-
PDA

عرض كامل الموضوع : مساهمة في نقد العقلية البعثية


غريب الدار
01/05/2005, 16:12
إن مجرد إعلان السيد الرئيس بشار الأسد عن <<القفزة الكبرى>> التي سوف يمثلها مؤتمر حزب البعث القادم، وخصوصا بعد الإعلان عن قرب موعد انعقاده، حتى بدأ "بازار" الرهانات الداخلية والخارجية، حول ما سوف يمثله هذا المؤتمر بالنسبة لسورية والسوريين، وبالنسبة للعرب عموما، وكذلك بالنسبة للقوى العالمية ذات المصالح الكبيرة في منطقتنا، والتي يتفق الجميع على أن لسورية موقعا هاما فيها. وبين فريق المتشائمية الذين يرون استحالة التغيير في ظل السلطة الحالية، بالنظر لتاريخها الطويل في نهب البلد، وتعريض مواطنيه لكل أشكال الإذلال والقهر، خصوصا، وهي تدرك جيدا خطورة الأسئلة التي سوف تواجهها من قبلهم، عند أي انزياح لكابوس الاستبداد عنهم، وبين فريق المتفائلين الذين يرون أن السلطة ليس أمامها من مفر سوى أن تقدم على إجراء إصلاحات عميقة، وهي سوف تجري تحولا حاسما في هذا الاتجاه، والرهان هنا ينصب على قيادة الرئيس الشاب ذي الثقافة السياسية المختلفة عن ثقافة والده حسب رأيهم. أقول بين فريق المتشائمين، وفريق المتفائلين سوف أحاول أن أخذ موقعا وسطا، وأنضم إلى فريق المتشائلين. فمن جهة، لم تعد السلطة قادرة على الاستمرار بالطريقة السابقة، وإن الاستبداد إلى زوال. غير أنها، من جهة ثانية، سوف تخيب أمال المتفائلين، خصوصا لجهة جدية وعمق التحولات التي سوف تقدم عليها، فهي لا تزال تراهن على الزمن، وعلى احتمال المساومة مع القوى الخارجية الضاغطة عليها.
إن الباحث الجاد في تاريخ النظام البعثي في سورية، لا بد أن يدرك مدى نجاح البعث، ( بل قل للدقة، قيادته الحاسمة بعد عام 1970)، في ظروف دولية مواتية، في بناء سلطة أمنية استبدادية، لم تشهد لها سورية مثيلا في التاريخ. استخدم في ذلك، وبنجاح كبير، ما يسمى في علم السياسية، بسياسة الجزرة والعصا. فمن جهة تم تنمية جميع الغرائز المافيوية، وعلى جميع الصعد، في إطار ما أصبح يعرف بسياسة إفساد الكل للكل حسب تعبير السيد طيب تيزيني. لقد تحولت سياسة الفساد والإفساد إلى وسيلة رئيسة في إدارة المجتمع، والتحكم به. فأصبح للوظيفة سعر، وللمنصب سعر، ولتسيير معاملات الناس أسعار وأسعار..الخ.
ومن جهة ثانية تم بناء أجهزة أمنية متعددة، مجهزة بكل ما تحتاجه من امكانات مادية، ومن كوادر وعناصر، ومن حماية سياسية، وقانونية من أية مساءلة. في مثل هذه الوضعية الفريدة تم إطلاق يدها في الشأن الداخلي، فعاثت فيه قمعا، وإرهابا، لكل رأي مخالف، لكل من لا يرى ما تراه، وخصوصا لكل فعل سياسي، أو غير سياسي، ترى فيه تهديدا لسلطتها، أو لمصالحها. وأكثر من ذلك تحولت هي ذاتها إلى الحزب الحقيقي والفعلي للسلطة، ملحقة حزب البعث والأحزاب الأخرى المتحالفة معه بها، يؤدون دور أجهزة من أجهزتها.
في هكذا مناخ تشكلت العقلية البعثية، بعد أن قطعت مع نمط تفكيرها السابق الذي ساد في مرحلة الخمسينات من القرن الماضي وما قبلها، بل بعد أن قطعت أيضا مع نمط تفكيرها الذي ساد في مرحلة الستينات. من سمات هذه العقلية أنها محورية التفكير بالسلطة، فهي بالنسبة لها القضية الجوهرية، ووحدة القياس الحاسمة، تضبط علاقاتها مع جميع القوى الداخلية والخارجية. وفي ضوء ذلك تعتبر نفسها المرجعية الوطنية الوحيدة، تتحدد بالعلاقة معها، مواقف وسلوكيات الآخرين الوطنية من غير الوطنية.
العقلية البعثية عقلية غير حوارية، لا تقبل بوجود الآخر، فالآخر أيا يكن فهو إما خائن، أو غير وطني، وبالتالي لا بد من قمعه ومحاربته.
العقلية البعثية عقلية أمنية، وبصفتها كذلك فهي عقلية شكاكة، حتى بحلفائها، بل حتى بأفراد حزبها، فمن ليس معها فهو إما متآمر، أو عميل..الخ.
العقلية البعثية عقلية محكومة بثنائيات قطعية، إما مع، وإما ضد، إما وطني، وإما غير وطني..الخ، لا تقبل بين الأبيض والأسود بأية فسحة رمادية.
العقلية البعثية عقلية ديماغوجية، وبصفتها كذلك فهي تعيش ازدواجية فعلية بين القول والفعل، بين الشكل الذي تقدم نفسها فيه، وبين حقيقتها الفعلية.
العقلية البعثية عقلية تبريرية، لا تستطيع التعلم من أخطائها، بل لا تعترف في الغالب الأعم بارتكابها أخطاء، وفي الحالات النادرة التي تعترف بها بوقوع أخطاء، فإنها تعزيها إلى الآخرين، أو إلى الظروف..الخ.
العقلية البعثية عقلية غير قانونية، تخيفها فكرة القانون، وبصفتها كذلك فهي عقلية غير مؤسساتية، بل جهازية، وثمة فرق كبير بين العقل المؤسساتي، والعقل الجهازي.
وأخيرا، وليس آخرا، العقلية البعثية عقلية جامدة، تخيفها الحركة، لأنها تولد أسئلة، تبحث عن أجوبة، تتطلب التغيير..الخ.
هذه بعض سمات العقلية البعثية كما بدت لي من خلال معايشتي للبعث من الداخل، خلال فترة من حياتي السياسية، أو كما تبدو لي الآن بصورة أوضح، كباحث في الشأن السياسي السوري. السؤال المركزي الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: كيف يمكن لهذه العقلية أن تتغير، وأن تقود عملية الإصلاح الشامل والعميق في حاضنتها الجهازية التي بنتها ورعتها خلال نحو أربعة عقود خلت؟ بكلام أخر كيف يمكنها أن تقبل بتحويل سلطتها الأمنية الجهازية إلى سلطة مجتمعية ديمقراطية، بما يعني ذلك من تهديد لفكرة محورية السلطة لديها؟. كيف يمكنها أن تقبل بوجود تعددية سياسية، وبالتالي بوجود معارضة، وانتخابات حرة، وتداول للسلطة، إلى غير ذلك من متطلبات الدولة الديمقراطية الحديثة..الخ؟. أسئلة كثيرة يمكن طرحها، دون أن تجد جوابا قطعيا لها، بل أجوبة احتمالية ترجيحية، سوف سنحاول مقاربتها.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن العالم قد تغير، وتغيرت بالتالي أنماط التفكير التي كانت سائدة خلال مرحلة الحرب الباردة، والتي كانت تولد طلبا كبيرا على الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية. لقد أصبح العالم في الفترة التالية للحرب الباردة أكثر تقبلا لفكرة الحرية والديمقراطية، في ظروف أصبحت الرأسمالية أقرب للتماثل الداخلي، تعيش تناقضات وصراعات تطورية، وليس بنيوية. بكلام آخر لقد استعادت الرأسمالية العالمية تناقضاتها وصراعاتها التقليدية على الموارد، وعلى الأسواق، بما تفرضه هذه التناقضات، وهذه الصراعات من تحالفات وتكتلات واستقطابات..الخ، ومناخات ملائمة. فإذا كانت الرأسمالية التقليدية قد جعلت من حرية العامل المؤشر الأبرز على انتصارها الداخلي، فإنها في مرحلتها العالمية سوف تجعل من حرية الشعوب وديمقراطيتها العلامة الأبرز على انتصارها العالمي. ويجب أن يكون واضحا أن الحرية، أو الديمقراطية، أو حقوق الإنسان..الخ، وغيرها من المفاهيم، والقضايا التي تعنيها الرأسمالية هي تلك التي ترسم حدود المناخ العام لاشتغال رأسمال.
غير أن المناخ السياسي العالمي بدأ يولد طلبا مباشرا على الحرية، والديمقراطية، في الدول العربية والإسلامية، خصوصا بعد الحادي عشر من أيلول، لأسباب إضافية، تبدو للوهلة الأولى مختلفة، ولا علاقة لها بالتحولات الجارية في بنية الرأسمالية العالمية. هذه الأسباب أصبحت معروفة تحت عنوان مكافحة الإرهاب. وربما من سوء حظ المنطقة أن القوة الدولية الحاسمة في ذلك هي الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لما سوف تتطلبه من تكاليف إضافية، بسبب القيمة الانفعالية السلبية للولايات المتحدة الأمريكية في الوعي السائد، لدى العرب والمسلمين، بالنظر لعلاقاتها الوطيدة مع الكيان الصهيوني في فلسطين، ودعمها الطويل للأنظمة الاستبدادية في المنطقة. بكلام آخر ينظر العرب إلى الولايات المتحدة كعدو، أو في الحد الأدنى كفاقدة للمصداقية، خصوصا بعد الذي جرى في العراق، والديمقراطية الطائفية التي تعمل عليها هناك.
في هذا المناخ الدولي الذي أخذ يحاصر، ويضغط على النظام السوري، جاء التمديد للحود في الرئاسة اللبنانية بضغط من سورية، وجاء أيضا اغتيال السيد رفيق الحريري، لتستخدمها القوى الدولية وبعض القوى العربية، لإكمال حصارها للنظام السوري، لتجبره على الانسحاب من لبنان، وهي مستمرة في ضغطها عليه لتجبره على الانفتاح، واتخاذ خطوات جدية على صعيد الإصلاح الداخلي. بطبيعة الحال، وهذا منطقي إلى حد كبير، تبغي القوى الدولية من ضغطها على النظام السوري تحقيق مصالحها الخاصة، وليس بالضرورة مصالح سورية والسوريين، بل قد تكون متعارضة معها جوهرياً، خصوصا في تلك الجوانب المتعلقة بإسرائيل. مع ذلك، وهذا من سخرية القدر، أن يجد السوريون نوعا من التوافق الموضوعي بين مطالبهم في الحرية والديمقراطية، والمطالب الأمريكية في تغيير الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، لصالح أنظمة ديمقراطية على الطريقة الأمريكية.
ومما يؤسف له أن النظام السوري، الذي راهن الكثير من السوريين عليه في عهده الجديد، كان يصم أذانه باستمرار عن المطالب الوطنية بضرورة الإصلاح، تحوطا ومنعا للتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، وتمتينا لوحدته الداخلية في وجه التدخلات المحتملة، والتي كنا في أكثر من مناسبة قد نبهنا إلى جديتها وخطورتها، وأنها أخذت في التحول من وضعيتها الاحتمالية إلى وضعية التأكيد. مع ذلك لا يزال أمام النظام السوري فرصة، أكاد أجزم بأنها الأخيرة، أعني بذلك المؤتمر العاشر لحزب البعث المرتقب. وبهذه المناسبة، وربما كنداء أخير، فإن على السلطة البعثية في سورية أن تغير نمط تفكيرها، وهذا لن يكون إلا إذا وضع في إطار شروط وظروف جديدة، تعيد تشكله بصورة مختلفة. وإذا كان جزء من شروط وظروف البيئة الاستبدادية في سورية، أعني الشق الخارجي قد أخذ يتغير، فإن على السلطة، وعلى القوى الوطنية والديمقراطية السورية، أن تعيد تشكيل الظروف والشروط الداخلية المولدة والداعمة للاستبداد. ومما لا شك فيه أن السلطة السورية تتحمل مسؤولية خاصة في هذا المجال، فهل تتحمل مسؤوليتها كاملة، وتخرج من مؤتمرها القادم بعقلية جيدة. الشعب السوري لم يعد يؤخذ بالوعود، بل يريد أفعالا حقيقية، تعيد للمواطن حريته، وكرامته، وحقه في حياة سياسية طبيعية. انه يتطلع إلى ما يؤسس لدولة الحق والقانون، دولة المؤسسات، لا الأجهزة، دولة ديمقراطية نصنعها بأنفسنا، تشكل خيارنا الوطني، وليس خيارا مفروضا علينا. ثمة معالم على الطريق، نرجو أن لا يخطئها النظام هذه المرة

عاشق من فلسطين
01/05/2005, 16:43
مشكور يا غالي .. مقال رائع جدا" ...
وأنا على فكرة رأيي بالوضع الحالي .. أنو الحكومة البعثية الآن ليست مخيرة بالتغيير أو عدمه .. لأنها مجبرة على التغيير .. لكن خيارها في أية وسيلة ستتبع ..
فأمامها وسيلة أن تفنذ ما قالته في الاعلانات التي تسبق المئتمر حاليا" ( وهذا شبه مستحيل)
أو ان تقوم بتغيرات شكلية سطحية مع دعم تعبوي من قبل شخصيات مؤثرة في الشعب عبر شرائها ..
أو أن تترك الأمر لأمريكا .. وذلك بأن تكون الحكومة البعثية قد وصلت الى مرحلة من السقاطة والخيانة الوطنية .. أن لاتقوم بشيء فتترك الشعب جائعا" لحرية وعدته بها (بعد أربعين عاما" من الديكتاتورية) ولا تقدمها له .. ومن المؤكد انها لن تستطيع أن تنسيه ما وعدته به .. فهو كان في حالة خوف من المطالبة بالحرية (صحيح) ولكنه كان تواقا" اليها وكانت الحرب بحاجة الى طلقة .. وقد أطلقها الرئيس في خطابه الأخير .. فهنا عندما لايجد الشعب أية تغييرات حقيقية ويرى أن أمريكا ستجلب له الحرية ( من شدة اليأس لأنهم أيقظوا فيه شيئا" لن ينام حتى يشبع ، وقد يطلب هذا الشيء أمريكا اذا كان أخر الطب الكي ) وانا أرجح أن يحدث ذلك .. لأنه كما يعرف الجميع أنه بعد خطاب الرئيس بفترة وجيزة ظهر تيار معارضة بقيادة الغادري المطالب بالحرية الأمريكية ... وتحرير الشعب السوري عن طريق أمريكا .. وأنا أظن أن الدولة جعلت الغادري يعبر الحدود الأمنية الاعلامية ليصل الى الشعب على أنه المعارضة الوحيدة الموجودة في سوريا ( مع أبقائهم للمعارضيين الوطنيين الحقيقين خارج الدائرة ووراء الستار وفي الأقبية) فهنا يرى الشب المعارضة متمثلة بالغادري فقط .. فيقول ديكتاتورية البعث ولا أمريكا ..
ولكن لعبتهم لن تنجح لأن الشعب لن يسكت حتى يرى الديمقراطية ولو عن طريق أمريكا ..
يعني كل يوم يظهر الحزب غباءه السياسي أكثر فأكثر ..
ولكن هذه المرة لن يدفع أحد ثمنهذا الغباء الا الشعب .. ولكن الضريبة ستكون ضياع الوطن .. اذا لم يصحى الشعب ..


مشكور يا غريب الدار .. :D :D

غريب الدار
01/05/2005, 17:15
نعم
الحكومة ليست غبية وهي تعرف ماذا تفعل وهي تستثمر الوقت لصالحا علها تجد منفذاً من هذه الورطة
انها متمسكة بأمجاد الماضي
وأخشى أن تنجح في انساء الشعب وإرجاعة إلى التعتيم والديكتاتورية
ولكن ثقتي بأمريكا كبيرة
لا أن تساعدنا ولكن خوف النظام منها هو الأمل لنا ولا أراهن على إرادة الشعب لأنه لازال يشعر بالخوف
ولازال يشعر بالتشائم
ولايوجد من يعقد عليه الآمال
أي لايجد لدى الشعب بديلاً للرئيس بشار
وهذه المسألة التي تجعلنا خائفين علي أنفسنا من النظام عندما سيعلن في حالة الصفر
يارب عليا وعليهم