-
PDA

عرض كامل الموضوع : جنازة الياسمين


HashtNasht
08/07/2006, 00:22
استيقظت الحجارة في بلدي ذات يوم نرجسي , كانت الشمس تضرب سياطها الذهبية عليها معلنا الدعوة الصارخة لها كي تبكي .
دق الناقوس الصباحي في غير موعده فهنالك حدث سيئ يحوم في الأفق , و خرجت النسوة من بيتها تسأل المارين معترضة طريقهم ..... من ..... ؟؟؟
العصافير المضطربة بالسماء نشرت الخبر في بلدي بسرعة البرق :
مات الياسمين .....
لقد مات الياسمين .....
ذهول أخرس خيم على وجوه الأطفال و امتنع الرضع عن الرضاعة حزنا على موت الياسمين , و العقلاء الكبار أطلقوا أمثالهم المعتادة في مثل هذه المناسبات و مجلس البلدة أصدر فرمانا واقعيا بتفاصيل الجنازة .
في الساعة التي غضبت الشمس فيها و غادرت بلدي و حل الظلام مناديا بسواده القمر ....كان موعد الجنازة .
خيمة سوداء نصبت أمام بيوت الطين المتناثرة في بلدي , و النساء العاشقات أطلقن نواحهن لفقدان آخر أمل لهم بالحب .
الرجال المتعبون الذين حاولوا جاهدين رؤية دموع و قلوب فتيات أحلامهم فقدوا الأمل أيضا و تواروا على مقاعدهم داخل الخيمة .
رواد المواقع الإلكترونية الواقفون خارج الخيمة أحضروا حواسبهم معهم و بدأوا بعد الثواني التي عاشها الياسمين يهمسون فيما بينهم ويتباحثون في مناقب و أعمال الفقيد الراحل , أحدهم يقول الياسمين ينبت في منطقة الحب القاسي , أحدهم يسمعه فيهمس في أذن آخر : يجب علينا تشديد القوانين الدنيوية كي ينبت الياسمين ثانية.
بعد قليل أربعة أطفال يلبسون الثياب البيضاء تقدموا و دخلوا قاعة القلوب الخاوية حيث سجي نعش الياسمين , كان النعش بلونه الأبيض الشفاف قابعا في وسط القاعة ملفوفا بغمامة من الوحدة و الإحباط .
الأطفال الأربعة ولد أحدهم يوم ولد بلدي و الآخر ولد يوم ولد الياسمين و آخر ولد اليوم و الأخير لم يولد بعد .
حمل الأطفال الأربعة نعش الياسمين و خرجوا من القاعة ترمقهم عيون العاشقات من النساء و المتعبون من الرجال .سار النعش و سارت الدموع ورائه و العصافير ثم النرجس ثم الأطفال ثم باقي الجموع وتوجه الموكب إلى المركز الثقافي لبلدي حيث ستلقى الكلمات التأبينية على روح الياسمين
أمام المنصة المقابلة للحشد وضع النعش على مزهرية مملوءة بالدموع
في الصف الأول جلس الأطفال و العصافير و ترك وسطهم أربعة مقاعد فارغة ثم جلس في الصف الثاني حشد من الدموع و النرجس ثم باقي الجموع في الصفوف الأخرى
أطبق الصمت المهيب على القاعة التي يشوبها أصوات بكاء خجولة بين الحين و الأخر مما يعكر صفو الشموع المتناثرة في أرجاءها
باب القاعة هو المنفذ الوحيد للضوء الذي توارى قليلا معلنا قدوم ضيوف أتو من مكان بعيد لتشييع الياسمين فتوجهت الأنظار نحو مدخل القاعة
حجارة المعبد الذي كانت تلتقي فيه سلمى مع جبران أيقظت سلمى و دعتها لحضور الجنازة فاصطحبت معها حبيبها و دخلت القاعة ترافقهم عيون الحضور حتى جلسا في مكانيهما الشاغر وسط الأطفال و العصافير
القنابل التي صنعها البشر و التي أطاحت ببلقيس نزار قباني تذكرت أنها لا تزال فعالة فوجهت دعوة لها و جاءت مصطحبة نزار الياسمين الدمشقي معها و جلسا بجانب سلمى وجبران .
طفل رضيع يمسك بيد والدته التي ترفض إرضاعه حفاظا على شكل نهديها يترك علبة الحليب الصناعي و يصعد إلى المنصة ليقود الحفل التأبيني :
أيها الكبار الصغار
أيها الصغار الكبار
سمو الأميرة سلمى و صديق الآلهة جبران
سمو الأميرة بلقيس و صديق مفردات الحب نزار
ببالغ الأسى و الحزن و مع احترامي لهذه الدموع الحاضرة بيننا ننعي إليكم الياسمين , فقد وافته المنية في هذا البلد حيث ضاعت المفردات منا و غادرتنا السيول المحملة بالحب و لبسنا ثوب الممكن و اللاممكن .
تعالي يا سلمى أخبرينا عن الياسمين :
تقدمت سلمى إلى المنصة و وقفت أمام الجموع و عيونها المحملة بالعتب تحوم في أرجاء القاعة و قالت :
أنا الياسمين .......... قالت سلمى والدموع تطفح من عينيها و غصة في حنجرتها, تماسكت نفسها كي لا تجهش بالبكاء...... ثم تابعت
أنا الياسمين الذي أهدته الآلهة لكم, أنا الياسمين الذي عمدتكم الروح العلوية بمائه مع أنصافكم الآخرين
كما قلت عني يا حبيبي أني الياسمين الذي يحدق إلى الشمس بأجفان جامدة و يقبض على النار بأصابع غير مرتعشة.
قتلوني الناس لأنهم لم يعجبوا بملابسي الحريرية البيضاء
قتلوني لأنهم رأوني جسدا ناضجا للذبح مفرغا من الروح فضحوا به للمحتاجين من اللصوص و المحتالين و لم يروا روحي التي هي أنت يا حبيبي .
قم يا حبيبي لنعود إلى بيتنا الأبدي في السماء هناك الأرواح الطاهرة تنتظرنا و هناك الياسمين المعربش على حيطان الغيوم .
نزلت سلمى من على المنصة و اقتربت من جبران و انحنت برأسها نحو يديه و قبلتهما فأمسك بيديها و توجها نحو نعش الياسمين فقبلاه و في عيونهم فجاعة المستقبل ............ و غادرا القاعة .
ثم صاح الطفل الرضيع تعالي الآن يا بلقيس قولي كلمتك و أخبرينا عن الياسمين .
تقدمت بلقيس إلى المنصة بثوبها الأبيض الشلال و شعرها الأسود الشلال و عيونها التي تتسع لحب العالم كله ..... وقالت :
أنا الياسمين .......
أنا الياسمين الذي تقاتلت مفردات الحب على هامته.
أنا الياسمين الذي ألفت مدرسة الحب على أرضه و دعوت أطفال العالم كي تتعلم أبجديات تلازم الروح و العشق
أنا بلقيس التي بكتني حروف الأبجدية , جسدي ممهور بأختام من قـُبل , في كل بقعة مني تعيش امرأة شرقية , وفي ليلة كان القمر يتآمر فيها علي مع حبيبي سرق مني حبيبي ضلعا فكان الياسمين ........
قتلوني الناس لأنهم لم يعجبهم هروبي من ضفة إلى أخرى و بعد موتي و خروج روحي من جسدي فتشوا جسدي فرأوا أكواما من الغرائز فباعوها لهارون الرشيد بجاريتين و عبد اسمه عنترة
ومن يومها أصبح الحب يقال ولا يقال .......ويباع ويشترى
ترجلت بلقيس من المنصة متجهة نحو نزار و قبلت يديه غاسلة إياها بدموعها فقال ناظرا إلى النعش : إني بريء من دم هذا الياسمين
قبلا نعش الياسمين وغادرا القاعة
صاح الطفل الرضيع : سأقرأ عليكم الآن وصية الياسمين :
في بلد كتبت التوراة عنه أن نبيا معطرا بالحب والسلام رسم بإصبعه حدود الأرض فكان الحب و كنت أنا........ الياسمين .
عشت فيه في زمن كان الخبز جسدا و رمزا من رموز العطاء و في وقتها كانت الأبواب الخشبية الكبيرة يمر منها الحب والطيبة و النخوة والكرم و أكياس القمح و عناقيد العنب و خبز التنور و كعك العيد و سواقي المياه. وعندما يحل المساء كانت الأبواب توصد على أهلها فيجلسون على أضواء الفوانيس يروون أمجادهم و بطولاتهم في مساعدة بعضهم البعض .
في ذلك الوقت كانت الناس تكتب أسماءها على الماء فكل إنسان له اسم تلفظه الساقية التي تمر من أمام بيته و في الصباح يولد الأطفال الصغار على السواقي التي تهديهم أسماءهم الجديدة , وفي ذلك الوقت و على ضفاف تلك السواقي وبين أولائك الأطفال ولدت أنا ......... الياسمين .
و في زمن أخر جاء بعده ..... أصبحنا نزين أقوالنا بالوجوه التعبيرية لأننا أضعنا ملامحنا الحقيقية
و أصبحنا نرى الحب لذة وليس أسلوب
و العشق تملك وليس هيام
و الكرامة تجنب و ليس مواجهه
والفعل مجرد قول وليس عمل
و التودد تملق وليس لطف
في هذا الوقت باع عنترة العبسي سيفه بدينارين و الخنساء لم تعد تبكي و ترثي ..........
قررت أنا الياسمين أن أغادركم و أغادر جدلكم البيزنطي هذا حتى يأتي أحد منكم و يزيل الصخرة التي على قبري و يدعوني متوسلا للحياة.
وآ أسفاه كيف .... كيف ....... كيف تزينون قبور موتاكم و تنسون الموت الساكن فيكم ... كيف ...
كيف تنقسم أصابعكم عن بعضها و أيديكم عن بعضها و أجسادكم عن بعضها و تطالبون بإنشاء جمعيات للدواجن
كيف تصرخون و حبالكم الصوتية مشلولة ......
كيف ترفعون الرايات الخفاقة وليس عليها أي نقش و أي لون ...
إني غاضب عليكم ......... و لكني أوصيكم :
أوصيكم أن تكتبوا وصاياكم كأنكم تموتون الآن إن الروح لا يهزها إلا ولادة جديدة بالعشق ........ أو الموت
أوصيكم أن تكتبوا بروحكم و عيونكم مغمضة , إن الروح عندما تكتب تفعل و عندما تحب تعيش
أوصيكم أن تكتبوا وأنتم تشعرون بالجنون , إن الجنون أعلى درجات العقل
أوصيكم بالبكاء فهو الوحيد الذي يستطيع أن يغسل قلوبكم الميتة و يطهرها علها تعود إلى الحياة ثانية
أوصيكم أيها الكبار أن لا تقبلوا أولادكم إن القبل الصناعية تنقل أمراض الفكر المصابة بالأنا
أوصيكم أن لا تكفنوا موتاكم إن الكفن قيد .....علكم تتذوقون الحرية
إني أسامحكم و أريدكم أن تسامحوني فأنا لست سوى رصيف لم ينشئ أو حديقة لم تزرع أو كلمة لم تقال و إن قيلت فلن تسمع
لقد تركت لكم من بعدي ثروة طائلة هي إرثي الذي لا أملك غيره و هي أطواق من الياسمين ....... من الروح
اكتبوا بأرواحكم وعيونكم مغمضة كي ترثوني

الياسمين


حمل الأطفال الأربعة نعش الياسمين و غادروا القاعة به ثم خرجت الجموع بعدهم وهم يتهامسون ويلقي كل منهم اللوم على الأخر
سرب من العصافير بدأ يحوم حول النعش ما لبث أن التقطه وطار به بعيدا
رحل الياسمين رافضا حتى الموت بيننا .....ترى هل ستعيده العصافير إلينا يوما ما ؟؟؟؟؟ هل ستسمع وصايا الياسمين ؟؟؟


* بقلم : فرج السبعة

----------------------------------------------------------------------------------------------------

منقولة ...نظراً لأنها رائعة :sosweet:

////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

maro18
08/07/2006, 16:17
من اجمل ما قرأت مشكور كتير


وظـنـنـتُ أنـك تعرفـيـن

معنى سوار الياسـميـن

tiger
08/07/2006, 16:48
منقولة ...نظراً لأنها رائعة :sosweet:



فعلا رائعة .... شكرا :D :D

butterfly
15/11/2006, 04:52
لك انا لهلق لشفتا لهي رهيبة :cry: :mimo:

مايا *
16/11/2006, 00:56
و أصبحنا نرى الحب لذة وليس أسلوب
و العشق تملك وليس هيام
و الكرامة تجنب و ليس مواجهه
والفعل مجرد قول وليس عمل
و التودد تملق وليس لطف



منقول رائع وموفق ..