. حسب اهتمامك
ثياب رياضية علِق بها عرقك
حذاء انتعلته منذ ثلاث سنوات
لعشائنا الأوّل..

طلب
لا أتوقّع منك بطاقة
مثلك لا يكتب لي.. بل يكتبني
ابعث لي إذن عباءتك
لتعايدني عنك..
ابعث لي صوتك.. خبث ابتسامتك
مكيدة رائحتك.. لتنوب عنك.

- بهجة الآخرين
انتهى العام مرتين
الثانية.. لأنك لن تحضر
ناب عنك حزن يُبالغ في الفرح
غياب يُزايد ضوءاً على الحاضرين
كلّ نهاية سنة
يعقد الفرح قرانه على الشتاء
يختبرني العيد بغيابك
أمازلت داخلي تنهطل
كلّما لحظة ميلاد السنة
تراشق عشّاق العالم
بالأوراق الملوّنة.. والقُبل
وانشغلت شفتاك عني بالْمُجاملات..
لمرّة تعال..
تفادياً لآثام نِفاق آخر ليلة..
في السنة!

butterfly
06/10/2006, 18:46
أَكلّ هَذَا الدَّم.. لإسكات قَلَم؟

أعذر مَن لم يسمع منكم بسمير قصير قبل الخبر الْمُدوِّي لموته. فسمير ما كان نجم الشاشات، ولا ديك الفضائيات. لم يُشارك في مسابقة للغناء، لم يصل بعد حملة (sms) إلى التصفيات النهائية في “ستار أكاديمي”. كان أكاديمياً مُتعدِّد الهواجس والثقافات. كان أستاذاً جامعياً يُحرِّض الأجيال الناشئة على الانتماء إلى حزب الحقيقة. لذا، أزعجتهم حِبَالُــه الصوتيّة.
لم يحاول أن يكون يوماً “سوبر ستار” العرب. هو الفلسطينيُّ الأب، السوري الأُم، اللبنانيّ الْمَذهَب والقلب، ما كان ليدخل منافسة تلفزيونيّة تحت رايــة واحدة، فلم يؤمن بغير العُروبـــة علماً وقَدَراً. لـــــذا، لم يترصّد أخباره المعجبون، بل المخبرون، ولم تتدافع الْمُراهقات للاقتراب منه وأخذ صور له حيثما حلَّ، بل كانت أجهزة الأمن تتكفّل بكلّ ذلك. الفتى العربي الْمُتَّقد الذكاء، الذاهب عُمقاً في فهم التاريخ، ما كان حنجرة، كان ضميراً. لــــذا، لم يقف أمام لجنة تحكم على صوتــه، بل كان يدري منذ البدء أنّ رجالاً في الظَّلام يحاكمونه كظاهرة صوتيّة في زمن الهمس والهمهمات.
الفتى العربي الوسيم، النقيّ، النبيل، المستقيم، في كل ما كتب، ما كان حبره الذي يسيل، بل دمه.
اعتاد أن يرفع صوته على نحو لا رجعة عنه، على الرغم من علمه أنّ للصوت العالي عندما يرتفع خارج الطبقات الصوتيّة للطرب ثمناً باهظاً. ففي حوار المسدّس والقلم، المقالات الناريّة يردُّ عليها بالنار.
كان عليك أن تُغنِّي يا صديقي.. فتَغنَى، وتستغني عمّا عرفت من ذُعر الكاتب الْمُطارَد، أن تكون هدفاً إعلامياً بدل أن تغدو رجلاً مُستهدَفاً، أن تستخدم وسامتكَ في طلّة إعلانيّة لبيع رغـــوة للحلاقة، أو الترويج لعطر جديد، بدل استخدام أدواتك الثقافية والْمَعرفيّة لِمُقارعــة القَتَلَــة. تأخَّــر الوقت لأقنعك ألاَّ تبصم بدمك على كلّ ما تكتب، فتسقط مُضرجاً بحبرك. يا هذا الحصان الجَامح لا حصانة لك. الكاتب كائن أعزل لا يحتمي سوى بقلم.
أَكلّ هَذَا الدَّم.. لإسكات قلم؟ وكلّ هذه المتفجرات المزروعة تحت مقعدكَ.. فقط لأنكَ رفضت أن تجلس يوماً على المبــــادئ؟
صاحــب “القلم الوسيم” سقط في موكب من مواكب الموت اللبناني.
سَقَطَ، وما نَفع كلُّ هذا المجد الْمُتأخِّـــر، لموت يغطِّي الصفحات الأُولى للصحافة العالمية؟ ما زهو صور لم يجفّ دم صاحبها، تتقاسم على جدران بيروت حيِّـزاً كان محجوزاً للمطربين، وغَـدَا حكراً على الْمُنْتَخبِين والْمُقَاولِين السياسيين وصائــــدي الصّفقَــات؟
هو صائــد الكلمات، ماذا يفعل بينهم، وهو الذي عندما كان حيَّــاً ما كان ليمد يده ليُصافح بعضهم؟ وما نفع إكليل البطولة على رأس ما عاد رأسه مذ ركب سيارته وأدار ذلك الْمُحرِّك، فتطاير دمه، وتناثرت أجزاؤه لتتبعثَر فينا؟
القَتَلَـــة يقرأون الآن أخبار نَـعْـيِـهِ بعدما أسكتوه، وصنعوا من جثته عِبْـرَة انتخابية لنصرة “حزب الصّمت”، يبتسمون لكلّ هذا الرثــــاء أثناء حشو مسدّساتهم بـ”كاتم الصوت”. صَمَتَ “القلم الوسيم”، تاركاً لنا عالماً من البشاعة والذعر من المجهول، بينما نحنُ منهمكون في الْمُطالَبَـة بحقيقة جديدة تحمل رقم الشهيد الجديد. القَتَلَة يبتسمون مستخفِّين بمطالبنا، واثقين بجبننا.
ذلك أنّ للحقيقة “كلاب حراسة” تسهر على سرّها. وحدهم حرّاس القيم لا حارس لهم إلاّ الضمير، الضمير الذي كان سبباً في استشهاد سميــر قصيــر.

butterfly
06/10/2006, 19:05
إلى إيطاليا.. مع حبي
في رومــــا، تذكّرت أغنية الراحلة ميلينا مركوري، التي كانت في تشرُّدها النضالي تغنّي “حيث أُسافر تجرحني اليونان”، قبل أن تصبح وزيرة للثقافة في اليونان الديمقراطية·
مثلها، ما سافرت إلى بلد إلاّ وجرحتني هموم العروبة· وكنت جئت إلى روما، لحضور الحفل الذي قدّمته بنجاح كبير صديقتي المطربة الملتزمة جاهدة وهبي، في قاعة “بيو” الضخمة، التابعة لحاضرة الفاتيكان، وذهب ريعه لبناء مستشفى لأطفال الناصرية·
كان أهالي الجنود الإيطاليين الذين سقطوا في الناصرية، مُتأثرين ومُؤثرين في حضورهم إلى جانب أبناء الجالية العربية· فبعض أمهات وزوجات الجنود القتلى لم يخلعن حدادهن منذ عدة أشهر، لكنهن، على الرغم من ذلك، واصلن تضامنهن مع الشعب العراقي، لاعتقادهن أنَّ أبناءهن ذهبوا بنوايا إنسانية، لا في مهمة عدوانية كما خطَّط لها بعد ذلك البنتاغون·
إحدى أرامل الحرب، أبدت أُمنيتها لزيارة الناصرية، المدينة التي دفع زوجها حياته ثمناً “لإعادة البسمة إلى أبنائها”·
أما فكرة الحفل، فقد ولدت من تصريح شقيق أحد الجنود الضحايا، غداة مقتل أخيه، حين قال: “مَن يريد تقديم تعازيه لي·· ليواصل جمع المال من أجل الأطفال الذين كان أخي يقدِّم لهم العون”·
وقد نقلت وسائل الإعلام الإيطالية، آنذاك، قصة ذلك الجندي القتيل، الخارج لتوِّه من الفتوَّة، الذي درج على تناول وجباته الغذائية برفقة عدد من الأطفال العراقيين، واعتاد أن يقتطع من مصروفه مبلغاً يوزعه عليهم·
بعد موته، اكتشف الأطفال الذين ظلُّوا يترددون على مواقع العسكر، أن الجنود ليسوا جميعهم ملائكة، فقد غدت طفولتهم وجبة يومية للموت الأميركي الشَّـره·
بعد ذلك الحفل، أخذتْ إقامتي في روما منحىً عراقياً لم أتوقعه· أسعدني اكتشاف مدى حماسة بعض الإيطاليين للقضايا العربية، بقدر ما آلمني ألاَّ يجد هؤلاء أي سند، ولا أي امتنان من الجهات العربية في روما، أو من العرب أنفسهم، الذين لا يدلّلون ولا يسخون إلاّ على أعدائهم·
واحدة من هؤلاء الإيطاليين الرائعين، الجميلة ماورا غوالكو، التي اعتادت الحضور إلى لبنان كل 16 أيلول، مع وفد من الإيطاليين اليساريين الصحافيين في معظمهم، الناشطين في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وذلك لإحياء الذكرى المأساوية لمذابح صبرا وشاتيلا، “ماورا” قالت لي بأسى، إنها ستتخلّف لأوّل مرّة منذ خمس سنوات عن هذا الموعد، لأنها ستضع مولودها في أيلول المقبل· ولكن رفاقها سيحضرون ليضعوا وروداً على مكان المذبحة، الذين فوجئوا عندما زاروه لأول مرة، بأنه تحوَّل إلى محل لرمي النفايات، فقاموا بتنظيفه بأنفسهم· وعندها استحت بلدية الغبيري، ووضعت شاهداً تذكارياً على ذلك المكان·
المستشرقة الصديقة إيزابيلا دافليتو، نموذج آخر للإيطاليين الذين يكافحون لتجميل صورة العرب· فهي تحاول بمفردها منذ سنوات، إنقاذ سمعة الأدب العربي، والإشراف على ترجمة أهم الأعمال الأدبية، في سلسلة تصدر عن دار نشر “مناضلة” على الرغم من برجوازية صاحبها المحامي المسنّ، ما جعلني أتردّد في المطالبة بحقوقي، من ناشر تورَّط في حُب عربي مُفلس·
كما يقوم عدَّة مثقفين موالين للعرب، بتنظيم ندوات فكرية أو سياسية، كتلك التي دُعيت إليها في مركز “بيبلي”، التي كانت مُخصصة للعراق، وألقيتُ خلالها نصاً شعرياً عن بغداد، تمت ترجمته للإيطالية·
إيزابيلا دعتني، رغم مشاغلها، إلى عشاء في بيتها، دعت إليه على شرفي ناشري والبروفيسور وليام غرانارا، الأستاذ في جامعة هارفارد، والمستشرق الأميركي، الذي احتفظ بوسامة أصوله الإيطالية، وبحبِّه الأدب العربي·· ومشتقاته·
وليام، الذي سبق أن التقيته في مؤتمر في القاهرة، اقترح دعوتي إلى أميركا لموسم دراسي ككاتبة زائرة، وناقشني بفصاحة مدهشة في رواياتي·· لكن من الواضح أنه لم يقرأ مقالاتي·
لقائي الأكثر حرارة·· كان مع المخرج التلفزيوني داريو بلّيني، الذي سبق أن شاهدت له في مركز “بيبلي”، شريطاً وثائقياً عن بغداد، أبكى معظم الحاضرين، وهو يعرض يوميات العذاب والموت والإذلال، التي يعيشها العراقيون على أيدي جيش “التحرير” الأميركي·
داريــو، الذي أُعجب بقصيدتي عن العراق، طلب مني أن يُصوّرها على شكل “كليب” لبرنامج ثقافي فـي التلفزيون الإيطالي·
وهكذا قضيت آخر يوم برفقته، ورفقة الشاعرة ليديا فيلو، نُصوِّر القصيدة باللغتين، بعضها في بيت موسوليني، والبعض الآخر وسط المظاهرات العارمة، التي كانت يومها تجتاح شوارع روما، مندِّدة بالحرب الأميركية على العراق·
إيطاليــــا العظيمة، لم تنجب فقط النصّابين والمافيوزي·· ومرتزقة الحروب، لقد أنجبت أيضاً مَن يعطون درساً في الإبداع·· وفي الإنسانية·

butterfly
06/10/2006, 19:07
جوارِبُ الشرفِ العربي
لا مفرّ لك من الخنجر العربيّ، حيث أوليت صدرك، أو وجّهت نظرك. عَبَثاً تُقاطِع الصحافة، وتُعرِض عن التلفزيون ونشرات الأخبار بكلّ اللغات حتى لا تُدمي قلبك.
ستأتيك الإهانة هذه المرّة من صحيفة عربية، انفردت بسبق تخصيص ثلثي صفحتها الأُولى لصورة صدّام وهو يغسل ملابسه.
بعد ذلك، ستكتشف أنّ ثَـمَّـة صوراً أُخرى للقائد المخلوع بملابسه الداخلية، نشرتها صحيفة إنجليزية “لطاغية كَرِهْ، لا يستحقّ مجاملة إنسانية واحدة، اختفى 300 ألف شخص في ظلّ حكمه”.
الصحيفة التي تُباهي بتوجيهها ضربة للمقاومة “كي ترى زعيمها الأكبر مُهاناً”، تُهِينكَ مع 300 مليون عربيّ، على الرغم من كونك لا تقاوم الاحتلال الأميركي للعراق إلاّ بقلمك.. وقريباً بقلبك لا غير، لا لضعف إيمانك، بل لأنهم سيكونون قد أخرسوا لسانك. هؤلاء، بإسكات صوتك، وأولئك بتفجير حجّتك ونسف منطقك مع كلِّ سيارة مفخخة.
تنتابك تلك المشاعر الْمُعقَّدة أمام صورة القائد الصنم، الذي استجاب اللّه لدعاء “شعبه” وحفظه من دون أن يحفظ ماء وجهه. وها هو في السبعين من عمره، وبعد جيلين من الْمَوتَى والْمُشرَّدين والْمُعاقِين، وبعد بضعة آلاف من التماثيل والصور الجداريّة، وكعكات الميلاد الخرافيّة، والقصور ذات الحنفيّات الذهبيّة، يجلس في زنزانة مُرتدياً جلباباً أبيض، مُنهمِكاً في غسل أسمال ماضيه و”جواربه القذرة”.
مشهد حميميّ، يكاد يُذكّرك بـ”كليب” نانسي عجرم، في جلبابها الصعيدي، وجلستها العربيّة تلك، تغسل الثياب في إنــاء بين رجليهــا، وهي تغني بفائض أُنوثتها وغنجها “أَخاصمَــك آه.. أسيبـــك”. ففي المشهدين شيء من صورة عروبتك. وصدّام بجلبابه وملامحه العزلاء تلك، مُجرّداً من سلطته، وثياب غطرسته، غدا يُشبهك، يُشبه أبَــــاك، أخـــاك.. أو جنســك، وهذا ما يزعجك، لعلمك أنّ هذا “الكليب” الْمُعدّ إخراجه مَشهَدِيـــاً بنيّــة إذلالكَ، ليس من إخراج ناديـــن لبكــي، بل الإعلام العسكري الأميركيّ.
الطّاغيــة الذي وُلِد برتبة قاتل، ما كانت له سيرة إنسانية تمنحك حقّ الدِّفاع عن احترام خصوصيته، وشرح مظلمته. لكنه كثيراً ما أربَككَ بطلّته العربيّة تلك. لـــذا، كلُّ مرَّة، تلوَّثَ شيءٌ منكَ وأنتَ تراه يقطع مُكرَهاً أشواطاً في التواضُع الإنساني، مُنحدراً من مجرى التاريخ.. إلى مجاريــه.
الذين لم يلتقطوا صوراً لجرائمه، يوم كان، على مدى 35 سنة، يرتكبها في وضح النهار، على مرأى من ضمير العالَم، محوّلاً أرض العراق إلى مقبرة جَمَاعية في مساحة وطن، وسماءه إلى غيوم كيماوية مُنهطلة على آلاف المخلوقات، لإبادة الحشرات البشرية، يجدون اليوم من الوقت، ومن الإمكانات التكنولوجيّة المتقدمة، ما يتيح لهم التجسس عليه في عقر زنزانته، والتلصُّص عليه ومراقبته حتى عندما يُغيِّـر ملابسه الداخلية.
في إمكان كوريا أَلاّ تخلع ثيابها النووية، ويحق لإسرائيل أن تُشمِّر عن ترسانتها. العالَم مشغول عنهما بآخر ورقة توت عربيّة تُغطِّي عـــورة صـــدّام. حتى إنّ الخبر بدا مُفرحاً ومُفاجئاً للبعض، حــدّ اقتراح أحد الأصدقاء “كاريكاتيراً” يبدو فيه حكّام عُــــراة يتلصصون من ثقب الزنزانة على صدّام وهو يرتدي قطعة ثيابه الداخلية. فقد غدا للطاغية حلفاؤه عندما أصبح إنساناً يرتدي ثيابه الداخلية ويغسل جواربه. بدا للبعض أنظف من أقرانه الطُّغاة المنهمكين في غسل سجلاتهم وتبييض ماضيهم.. تصريحاً بعد آخر، في سباق العري العربيّ.
أنا التي فَاخَرتُ دومَــاً بكوني لم أُلـــوِّث يــدي يوماً بمصافحة صدّام، ولا وطأت العراق في مرابــد الْمَديــح وسوق شراء الذِّمم وإذلال الهِمَم، تَمَنَّيتُ لو أنني أخذتُ عنه ذلك الإنـــاء الطافح بالذلّ، وغسلت عنه، بيدي الْمُكابِـرَة تلك، جوارب الشّرف العربيّ الْمَعرُوض للفرجـــــة.

butterfly
06/10/2006, 19:10
أمنيات نسائية.. عكس المنطق
طالما تردّدت في الاعتراف بأحلامي السريّة، خشية أن تهاجمني الحركات النسويّة. وحدي ناضلت كي يعيدني حبّك إلى عصور العبودية، وسرت في مظاهرة ضد حقوق المرأة، مطالبة بمرسوم يفرض على النساء الحجاب، ووضع البرقع في حضرة الأغراب، ويعلن حظر التجول على أي امرأة عاشقة، خارج الدورة الدموية لحبيبها.
***
قبلك حققت حلم الأُخريات، واليوم، لا مطلب لي غير تحقيق حلمي في البقاء عصفورة سجينة في قفص صدرك، وإبقاء دقات قلبي تحت أجهزة تنصّتك، وشرفات حياتي مفتوحة على رجال تحرّيك. رجل مثلك؟ يا لروعة رجل مثلك، شغله الشاغل إحكام قيودي، وشدّ الأصفاد حول معصم قدري. أين تجد الوقت بربّك.. كي تكون مولاهم.. وسجّاني؟
امرأة مثلي؟ يالسعادة امرأة مثلي، كانت تتسوق في مخازن الضجر الأنثوي، وما عاد حلمها الاقتناء.. بل القِنانة، مذ أرغمتها على البحث عن هذه الكلمة في قاموس العبودية. وإذا بها تكتشف نزعاتك الإقطاعيّة في الحبّ. فقد كنت من السادة الذين لا يقبلون بغير امتلاك الأرض.. ومن عليها.
كانت قبلك تتبضّع ثياباً نسائية.. عطوراً وزينة.. وكتباً عن الحرية. فكيف غدت أمنيتها أن تكون بدلة من بدلاتك.. ربطة من ربطات عنقك.. أو حتى حزام بنطلون في خزانة ثيابك. شاهدت على التلفزيون الأسرى المحررين، لم أفهم لماذا يبكون ابتهاجاً بالحريّة، ووحدي أبكي كلّما هدّدتني بإطلاق سراحي. ولماذا، كلّما تظاهرت بنسيان مفتاح زنزانتي داخل قفل الباب، عُدت لتجدني قابعة في ركن من قلبك.
وكلّما سمعتُ بالمطالبة بتحقيق يكشف مصير المفقودين، خفتُ أن يتم اكتشافي وأنا مختفية، منذ سنوات، في أدغال صدرك.
وكلّما بلغني أن مفاوضات تجرى لعقد صفقة تبادل أسرى برفات ضحايا الحروب، خفت أن تكون رفات حبّنا هي الثمن المقابل لحرّيتي، فرجوتك أن ترفض صفقة مهينة إلى هذا الحد.. ورحت أعدّ عليك مزايا الاعتقال العاطفي.. علني أغدو عميدة الأسرى العرب في معتقلات الحب.

butterfly
06/10/2006, 19:12
أميركا.. كما أراها

زرت أميركا مرَّة واحدة، منذ خمس سنوات.كان ذلك بدعوة من جامعة "ميريلاند" بمناسبة المؤتمر العالمي الأوّل حول جبران خليل جبران. كان جبران ذريعة جميلة لاكتشاف كوكب يدور في فلك آخر غير مجرَّتي.. يُدعى أميركا. حتى ذلك الحين، كنت أعتقد أنّ قوّة أميركا تكمُن في هيمنة التكنولوجيا الأكثر تطوراً، والأسلحة الأكثر فتكاً، والبضائع الأكثر انتشاراً. لكنني اكتشفت أنّ كل هذه القوّة تستند بدءاً على البحث العلميّ وتقديس المؤسسات الأكاديمية، واحترام الْمُبدعين والباحثين والأساتذة الجامعيين. فاحترام الْمُبدع والْمُفكِّر والعالِــم هنا لا يُعادله إلاّ احترام الضابط والعسكري لدينا. وربما لاعتقاد أميركا أنّ الأُمم لا تقوم إلاّ على أكتاف علمائها وباحثيها، كان ثـمَّـة خطة لإفراغ العراق من قُدراته العلمية. وليس هنا مجال ذكر الإحصاءات الْمُرعبــة لقدر علماء العراق، الذين كان لابدّ من أجل الحصول على جثمان العراق وضمان موته السريري، تصفية خيرة علمائه، بين الاغتيالات والسجن وفتح باب الهجرة لأكثر من ألف عالِم من عقوله الْمُفكِّرة، حتى لا يبقى من تلك الأُمّة، التي كانت منذ الأزل، مهـــد الحضارات، إلاّ عشائر وقبائل وقطَّاع طُرق يتقاسمون تجارة الرؤوس المقطوعة. لكن أميركا تفاجئك، لا لأنها تفعل كلَّ هذا بذريعة تحريرك، بل لأنها تعطيك درساً في الحريّة يربكك. خبرت هذا وأنا أطلب تأشيرة لزيارة أميركا، لتلبية دعوتكم هذه، ودعوة من جامعتي "ميتشيغن" و(MIT). فعلى الرغم من مُعاداتي السياسة الأميركية في العالَم العربي، لاعتقادي أنّ العدل أقلّ تكلفة من الحرب، و محاربة الفقر أجدى من محاربة الإرهاب، وأنّ إهانة الإنسان العربيّ وإذلاله بذريعة تحريره، هو إعلان احتقار وكراهية له، وفي تفقيره بحجّة تطويره نهب، لا غيرة على مصيره، وأنّ الانتصار المبنيّ على فضيحة أخلاقيّة، هو هزيمة، حتى إنْ كان المنتصر أعظم قوّة في العالم، وعلى الرغم من إشهاري هذه الأفكار في أكثر من منبر، مازالت كُتبي تُعتَمد للتدريس في جامعات أميركا. وكان يكفي أن أُقدِّم دعوات هذه الجامعات، لأحصل خلال ساعتين على تأشيرة لدخول أميركا مدَّة خمس سنوات. وهنا يكمن الفرق بين أميركا والعالَم العربيّ، الذي أنا قادمة منه، حيث الكتابة والثقافة في حدّ ذاتها شبهة، وحيث، حتى اليوم، يعيش الْمُبدعون العرب، ويموتون ويُدفَنون بالعشرات في غير بلدهم الأصلي. لقد اختصر الشاعر محمد الماغوط، نيابة عن كلِّ الْمُبدعين العرب، سيرته الحياتية والإبداعية في جملة واحدة "وُلِـدْتُ مذعــــوراً وسأموت مذعـــوراً". فالْمُبدع العربي لايزال لا يشعر بالأمان في بلد عربي. وإذا كان بعض الأنظمة يتردَّد اليوم قبل أن يسجن كاتباً أو يغتاله، فليس هذا كرماً أو نُبلاً منه، إنما لأن العالم قد تغيَّر، وأصبحت الجرائم في حق الصحافيين والْمُبدعين لا تُسمَّى بسرّية، وقد تُحاسبــه عليها أميركا كلّما جاءها، مُقدِّماً قرابين الولاء، مُطالِباً بالانتساب إلى معسكر الخير. ولذا اختار بعض الأنظمة العربية الدور الأكثر براءة، وتَمَادَى في تكريم وتدليل الْمُبدعين، شراءً للذِّمم، وتكفيراً عن جرائم في حق مثقفين آخرين. الحقيقة غير هذه، ويمكن أن تختبرها في المطارات العربية، وعند طلب تأشيرة "أخويّـــة"، وفي مكان العمل، حيث يُعامل الْمُبدع والْمُفكِّر والجامعي بما يليق بالإرهابيّ من تجسّس وحَذَر، وأحياناً بما يفوقه قَصَاصَاً وسجناً وتنكيلاً، بينما يجد في الغرب، وفي أميركا التي يختلف عنها في اللغة وفي الدين وفي المشاعر القوميّة، مَــــلاذاً يحضن حرّيته، ومؤسسات تدعم عبقريته وموهبته. وما معجزة أميركا إلاّ في ذكاء استقطاب العقول والعبقريات المهدورة، وإعادة تصديرها إلى العالَم من خلال اختراعات وإنجازات علميّة خارقة. ما الاُسد في النهاية سوى خرفان مهضومة.

butterfly
06/10/2006, 19:15
أن تكون كاتباً جزائرياً
" ألقيت هذه الشهادة في مؤتمر الروائيين العرب في القاهرة 1998 "


عندما تكون كاتباً جزائرياً, وتأتيك الجزائر يومياً بقوافل قتلاها, بين اغتيالاتها الفردية, ومذابحها الجماعية, وأخبار الموت الوحشي في تفاصيله المرعبة, وقصص أناسه البسطاء في مواجهة أقدار ظالمة. لا بد أن تسأل نفسك ما جدوى الكتابة؟ وهل الحياة في حاجة حقاً الى كتّاب وروائيين؟ ما دام ما تكتبه في هذه الحالات ليس سوى اعتذار لمن ماتوا كي تبقى على قيد الحياة.
وما دامت النصوص الأهم, هي ليست تلك التي توقّعها أنت باسم كبير, بل تلك التي يكتبها بدمهم الكتاب والصحافيون المعرفون منهم والذكرة, الصامدون في الجزائر. والواقفون دون انحناء بين ناري السلطة والإرهاب والذين دفعوا حتى الآن ستين قتيلاً.. مقابل الحقيقة وحفنة من الكلمات.
عندما تكون كاتباً جزائرياً مغترباً, وتكتب عن الجزائر, لا بد أن تكتب عنها بكثير من الحياء, بكثير من التواضع, حتى لا تتطاول دون قصد على قامة الواقفين هناك. أو على أولئك البسطاء الذين فرشوا بجثثهم سجاداً للوطن. كي تواصل أجيالاً أخرى المشي نحو حلم سميناه الجزائر. والذين على بساطتهم, وعلى أهميتك, لن يرفعك سوى الموت من أجل الجزائر الى مرتبتهم.
الجزائر التي لم تكن مسقط رأسي بل مسقط قلبي وقلمي, ها هي ذي تصبح مسقط دمي. والأرض التي يقتل عليها بعضي بعضي, فكيف يمكنني مواصلة الكتابة عنها ولها. واقفة على مسافة وسطية بين القاتل والقتيل.
لقد فقدنا في الجزائر خلال السنوات الأخيرة أكثر من ستين كاتب ومبدع. هم أكثر من نصف ثروتنا الإعلامية. ولم يبق لنا من الروائيين أكثر من عدد أصابع اليدين في بلد يفوق سكانه الثلاثين مليون نسمة, أي انه لا يوجد في مقابل كل مليون جزائري, كاتب واحد ينطق ويكتب ويحلم ويفكر باسم مليون شخص.
فأي نزيف فكري هو هذا؟.. وأيّة فاجعة وطنية هي هذه! ولذا كلما دعيت الى ملتقى حول الكتابة بدأ لي الجدل حول بعض المواضيع النقدية أو الفنية أمراً يقارب في طرحه مسرح العبث.. عندما يتعلّق الأمر ببلد يشكل فيه الكاتب في حد ذاته نوعاً بشرياً على وشك الإنقراض, وتشكّل فيه الكتابة في حد ذاتها تهمة لم يعد الكاتب يدري كيف يتبرّأ منها.. وذنباً لم يعد يدري كيف يجب أن يعلن توبته عنه أمام الملأ ليتمكن أخيراً من العيش بأمان.
فما الذي حلّ بنا اليوم؟
منذ الأزل نكتب وندري أن في آخر كل صفحة ينتظرنا رقيب ينبش بين سطورنا, يراقب صمتنا وأنفاسنا, ويتربص بنا بين جملتين.
كنا نعرف الرقيب ونتحايل عليه. ولكن الجديد في الكتابة اليوم أننا لا ندري من يراقب من.. وما هي المقاييس الجديدة للكتابة.
الجديد في الكتابة اليوم, أنّ أحلامنا تواضعت في بضع سنوات. فقد كنا نحلم أن نعيش يوماً بما نكتب.. فأصبحنا نحلم ألا نموت يوماً بسبب ما نكتب.
كنا نحلم في بدايتنا أن نغادر الوطن ونصبح كتاباً مشهورين في الخارج. اليوم وقد أصبحنا كذلك أصبح حلمنا أن نعود الى وطننا ونعيش فيه نكرات لبضعة أيام.
كنا نحلم بكتابة كتب جديدة.. أصبحنا نحلم بإعادة طبع كتبنا القديمة ليس أكثر .. فالذي كتبناه منذ عشرين سنة لم نعد نجرؤ على كتابته اليوم.
عندما تكون كاتباً جزائرياً. كيف لك اليوم أن تجلس لتكتب شيئاً في أي موضوع كان دون أن تسند ظهرك الى قبر.
في زمن العنف العدميّ, والموت العبثي, كم مرة تسأل نفسك. ماذا تكتب؟ ولمن؟ داخلاً في كل موت في حالة صمت حتى تكاد تصدّق أنّ في صمت الكاتب عنفاً أيضاً.
ماذا تكتب أيّها الروائي المتذاكي.. ما دام أيّ مجرم صغير هو أكثر خيالاً منك. وما دامت الروايات اكثر عجائبية وإدهاشاً تكتبها الحياة.. هناك.
سواء أكانت تريد أن تكتب قصة تاريخية, أم عاطفية أو بوليسية. رواية عن الرعب أ عن المنفى. عن الخيبة, عن المهزلة, عن الجنون.. عن الذعر.. عن العشق.. عن التفكك.. عن التشتت عن الموت الملفّق.. عن الأحلام المعطوبة.. عن الثروات المنهوبة أثناء ذلك بالملايين بين مذبحتين.
لا تتعب نفسك, لقد سبقتك جزائر الأكاذيب والخوف وكتبتها.
الحياة هي الروائي الأول في الجزائر. وأنت, أيّها الروائي الذي تملك العالم بالوكالة, وتدير شؤونه في كتاب. الذي يكتب قطعاً ليس أنت. ما دمت تكتب بقلم قصصاً يشاركك القدر في كتابتها بالدم.
كنا نحلم بوطن نموت من أجله.. فأصبح لنا وطن نموت على يده.
فلماذا تكتب؟ ولمن؟ وكيف يمكن فضّ الاشتباك بينك ككاتب والوطن؟ وهل المنفى هو المكان الأمثل لطرح تلك الأسئلة الموجعة أكثر من أجوبتها.
أراغون الذي قال صدقتها "الرواية أي مفتاح الغرف الممنوعة في بيتنا" لم يكن عربياً. وإلا لكان قال "إن الرواية هي مفتاح الأوطان المغلقة في وجهنا.
إنه التعريف الأنسب للرواية المعاصرة, التي منذ جيلين أكثر تولد في المنافي القسرية أو الإختيارية. موزعة على الخرائط العربية والغربية. هناك حيث ينتظر عشرات المبدعين العرب موتهم. حالمين أن يثأروا يوماً لغربتهم بالعودة في صناديق مفخخة بالكتب, فيحدثوا أخيراً ذلك الدوي الذي عاشوا دون أن يسمعوه: دويّ ارتطامهم بالوطن.
إنه زمن الشتات الجزائري إذن. وطن يفرغ ليتبعثر كتّابه ومثقفوه بين المقابر والمنافي ليواصلوا الميراث التراجيدي للكتابة العربية, وينضمّوا للشتات الفلسطيني وللشتات العراقي.. والشتات غير المعلن لأكثر من بلد عربي, تنفى منه شعوب بأكملها, وتنكسر فيه أجيال من الأقلام إكراماً لرجل أو لحفنة من الرجال, يفكرون بطريقة مختلفة ولا يغفرون لك ان تكون مختلفاً.
ذلك ان الكتابة أصبحت الآن أخطر مهنة. والتفكير أصبح أكبر تهمة, حتى أنه يشترك مع التكفير في كل حروفه ويبدو أمامه مجرد زلة لسان.
فلماذا نصرّ إذن على التفكير؟ ولماذا نصرّ على الكتابة؟ وهل يستحق أولئك الذين نكتب من أجلهم كل هذه المجازفة؟
إن وطناً أذلّنا أحياء لا يعنينا أن يكرّمنا امواتاً. ووطناً لا تقوم فيه الدولة سوى بجهد تأمين علم وطني تلف به جثماننا, هو وطن لا تصبح فيه مواطناً إلا عندما تموت.
يبقى أن الذين يتحملّون جريمة الحبر الجزائري ليسوا القتلة. والذين يحملون على يدهم آثار دم لما يقارب المائة ألف شخص كانوا يعيشون آمنين.. ليسوا التقلة. وإنما أولئك الذين لم تمنعهم كلّ فجائعنا من مواصلة الحياة بالطمأنينة والرخاء نفسه, والذين استرخصوا دمنا.. حتى أصبح الذبح والقتل أمراً عادياً لا يستوقف في بشاعته حتى المثقفين العرب أنفسهم.
والذين تفرّجوا خلال السنوات الأخيرة بلا مبالاة مدهشة على جثتنا. والذين جعلوننا نصدق ذلك الكاتب الذي قال:
"لا تخش أعداءك, ففي أسوأ الحالات يمكنهم قتلك
لاتخش أصدقاءك ففي أسوأ الحالات يمكنهم خيانتك
إخش اللامبالين فصمتهم يجيز الجريمة والخيانة".

butterfly
06/10/2006, 19:20
أنا في المطبخ.. هل من مُنازل؟

مــذ التحقت بوظيفتي كـ"ست بيت" وأنا أُحاول أن أجد في قصاص الأشغال المنزلية متعة ما، تخفّف من عصبيتي الجزائرية في التعامل مع الأشياء. قبل أن أعثر على طريقة ذكيّة لخوض المعارك القوميّة والأدبيّة أثناء قيامي بمهامي اليوميّة.
وهكـــذا، كنت أتحارب مع الإسرائيليين أثناء نفض السجّاد وضربه، وأرشّ الإرهابيين بالمبيدات أثناء رشِّي زجاج النوافذ بسائل التنظيف، و"أمسح الأرض" بناقد أو صحافي أثناء مسحي البلاط وتنظيفه، وأتشاجر مع قراصنة كتبي ومع المحامين والناشرين أثناء غسل الطناجر وحكّها بالليفة الحديديّة، وأكوي "عذّالي" وأكيد لهم أثناء كيّ قمصان زوجي، وأرفع الكراسي وأرمي بها مقلوبة على الطاولات كما لو كنتُ أرفع بائعاً غشّني من عنقه.
أمّا أبطال رواياتي، فيحدث أن أُفكِّر في مصيرهم وأدير شؤونهم أثناء قيامي بتلك الأعمال اليدوية البسيطة التي تسرق وقتي، من دون أن تستدعي جهدي، وفي إمكاني أن أحل كلّ المعضلات الفلسفية وأنا أقوم بها، من نوع تنظيف اللوبياء، وحفر الكوسة، وتنقية العدس من الحصى، أو غسل الملوخيّة وتجفيفها. حتى إنني، بعد عشرين سنة من الكتابة المسروقة من شؤون البيت، أصبحت لديّ قناعة بأنه لا يمكن لامرأة عربيّة أن تزعم أنها كاتبة ما لم تكن قد أهدرت نصف عمرها في الأشغال المنزلية وتربية الأولاد، ولا أن تدّعي أنها مناضلة، إن لم تكن حاربت أعداء الأُمّة العربية بكلّ ما وقعت عليه يدها من لوازم المطبخ، كما في نداء كليمنصو، وزير دفاع فرنسا أثناء الحرب العالمية الأُولى، عندما صاح: "سنُدافع عن فرنسا، ونُدافع عن شرفها، بأدوات المطبخ والسكاكين.. بالشوك بالطناجر، إذا لزم الأمر"!
كليمنصو، هو الرجل الوحيد في العالم الذي دُفن واقفاً حسب وصيّته، ولا أدري إذا كان يجب أن أجاريه في هذه الوصيّة لأُثبت أنني عشت ومتّ واقفة في ساحة الوغى المنزلية، خلف الْمَجلَى وخلف الفرن، بسبب "الزائدة القوميّة" التي لم أستطع استئصالها يوماً، ولا زائدة الأُمومة التي عانيتها.
يشهد اللّه أنني دافعت عن هذه الأُمة بكلّ طنجرة ضغط، وكلّ مقلاة، وكلّ مشواة، وكلّ تشكيلة سكاكين اشتريتها في حياتي، من دون أن يُقدِّم ذلك شيئاً في قضيّة الشرق الأوسط.
وكنت قبل اليوم أستحي أن أعترف لسيدات المجتمع، اللائي يستقبلنني في كلّ أناقتهن ووجاهتهنّ، بأنني أعمل بين كتابين شغالة وخادمة، كي أستعيد الشعور بالعبوديّة الذي عرفته في فرنسا أيام "التعتير"، الذي بسببه كنت أنفجر إبداعاً على الورق، حتى قرأت أنّ سفير تشيكيا في بريطانيا، وهو محاضر جامعي سابق، قدَّم طلباً لعمل إضافيّ، هو تنظيف النوافذ الخارجيّة في برج "كاناري وورف" المشهور شرق لندن، لا كسباً للنقود، وإنّما لأنه عمل في هذه المهنة في الستينات، ويُريد أن يستعيد "الشعور بالحريّة"، الذي كان يحسّ به وهو مُتدلٍّ خارج النوافذ، مُعلَّقاً في الهواء، يحمل دلواً وإسفنجة.
غير أنّ خبراً قرأته في مجلة سويسرية أفسد عليّ فرحتي بتلك المعارك المنزلية، التي كنت أستمدّ منها زهوي. فقد نجحت سيدة سويسرية في تحويل المكنسة ودلو التنظيف إلى أدوات فرح، بعد أن تحوّلت هي نفسها من مُنظِّفة بيوت إلى سيدة أعمال، تعطي دروساً في سويسرا والنمسا وألمانيا حول أساليب التمتُّع بعذاب الأشغال المنزلية، بالاستعانة بالموسيقى والغناء ودروس الرقص الشرقي وتنظيم التنفُّس.
أمّـا وقد أصبح الجلي والتكنيس والتشطيف يُعلَّم في دروس خصوصية في جنيف وفيينا على وقع موسيقى الرقص الشرقي، فحتماً ستجرّدني بعض النساء من زهوي باحتراف هذه المهنة. بل أتوقّع أن يحضرن بعد الآن إلى الصبحيات وهنّ بالمريول ("السينييه" طبعاً) خاصة أنّ هيفاء وهبي وهي تتنقّل بمريولها الْمُثير في ذلك "الكليب" بين الطناجر والخضار، نبّهت النساء إلى أنّ المعارك الأشهى والحاسمة تُدار في المطابخ!

butterfly
06/10/2006, 19:24
إنهم يقضمون تفاحة الحياة


كلّما طالعت في الصحف أخبار "صباح"، التي تنتظر في أميركا التحاق خطيبها العشريني الوسيم بها، حال حصوله على تأشيرة، مستعينة على أمنيتها أن تحبل منه، بإشهار دبلة خطوبتها في وجه شهادة ميلادها، آمنتُ بالحب كنوع من اللجوء السياسي، هرباً من ظلم "أرذل العمر"، وصدّقت أن علّة الحياة: قلّة الأحياء رغم كثرة عددهم.

ذلك أن الأحياء بيننا، ماعادوا الشباب.. بل الأثرياء.. وبعض المسنين الحالمين، الذين لا يتورعون عن إشهار وقاحة أحلام، لا نملك جسارة التفكير فيها، برغم أننا نصغرهم سنّاً. فهل الاقتراب من الموت يُكسب الإنسان شجاعة، افتقدها قبل ذلك، في مواجهة المجتمع؟

أغرب الأخبار وأجملها، أحياناً تأتينا من المسنين، الذين يدهشوننا كل يوم، وهم يقضمون أمامنا تفاحة الحياة بملء أسنانهم الاصطناعية، ويذهبون متكئين على عكازتهم نحو أسرَّة الزوجية وليلة فتوحاتهم الوهمية، مقترفين حماقات جميلة، نتبرأ من التفكير فيها، غير معنيين بأن يتركوا جثتهم قرباناً، على سرير الفرحة المستحيلة.

وبعض النهايات المفجعة لهؤلاء اللصوص الجميلين، الذين يحترفون السطو على الحياة، تعطينا فكرة عن مدى روعة أُناس يزجُّون بقلوبهم في الممرات الضيقة للسعادة، فيحشرون أنفسهم بين الممكن والمستحيل، مفضلين، وقد عجزوا عن العيش عشاقاً، أن يموتوا عشقاً، ويصنعوا بأخبارهم طرائف الصحف اليومية، كذلك المسن المصري، الذي فشل في تحقيق حلم حياته، بأداء واجباته الزوجية مع عروسه الشابة، التي تزوجها منذ بضعة أيام، مستخدماً في ذلك مكافأة نهاية الخدمة، الذي رغم استعانته ببركات "الفياغرا"، لم يتمكن من الدخول بعروسه الحسناء، فسكب البنزين على جسده، وقرر أن يموت حرقاً، بعد أن فشل في تحقيق آخر أحلامه، أو كعجوز الحب الفرنسية، التي لم يتحمل قلبها، وهي في الثامنة والسبعين من عمرها، الفرحة، فتوقف عن النبض قبل ساعات قليلة من عقد قرانها على زميلها في دار المسنين، الذي يبلغ من العمر 86 عاماً، بينما كانت منهمكة مع بقية النزلاء في تزيين دار العجزة استعداداً للمناسبة! وإذا كانت الفرحة قاتلة، بالنسبة إلى النساء، فالغيرة تبدو العاطفة التي تعمر أكثر في قلوب الرجال، وقد تحولهم في أي عمر إلى قتلة، كقصة ذلك الزوج التسعيني، الذي كان يتبادل مع زوجته العجوز أطراف الذكريات البعيدة، عندما أخبرته في لحظة فلتان لسان نسائي، أنه بينما كان مجنداً في الحرب العالمية الثانية، خانته مع رجل عابر. فلم يكن من الرجل إلاّ أن غافلها وخنقها ليلاً، انتقاماً لخيانة تعود لنصف قرن! أو ذلك المعمر الفرنسي، البالغ 89 سنة، الذي يقبع في سجون فرنسا، كأكبر معتقل، إثر حكم عليه بالسجن بتهمة خنق وضرب زوجته، البالغة من العمر 83 عاماً، حتى الموت، بعد أن عثر تحت وسادتها على رسائل غرامية، يتغزل فيها بها معجب، ليس في عمر "عمر محيو" خطيب صباح، وإنما رجل يبلغ ثمانين عاماً، يصغرها بثلاث سنوات!

غير أن العشاق من المسنين، ليسوا جميعهم مشروعات مجرمي حب، بل ثمة العشاق الأبديون الحالمون.. كذلك الجندي الأميركي، الذي شارك في الحرب العالمية الثانية، ومازال منذ ذلك الحين دائم البحث عن المرأة، التي وقع في حبها في ألمانيا، التي مازالت حلم عمره، حتى إنه نشر صورته بالزي العسكري، مرفقة برسالة موجهة إلى جميع "السيدات اللواتي تجاوزن السبعين من العمر"، يطلب فيها من حبيبته الاتصال به، والجواب عن بعض الأسئلة.. بل إن الحب مازال يزوِّد المسنين بطاقة خرافية للحلم، وبشهية مخيفة للحياة، كما في طهران، حيث وافقت المحكمة على زواج رجل، في الخامسة والثمانين من عمره، بامرأة في الخامسة والسبعين من عمرها.. بعد أن سبق لأهلها منذ 50 سنة أن رفضوا تزويجه بها!

أما في تونس، فمازال البعض يذكر إحدي أجمل قصص الحب، التي انتهت بعقد قران رجل في السابعة والتسعين من العمر على عروسه، البالغة 86 عاماً، وتلك الأفراح التي دامت آنذاك سبعة أيام، وسبع ليالٍ كاملة، نظراً لكثرة أفراد عائلتي الزوجين، التي تضم 42 حفيداً، من جهة العريس، الذي يبلغ ابنه البكر الخامسة والسبعين من عمره.. و11 ابناً و33 حفيداً من جهة العروس.
"برافو

butterfly
06/10/2006, 19:37
أيها الرب ...........إذا جعلتني أقوى

إذا كان ما حدث في أميركا في "صباح الطائرات"، قد تطلّب منّا وقتاً لتصديق غرائبيّته وهَوْلِـه، فإنّ الكتابة عنه، بقدر من الموضوعية والإنسانية، كانت تتطلّب منّـا أيضاً بعض الوقت، كي نتجاوز أحاسيسنا الأُولى، ونعي أنّ تلك الأبراج الشاهقة، التي كانت "مركز الجشع العالمي"، التي انبهر الملايين من بؤساء العالم وجياعه ومظلوميه، وهم يشاهدون انهيارها، لم تكن مجرّد مبانٍ تُناطح السحَاب غروراً، بل كانت تأوي آلاف البشر الأبرياء، الذين لن يعرفوا يوماً لماذا ماتــوا، والذين كانوا لحظة انهيارها يُدفنون تحت أنقاضها، ويموت العشرات منهم، محترقين بجنون الإرهاب، دون أن يتمكَّن أهلهم من التعرّف حتى إلى أشلائهم المتفحّمة، ليكون لهم عزاء دفنهم أو زيارة قبورهم في ما بعد.

لــم تكن المباني إذن مِن ديكورات الكارتون، كما يتمُّ تجسيمها عادة في استديوهات هوليوود، عندما يتعلَّق الأمر بخدع في فيلم أميركي يصوّر نهاية العالم: فكيف انهارت بتلك السرعة الْمُذهلة، وجعلتنا نكتشف، مذعورين، هشاشة الْمَفاخر التكنولوجية، والحضارة العصرية، القائمة على الْمُزايدات التقنية، والتشاوف بين الأُمم؟

ذلك أن الكثيرين، من الذين ماتــوا تلك الميتة الشنيعة، قضوا أعمارهم في أكبر الجامعات وأغلاها، كي يتمكّنوا يوماً من تسلُّق سلّم الأحلام، والوصول إلى أعلى ناطحة سحاب في العالم، حيث ينبض "جيب" الكرة الأرضية وماداموا لم يسمعوا بابن المعتز، وإنما ببيل غيتس، نبيِّ المعلوماتية ورسولها إلى البشرية، فقد فوّتوا عليهم نصيحة شاعر عربي قال: "دعي عنكِ المطامع والأماني --- فكم أمنيةٍ جلبت منيّة"

ساعة و44 دقيقة فقط، هو الوقت الذي مرَّ بين الهجوم على البرج الأول وانهيار البرجين وإذ عرفنا أن الوقت الذي مـرَّ بين ارتطام عابرة المحيطات الشهيرة "تايتانيك" بجبل جليدي وغرقها، كان حسب أرقام الكوارث ساعتين وأربعين دقيقة، بينما تطلَّب إنجازها عدَّة أعوام من التخطيط والتصميم، وكلَّفت أرقاماً خُرافية في تاريخ بناء البواخر، وكذلك سقوط طائرة "الكونكورد" الأفخم والأغلى والأسرع لنقل الركّاب في العالم، واحتراقها (بركابها الأثرياء والمستعجلين حتماً)، في مــدّة لا تتجاوز الخمس عشرة دقيقة، وإيقاف مشروع تصنيعها لحين، بخسارة تتجاوز آنذاك مليارات الفرنكات، أدركن هشاشة كلّ ما يزهو به الإنسان، ويعتبره من علامات الوجاهة والفخامة والثراء، ودليلاً على التقنيات البشرية المتقدمة، التي يتحدّى بها البحر حيناً، لأنه يركب أضخم وأغلى باخرة، ويتحدّى بها السماء حينا آخر، لأنه يجلس فوق أعلى وأغلى ناطحة سحاب، جاهلاً أن الإنسان ما صنع شيئاً إلاّ وذهب ضحيته، ولــذا عليه أن يتواضع، حتى وهو متربّع على إنجازاته وقد كان دعاء أمين الريحاني "أيّها الربُّ إذا جعلتني أقوى، فاجعلني أكثر تواضُعاً".

أميركا التي خرجت إلينا بوجه لم نعرفه لها، مرعوبة، مفجوعة، يتنقّل أبناؤها مذهولين، وقد أطبقت السماء عليهم، وغطَّى الغُبار ملامحهم وهيأتهم، لكأنَّـهـم كائنات قادمة إلينا من المرِّيخ، لفرط حرصهم على الوصول إليه قبلنا، أكانت تحتاج إلى مُصَابٍ كهذا، وفاجعة على هذا القدر من الانفضاح، لتتساوى قليلاً بنا، نحنُ جيرانها، في الكرة الأرضية، الذين نتقاسم كوارث هذا الكواكب كلَّ يوم؟

ذلك أنه منذ زمن، والأميركيون جالسون على علوّ مئة وعشرة طوابق من مآسينا فكيف لصوتنا أن يطالهم؟ وكيف لهم أن يختبروا دمعنا؟

لــم يكن إذن ما رأيناه في الحادي عشر من أيلول، مشهداً من فيلم عوَّدتنا عليه هوليوود كان فيلماً حقيقياً عن "عولمة الرعب"، بدمار حقيقي وضحايا حقيقيين، بعضهم كان يعتقد آنذاك أنه يتفرّج على "الفيلم"، عندما وجد البرجين ينهاران فوق رأسه وكما في السينما، كان السيناريو جاهزاً بأعداء جاهزين المفاجأة أننا ما كنّـا نتوقع أن يتمّ اختيارهم بقرعة الجغرافيا من بين الْمُشاهديـــن.
لا جـــدوى مِن الإسراع إلى إطفاء جهاز التلفزيون ذلك أنَّ "النسر النبيل"، هو الذي يختار في هذا الفيلم الأميركي الطويل، لِمَن مِن المشاهدين سيُلقّن درساً ومتى، فهو الذي يقرّر إلى مَنْ منّـا سيسند دور الشرِّير.

butterfly
07/10/2006, 10:26
ابتسم أنت في امريكا
يدهشك حقا ويعنيك أهمية الجامعات في تأسيس أمريكا ، انها تنب كالجزر والواحات في الولايات وتصنع فخر الأمريكي الذي تخرج منها والذي يدين لها بولاء يبخل به حتى على عائلته ، أحدهم جاء من المكسيك كان مزارعا تابع دروسه الليلية في جامعة ميريلاند وعاد منذ مدة وقد اصبح مهندسا كبيرا ليدفع 5 ملايين دولار مساعدة منه للجامعة ولمن يتعلم بعده فيها

ولانك لاتمنع نفسك من المقارنه فستتذكر ذلك السفير الجزائري الذي كان يحتفظ بمنح الطلبة في الخارج لعدة اشهر في حسابه الخاص للاستفادة من فوائدها ولا يحولها لهم الا عندما يشارفون على التسول

وعندما تتجول بعد ذلك في المباني الجامعية والمتشابهة بجامعة ميريلاند ستكتشف ان معظمها بنيت بهبات خريجي الجامعة الأثرياء ، وفي نزل ماريوت الذي تقيم فيه سيقع نظرك حيث ذهبت على لوحات جميلة وثمينة تزين الممرات والقاعات وستلحظ اسفلها صفيحة من البرونز وبخط صغير اسم واهبها الذي هو أحد خريجي الجامعة فتتذكر قصة معروفة لمدير سابق لإحدى الكليات اللبنانية الذي نهب نصف ميزانية الكلية أثناء الحرب بابتكاره فواتير مزورة لتجهيزات وهمية لم تحصل عليها الكلية ، ثم غادر الى وظيفة اكثر ربحا وقد ترك الكلية عارية من كل شئ

وبعد قليل يأتي نادل لخدمتك في المطعم ويخبرك أحدهم انك قد تعود في المرة المقبلة وتجده موظفا في الطوابق العليا لان الجميع هنا يدرس ليتقدم ولا احد يشغل الوظيفة نفسها طوال حياته والفرص متاحة بالتساوي للجميع

يحكى الأستاذ سهيل بشوئي احد عمدة أساتذة الجامعة الأمريكية في بيروت في الستينات والسبعينات انه استطاع برسالة الى رئيس لجنة الهجرة في أمريكا ان يوقف إجراء بطرد طبيبة عربية لم يستطع المحامي ان يفعل لها شي قبل ان يسألها يائسا أتعرفين أستاذا في الجامعة يمكن ان يقدم شهادة لصالحك اما في بلادنا فكان سيسألها اتعرفين ظابطا كبيرا ام وزيرا او أي زعيم يتوسط لك عند القضاء ولكن في امريكا كل هؤلاء لا يضاهون وجاهة الاستاذ ولا هيبته

البيت الابيض لايثير في نفسك شيئا مما توقعت من انبهار وانت ترى حديقته المفتوحة على الطريق وداخلها عدد من السياح الفضوليين ولكن هذا المشهد بالذات هو الذي سيوقظ المك ويذكرك بتلك القصور المسيجة لحكام لايمكن الاقتراب من بيوتهم بالعين المجردة

butterfly
07/10/2006, 10:30
ابني.. الإيطالي

انتهى حديثي عن رومــــا، عند ذلك السائق الذي تشاطر عليّ وأقنعني بأنني أمددته بورقة نقدية من فئة العشرة يورو·· لا الخمسين، وتقاضى مني بالتالي مئة يورو، عن مشوار المطار الذي يساوي نصف ما دفعت·
ولم يحزنِّي الأمر كثيراً، مادام هذا كلّ ما فقدت، مقارنة بنسيبي، الذي على فائق ذكائه وشطارته، وتردده على إيطاليا أكثر من مرَّة، نجح الطليان في ميلانــو في سرقة حقيبة يده، بكل محتوياتها من مبالغ نقدية وجوازات سفر وبطاقات مصرفية، بعد أن قاموا بتنفيس دولاب سيارته، وسطوا على محتوياتها أثناء توقُّفه للبحث عمَّن يساعده· وهكذا تحوّلت لديه مقولة “روما فيدولتا فيدا بردوتا” أي “شاهد روما وافقد إيمانك” إلى “شاهد روما وافقد جزدانك” (أي حقيبة يدك)·
ابني غسان، الذي جاء من لندن، حيث يتابع دراسته في إدارة الأعمال، التحق بي كي يراني ويكتشف روما، أخيــــراً، بعدما قضى الصيف الماضي في إيهام بنات “كان” بأنه إيطالي، حتى إنه اختار اسماً “حركياً” لغزواته العاطفية، بعد أن وجد أنّ البنات يقصدنه لذلك السبب· فالرجل الإيطالي له سطوة لدى الفرنسيات بحُكم صيته العشقي، وأناقته المتميزة· ولا داعي لتخييب ظن البنات مادام الأمر لا يتعدَّى سهرة في مرقص· وعبثاً حاولت مناقشة الموضوع معه، وإقناعه بأن “حبل الكذب قصير”، فكان يردُّ بأن البنات هنّ مَن يفضّلن سماع الأكاذيب· وانتهى بي الأمر إلى الاقتناع بقول عمر بن الخطاب (رضي اللّه تعالى عنه) “لا تخلِّقوا أولادكم بأخلاقكم، فقد خُلِقوا لزمان غير زمانكم”، خاصة أنني عجزت أيضاً عن إقناعه بالوفاء لصديقة واحدة، ودفعت ثمن تعدُّد صديقاته، عندما كان عليَّ في روما أن أشتري هدايا لهن جميعاً، وأتشاور معه طويلاً في مقاساتهن وأذواقهن، وأجوب المحال النسائية بزهد كاتبة، بعد أن جبت المحال الرجالية بصبر أُمٍّ، لأشتري له جهازاً يليق بوظيفة في النهار في بنك إنجليزي، ووظيفة ليلاً كعاشق إيطالي·
وقد حدث في الصيف أن أشفقت كثيراً على إحدى صديقاته، الوحيدة التي عرّفني إليها، والتي تقدَّم إليها باسمه الحقيقي، نظراً إلى كون علاقتهما دامت شهرين· وكانت المسكينة تدخل في شجارات مع والدها، المنتمي إلى الحزب اليميني المتطرِّف الذي يشهر كراهيته للعرب، وتستميت في الدفاع عمّا تعتقده حبّاً· وذهبتْ حتى شراء نسخة من “ذاكرة الجسد” بالفرنسية لإطلاع أهلها على أهمية “حماتها”، وكانت تملأ البيت وروداً كلّما سافرت وتركت لهما الشقة، وتُهاتفني سراً لتسألني إن كان ابني يحبّها حقاً· ووجدتني مرغمة على الكذب عليها· وتأكيداً لأكاذيبي، صرت أشتري لها هدايا كي يقدِّمها لها ابني، بما في ذلك هدية وداعٍ، عندما غادر غسان “كان” إلى لندن· فالمسكينة لم تكن قد سمعت بمقولة مرغريت دوراس: “في كلِّ رجل ينام مظلِّي”· ولم تكن تدري أنّ الرجال دائماً على أهبة رحيل نحو حبّ آخر· ربما من وقتها أضفت إلى واجبات أُمومتي، واجب شراء هدايا لصديقات ابني، وإلى مشاغلي الروائية·· مهمّة إسعاد بطلة حقيقية، تشبهني في شغفي وذعري وشكّي وسخائي·· و غبائي العاطفي·
بعد عودته إلى لندن، هاتفني غسان مبتهجاً· قال: “شكراً ماما·· كانت الإقامة معكِ جميلة في روما·· الثياب التي اشتريتها لي أعجبت الجميع·· وصديقاتي هنا جميعهن سعيدات بالهدايا”· ثم أضاف مازحاً: “جاهز أنا لأراكِ في أيّة مدينة تسافرين إليها”·
غسان عمره 23 سنة·
التهم من كتب الأدب والفلسفة أكثر مما قرأت أنا·

النهر العاشق
07/10/2006, 15:53
اووووووووو مجهود رااااااائع butterfly دايما صاحبة المجهودات الرائعة شكرا على المقالات، كتير لكن مادامت للكاتبة احلام مستغانمى يبقى لازم تتقرى شكرا لك:yahoo: :D :D

قهوة دايمي
09/11/2006, 16:12
شكرا شكرا جداً جزيلا !!

butterfly
10/11/2006, 23:51
اشــتري دمعـــاً .. فـمـــن يـبـيـع؟


أحسد سيوران القائل: "لم أبكِ قط، فدموعي استحالت أفكاراً".
فهل تعود قلّة إنتاجي الأدبي إلى كون أفكاري استحالت دموعاً، وأني بدل أن ألقي القبض على لحظات الحزن الجحيمية، فأُحوّلها إلى عمل إبداعي، رحت أطفئ وهج الحرائق بالبكاء الغبي؟ عزائي أمام خسائري الأدبية، ما قرأته في دراسة طبية تؤكد أن المرأة تعيش أكثر من الرجل.. لأنها تبكي بسهولة أكبر، ذلك أن القدرة الرهيبة على البكاء، التي تمتلكها المرأة، تمنحها إمكانية تفجير ما تحقنه في نفسها من غضب وحزن وأسى، بينما لافتقادهم هذه القدرة، يموت الرجال تحت وطأة أحزانهم، بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
الخيار إذن هو بين أن أُعمّر طويلاً وأترك أعمالاً قليلة.. بعد أن أكون قضيت نصف العمر، الذي كسبته بالبكاء.. في البكاء، أو "أقصف عمري" بقمع حاجتي إلى ذرف الدموع مقابل أن أترك بعد رحيلي أعمالاً إبداعية كبرى تُبكي الآخرين.
وفي مسألة البكاء، اختلف الفقهاء من مبدعين وشعراء، بين الذين يفاخرون بدمعهم، ويذرفونها أنهاراً عند أول سبب، وأحياناً من دون سبب منطقي، عدا حالة الكآبة الوجودية التي لا تفارق المبدعين، خاصة الرومنطقيين منهم، أمثال بول فرلين ولامارتين ورامبو وروسو، وبين حزب آخر قد يكون ناطقه الرسمي أبو فراس الحمداني، الذي كأي عربي قح، أعلن أنه سيصون كرامة دمعه، حتى وإن كان في جفاف مآقيه هلاكه.
أشعر بالندم لأنني ما كنت من أتباعه، ولا كنت يوماً عصيّة الدمع، ولا شيمتي الصبر. تشفع لي أعذار ثلاثة: فأنا أولاً امرأة.. وثانياً: مبدعة.. وثالثاً: من برج الحمل. وهي أسباب كافية عند اجتماعها لصنع كيمياء الدموع. وعلى الذي يشك في مصيبتي، أن "يسأل دموع عينيَّ.. ويسأل مخدتي" وكل المواويل وأغاني العويل التي تربيت عليها في مراهقتي العاطفية والسياسية الأُولى. إذ بسبب كمّ الدموع التي ذرفتها آنذاك أمام الأفلام المصرية والنشرات الإخبارية العربية، منذ السبعينات وحتى "حرب الحواسم" المباركة، وجدتني اليوم مهددة بجفاف أدمعي وتصحّر بساتين أوهامي.
والأمر ليس نكتة. فطبيب العيون الذي زرته لأول مرة منذ بضعة أشهر، لينجدني بنظّارات طبية للقراءة،، فاجأني بأن وصف لي "دمعاً صناعياً لعلاج مرض نشاف الدمع".
منذ أيام عثرت على تلك الوصفة الطبية، التي مازلت أحتفظ بها في مفكرة العام الماضي، بنيّة غير معلنة لنسيانها. وكدت منذ أيام آخذها لأشتري أخيراً تلك القطرات التي عليّ أن أضع عشراً منها يومياً في كل عين، لولا أنني رفضت أن ينتهي بي الأمر إلى شراء دموع صناعية في عز شهر التسوّق، حتى لا أريد في عجز الاقتصاد اللبناني بـ"شوبينغ للدموع" التي هي على أيامنا السلعة الأكثر ندرة، نظراً إلى كوننا استهلكنا في المصائب القوميّة كل الآبار الجوفية لدموعنا العربية، ولم يبق أمامنا بعد الآن إلاّ أن نذرف نفطاً، إن سمحت لنا بذلك شركات البترول العالمية، التي تتولى كل شؤوننا، بما في ذلك تقنين دموعنا، ووضع لائحة بالأسباب المسموح بها للعربي بالبكاء.
لهذه الأسباب، فرحت عندما رأيت منذ أشهر الرئيس الجزائري يجهش باكياً مرتين في حضرة الكاميرات، أمام قادة أغنى دول العالم، وهو يتحدث إليهم في قمّة "إيفيان" عن كارثة الزلزال التي أصابتنا، ثمّ عن كل المآسي الدموية، التي شهدتها الجزائر في الأعوام الماضية. استبشرت خيراً بارتفاع منسوب دمعنا الوطني. فيوم غادرت الجزائر في السبعينات، كان مخزون بترولنا يرفع سقف ثمن برميل الدمع إلى حدّ يصعب معه رؤية جزائري يبكي علناً. يومها، تمنيت لولا جفاف مآقيّ أن أُساند رئيسنا بالبكاء. ولكن، كجزائرية تشتري "الدمع الصناعي" بالعملة الصعبة، وجدت في الأمر إهانة لمن أبكيهم..
هل بينكم من مازال في مآقيه دموع.. فيدركني بها؟

ري مي
10/11/2006, 23:56
شكرا ........:D
أنو انا كيف لهلق لحتى شفت الموضوع :?

abosleman
11/11/2006, 00:05
تحياتي إلك butterfly
وشكرا كتير على مجودك الرائع
تقبلي مني كل الاحترام والتقدير

ري مي
11/11/2006, 00:31
...... أحلام مستغانمي- تلك التفاحة



منذ سنة أو أكثر، بدأ الوزراء اللبنانيون جلستهم الوزارية بقضم تفاحة، دعماً لتفاح لبنان، الذي كان معرّضاً آنذاك للكساد بسبب مقاطعة إحدى الدول المغاربية له بعد أن كانت سوقه الأُولى.
قرأت أنّ التفاح يقي أمراضاً كثيرة، وأنّ تفاحة واحدة في اليوم كافية لدعم صحتك، وإذا بالتفاح نفسه يحتاج إلى إنقاذ، ولا تتوقف الحملات لدعم صحته الاقتصادية. آخرها، حملة قامت بها إحدى المؤسسات اللبنانية، رافعة شعار "بديّاتنا (أي بأيدينا) نقطف تفاحاتنا"، قصد تشجيع الشباب اللبناني على المشاركة في عملية قطافه.
وإن كان لا أجمل من يد فتيّة تقطف ثمرة من شجرة، فلا أخطر على الثورة من لحظة دخول الدودة إلى قلب الثمرة.
لذا أُشفق على الفلسطينيين، الذين بعد أن سَرَقَت منهم إسرائيل برتقال يافا وعنب الخليل، اكتشفوا أنّ دودة دخلت تفاحتهم، التي تمَّ قضمها سرّاً من قِبَل الذين كانوا يوزّعون بالتساوي الشعارات الواعدة على الجائعين، والتفاح على المسؤولين.
حمــداً للّــه أنّ العراقيين وفَّرُوا على أنفسهم هموم التفاح، مـذ جاءهم بستاني، يتولّى في البيت الأبيض زراعة وقطاف كل ما تحبل به أرض العراق.
وبينما كان مطربنا رابح درياسة يغني "يا التفاحة.. يا التفاحة قولي لي وعلاش الناس والعة بيك"، كان ناظم الغزالي يستبق المصاب ويستعدُّ لزمن لن يجد فيه عراقي تفاحة يهديها إلى حبيبته: "وتريد مني التفاح وأنا ما عندي تفاح". وعندما اكتشف العراقيون أن "لا تفاح لمن تنادي"، انخرطوا في حزب البرتقالة، وسلَّطوا علينا مخلوقاً يُردِّد على مدار النهار "يا برتقالا ااة" "يا برتقالا ااة".
بربكم، لولا عقم نخيل العراق حزناً، أكان لأغنية كهذه أن تتصدَّر الأغاني العراقية رَوَاجَاً؟
مناسبة الحديث عن التفاح، أنني قبل أسبوع قمت بدعم التفاح اللبناني وأنا في المطار، قاصدة الجزائر، فارتأيت أن أشتري لأمي منه صندوقاً صغيراً، لعلمي بانحيازها إليه.
البائع الشاب في محل "غوديز" في المطار، الذي سبق في إحدى الرحلات أن تعرّف إليَّ، فأهديته كتاباً لي كان في حوزتي، أسرع إلى خدمتي، وتفانَى في عرض أكثر من فاكهة عليَّ. لكنني بقيت على وفائي للتفاح. قلت له وهو يرافقني إلى الصندوق، إنّ لي قَرَابَة بالتفاح، مستشهدة بمقولة أمين نخلة: "ولد الفن يوم قالت حواء لآدم ما أجمل هذه التفاحة، بدل أن تقول له: كُل هذه التفاحة".
ولأننا كنّا في رمضان، احتفظت لنفسي بخاطرة جارتي الجميلة شهرزاد، التي حوّلت التفاح من فاكهة للخطيئة إلى ثمرة للتقوَى، حين قالت: "كلّما رأيت أمامي تفاحة، ردّدتُ في داخلي: سأتقاسمها معك في الجنّة بإذنه تعالى".
ولأنّ التفاح ثمرة التأمُّل، ارتأيت أن أكتب لكم هذه الخواطر استناداً إلى قول جميل احتفظت به بين أوراقي، للرائعة غادة السمّان: "لو شاهدتَ التفاحة وهي تسقط من الشجرة، وفكرت في قانون الجاذبية، فأنت عالم، لو أخذت التفاحة وبعتها فأنت تاجر، لو التهمت التفاحة فأنت واقعيّ، لو أحزنك موت التفاحة فأنتَ شاعر، لو انحزت إلى الأفعى ضدّ آدم فأنتَ سياسي، أما لو فكرت في كل ذلك، ولم تملك إلاّ أن تكتبه فأنت كاتب وروائي".
اعذرونــي إذن، إن كنت أحتاج إلى كلِّ هذه الروايات لأُحدِّثكم عن تفاحة.

butterfly
11/11/2006, 22:58
مأتم الأحلام!


استوقفني قول للكاتبة كارولين أهيم: "الحصول على دماغ يستطيع الكتابة، معناه الحصول على دماغ يعذبك", ولو أنها خبرت لعنة الحصول على دماغ عربي، لأدركت نعمة عذابها، ولقاست بمقياس ريختر للألم، فاجعة أن تكون كاتبة عربية في زمن كهذا.

ذلك أن الكاتب العربي يشهد اليوم تأبين أحلامه شيء ما يموت فيه، ويُشعره بخـواء النهايات ثمَّة عالم جميل ينتهي، وهو يستشعر ذلك، وينتظر مذهولاً حلول الكارثة زمـن انتهى بأحلامه ومثالياته ونضالاته.. وقضاياه المفلسة نشعر بخفّة الألم، لا خفّة من أزاح عن كاهله مشكلات حملها عمراً بكامله، بعدما عثر لها أخيراً عن حلول، وإنما خفة مَن تخلّص أخيراً من أوهامه.

سعادتنا تكمُن في فاجعة اكتشافنا، أنه لم يعد في إمكان أحد أن يبيعنا بعد الآن قضية جديدة، مقابل أن يسرق من عمر أبنائنا جيلاً أو جيلين آخرين فالشعارات الْمُعلَّبة، الجاهزة للاستهلاك التي عشنا عليها، انتهت مدّة صلاحيتها، وأصبحنا نعرف من أي "سوبرماركت" استوردها أولياء أمورنا، وكم تقاضى بعضهم، ومازال، مقابل تسميمنا ومنع نموّنا الطبيعي، واختراع حروب وكوارث لإبقائنا أذلاّء، فقراء، ومرعوبين.

لقد اختصر محمد الماغوط، نيابة عن كل المبدعين العرب، سيرته الحياتية في جملة واحدة: "ولدتُ مذعوراً.. وسأموت مذعوراً" فالمبدع العربي، مازال لا يشعر بالأمان في بلد عربي وإذا كان بعض الأنظمة يتردّد اليوم قبل سجن كاتب أو اغتياله، فليس هذا كرماً أو نُبلاً منه، وإنما لأن العالم تغيّر وأصبحت الجرائم في حق المبدعين لا تمرُّ بسرِّية، بل قد يُحاسبه عليها العالم المتحضّر، كلما جاءه مقدماً قرابين الولاء له، طالباً الانتساب إليه.

كيف في إمكان الكاتب العربي أن يكون ضمير الأمة ولسان حقّها، وهو منذور لمزاجية الحاكم وأُمية الرقيب وأهواء القارئ، الذي أصبح بدوره رقيباً يعمل لحسابه الشخصي، وقد يتكفل بإصدار فتوى تكفّرك أو تُخوّنك، محرّضاً الشارع عليك، فتخرج مظاهرات تطالب بسفك دمك وكسر قلمك، وتُدخلك القرن الواحد والعشرين من بوّابة المحاكم وغرف التحقيق والسجون؟

يقول برناردشو: "الوطن ليس هو فقط المكان الذي يعيش فيه الإنسان، بل هو المكان الذي تُكفل فيه كرامته وتُصان حقوقه" وهي مقُولة تجعلنا نكتشف ما نُعانيه مِن يُتم أوطان لسنا مواطنين فيها فكيف نكون فيها كُتّاباً، ونحن نقيم في ضواحي الأدب وضواحي الحرية، خارجين لتوّنا مذعورين من زمن ثقافة الشارب العريض، والقصائد التي تُلمِّع حــذاء الحاكم، وتُبيِّض جرائم قُطّاع طُرق التاريخ، لنقع في فخّ العولمة.. فريسة للثقافات الْمُهيمنة ولطُغاة من نوع جديد، لا يأتونك على ظهر دبّابة، إنما يهدونك مع رغيف البنك الدولي.. مسدساً ذهبياً تطلق به النار على ماضيك؟

وقد قال أبو الطالب الدمستاني "إنْ أطلقت نيران مسدسك على الماضي، أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك" ولا أدري كيف في إمكاننا إنقاذ المستقبل، دون أن نعي الواجب التأمُّلي للمبدع ودوره في حماية الهوية العربية، ذلك أن معركة الألفية الثالثة ستكون ثقافية في الدرجة الأُولى، وعلينا ألاَّ نكون مُغفلين ولا مُستغفَلين أمام هيمنة ثقافية، لا يمكن أن تكون بريئة.

إنَّ المبدع والمثقف العربي، هو آخــر صرح بقي واقفاً في وجه بعض حكّام، لا ينتظرون إلاَّ غفوة أو غفلة منه ليسلّمونا شعوباً وقبائل إلى الغرب، على طبق العولمة أو التطبيع وهذا المبدع العربي، الذي حدّد نفسه منذ أجيال "مبدع الضدّ"، قد يأتي يوم لا يجد فيه قضية عربية تستحق منه مشقّة النضال، ويومها سنبلغ عُمق الكارثة!

**************************

butterfly
13/11/2006, 22:17
قل لي.. ماذا تشرب؟


أزعجني أن تتسبب المشروبات الأميركية في انشقاق سياسي بين أفراد
عائلتنا الصغيرة، بعد أن أشهر أخي في الجزائر ولاءه لحزب "الكوكاكولا"، وغدا من دُعاتها، والمفكرين في بركاتها على المغرب العربي، بينما انحاز أخي ياسين، المقيم في باريس، إلى مشروب "مكَّة كولا"، وملأ به برَّاده، مجبراً صغاره على أن لا يشربوا إلاَّ منه. "ومكَّة كولا" صنف جديد من المرطِّبات، رصد صاحبه الفرنسي توفيق مثلوثي، تونسي الأصل، %10 من أرباحه لمصلحة أطفال فلسطين.

واختار مثلوثي أوَّل يوم في شهر رمضان، ليُنزل مشروبه إلى الأسواق الفرنسية. وقد وُلِدت لديه الفكرة من مشروب "زمزم كولا" إيراني الصنع، وهي مياه غازية بلغت صادراتها 10 ملايين زجاجة في الأشهر الأربعة الأُولى. وبرغم الأجواء المعادية للعرب والمسلمين، فقد نجح المثلوثي، في أن يضع على القنينة العملاقة (1.5 لتر)، والمشابهة تماماً لقنينة "كوكاكولا" الأصلية، عبارة "اشرب ملتزمــــاً"، بل وذهب حتى إعلان تخصيص نسبة من ريـــع المبيعات، لدعم القضية الفلسطينية، مُعلناً ذلك على كل قنينة، من خلال ملصق أخضر تحت شعار: "لا تكن أحمق واشرب ملتزماً"، الذي استوحاه من شعار مشهور، دأبــت على رفعه دُور النشر الفرنسية، كل صيف، لتحث الناس على أن لا يسمِّروا جلودهم بغباء، وأن يستفيدوا من وجودهم على الشواطئ.. للمطالعـــة.

ولقد شغلت ظاهرة "مكَّة كولا"، الصحافة الفرنسية، والقنوات التلفزيونية، ومعها خبراء قضايا الاستهلاك، الذين فاجأتهم المنافسة الحقيقيَّة، التي شكَّلها لدى الجالية العربية والإسلامية، هذا لمشروب "المعارض"، في سابقة جديدة لا عهد لهم بها، خاصة أنَّ المبادرة لم تأتِ من رجل أعمال، قصد تحقيق صفقة تجارية، تستثمر مرارة المغتربين العرب، ورغبتهم في إشهار انتمائهم إلى الإسلام، ووقوفهم ضــدّ المذابح، التي يتعرض لها الفلسطينيون، بل جاءت من صحافي، قرَّر أن لا يكتفي بمساندة الفلسطينيين بالمقالات، ولا أن يدعــــو إلى مُقاطعة اقتصادية، لا تقوم على منطق احتياجات السوق. فقد صرَّح لجريدة "الفيغارو"، شارحاً إطلاقه شراب "مكّة كولا" قائلاً: "لا يمكن

المضي قُدمــاً في مقاطعة المنتجات الأميركية والصهيونية، دون العثور على بدائل لها". فهذا الرجل الواقعي والعملي، سبق له أن استفاد من عمله، كمدير لإذاعة المتوسط، التي تتوجه إلى المغتربين،

ليجمع 300 ألف يورو، من خلال "راديو تون"، دام 16 ساعة، في حملة لمساندة الفلسطينيين.

وقد ذكَّرني الأمر بإعلان في الصحافة الجزائرية، استوقفني أثناء زيارتي سنة 1998م إلى الجزائر، وكان يشغَل صفحة كاملة، جـــاء فيها، بمناسبة كأس العالم: "ستكون الليالي طويلــة.. اطمئنـــوا..

كوكاكولا تُفكّر فيكم"، وعلى يساره صورة كبيرة لزجاجة كولا، كُتب عليها: "عِشْ كرة القدم.. احلــم كرة القدم.. اشرب كوكاكولا". أخـي الذي لاحظ تذمُّري من الإعلان، قال يومها ما أقنعني بالانخراط

في حزب "الكوكاكولا"، بعد أن شرح لي، وهو الْمُسيَّس أكثر مني، أننا نحتاج إلى هذا المشروب لتحقيق أحلامنا المغاربية، بعد أن أصبحت الوحدة المغاربية مطلباً من مطالب الشركات الكبرى، التي أفقدتها خلافاتنا الغبيَّة صبرهــا، وأضرَّت بمكاسبها.. هي تُريدنــا سوقاً مغاربيَّة موحَّدة من مئة وثلاثين مليون مستهلك، تتقاسم في ما بينها أفواههم وبطونهم، وأقدامهم وملبسهم وعيونهم وآذانهم..

ولابأس أن تتوافق مع مصالحها. فقد تفتح حينئذ في وجوهنا الحدود المغاربية، ويكون لنا حقّ التنقُّل دون تأشيرة، على غِــرار البضائع الأميركية. حضرنـي يومها قول جبـــران "ويلٌ لأُمَّــة تلبس ممّا لا تُنتج، وتأكل ممّا لا تزرع، وتشرب ممّا لا تعصر". غيــر أنَّ ويــلات جبــران، لم تقض مضجعي، في زمن الطهارة الأميركية، والنوايــــا الحسنة لكبرى الشركات العالمية، كيف لا ننام مطمنين وكوكاكولا، بطيبة الأُم تريـــزا، تُفكّر فينــا، والقدِّيس "ماكدونالد" يدعــو لنا مع كلِّ همبورغر بالخير، وجمعيهم ساهرون على تحقيق وحدة، فشلنا في تحقيقها حتى الآن، ما دعــا

المناضل التونسي، حسني النوري، أحد القوميين المخضرمين، إلى تقديم أربع شكاوى ضد أربعة من زعماء المغرب العربي، اتَّهمهم فيها بالعجــز عن تحقيق حلــم الجماهير المغاربية ببناء اتِّحـاد مغاربي فعّال وقوي، وعدم تطبيق ما جاء في ميثاق اتحاد المغرب العربي، خاصة ما يتعلق بحرِّية التنقُّـل بين الأوطان الخمسة؟ أما كان أنفع لهذا المناضل المغفّل، لو اكتفى يومياً بشرب كميَّات كبيرة

من الكوكاكولا، واصطحاب أولاده، وهم ينتعلون أحذية "نايك"، إلى أقرب "ماكدونالد".. عساه يعجِّـل بذلك في مشروع الوحدة المغاربية؟ أما أنا، فمازلت في حيــرة من أمــري: أأشــــرب "الكوكاكولا"، كي تتحقق الوحـــدة المغاربيــة، أم أشرب "مكّـة كولا"، لدعـم الانتفاضة الفلسطينية؟

أجيبونــي.

الحائــرة: أُختكــم فـي عُروبــة سابقـــة".

ري مي
21/11/2006, 20:37
أحلام مستغانمي - أكاذيب.. بالجملة

النَّصب أخــو الكذب. لذا دوماً كانت حقول الأكاذيب الغربية تُزهر كلَّما رأت رؤوس أموال عربية قد أينَعَت.. وحان قطافها. أميركا، حيث يُخترَع الدواء ثمّ يُختَرَع له مرض، ويُخترع سلاح ثم تخترع له حروب، اختراع العدوّ علم في حدِّ ذاته، واستثمار جيد على أكثر من صعيد. أمّا تحويل الذّريعة الافتراضيّة إلى ذريعة فعليّة تُجيز وتُبرِّر الفتك به، فلها اسم كذبة جميلة، ذات غلاف أخلاقي يليق بمهمّتها” الضربة الوقائية". وهو اختراع لغويٌّ مُسجلٌّ باسم إسرائيــل، مُــذْ قامت بتدمير "المفاعل النووي العراقي"، من دون استئذان من أحد، ومن دون مفاوضات ولا مساوَمَات، واثقة بأن لا أحد سيُحاسبها على تدمير مشروع سلاح تملك أضعاف أضعافه، ويوجد منه في العالم 27 ألف رأس نووي "حسب البرادعي". ثمّ جاءتنا "الحرب الاستباقيّة" على الإرهاب، نكتة أميركية أطلقها راعـي الإرهاب بذريعة محاربة نظام ديكتاتوري دموي يُصدِّر الإرهاب إلى العالم، حتى غَدَت حسب بوش "سلامة أميركا تعتمد على نتيجة المعركة في شوارع بغداد"، و"غَدَا العالم أكثر أمَانَاً لأنّ صدّام حسين لم يعد في السلطة". ليست مهمّتي أن أدحض حُجج الرئيس، ولكن ككاتبة، أردُّ بما قاله كاتب آخر، هو الكاتب الإنجليزي هارولد بينتز، بمناسبة نَيْلِــهِ قبل سنة، جائزة "نوبل" للآداب. فقد شنّ في خطابه هجوماً شرساً على السياسة الخارجية الأميركية، في مُراجعَة تاريخية شاملة لجرائمها في العالم. قال..من جملة ما قال مُسجِّلاً الكذب الذي سبق الحرب على العراق "الولايات المتحدة أَيَّـدَت أو أنشأت كلَّ ديكتاتوريّة عسكرية يَمِينِيَّة في العالم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وأنا أُشير هنا إلى إندونيسيا واليونان وأورغواي والبرازيل وبارغواي وهاييتي وتركيا والفلبين وغواتيمالا والسلفادور، وطبعاً تشيلي. إنّ الرعب الذي مارسته الولايات المتحدة في تشيلي، لن يُمحَى أو يُنسَى. مئات ألــوف الوفيات وقعت في هذه البلدان، إلاّ أنّكم لن تعرفوا بوجودها." إنّ جرائمها مُنظَّمة، ووحشية ومستمرة، غير أنَّ قلَّة من الناس تتحدّث عنها". هارولد بينتز قال باختصار، إنّ الْمُبرِّر الحقيقي لكلِّ هذه الحروب، هو نَهْب شعوبها. أمّا الصَّمت عن هذه الجرائــم فسببه التضليل الإعلامي، وترويج الأكاذيب التي تُعتَبَـر أميركا أبْـرَع بائع لها. مؤخـراً، شهد شاهد من أهلها، ووفَّـر علينا تهمة التحامُل عليها. ففي جريدة "لوموند ديبلوماتيك"، لشهر سبتمبر "أيلول" الماضي، جاء تحت عنوان كبير، إنّ لجنة برلمانية أميركية أحصَت "237 كذبــة” ارتكبتها إدارة بوش، من أجل الإعداد لغزو العراق والاستمرار في احتلاله. والأكاذيب حصلت في 40 خطاباً، و26 محاضرة صحافيّة، و53 مُداولَـة عامَّـة، و4 تصريحات مكتوبة. ذلك أنّ الأكاذيب السياسية تتناسَل، وتتكاثر كالبكتيريا. ومن "كذبـــة" في إمكانك صناعة سلالة من "الأكاذيب"، وفي إمكانك أن تكذب ما شاءت لك الوقَاحَــة، مادام عدوّك لا لسان له، ومادام لك ألسنٌ وأبواقٌ حتى في عقر داره، نهبت ميزانيتها من قُـوتِـهِ، كما مع مجموعة "لينكولن"، التي اشتهرت بفضيحة دفع الـرِّشَى للصحف العراقية، بهدف نشر أخبار إيجابية عن الاحتلال، وفازت مؤخراً بعقدٍ قيمته ستة ملايين دولار سنوياً، لمراقبة التغطية الإخبارية لعدد من الوسائل الإعلاميّة. وزارة الدفاع الأميركية، تملك موازنة ببليوني دولار أميركي، لخداع العالم وشراء الضَّمائِـر، لكن هذا المبلغ لا يكفي لإعماء البصائر، فبضع عشرة قناة تلفزيونية نَمَت كالفطر بعد المطر في العراق، كل منها يُمثّـل طائفة ويُحرِّض على الطوائف الأُخرى، وَتَشِي بأكبر كذبة تُسجَّـل على بوش حين صرَّح "أُريد أن تعرفوا أننا عندما نتحدَّث عن الحرب ففي الواقع نتحدَّث عن السَّـلام". إنها تُذكِّرني بقول ديغــول "لـمَّـا كان السياسي لا يعتقد بما يقول، فإنّـه يُدهَشُ كثيراً عندما يُصدِّقه الآخـرون". أَمَــا لاحظتم بوش وهو يخطُب، كم يبدو في حالَـة اندهاش دائم من وَقْع كلماته على الحضور. لقد جعل هذا الرجل من "اليوم العالمي للكذب السياسي"، الْمُصَادِف ليــوم 20 مارس "آذار".. عيداً يوميا.

ري مي
24/11/2006, 02:15
ساعات.. ساعات".. يحلوّ الزواج!




كنا قد زهدنا في التلفزيون، هرباً من طبول حرب تتربّص بإخواننا، ومشاهد كوارث تحيط بنا، وبرامج ترفيهيّة تبيعنا مع كلّ مسابقة إفلاسنا الهاتفي.

بعضنا، لإحباطه، خَالَ نفسه قد بلغ سن الفاجعة، وهو يرى أُمّــة بأكملها تدخل سن اليأس، وراح يتأكّد أمام المرآة، من أنّ الشيب لم يتسلّل إلى شعره بعد، بقدر ما تسرّب همُّ وغمُّ العُروبــــــة إلى قلبه، مُدقّقاً بين الحين والآخر، في كونه مازال في كلّ قواه العقليّة في عالم فقد اتِّزانه وتوازنه.

وما كنا لنصدّق أنّ الدنيا مازالت بخير، وأنّ ثـمَّـة أُناســـاً أسويــــاء في هذا الزمن المجنون، قبل أن تتسابق الفضائيات إلى إهدائنا سهرات رمضان، واحتفاءً بالأعياد، لقاءات مع الصبُّـوحــة وخطيبها عـمــر محيـو، ملك جمال لبنان.

ولكوننا أُمّــة تنتظر منذ نصف قرن معجزة تنقذها ممّا هي فيه من مُصاب، دبَّ فينا الأمل ونحنُ نقرأ على غــــلاف إحدى المجلاَّت "هي نجمة منذ 60 سنة، وهو يبلغ من العمر 23 سنة.. لكن الحبّ يصنع المعجزات".

ولأن 60 سنة هو "العمر الفني"، وليس العمر الكامل للصبُّـوحـة، فقد بهرتنا المعجزة، وشخصيّاً، حسب أُغنية نــور دكّاش "آمنـت باللَّـه"، وأنا أرى الحُبّ يجمع بين قلبي امرأة وشاب، في عمر حفيدها.

"معجزات الحبّ"، خُرافــة يومية تُردِّد قصصها على مسامعنا مريـم نــور، وهي مُتربعة أرضاً وسط الشموع والبخور، تُذكّرنا بين وصفتين بمزايا الحبّ.. وحالاته الخارقــة, لكن شَعرها الرمادي، ونظّارتها الطبيّة، ما كانا ليُقنعانا كان يلزمنا في زمــن الفضائيات، والـ"مَن أنـا" القاطع للشكّ، معجزة عشقية نراها بأُمّ أعيننا، نهاتف بعضنا بعضاً، حتى لا نفوّت لحظة ظهورها.. معجزة ملموسة، مرئيّة، صارخة في إعجازها الأُسطوريّ، بين امرأة سبعينيّة شقراء، بمقاييس جمال دمية "باربـي"، وأزيــاء شـــاون ستـون، وغنــج مارليـن مونــرو، يوم غنت لعيد ميلاد حبيبها، الرئيس جــون كيندي، تغني بصوت متقطّع الأنفاس، نشرت على حباله غسيل عمر، من الآهات والحسرات: "ساعات.. ساعات.. بحبّ عمري وأعشق الحياة"، لشاب عشريني يتربّع على عرش الجمال "الطمــوح"، يُبادلها النظرات اللَّهفى العابرة للكاميرات، شاهراً خاتـم خطبته امرأة "أُسطــورة"، حفلت حياتها بما لا يُحصى من الأفلام والأغاني والزيجات آخـــر أزواجها الذين يزدادون صغراً، كلّما تقدّم بها العمر، كان "فدائي لبنان".. أقصد "فادي لبنان"، الذي أبلى بلاءً حسناً في معركة، حافظ فيها ما استطاع على مــاء وجه الحبّ وعلى خبز وملح عِشرة دامـت سنوات، وحافظ فيها على أُصول الفروسيّة، ولن ندري أخسِرها، لأنه كان "فارساً بلا جواد"، أم.. جواداً بلا فارس.

كيف كان له أن يكسب معركة ضد امرأة، ما استطاع الزمان نفسه أن ينال منها؟ حتى إنّ قول لورانس سترين، يكاد لا ينطبق سوى على مخلوقات عداهــا: "الوقت يذوي بسرعة، الوقت يهرب منا، الوقت لا يعفي أحداً، ولا يصفح عن شيء بينما تُسرِّحين شعرك الأشقر المتموّج.. انتبهي جيداً، فربما يصبح رمادياً بين أصابعك".

ذلك أن الصبُّـوحـة ليست مريـم نــور، وشعرها يزداد شقاراً بقدر ازديادها مع العمر رشاقة ونُحــــولاً، حتى إنه في إمكانها انتعال "بوتين" مشدود بخيوط كثيرة، يصل إلى نصف فخذيها، قد يأخذ ربط خيوطه وفكّها ساعة من وقتها لكن لا يهمّ، فالعمر أمامها.. وعُـمَـر بجوارها، ونحـنُ الأغبيــــاء الذين لا نجـرؤ على التخطيط لأبعــد من يومنــا، تحسباً للآخـــرة، نستمع لها تتحدّث عن خطبتها لـ"عُـمَـرْ" متمنية أن تطـــول، "لأنو ما في أحلى من الرجال قبل الجواز", وإذا قالـت حذامِ فصدّقوها، فثماني زيجات تؤهلها لتكون أدرى بشعاب الزواج منا، خاصة أنها في زمــن الانهيارات القيميّة، تستميت في الدفاع عن الأُصول والتقاليد، بإعلانها أنها فقط "مخطوبة".

ثــمّ إنّ للخِطبة فوائــد في هذا العمـر، إحداها كشف أكاذيب الرجـال فلقد اكتشفت مثلاً الممثلة جــوان كولينــز (64 سنة)، أثناء خطبتها مؤخراً لشاب، أنه كذب عليها، وأنّ عمره ما كان (33 سنة)، بل (35 سنة)، وقد أعلنت تخلِّيها عنه لأنها لا تغفر كذبة كهذه! ولا أظــنّ أنّ عُـمَـر الذي يستعدّ لأداء مناسك العمرة، تحسباً لاختبارات "الخطبة"، يتجرّأ على إخفاء عام أو عامين على صباح.. فيُجازف بمجده متشاطراً عليها.


صدق بــو مارشيه إذ قال: "من بين كلّ الأُمور الجدِّية، يبقى الزواج أكثرها دعابة!".




احلام مستغانمي

ري مي
29/11/2006, 00:48
أيها المواطن التلفزيوني.. أنقذ نفسك
أحلام مستغانمي
شكراً للّه. فمن نعمه عليَّ في رمضان الكريم، أنه منحني القدرة طوال شهر، على مقاومة غواية الفضائيات العربيّة، ومقاطعة كلّ ما يُبثُّ عليها من مسلسلات، وبرامج ترفيهيّة، ومسابقات رمضانيّة، ومقابلات تهريجيّة.
تجرّأت وخنتُ وطني، حسب تعبير محمد الماغوط، رحمه اللّه. ذلك أنك في العالم العربيّ تنتمي إلى التلفزيون. هو وطنك وحزبك وأهلك وعشيرتك. تشي قناتك المفضّلة بقناعتك وهواياتك وسنّك العقلية والثقافية ومزاجك العاطفي، ونواياك الانتحارية.
إذا كنّا جميعنا مواطنين في جمهورية التلفزيون، فأنا أُعلن نفسي مواطنة منشقة، بعد أن قضيت صيفاً كاملاً وأنا في حالة تخدير مشهدي، أركض مع المراسلين الحربيين من ضيعة إلى أُخرى، ومن قناة إلى أُخرى. حتى في نومي، كنت أفتح التلفزيون مذعورة، عسى كارثة حلّت أثناء نومي ولم أدرِ بها. هلع واحد يسكنني: ماذا لو سقط أحد المراسلين شهيداً على مرأى منّا وورّطنا في دمه؟ كتيبة المراسلات الجميلات الشجاعات اللائي كنّ يتحدثن إلينا، واصلات الليل بالنهار، غير آبهات بالصواريخ التي تمطر حولهن وفوقهن من كل صوب.. أين هنّ؟
كيف لصبايا فضائيات التبرُّج، اللائي يسهرن ليلهنَّ ويُحيين نهارهنّ ببيعنا المباهج الكاذبة، وأزياءهنّ الباذخة، المقدَّمة كإعلانات للمصممين، أن يُنسيننا صبايا الخوذة والسترة الواقية، صبايا الشجاعة والغضب المهذّب والحزن الراقي؟ يا للعجب! ما دعاهنّ أحد إلى برنامج تلفزيوني لنتعرّف إليهنّ أكثر، لنطمئن عليهنّ، وقد كنّ أهلنا وبناتنا؟
قرّرت ألاّ أكون من نُسّاك التلفزيون، أيّاً كان مذهب القناة.
الذين باعوا العالم العربي البهجة الكروية المشفّرة، أَمَا كان في إمكانهم إنقاذنا من قهر متابعة مباراة موتنا، بتشفير أعراس الدم العربيِّ أيضاً؟
العرض المجاني لايزال مستمراً، مادام الأمر يتعلّق بهلاكنا. ليواصل مَن شاء الفرجة. سواء أتابعت الفضائيات الإخبارية، أم تلك الترفيهية الخلاعية، ثمّة اتفاق على الإجهاز عليك.
أيها المواطن التلفزيوني.. أنقذ نفسك!

عندما ينتحر الممثل.. نيابة عن المشاهد

توقّعتُ هذا الصيف، وأنا أُتابع مسلسل الدمار العربي، أن يُقدم أحد المشاهدين العرب على الانتحار قهراً. ثم جاء رمضان، وخفت أن يتمرّد أحد عبيد المسلسلات الرمضانية، وينتحر احتجاجاً على تكبيله شهراً كلّ سنة أمام التلفزيون. وإذا بالممثلين هُم المنتحرون. فقد فاجأتنا الصحف بخبر محاولة انتحار الفنانة الشابة إيمان أيوب بقطع شرايين يدها، لعدم عرض المسلسل الرمضاني الذي تشارك فيه مع نخبة من ألمع النجوم.
ولن أُعلِّق على الخبر بما يزيد من قهر هذه الصبيّة، ذات الملامح البريئة والجَمَال الهادئ، كما تبدو على الصورة. فأنا أعذر يأسها من عالم الأدغال التلفزيونية، ومافيا المسلسلات الرمضانية، التي أصبح لها ذئابها وثعالبها ووحوشها البشرية، التي تعرف من أين تُؤكَل "كتف المشاهد"، ومن أين تُؤتى جيوب القنوات، ومتى تنقضُّ على العقود والصفقات، فتسلقها لنا كيفما اتفق شوربة رمضانية من ثلاثين وجبة يومية.
إنها حقاً "سوق للخضار" حسب تسمية المسلسل الذي رُصد له أكثر من 9 ملايين جنيه كميزانية مبدئية، وكُتبت قصته على قياس نجومية فيفي عبده، المشغولة على مدار السنة بنشاطها الخاص في الملاهي وحفلات الأعراس، ولا تحلُّ ضيفة على طاولة إفطارنا إلاّ في رمضان• ولنكن واقعيين. إنّ تسعة ملايين جنيه ليست اليوم بمبلغ يُذكَر، حتى وإن كان البعض يستكثره على أعمال أدبية حفرت وجدان القارئ العربي، مادام ردفا روبي يساويان مليوناً ونصف المليون دولار، أو بالأحرى حق تصويرها في إعلانات عن ماركة مايوهات. موجهة إلى أسواق عربية!
وتريدون بعد هذا ألاّ تُقدم ممثلة شابة وجادة على الانتحار، بعد أن أصابها الإرهاق من العمل ليلاً ونهاراً على مسلسل لن يرى النور، تدور أحداثه في فترة ما قبل ظهور الدعوة الإسلامية، وتم تعديل اسمه من "نصر اللّه" إلى "نصر السماء" قبل أن يصبح الاسمان، حسب القاموس السياسي اللبناني الجديد.. سيَّــان!

ري مي
29/11/2006, 01:07
أحلام مستغانمي- الشهرة بأي ثمن


فــوّتُّ على نفسي هذا الصيف، فرصة كسو أولادي مجاناً، وتوفير ثمن ثيابهم الشبابيّة، التي يذهب فيها نصف ميزانيتهم. فعندما يكون لك ثلاثة فتيان هذه الأيام، حتماً مصروف كسوتهم يحرز. وعليك ألاّ تتردّد في إرسالهم عُراة إلى محل شهير للثياب الرياضية، أعلن في حملة دعائية، أنه سيكسو كلّ مَن يحضر إليه عارياً، رافعاً شعار "اخلعوا ثيابكم سنهديكم غيرها"!
يا للفرحـــة.. يسألك ابنك إن كنت غسلت بنطلونه المفضّل وقمت بكيّه جيداً، فتردِّين: ليش يا ماما بدّك تعذبني، روح يا حبيبي عريان للمحل راح يعطوك غيره".
المشكلة، أن المحل موجود في ألمانيا، وسفر الأولاد من "كان" إلى ألمانيا كان سيكلّفني أغلى ممّا قد يُقدَّم لهم من ثياب. ولنفترض أنهم بمنطق جيلهم في الحرص على عدم تفويت أيّ مكسب، أصرّ الأولاد على الذهاب ثلاثتهم عراة إلى ألمانيا. فربما كانوا قد عادوا منها كما قصدوها "ربّنا كما خلقتنا". وفي أحسن الحالات بـ"تي شيرت" وسروال قصير. هدية ترضية من المحل، تمكّنهم من العودة لبيوتهم مستورين، كما حدث مع الثلاثمئة عــارٍ، الذين وصلوا متأخرين عن العرض، ليجدوا أنّ أربعمئة عـــارٍ سبقوهم إلى تعرية المحلّ عن بكرة أبيه، وحصل كلٌّ منهم على ثياب، يصل ثمنها حتى 260 دولاراً، بعد أن احتاط البعض بالحضور منذ الليل، وقضاء الليلة عُـراة مرتجفين عند باب المتجر، في انتظار الصباح الفتّاح.
ولو كان أولئك العُراة قد قَدِمُـوا من الهند أو من أدغال أفريقيا، لوجدنا في الحاجة سبباً لهذا العذاب والبهدلة، ولكنهم ينتمون إلى أُمَّــة شَبِعت حتى التّخمة، إلى حدّ إنفاقها في العام الماضي وحده، أربعة وعشرين مليار دولار (أي واللّه!)، على واحد وعشرين مليون حيوان أليف يقوم الألمان بتربيتها!
تصوّروا، لفرط ثرائهم، أصبح العري عند الغربيين تَرَفَــاً، وهَدَفَــاً في حدِّ ذاته. وبعد أن اكتسبوا كلَّ الحريّات التي تمّ "تشليحنا" منها، وجدوا في العريّ أقصر طريق للاحتجاج، ووسيلة أُخرى تُضاف إلى فائض وسائلهم في التعبير. وعندما أدركوا أنّ عالمهم مبني على الإشهار، عثروا فـي التعرِّي على الفضيحة التي تقذف بهم إلى الشهرة في لحظات.
أحدهم سرق الأضواء من اللاعبين، لحظة انتهاء مباراة كرة قدم دولية، عندما دخل الملعب عارياً، وراح يطوفه راكضاً مُحيِّيَـاً الجمهور، بينما رجال الأمن يُطاردونه، وكذلك "كاميرات" العالَم. وآخر نزل من سيارته في مدينة "ستراسبورغ" في فرنسا، وراح يتفقَّد محرِّكها وهو في كامل عريه. بينما لحق به صديق ليصوِّر المشهد كي يعرضه عبر محطات تلفزيونية. غير أنَّ الشرطة قبضت عليه وقضى ليلته في السجن مرتجفاً بعد أن بَــرَّر فعلته ببحثه عن الشُّـهـرة. وهو تبريــر غـبــــيّ، فقد كان في إمكانه بلوغ الشهرة عارياً، ولكن بذريعة أسمَى، مدافعاً مثلاً عن إحدى "القضايا الكبرى"، التي تشغل الغربيين. كأن يُدافع عن طيور تهدِّدها بنادق الصيّادين وأشجار تواجه عَزْلاء مناشير الحطّابين. أو دببة على وشك الانقراض في القطب الشمالي، أو قطط يلتهمها البيروفيّون.
فأقصى درجات التَّرف في الغرب اليوم، أن تستغني عن ثيابك الفاخرة الموقّعة وتعيش عارياً في نادٍ للعُراة، الذين يملكون منتجعاتهم وشطآنهم الخاصة في كلِّ مصيف، أي العودة للعيش كما مازالت تعيش قبائل قليلة مهدَّدة بالانقراض في أفريقيا وأدغال الأمازون.
وأقصى درجات النضال، أن تثبت إنسانيتك بتساويك مع الحيوان، فتتعرَّى لتُدافع بجلدك العاري عن فروه وجلده، وهي ظاهرة شاعت لدى النجوم والمشاهير، الذين نذروا حياتهم لأخيهم الحيوان. آخرهم النجمة بريتني سبيرز، التي قامت بتأدية بعض المشاهد العارية، لمصلحة مؤسسة أميركية تدافع عن الحيوان، ظهرت في بدايتها بملابس جلدية تعود للنمور وغيرها من الحيوانات. ثم ما لبثت أن خلعتها تماماً، مُعلنة أنّ وحدها هذه الحيوانات يحقُّ لها ارتداء هذه الملابس.
أما دونا نيتو، الفنانة الاستعراضية، فقد قامت بحملة ضد قطع أشجار كاليفورنيا الحمراء، وذلك بتعرية صدرها وقراءة الشعر أمام الحطّابين مشدوهين، مبررة ذلك بقولها "إنها وسيلة قوية، أُثير انتباههم بالكشف عن صدري، الناس لا يحبّون الصيَّاح فيهم، ولكن يحبُّون النساء الفاتنات. إنه مزيج من الإغراء والروحانية والطبيعة".
أما وقد صار لـ"غرين بيس" وأنصار الطبيعة، حضور في لبنــان. وشاهدناهم يدافعون عن بحره الذي لوّثه الحقد الإسرائيلي. أخشى، ولبنان أُم البِدَع والصَّرعَات، أن يأتي مَن يستنجد بالصَّبَايَا الفاتنات ليدافعن بصدورهنّ العارية عن غابات لبنان الجميلة التي يلتهمها كلَّ يوم "البيطُون" والمقاولون.. فتقوم ساعتها حرب أهلية أُخرى عابرة للمناطق تهزّ البيوت التي لم يُسعف الحظ صاحباتها نفخ صدورهنّ بـ"السيليكون".

butterfly
29/11/2006, 10:00
يسلمو ري مي ...
( مع أني ما كتير بتفق معا مع أخر مقالة )
:mimo:

ري مي
29/11/2006, 18:05
يسلمو ري مي ...
( مع أني ما كتير بتفق معا مع أخر مقالة )
:mimo:
يا هلا يا هلا:D
شو الشي اللي ما عجبك عالمظبوط.,...
بسيطة هوي نحنا لازم نحط كل شي مشان مراعاة اختلاف الاذواق;-)

ري مي
29/11/2006, 18:10
يا عُلماء العراق.. سامحونا

في عروبة سابقة، خفت على نفسي من مصير صديقتي زينب، التي أوصلتها حماستها القومية المتطرفة، على الطريقة الجزائرية، إلى قسم علاج الأورام السرطانية في مستشفى باريسي، حتى إن الطبيب الذي شخّص مرضها، قال لها بكل جدية: "أنتِ يا سيدتي، مصابة بسرطان صدّام حسين". وذلك بعد أن رآها لا تفارق جهاز الراديو حتى في غرفة العمليات، وما تكاد تستيقظ حتى تطلبني لتسألني.. عمّا حدث أثناء غيبوبتها.. وهل قصف العراق إسرائيل بصواريخ "سكود".. أم أميركا هي التي ستقصف العراق؟




الأكثر إيلامــــاً أن أميركا، التي تُباهي بعلمائها، وتنكّس الأعلام حداداً عليهم عند انفجار المكوك "كولومبيا"، لا تريدنا شركاء لها، حتى في الحزن، ليس فقط لأنها أعظم من أن يشاركها البشر فاجعتها، بل لأننا أكثر شرّاً ووحشية وتخلّفاً من أن نُقدِّر قيمة العلم، أو نُجلّ العلماء. إننا قوم لا يأتمن المرء علماءهم، حتى على فنجان قهوة يحتسيه في ضيافتهم، حتى إن كبير المفتشين الدوليين السابق في العراق، قال في تصريح له عن العالمة البيولوجية العراقية رحـــاب طــــه، المرأة المسؤولة عن البرنامج الجرثومي في مشروعات التسلّح العراقية المفترضة: "ليس من مصلحة المرء أن يُغضب مثل هذه المرأة، ولو كانت زوجتك لوجب عليك الحذر من قهوة الصبــــاح"!

ولا أدري، أيجــــب أن نفرح أم نحزن، لأن ريتشارد سيرتزل، الخبير السابق، طمأن البشرية مؤخراً بأن رحـــاب طـــه، هي الآن مجرّد ربّــة بيت بدوام كامل.. "وكأن لسان حالها، قول شكسبير على لسان ماكبث: اطرح العلم للكلاب، لم أعد أريده"!

صديقتـي التي تعمل باحثة في الأمم المتحدة، أخبرتني وهي تحتبس دمعة في عينيها، أن مليون عالم عربي يعيشون في المنافي الاختيارية أو القسرية، واضعين خبرتهم وأدمغتهم في خدمة الغرب، الذي أوصل أحدهم حتى جائزة نوبــــل للفيزيــاء.

غيــر أنَّ الذي أبكاني، هو مقــال مطوَّل لأحد علماء العراق، المقيم حالياً في كندا، بعد أن كان مسؤولاً خلال عشر سنوات، عن البرنامج النووي العراقي. وما كان حزنه على ما آلــــت إليه القُدرات النووية العراقية، التي أنفق عليها العراق مليارات الدولارات، وتلك الأبحاث التي أخذت أعواماً من عمر خيرة العلماء وأكثرهم نبوغاً، بل ما آلـــت إليه ألــوف الكوادر العلمية، التي بين الأسلحة المحظورة والكرامة المهدورة، وجدت نفسها مهددة، لا في لقمة عيشها فحسب، بل وفي حياتها وكرامة مكانتها، مرغمة على تسليم أبحاثها حتى يتمكّن سادة الحرب بعد ذلك من رفعها في آلاف الصفحات إلى أميركا، لتلمّع بها حذاءها في مجلس الأمن.


العلماء العراقيون مخيَّرون اليوم بين أن يكونوا عملاء، أو شهداء. فالذي نجا منهم من مكائد "الموســـاد"، ولم يتم اغتياله، ليس أمامه سوى أن ينتحر. وهو ما قد تطالب به أميركا العراق قريباً، كشرط تعجيزي آخر، إذ لم تعد التهمة وجود أسلحة نووية، بل علماء عراقيين قادرين على إنجازها.

قبل أن تطلق أميركا وابــــل قنابلها علينا، لقد أطلقت النـــار على رأس هذه الأمــة، في محاصرتها بيوت علمائنا، وانتهاكها حُـرمــة حياتهم، والتحقيق معهم كمجرمين، دون مراعاة لمكانتهم العلمية.

سقطــت آخــر قلاع كبريائنا، يوم أُهين علماؤنـا مرتين: مـرَّة بمذلّــة العــوز والحاجـــة، ومــرَّة بمذلَّــة عالِـم أُجبر على الاعتذار لعـدوِّه عن عُمــر قضــاه في البحث العلمي، خدمة لِمَا ظنَّـهُ مصلحة وطنيَّة.

وبالمناســة، في إمكـان جـــورج قـرداحـــي، أن يضيـف سؤالاً جديداً إلى برنامجه "مَــن سيربـح المليون"، هو: "كــم في اعتقادكم يُعــادل المبلغ التقاعدي، الذي يتقاضاه شهرياً عالــم عراقي اليوم؟: 2000 دولار/ 200 دولار/ 20 دولاراً/ أو.. دولاران؟".

لا حاجـــة إليكــم للاستعانـة بصديــق.. بــل بمنديـل للبكاء، لأنَّ الجــواب الصحيح هو دولاران.

أتحدَّاكــم ألاَّ تجهشــوا أمام هــذا الرقــم باكيــن!



احلام مستغانمي

ري مي
29/11/2006, 18:17
الأرض بتتكلّم.. فرنسي

بعد شهرٍ قضيتُه في باريس لضرورة إعلامية، بمناسبة صدور روايتي "ذاكرة الجسد" باللغة الفرنسية، وجدتني أعود إلى بيروت على متن طائرة الفرنكوفونية، وفي توقيت انعقاد قمتها فقد أعلنت المضيفة، والطائرة تحطّ بنا في مطار بيروت، أنّ على ضيوف القمَّة الفرنكوفونيَّة أن يتفضّلوا بمغادرة الطائرة قبل بقيّة الركّاب لم يغظني أن تُهين المضيفة عروبتي، وأن تنحاز إلى اللّغة الفرنسية، فكرم الضيافة يقتضي ذلك، ولا أحزنني تذكُّـر التصريح الشهير لمالك حدَّاد "إنّ اللغة الفرنسية سجني ومنفاي"، وقد أصبح شعار معظم كتَّابنا الجزائريين اليوم "إنَّ اللغة الفرنسية ملاذي"، ولا فوجئت بأن يكون رئيسي عبدالعزيز بوتفليقة، مشاركاً في القمَّة الفرنكوفونية، برغم أن الجزائر غير عضو في هذه المنظمة.. فلقد تعامل الجزائريون دوماً مع الفرنسية كـ"غنيمة حرب"، حتى إن بوتفليقة ألقى، بشهادة الصحافة، الخطاب الأكثر فصاحة بلغة موليير، التي ما كان أحد من الرسميين يتجرأ على الحديث بها أيام بومديــن، بل لفصاحته في هذه اللغة حدث أن خطب بها في الشعب الجزائري مُحطِّماً "تابــــو" العدائية اللغوية، وذهب إلى حــدّ التوجّــه بها منذ سنة إلى العالم في مجلس الأُمم المتحدة، برغم اعتماد اللغة العربية لغة رسميـة.

ولا استفزّني مطار بيروت الْمُزدان بلافتات الترحاب المكتوبة باللغة الفرنسية، والْمُرفقة بأعلام عشرات الدول الفرنكوفونية.. فلا بأس أنّ الأرض "اللي كانت بتتكلّم عربي"، تتكلّم فرنسي، نكاية في اللغة الإنجليزية، بعد أن أصبحت حروب الكبار تُــــدار على ساحة اللغات.

فبينما تقوم فرنسا بتبييض وجهها بالسود والسُّمر من أتباع الفرنكوفونيَّة، غاسلــة بذلك ماضيها الاستعماري في هذه الدول بالذات، رافعــة شعار حـــوار الحضارات وأنسنة العالم، تترك الولايات المتحدة لترسانتها الحربية مهمّة التحاور مع البشرية، وتبدو في دور الإمبراطورية الاستعمارية القديمة فلا عجب أن ترتفع أسهم كل حاكم أو زعيم عبر العالم، يُشهر كراهيته لأميركا، حتى إن الرئيس جـــاك شيراك، الذي ما كانت هذه القمة لتلقى ترحابـــاً في الأوساط العربية، لولا تقدير العرب سياسته الديغوليَّـة ومواقفه الشجاعة والثابتة، في ما يخصُّ القضايا العربية، بلــغ أعلى نسبة في استفتاء لشعبيته في فرنسا، منذ أن أشهر استقلالية قراراته عن الولايات المتحدة، ومعارضته أيَّ حرب أميركية وقبله، ودون أن يُحطّم المستشار الألماني شريدر "الرقم الخُرافي"، الذي حطَّمه صدام حسين في انتخاباته الرئاسية الأخيرة، استطاع أن يضمن إعادة انتخابه من طرف الشعب الألماني، مــذ فضّل على "نعم" الاستكانة "لا" الكرامة، في رفض الانسياق لغطرسة السياسة الأميركية.

ولقد انعكست هذه الأجواء في فرنسا على البرامج التلفزيونية والإصدارات الجديدة، التي يعود رواجها إلى طرحها سؤالاً في شكل عنوان "لماذا يكره العالم أميركا؟".


غير أن انحيازنا العاطفي إلى هذه اللغة أو تلك، عليه ألاَّ يُنسينا نوايا الهيمنة التي تُخفيها المعارك اللغوية، التي تتناحـــر فيها ديناصورات العالم، مبتلعة خمساً وعشرين لغة سنوياً، وهو عدد اللغات التي تختفي كل عام من العالم، من جراء "التطهير اللغوي"، الذي تتعرّض له اللغات العاجزة عن الدفاع عن نفسها.

فهــل بعد القدس مُقابل السلام، سنقدّم اللغة العربية قُربانــاً للعولمــة؟



احلام مستغانمي

butterfly
29/11/2006, 21:40
يا هلا يا هلا:D
شو الشي اللي ما عجبك عالمظبوط.,...
بسيطة هوي نحنا لازم نحط كل شي مشان مراعاة اختلاف الاذواق;-)
لأ حبيت الأسلوب .. بس اللي أنا ما كتير بحبو هوي تسفيه قضايا الأخرين ... أنو عندن قضية الحيوان .. عندن قضية البيئة ... المفروض هي كأديبة تحترم هالشي شوي أكتر
:mimo:

ري مي
29/11/2006, 23:07
اي هلق معك انو لازم تحترم قضايا واراء غيرها
بس يعني أنا بظن انو رايها بيقول انو ماعاد فيه غير العري للتعبير عن الموضوع
:D :D

ري مي
02/12/2006, 15:41
اللاهثون خلف الترجمة



أُشفق على كتّاب عرب، عاشوا لاهثين خلف وهـــــم الترجمة، معتقدين أن صدور أعمالهم بأية لغة أجنبية كافٍ لبلوغهم العالمية تماماً، كاعتقاد مطربينا هذه الأيام، أنه يكفي أن يضيفوا إلى "طراطيقهم" الغنائية جملة أو جملتين بلغة أجنبية، حتى وإن كانت هندية أو سريلانكية، ليصبحوا من النجوم العالميين للأغنية.



حين فاز نجيب محفوظ منذ إحدى عشرة سنة بجائزة نوبل للآداب، أربك النقّاد والقرّاء الغربيين، الذين ما عثروا له في المكتبات على كتب مترجمة، تمكّنهم من التعرّف إلى أدبه أما بعض ما توافر منها، فما كانت ترجمتها تضاهي قلمه أو تليق به فما كان همُّ نجيب محفوظ مطاردة المترجمين أو الانشغال عن هموم قارئه العربي، بالكتابة لقارئ عالمي مفترض كان كاتباً لم يحضر يوماً مؤتمراً "عالمياً" للأدب، ولا غادر يوماً القاهرة حتى إلى استوكهولم، لتسلُّم جائزة نوبل للآداب، ولذا أصبح نجيب محفوظ الروائي العربي الأول.

شخصياً، ما كان يوماً من هواجسي صدور أعمالي مترجمة إلى لغات أجنبية، لعلمي أن "بضاعتي" لا سوق لها خارج الأُمة العربية فبحكم إقامتي 15 سنة في فرنسا، أعرف تماماً الوصفة السحرية التي تجعل كاتباً عربياً ينجح ولكن ذلك النجاح لا يعنيني، ولن يعوّض ما بَلَغْته من نجاح، بسبب كتب صنع نجاحها الوفاء للمشاعر القومية، والاحتفاء بشاعرية اللغة العربية ولأن الشعر هو أوّل ما يضيع في الترجمة، فقد اعتقدت دوماً، أن أيَّـة ترجمة لأيَّـة لغة كانت، ستطفئ وهج أعمالي وتحوّلها إلى عمل إنشائي، حال تجريدها من سحر لغتها العربية، وهو بالمناسبة، أمر يعاني منه كل الشعراء، الذين تقوم قصيدتهم على الشاعرية اللغوية، أكثر من استنادها إلى فكر تأمُّلي فبينما تبدو قصائد أدونيس أجمل مما هي، عندما تُترجم إلى لغات أجنبية، تصبح أشعار نـــزار بعد الترجمة نصوصاً ساذجة، فاقدة اشتعالها وإعجازها اللغوي ونــزار، الذي كان يدرك هذا، لإتقانه أكثر من لغة، قال لي مرّة إنه يكره الاطِّلاع على أعماله المترجمة، ويكاد ينتف شعره عندما يستمع لمترجم أجنبي يُلقي أشعاره مترجمة في حضرته والطريف أن الصديق، الدكتور غازي القصيبي، علّق بالطريقة نفسها عندما، منذ سنة، أرسلت له إلى لندن مسوَّدة ترجمة "فوضى الحواس" إلى الإنجليزية، بعدما طلبت مني الجامعة الأميركية في القاهرة، مراجعتها قبل صدورها وقد قال لي بعد الاطِّلاع عليها، وتكليف زوجته مشكورة بقراءتها، وتسجيل ملاحظاتها حولها (وهي سيدة ألمانية تتقن العربية والإنجليزية بامتياز، واطَّلعت على الكتاب باللغتين)، قال لي مازحاً، أو بالأحرى، مواسياً: "من حُسن حظك أنك لا تتقنين الإنجليزية.. فأنا لا أطّلع على أي عمل يُترجم لي.. حتى لا أنتف شعري!".

لكل هذه الأسباب، لم أعجب ألاَّ تُلاقي "ذاكرة الجسد" في ترجمتها الإنجليزية أو الإيطالية أي نجاح خارق، ولم أُفاخـر أو أُراهن إلاَّ على ترجمتها إلى اللغة الكردية، التي ستصدر بها قريباً، لإدراكي أن القارئ الكرديّ، بعظمة نضاله وما عرف من مآسٍ عبر التاريخ، هو أقرب لي ولأعمالي من أي قارئ أوروبي أو أميركي.


غير أن مفاجأتي كانت، النجاح الذي حظيت به هذه الرواية عند صدورها مؤخراً باللغة الفرنسية وهو نجاح لا يعود إلى شهرة دار النشر التي صدرت عنها، وإنما للقارئ الفرنسي، الذي قرّر أن يحمي نفسه كمستهلك للكتب، بابتكار نادٍ للقرّاء يضمّ ثلاثمئة قارئ، يتطوعون خلال الصيف بقراءة الروايات قبل صدورها، وتقديم تقرير مكتوب عـمّـا يفضلونه من بينها، قبل الموسم الأدبي الفرنسي الذي يبدأ في شهر أيلول.

فنظراً لغزارة الإنتاج الأدبي، وتدفُّق عشرات الروايات التي لا تجد جميعها مكاناً في المكتبات، استلزم الأمر استحداث حكم لا علاقة له بمصالح دُور النشر الكبرى، ولعبة الجوائز الأدبية، مهمَّته توجيه القارئ نحــو الكتاب الأفضل وجاءت سلطة هذه اللجنة من انخراط أعضائها في نوادي القراءة لسلسلة مكتبات "FNAC"، وهي إمبراطورية تسيطر على توزيع الكتب في أكثر من دولة فرنكوفونية، ما يجعل الكتب المختارة تحظى بتوزيع جيّد مدعوم بالإعلان.


وما كنت لأسمع بهذه اللجنة، لولا أنها اختارت روايتي من بين سبعمئة رواية، لتكون من بين الثلاثين رواية الأفضل في الموسم الأدبي الفرنسي.

غير أنّ تلك الفرحة ذكّرتني بمحنة الكتاب العربي، الذي لن ينجح طالما لم يتولَّ القارئ مهمّة الترويج للجيد منه.

لماذا لا نمنح الكاتب العربي فرصة أن ينال "جائزة القرّاء"، عن نادٍ يمثل قرّاء من مجمل الدول العربية، بدل الاكتفاء بجوائز إشهاريّة يموّلها الأثرياء، قد تملأ جيب الكاتب.. لكنها لا تملأه زهواً.





احلام مستغانمي

ري مي
04/12/2006, 19:05
أحلام مستغانمي-أحتاجُ أن أُحبَّك.. ككاتبة
أحيانــــاً..
أحتاج أن أخسرك
كي أكسب أدبي
أن تغادر قليلاً مفكِّرتي
كي تقيم في كُتبي
أن أتخلَّى عن وسامتكْ
وسامتكَ الخرافيّة تلكْ
من أجلِ خرافةٍ أكتُبُها عنكْ
***
أن أُهدي ابتسامتك
بحَّة صوتكَ الصَّبَاحيّ
أسئلة غيرتكَ التي
تَغَارُ منها النساء
لِمَن شِئتَ من إناث الأرض
ريثما أنجبُ منكَ كتاباً
لن تحبلَ بِه أُنثَى سِوَايْ
أحياناً..
أحتاجُ أن أكتُبَكْ
أكثر من حاجتي لحبّكْ
أن أَصِفَكْ
أكثر من حاجتي لرؤيتكْ
أن أبكيكَ.. أن أَفتقدَكْ
أن أَشتَهِيكَ.. أنْ أَستَحضِرَكْ
***
أن أسألَ عنكَ الأمكِنَةْ
أكثر من حاجتي إلى زيارتِها معكْ
أن أحزنَ
وأنا أتصوَّر حياتي من دونكْ
أكثر من حاجتي
لفرح الاستعدَادِ لكْ
***
أحيانــاً..
أُحبّ ألاَّ تشغَل هاتفي
كي يزدَادَ انشغالي بكْ
أن يهزمني جَبَروتُ الحنين إليك
فأُهاتفكَ
غير واثقةٍ بأنّكَ سَتَرُدّ
أن تردّ..
فأخفي عنكَ شهقَةَ قلبي
حين صوتك يشهق بي
***
استغرَقَني حُبّكْ
أنساني أن أكتُبَكْ
وأَنَا أُريدُكَ مُلهمي ومُلتهِمي
رجُلي حيناً..
وحيناً قَلَمي
فارقْني قليلاً
أحتاج أن أحبّك.. ككاتبة.

butterfly
04/12/2006, 22:45
أن أسألَ عنكَ الأمكِنَةْ
أكثر من حاجتي إلى زيارتِها معكْ
أن أحزنَ
وأنا أتصوَّر حياتي من دونكْ
أكثر من حاجتي
لفرح الاستعدَادِ لكْ
***
أحيانــاً..
أُحبّ ألاَّ تشغَل هاتفي
كي يزدَادَ انشغالي بكْ
أن يهزمني جَبَروتُ الحنين إليك
فأُهاتفكَ
غير واثقةٍ بأنّكَ سَتَرُدّ
أن تردّ..
فأخفي عنكَ شهقَةَ قلبي
حين صوتك يشهق بي


:shock: :shock: هدول تماما أنا
يسلمو ري مي ... :mimo:

ري مي
05/12/2006, 00:28
:mimo: :mimo:
هلا والله

avias5
06/12/2006, 12:44
هلق هاي اول مشاركة الي بهالمنتدى
وللصراحة بعد قراءة هيك موضوع ما بفتكر انه كلمة شكرا على المجهود الاكثر من رائع بتكفي ..
بس انا ما بعرف غيرها فشكرا
ونتمنى قراءة المزيد

ري مي
09/12/2006, 01:05
اذا اول مشاركة الك هون ف يا 100 هلا :D
مذوق:D

ري مي
09/12/2006, 01:10
جنرالي.. أُحبّك"


بمناسبة حمّى معارض الكتاب التي تجتاح العواصم العربية، بالتناوب، في مثل هذا الموسم، وما يرافقها من جدل حول أسباب أزمة الكتاب، تذكّرت قول ميخائيل نعيمة: "لكي يستطيع الكاتب أن يكتب والناشر أن ينشر، فلابد من أمة تقرأ ولكي تكون لنا أمة تقرأ لابد من حكام يقرأون".

فبينما تقتصر علاقة حكّامنا وسياسيينا بالكتاب، بتشريفه برعايتهم مَعارضه، وفي أحسن الحالات حضور افتتاح هذه المعارض، وأخذ صور تذكارية مع الكتب، لتوثيق عدم أميتهم، لا يفوّت السياسيون الغربيون فرصة لإثبات غزارة مطالعاتهم والتباهي بقراءاتهم.


وأذكر أنني قرأت أن كلينتون حمل معه 12 كتاباً للقراءة، أثناء آخر إجازة رئاسية له ولأن الإجازة الصيفية لا تتجاوز الخمسة عشر يوماً، فقد وجدتُ وقتها في الأمر دعاية له، أو للكتب المنتقاة، أو ربما حيلة زوجية تعفيه من الاختلاء طويلاً بهيلاري والانشغال عنها بذريعة "بريئة".

الجميل في الأمر اعتبار القراءة من طرف الحكام الغربيين، جزءاً من الصورة التي يريدون تسويقها عن أنفسهم، لعلمهم أن شعوبهم ترفض أن يحكمها أُناس لا يتثقفون، بذريعة انشغالهم بشؤون الدولة.. عن الكتاب.

وتاريخ فرنسا حافل بحكام كانوا عبر التاريخ شغوفين بالكتب، مولعين بمجالسة المبدعين، وبإنقاذ الإرث الثقافي الفرنسي، بصيانة المتاحف وتأسيس المكتبات أحد هؤلاء جورج بومبيدو، الذي لم يمهله المرض، ليقيم علاقة متميزة مع كتّاب فرنسا، ولكن ذلك الوقت القصير، الذي قضاه في السلطة، لم يوظفه لإثراء نفسه ولا لإثراء حاشيته وأقاربه، وإنما لإثراء باريس بأكبر مركز ثقافي عرفته فرنسا وأوروبا، وترك خلفه صرحاً حضارياً، سيظل يحمل اسمه ويشهد على مكانة الكتاب في قلب هذا الرجل.

أما فرنسوا ميتران، فقد كان وفاؤه لأصدقائه الكُتَّاب وفاءً خرافياً، لعلمه أن الصداقات الحقيقية، لا يمكن أن يبنيها الحاكم، إلا خارج السياسة، حيث لا خصوم ولا حلفاء ولا أعداء ولا دسائس.


ولذا، فأول من وقع تحت سطوة تلك الوسامة الداخلية، التي صنعت أسطورته، كانوا الكتاب والمفكرين، الذين أُعجبوا بكبريائه السياسية، التي لم تمنعه من أن يكون رغم ذلك في متناولهم، ويدعوهم بالتناوب إلى تناول فطور الصباح معه، أو لقضاء نهاية الأسبوع خارج باريس في صحبته، للتناقش في شؤون الأدب والفلسفة.

وكان ميتران مولعاً بالكتب، ما توافر لديه قليل من الوقت، إلا قضاه في المكتبات التي كان يزداد تردده عليها، كلما شعر بقرب رحيله، ما جعل الكتب في آخر أيامه توجد حوله موزَّعة مع أدويته، وكأنه كان يتزود بها، ما استطاع، لسفره الأخير، حتى إنه طلب أن يُدفن مع الكتب الثلاثة المفضلة لديه، كما كان الفراعنة يطلبون أن يدفنوا مع ذهبهم وكنوزهم.

أما شارل ديغول، فقد اشتهر بخوفه على كُتَّاب فرنسا ومفكريها، بقدر خوفه على فرنسا ذاتها، حتى إنه رفض أن يرد على عنف سارتر واستفزازه له باعتقاله، واجداً في عدوٍّ في قامة سارتر، عظمة له ولفرنسا، معلّقاً بجملة أصبحت شهيرة "نحن لا نسجن فولتير" ولا نعجب بعد هذا أن تجمعه بأندريه مالرو، وزير ثقافته، علاقة تاريخية تليق بقامتيهما، ولا أن يُجمِع معظم الكتّاب الذين عاصروه على محبته والولاء له، حتى إن جان كوكتو، وهو أحد ألمع الأسماء الأدبية، اختار ديغول ليكتب إليه آخر سطرين في حياته، قبل أن يرحل، وكانا بهذا الإيجاز والاحترام، الموجعين في صدقهما "جنرالي.. أُحبك.. إنني مقبل على الموت".



احلام مستغانمي

ري مي
27/03/2007, 18:18
الانتفاضة .. ليست مهنة

أذكر أن شارون، عند استقباله أول مرة كوندوليزة رايس، مستشارة بوش، صرح محاولا تجميل صورته وإثبات جانب "الجنتلمان" فيه : "لابد لي أن أعترف، لقد كان من الصعب علي أن أركز في التفكير أثناء كلامي معها، فقد كانت لديها ساقان في غاية الجمال" ما جعل صحافيا أمريكا يعلق "إذا كان جورج بوش يريد النجاح في عملية السلام، فعليه أن يرسل إلى إسرائيل كوندوليزة، مع قائمة طولية من الطلبات .. وتنورة قصيرة".
ربما كان البعض يعتقد مازحا آنذاك، أن ساقي كوندوليزة (التي ليست من "الموناليزا" في شيء) ستنجحان، حيث أخفقت في الماضي، الساقان الممتلئتان للسيدة أولبرايت.
أما اليوم فكل ما نخشاه، أن يتمكن "تايور" الحداد الأسود للسيدة كوندوليزة من إقناع عرفات بالتضحية
بالقائمة الطويلة لشهداء الانتفاضة، والجلوس للتفاوض، بعد كل هذه المآسي، على طاولة التنازلات والتنـزيلات الجديدة. وبرغم وعينا التام أن فرصة كهذه لا ينبغي لعرفات أن يفوتها، حتى يضع حدا لمبررات شارون لالتهام أبناء فلسطين، في كل وجبة غذاء، بذريعة أنه بذلك يخلص العالم من بذور الإرهاب، فإن شيئا شبيها بغصة البكاء يكمن في حلوقنا، لتصادف كل هذا بالذكرى الأولى لانطلاقة الانتفاضة "الثانية" في فلسطين.
وبرغم هذا، ليس من حقنا أبدا، أن نطالب شعبا يرزح وحدة تحت الاحتلال، ويرد بالصدور العارية، لأبنائه وبدموع ثكالاه وأيتامه، حرب إبادة وتطهير، أن يواصل الموت والقبول بكل أنواع الإذلال والتعذيب، ليمنحنا زهو الشعور بعروبتنا وقدرتنا على الصمود في وجه الأعداء، خاصة أن الانتفاضة لم تنفجر، حسب أحد المحللين، الا بعدما أصيب الفلسطينيون بالضجر من شدة تهذيب القرارات العربية، وبعدما تأكد لهم أن الدبلوماسية ليست أكثر من لجوء عربي للتمييز بين العار والشجاعة.
وعتاب فلسطيني الداخل لنا. وجهرهم بمرارة خيبتهم بنا، نسمعهما بعبارات واضحة كلما قصدتهم الكاميرا، أمام دمار بيوتهم، فتصيح النساء الثكالى باكيات "أين العرب ؟ أين هم ليرونا؟".
وحدهم هؤلاء الثكالى واليتامى والمشردون والتائهون بين القرى، المهانون أمام الحواجز الإسرائيلية كل يوم، من حقهم، أن يقرروا وقف الانتفاضة أو الاستمرار فيها.
أما نحن، "حزب المتفرجين العرب"، الذين نتابع مآسيهم كل مساء، في نشرات الأنباء فعلينا ألا نبدأ منذ الآن في سباق المزايدات والاستعدادات لعقد المهرجانات بمناسبة إتمام العام الأول للانتفاضة. فليس هذا ما ينتظره منا من يشاهدوننا في فلسطين، بعيون القلب، بينما نشاهدهم بعيون الكاميرا.
وقرأت أن الروائي الراحل إميل حبيبي، لاحظ الميل العربي إلى الاحتفال السنوي بالإنتفاضة الأولى، (التي انطلقت سنة 1987) فتساءل قائلا : "إن الانتفاضة هي فعل مقارعة للاحتلال، فهل تريدون عمرا طويلا للاحتلال نحتفل به كل سنة باستمرار الانتفاضة ؟".
ذلك أن الانتفاضة أصبحت وكأنها مبتغى في حد ذاتها، "والاحتفال بها" مساهمة فيها، بينما هي وسيلة نضال يراد منها الوصول إلى مكاسب وطنية. وهو ما يختصره قول محمود درويش في الماضي، " الانتفاضة ليست مهنة".
ولذا، على الذين يفكرون في امتهان "الانتفاضة" لبضعة أيام في السنة، أن يوفروا جهدهم وأموالهم، لمعالجةالمئات من جرحاها، والتكفل بإعالة الآلاف من ضحاياها. فبهذا وحده نختبر صدقهم، وبالإحسان لعائلات الشهداء. وليس بالكلام عن ضحاياهم ينالون ثوبا وأجرا عند الله.

ري مي
27/03/2007, 18:19
أحلام مستغانمي-فـي تأبين تلك الأحلام الكبيرة


استوقفني قول للكاتبة كارولين أهيم: "الحصول على دماغ يستطيع الكتابة، معناه الحصول على دماغ يعذّبك" ولو أنها خبرت لعنة امتلاك دماغ عربيّ، لأدركت نعمة عذابها، ولَقَاسَت بمقياس "ريختر" للألم فاجعة أن تكون كاتبة عربية في زمن كهذا.
ذلك أنّ الكاتب العربي يشهد اليوم تأبين أحلامه.
شيء ما يموت فينا، ويُشعرنا بخواء النهايات· ثمّة عالم جميل ينتهي ونحن نستشعر ذلك، وننتظر مذهولين حلول الكارثة.
زمن انتهى بأحلامه ومثالياته ونضالاته، وقضاياه المفلسة.
نشعر بخفّة الألم، لا خفّة مَن أزاح عن كاهله مشكلات حملها عُمراً بكامله، بعدما عثر لها أخيراً على حلول، وإنما خفّة من تخلّص أخيراً من أوهامه.
سعادتنا تكمن في فاجعة اكتشافنا أنه لم يعد في إمكان أحد أن يبيعنا بعد الآن قضيّة جديدة، مقابل أن يسرق من عمر أبنائنا جيلاً أو جيلين آخرين. فالشعارات المعلَّبَة، الجاهزة للاستهلاك، التي عشنا عليها، انتهت مدّة صلاحيتها، وأصبحنا نعرف من أي "سوبرماركت" استوردها من روّجها، وكم تقاضى بعضهم ولايزال، مقابل تسميمنا ومنع نموّنا الطبيعي، واختراع حروب وكوارث، لإبقائنا أذلاء، فقراء.. ومرعوبين.
رحم اللّه محمد الماغوط· نيابة عن كلّ المبدعين العرب، اختصر في جملة واحدة سيرة حياتنا: "وُلدتُ مذعوراً.. وسأموت مذعوراً". فالمبدع العربيّ، لايزال لا يشعر بالأمان في بلد عربي. وإذا كان بعض الأنظمة يتردّد اليوم قبل سجن كاتب أو اغتياله، فليس هذا كرماً أو نبلاً منه، وإنما لأن العالم تغيّر وأصبحت الجرائم في حق المبدعين لا تمرُّ بسرية، بل تدخل ضمن الحسابات التي على الطاغية أن يراجعها، إذا أراد أن يقبل من جانب الغرب.
كيف في إمكان الكاتب العربي أن يكون ضمير الأمة، ولسان حقّها، وهو منذور لمزاجية بعض الحكام، ومزاج الرقيب وأهواء القارئ، الذي أصبح بدوره رقيباً يعمل لحسابه الشخصيّ، وقد يتكفل بإصدار فتوى تكفرك أو تخوّنك، محرّضاً الشارع عليك، فتخرج مظاهرات تطالب بسفك دمك وكسر قلمك، وتُدخلك القرن الحادي والعشرين من بوابة المحاكم والسجون.
كثيراً ما أضحكنا برنارد شو بتعليقاته الساخرة. لكنه حين قال "الوطن ليس هو فقط المكان الذي يعيش فيه الإنسان، بل هو المكان الذي تُكفَلُ فيه كرامته وتُصان حقوقه" كاد يُبكينا نحن العرب، عند اكتشافنا ما نعانيه من يُتم أوطان لسنا مواطنين فيها. فكيف نكون فيها كتّاباً، ونحنُ نقيم في ضواحي الأدب وضواحي الحرية، خارجين لتوّنا مذعورين من زمن ثقافة الشارب العريض، والقصائد التي تلمّع حذاء الحاكم، وتُبيِّض جرائم قطّاع طرق التاريخ، لنقع في فخّ العولمة.. فريسة للثقافات المهيمنة ولطُغَاة من نوع جديد، لا يأتونك على ظهر دبّابة، إنّما يهدونك مع رغيف البنك الدولي·· مسدساً ذهبياً لإطلاق النار على ماضيك!
الذين يروّجون لثقافة النسيان، ما سمعوا بقول أبو الطالب الدمستاني "إنّ أطلقت نيران مسدسك على الماضي، أطلَق المستقبل نيران مدافعه عليك". ولا أدري كيف في إمكاننا إنقاذ المستقبل، من دون أن نعي الواجب التأمُّلي للمبدع ودوره في حماية الهوية العربية، ذلك أن معركة الألفية الثالثة ستكون ثقافية في الدرجة الأولى، وعلينا ألاّ نكون مغفّلين ولا مستغفلين أمام هيمنة ثقافية لا يمكن أن تكون بريئة.
إنّ المبدع والمثقف العربي، هو آخر صرح بقي واقفاً في وجه بعض الحكام، الذين لا ينتظرون إلاّ غفوة أو غفلة منه ليسلّمونا شعوباً وقبائل إلى الغرب، على طبق العولمة أو التطبيع.
هذا المبدع الذي حدّد نفسه منذ أجيال "مبدع الضد"، أتعبته القضايا المفلسة، والمشي في جنازة أحلامه. وقد يأتي يوم لا يجد فيه قضية عربية تستحق منه مشقّة النضال. ويومها ليس وحده مَن سيبلغ عمق الكارثة.. بل الأُمّـة كلّها!

ري مي
04/04/2007, 23:10
أحلام مستغانمي-أخذ معه كلّ ذلك الضوء


كلّ نيسان لا أستطيع إلاّ أن أذكره. مذ رحل ونحن نحاول إنقاذ النار، التي أشعلها فينا نزار قباني ومضى. ذلك الطفل الزوبعة، ذلك الشاعر الذي حيث يمرُّ تشتعل بمروره فتيلة الشعر.
نقف دَهِشين أمام رمادنا بعده· لماذا خالفنا نصائحه ورحنا نؤمّن على حياتنا ضدّ الحرائق الجميلة؟ وما نفع ما ننقذه؟ وماذا لو كان الشيء الوحيد الذي أنقذناه حقاً، هو كلّ ما سرقناه من العمر، وسلَّمناه وليمة للنار.. نـــار الحياة؟
ليس عَجَبَاً، أن يكون نزار قد أنهى حياته بطلب كوب من الماء، بكلمة "شكــراً". فنزار قبّاني حالة ناريّـة، قبل أن يكون حالة شعرية. إنه يُذكّرني بـ"بودلير" الذي كان يقول، ليُثبت غرابته، إنّ أول كلمة لفظها عندما بدأ النطق. كانت Allumette أي "كبريت". ولا أذكر أن "نيرون" نفسه قد طالب أبويه، حال وصوله العالم، بالنار، هو الذي أحرق روما في نـزوة لهـب.
لا أدري مِن أين جَـاءَت نزار هذه النزعة النيرونية لإضرام النار في تلابيب النساء، اللائي أحببنه وأحبّهنّ في أثواب نومهنّ، وفساتين سهراتهنّ، ومناديل بكائهنّ، وكلِّ ما لبسنه لموعدهنّ الأول معه، أو ما نسينه في غرفته بعد موعد حُـبّ، ولِمَ كلُّ مدينة أحبَّها أو مرَّ بها، شَـبَّ فيها الحريق، ولم يستطع رجال الإطفائيّة، العاملون على حفظ التقاليد وضبط السلوك، من أجلها شيئاً؟
أكان يتسلّى بألسنة اللهب، ثم يركب قطار الشعر المفخخ كبريتاً، ليُجرِّب فينا سياسة الأرض المحروقة، تاركاً الناس خلفه مفزوعين مهرولين محمّلين، كلٌّ بدلو من الماء.
نزار لم يكتب يوماً بأصابعه، بل بأصابع "الديناميت"، التي كان يُعدّها لنا بنوايا إجراميّة، وبكلِّ عناية شعرية، كما تلفُّ النساء في كوبــا على حجورهنّ السيجار الفاخر.
الآن، نكتشف ذلك، وقد توقّفت تلك الانفجارات التي كان يُحدثها بين الحين والآخر، فيهزّنا بها، بلداً بعد آخر، وفرداً بعد آخر· ولذا، بعد رحيله، ساد العالم صمت شعري رهيب، لا لأنّ شاعراً كبيراً مات، ولكن، لأنّ وهمنا بالشعر انطفأ، ولم يعد في إمكان أحد أن يجعل من تفاصيل حياتنا العادية حالة شعرية.
عند رحيله، استبشر بعض الشعراء خيراً، وتوقّعوا أنهم بموته سيكبرون، وبغيابه سيتقدّمون صفّـاً. ولكنهم أخطأوا في حساباتهم· فالشعر فضّاح لِمَن دونه، وقد يجعل شاعراً يزداد حضوراً بغيابه، وآخر يصغر، على الرغم من ضوضائه· ولذا، فإنّ الشعراء الذين كانوا في حياته كباراً، مازالوا كذلك، وأولئك الذين كانوا أقزاماً سيبقون كذلك، ولا جدوى من وقوفهم في طوابير الشعر. الشاعر كائن لا ينتظر· الشعر هو الذي ينتظره عصوراً.
نزار لم يقف يوماً في الصف، لقد كان منذ نصف قرن، وحتى بعد موته، صفّاً في حدّ ذاته، يمتد من أوّل إلى آخر الخريطة العربيّة، وعَلَمَاً شعرياً تصطف خلفه أمة بأكملها. كان صوت عصرنا الشرعيّ، وابن القبيلة والمتمرّد عليها، الذي أصبح بانقلاب شعريّ مَلِكَها.
لقد كان نزار يقول: "إنّ المبدعين خُلِقُوا ليزرعوا القنابل تحت هذا القطار العثمانيّ العجوز، الذي ينقلنا من محطّة الجاهلية الأولى إلى محطة الجاهلية الثانية". وأثناء زرعه تلك الألغام، نسف نزار خلال نصف قرن كلَّ الشعراء، الذين ركبوا قطار الشعر من دون تذاكر، ومن دون أن يدفعوا شيئاً مقابل هذا اللقب. وحاولوا السفر معلّقين بأبواب القطارات والمهرجانات الضوضائيّة.
لقد قضى عمره في ركلهم و"دفشهم" ومحاولة الإلقاء بهم من النافذة، دائم السخرية منهم والاستخفاف، وما سمعوه ولا صدّقوه. والآن، وقد نزل وتركهم يسافرون نحو حتفهم في ذلك القطار المجنون، نعي أنه رحل وهو يحاول إنقاذ آخر قصيدة من أيدي مرتكبي الجرائم الشعريّة. ورحل وهو يحاول إنقاذ آخر أنثى قبل وصول التتار.
ذهب وهو يحاول إصلاح العطل الأبديّ في مولّدات الفرح العربيّ، ولذا مات بصعقة كهربائية، مُعلَّقاً إلى قنديل الشعر، أثناء محاولته إدخال الكهرباء في شارع الحزن العربيّ.
رحل آخذاً معه كلّ ذلك الضوء.

ري مي
09/04/2007, 00:37
أحلام مستغانمي-نريده وسيماً وذكياً ومثقفاً ولطيفاً وثرياً.. ووفياً!

ولو سئلنا، نحن النساء، لحظة اختيارنا رجل حياتنا، أيّ صفة من هذه الصفات يمكننا أن نضحي بها، لقبلنا التنازل عن كلّ شيء.. إلاّ عن وفائه لنا.
ذلك أن إخلاص رجل نحبّه، هو طمأنينتنا، وزهونا وسرّ تشاوفنا على الأخريات، وعقد أماسيٌّ نلبسه في سرّنا، ويجعلنا نبدو أجمل من دون أن نكون قد وضعنا شيئاً حول جيدنا.
لكن، تاريخ الرجال طاعن في الخيانة.. والرجل الوفيّ "حيوان ذكوري نادر" نتمنّى استنساخه لو استطعنا. غير أنّ العلماء، بَـدَل أن ينشغلوا باستنساخ بعض الذئــاب وتوزيعها على نساء الأرض، راحــوا يستنسخون لنا النعجة "دوللي".
أما لماذا الذئــاب، فلأن الذئب هو أكثر ذكور الحيوانات وفاء، أو هكذا شُبّه للعلماء، مقارنة ببقيّة الحيوانات التي تحترف الخيانة.. المتبادلة. فحتى الكلب، هو وفيّ لسيِّده وخائن لأُنثاه، والقطة، حاشاكُم، لا تختلف عنه في نزواتها الشّبَاطيَّة" نسبة إلى شهر شباط/فبراير، الشهر الذي تتسوّق فيه ليلاً، وتمنع عباد اللّه من النوم لفرط موائها، حتى يأتي لنجدتها ما هبَّ ودبّ من قطط الأحياء المجاورة· يشهد على ذلك التشكيلة العجيبة لصغارها.
أما الفئران والأسُود والطيور والزواحف والأسماك والفيَلَة، فبالاختصار، حسب أغنية فيــروز "مش فارقة معاها". فهل الوفاء "حماقة إنسانية" أم ميزة أخرى يتميّز بها الإنسان عن الحيوان، كتميّزه عنه بالعقل والإيمان والنطق؟ ربما لأنه نطق، وجد آدم نفسه مجبراً على أن يقول لحواء "أحبّك"، وكان يعني "أشتهيك"، وعندما بدأت حواء تطالبه بالزواج، والإخلاص، وتلاحقه بالتحرّيات والأسئلة· وهكذا وصلت الإنسانية إلى ما هي عليه من نفاق!
المشكلة، أننا نحتاج أحياناً إلى تصديق بعض الأكاذيب والأوهام الجميلة، حتى لا نكتشف بشاعة حقيقة نظنّ أننا غير معنيين بها، وأنها لسبب أو لآخر، لا تحدث إلاّ للأخريات.
شخصياً، آخذ حكمتي من العجائز ويحضرني قول أمي: "الرجال والزمان.. ما فيهم أمَان". ولو كان لي من نصيحة أقدّمها للنساء لكانت تلك التي كانت تُسديها إليَّ حماتي كلّما جئت بشغّالَة جديدة، وتركت لها تلقائياً كل خزائني مفتوحة، مطمئنة إلى ما يبدو عليها من صدق وأمانة. وكانت حماتي تقول: "تعوّدي أن تُعاملي كلَّ من تتعرّفين إليه، على أنه قد يكون كاذباً أو ماكراً.. أو لصاً، حتى يثبت لك العكس، بدل أن تمنحيه ثقتكِ فوراً، ثم تُصدَمي به".
طبعاً، ما استفدت من هذه النصيحة. ذلك أنه يصعب على المرء أن يتوقّع من الآخرين الغدر أو الخيانة إن لم يكن قادراً على الإتيان بمثلها.
كذلك الرجال، قد تستيقظ إحدانا يوماً لتجد زوجها العاقل "البيتوتي" قد أفرغ حسابه، وفتح به بيتاً آخر، وأهداه أثناء نومها الهنيء إلى أخرى، وأحياناً أثناء انشغالها الغبيّ بالتحرِّي في قضيّة وهميّة أخرى، اخترعتها لفرط هوسها. ذلك أنّ المرأة، كما يقول ساشا غيتري، تعرف كل شيء بحدسها، ولا تخطئ إلاّ عندما تبدأ في التفكير!
الواقع، أن الزوج الخائن يرسل رموزاً وإشارات منبّهة، على المرأة التقاطها بـ"راداراتها" النسائية المتطورة، ومواجهتها بحكمة، أو بكيد نسائي، لكن من دون أن تعميها الغيرة، ويُخرجها سوء الظن من طورها، فتقطع بسكين المطبخ أحد أعضاء زوجها أثناء نومه، كما فعلت مؤخراً أخت لنا في الجنون من تركيا، بمنطق شمشون، يوم هَــدّ المعبَد عليه وعلى أعدائه.
في المقابل، أوافق تلك الجزائرية التي قرأت أنها قضمت جزءاً من لسان خطيبها أثناء تقبيله لها، بعدما اكتشفت أنه لن يتزوجها، وأنه يُخفي عليها زواجه بامرأتين له منهما أولاد.
بي فضول أن أعرف، ماذا سيقول هذا الزوج الخائن لزوجتيه عندما يعود إليهما، من دون لسان!

ري مي
09/04/2007, 00:39
أحلام مستغانمي-نريده وسيماً وذكياً ومثقفاً ولطيفاً وثرياً.. ووفياً! :lol:
صدقا هالمقالة من أجمل ما كتبت احلام من مقالات:ss:

butterfly
09/04/2007, 16:29
:lol:
صدقا هالمقالة من أجمل ما كتبت احلام من مقالات:ss:
:lol::lol::lol: فعلا ً مهضومة

أحلام مستغانمي-نريده وسيماً وذكياً ومثقفاً ولطيفاً وثرياً.. ووفياً!

أما انا بستغني عن لطيفا ً .. لأني بحب النفسيات :o

ري مي
09/04/2007, 23:47
أما انا بستغني عن لطيفا ً .. لأني بحب النفسيات
:lol:
:? حقا

butterfly
10/04/2007, 00:57
:lol:
:? حقا
:lol::lol::lol::lol:
رح نحول الموضوع للتشات .. :onetv:
بس أي حقاً ,.,, :cry:
في سمايلي عالماسنجر عندي مسميتو مأنف ( الرجل اللي بيلفت نظري غالباً بتكون عليه هالسحنة .. )

ري مي
11/04/2007, 00:02
الحب أعمى.. لاتحذر الاصطدام به

كلّما رُحـــت أُوضّب حقيبتي لأيِّ وجهة كانت، تذكّرت نصيحة أندريه جيد: “لا تُهيئ أفراحك”، وخفت إن أنا وضعت في حقيبتي أجمل ثيابي، توقُّعاً لمواعيد جميلة، وأوقات عذبــة، قد تهديني إياها الحياة، أن يتسلّى القَدر بمعاكستي، وأشقى برؤية ثيابي مُعلَّقة أمامي في الخزانة، فيتضاعف حزني وأنا أجمعها من جديد في الحقيبة إيّاها من دون أن تكون قد كُوفِئَت على انتظارها في خزائن الصبر النسائي، بشهقة فرحة اللقاء•• و”الرقص على قدميـ(ـه)”، حسب قول نــزار قباني•
مع الوقت، تعلّمت أن أفكَّ شفرة الأقدار العشقية، فأُسافر بحقيبة شبه فارغة، وبأحلام ورديّة مدسوسة في جيوبها السرّية، حتى لا يراها جمركيّ القدر فيحجزها في إحدى نقاط تفتيش العشّاق على الخرائط العربية•
بتلك الثياب العادية التي لا تشي بأي نوايا انقلابية، اعتدت أن أُراوغ الحياة بما أُتقنه من أدوار تهويميّة تستدعي من الحبّ بعض الرأفـــة، فيهديني وأنا في دور “سندريللا” أكثر هداياه سخاءً•
ذلك أنّ الحـبَّ يحبُّ المعجزات• ولأنّ فيه الكثير من صفات الطُّغاة•• فهو مثل صدّام (حسب شهادة طبيبه) “يُبالغ إذا وهب، ويُبالغ إذا غضب، ويُبالغ إذا عاقب”• وكالطُّغاة الذين نكسر خوفنا منهم، بإطلاق النكات عليهم، نحاول تصديق نكتة أنّ الحب ليس هاجسنا، مُنكرين، ونحنُ نحجز مقعداً في رحلة، أن يكون ضمن أولويات سفرنا، أو أن يكون له وجود بين الحاجات التي ينبغي التصريح بها•
يقول جــان جـاك روسو: “المرأة التي تدَّعي أنها تهزأ بالحبّ، شأنها شأن
الطفل الذي يُغني ليلاً كي يطرد الخوف عنه”•من دون أن أذهب حدّ الاستخفاف بالحبّ، أدَّعي أنني لا آخذه مأخذ الجدّ•
في الواقع، أبرمت ما يشبه مُعاهدة مُباغتة بيني وبين الحبّ، وأن يكون مفاجأة أو “مفاجعة”• فهو كالحرب خدعة• لــذا، أزعــم أنني لا أنتظر من الحب شيئاً، ولا أحتاط من ترسانته، ولا ممّا أراه منهمكاً في إعداده لي، حسب ما يصلني منه من إشارات “واعـــدة”، واثقة تماماً بأنّ أقصر طريق إلى الحب، لا تقودك إليه نظراتك المفتوحة تماماً باتِّساع صحون “الدِّش” لالتقاط كلّ الذبذبات من حولك، بل في إغماض عينيك وترك قلبك يسير بك•• حافياً نحو قدرك العشقيّ• أنتَ لن تبلغ الحب إلاّ لحظة اصطدامك به، كأعمى لا عصا له•
وربما من هذا العَمَـى العاطفي الذي يحجب الرؤيــــة على العشّاق، جــاء ذلك القول الساخــر “أعمــى يقــود عميـــاء إلى حفـرة الزواج”• ذلك أنّه في بعض الحالات، لا جدوى من تنبيه العشّاق إلى تفادي تلك المطبّات التي يصعب النهوض منها•

ثــمَّ، ماذا في إمكان عاشق أن يفعل إذا كان “الحب أعمى”، بشهادة العلماء الذين، بعد بحث جاد، قام به فريق من الباحثين، توصَّلوا إلى ما يؤكِّد عَمَى الْمُحب• فالمناطق الدماغيّة المسؤولة عن التقويمات السلبية والتفكير النقدي، تتوقف عن العمل عند التطلُّع إلى صورة مَن نحبّ• ومن هذه النظرة تُولدُ الكارثة التي يتفنن في عواقبها الشعراء•
وبسبب “الأخطــــار” التي تترتَّب عليها، أقامت محطة “بي•بي•سي”، بمناسبة عيد العشّاق، مهرجاناً سمَّته “مهرجان أخطار الحب”، استعرضت فيه كلَّ “البــــلاوي” والنكبـــات، التي تترتَّــب على ذلك الإحساس الجــارف، من إفلاس وانتحار وفضيحة وجنون