Fares
02/02/2004, 01:49
متى وكيف ظهر إنجيل برنابا
أجمع العلماء الذين اكتشفوا الإنجيل المنسوب إلى برنابا ودرسوه دراسةً دقيقة، على أن النسخة الأصلية منه ظهرت في أول الأمر سنة 1709م باللغة الإيطالية عند رجل يدعى كرامر، كان مستشاراً لملك بروسيا. وبعد أن أهداها هذا الملك إلى الأمير أوجين سافوي، أودعت بمكتبة فينا سنة 1738 ولا تزال محفوظة هناك إلى الآن. كما أجمعوا على أن الرسم الموجود على غلاف هذه النسخة هو من طراز عربي، وأن بالصفحة الأولى منها عبارات مكتوبة باللغة العربية، مثل: الله عظيم و•إذا أرديتم (أي أردتم) من الله شيئاً، أرديتم (أي أردتم) خير الأشياء . كما أنه توجد بهوامش النسخة المذكورة عبارات باللغة العربية، بعضها سقيم التركيب والبعض الآخر سليمهُ. ولما فحص هؤلاء العلماء الورق المستخدم في هذه النسخة ودرسوا الخط والأسلوب المكتوبة بهما، اتضح لهم أنها كُتبت في القرن 16 لا في القرن 18 الذي اكتُشفت فيه. كما اتضح لهم أن النسخة المذكورة لم تكن مترجمة من اليونانية التي كُتب بها إنجيل المسيحيين في أول الأمر، بل أنها مكتوبة أصلاً باللهجة الإيطالية التي انتشرت بعد عصر دانتي.ويقول دكتور جورج سال العلاّمة الإنكليزي في ترجمته الإنكليزية للقرآن إنه وجد نسخة من هذا الكتاب أيضاً باللغة الأسبانية تكاد تكون معاصرة للنسخة الإيطالية، كتبها شخص اسمه مصطفى العرندي، يقول إنه ترجمها عن النسخة الإيطالية. وقد جاء في مقدمة النسخة الأسبانية أن راهباً يدعى فرامارينو زار مرة سكتوس الخامس بابا روما سنة 1585م فعثر لديه مصادفة على كتاب للقديس إيريناوس، ينقض فيه تعاليم بولس الرسول، ويشير إلى كتاب يدعى إنجيل برنابا المذكور. وصلى الراهب طالباً أن ينام البابا، فنام. وانتهز الراهب الفرصة وأخذ يبحث في مكتبة البابا، فعثر على هذا الإنجيل وفي الحال خبأه في ردائه وانتظر حتى استيقظ البابا، فاستأذن منه وانصرف. ولما درس الإنجيل المذكور اعتنق الإسلام. وفي ضوء ما تقدم نقول:
أ - إن الإنجيل الذي يؤمن به المسيحيون جميعاً كُتب في أول الأمر بواسطة بعض أتباع المسيح، باللغة اليونانية التي كان يتكلم بها معظم سكان فلسطين وقتئذ. فلا يمكن أن يكون كاتب الإنجيل المنسوب إلى برنابا واحداً من هؤلاء الأشخاص. لأنه لو كان الأمر كذلك لكتب أولاً باليونانية، وترجم منها إلى لغات أخرى، وانتشر تبعاً لذلك منذ القرون الأولى في البلاد التي تتحدث بهذه اللغات، ولكان يوجد منه الآن نسخ أثرية باللغة اليونانية، واقتباسات أيضاً منه في الكتب الدينية القديمة (كما هو حال الإنجيل المكتوب بواسطة متى ومرقس ولوقا ويوحنا، كما ذكرنا فيما سلف) إذ لا يعقل إطلاقاً أن يكون هذا الإنجيل وحده قد اختفى عن أنظار العالم في القرن الأول، ولم يظهر إلا في القرن 16 بلغتين غريبتين عن اللغة التي كانت منتشرة في فلسطين في القرن الأول للميلاد.
ب - إن قصة العثور على هذا الكتاب لا يمكن أن تكون حقيقية، للأسباب الآتية:
(1) إن مؤلفات إيريناوس لا تزال موجودة لغاية الآن، وكلها تتوافق مع الإنجيل الذي بين أيدينا، ومع رسائل بولس الرسول أيضاً
(2) إن برنابا الحقيقي (كما يتضح من الكتاب المقدس) كان قد باع ممتلكاته ووزع ثمنها على الفقراء إكراماً للمسيح الذي بذل نفسه كفارة على الصليب من أجله ومن أجل غيره من الناس (أعمال 4: 36 و37). ثم أتى بعد ذلك ببولس الرسول إلى تلاميذ المسيح وعرفهم به (أعمال 9: 27). كما سافر معه للمناداة بالإنجيل في دربة ولسترة وإيقونية وأنطاكية (أعمال 14: 20 و21) وأورشليم (غلاطية 2: 1) وتحمل معه آلاماً واضطهادات كثيرة بسبب هذه الخدمة (1كورنثوس 9: 6). وبعد ذلك نادى بالإنجيل مع مرقس البشير في قبرص وغيرها من البلاد (أعمال 15: 39). ومما يدل أيضاً على أن برنابا ظل متمسكاً إلى نهاية حياته بالحقائق المسيحية، وفي مقدمتها موت المسيح كفارة على الصليب، أن له رسالة يرجع تاريخها إلى حوالي سنة 100م جاء فيها إننا نحفظ اليوم الثامن (أو بالحري يوم الأحد، لأن السبت كان يدعى اليوم السابع) بفرح وابتهاج، لأنه اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات . كما أن بعض رجال الدين في شمال إيطاليا عملوا قداساً في القرن الخامس، وأطلقوا عليه قداس برنابا ، لأن برنابا هو الذي نادى بالإنجيل في بلادهم في أول الأمر. والقداس المذكور على نمطٍ خاص يُعرف عند المؤرخين بالطقس الميلاني.
(3) إن رؤية المدعو فرامارينو مصادفة للكتاب المنسوب إلى إيريناوس، ووقوع سبات عميق على البابا بناءً على صلاة فرامارينو، وعثوره بعد ذلك بالمصادفة أيضاً على الإنجيل المنسوب إلى برنابا، وسرقته إياه وهروبه دون أن يراه أحد كل هذه تصرفات أقرب إلى الروايات المصطنعة منها إلى الحقائق الواقعة. فليس من المعقول أن يكون البابا قد غطّ في النوم أثناء زيارة الراهب له. وليس من المعقول أن يسرق الراهب الكتاب، فقد كان يمكنه أن يستعيره، أو أن يقرأه على دفعات في مكتبة البابا. ولو فرضنا أن هذا الراهب كان لصاً، فكيف استجاب الله صلاته وأوقع على البابا سباتاً عميقاً ليتمكن للراهب المذكور من القيام بالسرقة المزعومة!!
وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن يكون أحد رسل المسيح الأولين قد كتب هذا الإنجيل . بل من المؤكد أن أحد المدَّعين كتبه في القرن السادس عشر، كما اتضح لنا مما سلف.
إنجيل برنابا - مضمونه وأقسامه
لقد خيل إلى بعض الناس أنّ (إنجيل برنابا) على توافق كامل مع القرآن وأن كلاً منهما يدعم الآخر.
لذا نرى من الضروري اختراق هذه المقولةضاربين في صلب الحقيقة، معرضين عن هوامش الأمور لنصل إلى الموضوع الرئيسي الذي يسعى المؤلف إلى طرحه وشرحه ودعمه.
وإنه ليلخص كله بالنقاط الخمس التالية:
1- إن القول بأن يسوع الناصري هو ابن الله اكفر.
2- وإن القول بأن يسوع الناصري هو المسيح كفر.
3- فيسوع ليس إلا نبيّاً،
4- أرسل ليمهّد لظهور المسيح الحقيقي،
5- الذي هو محمد.
هذا التأكيد يأتي مطلقاً خالياً من أي تلطيف أو تردّد. وهو غالباً ما يرد على لسان يسوع بالذات، في مناسبات كثيرة، تلميحاً وتصريحاً، سواء أمام التلاميذ أو أمام الرؤساء كثيرة، تلميحاً وتصريحاً سواء أمام التلاميذ أو أمام الرؤساء وجماهير الشعب، أو أمام هيئة المحكمة اليهودية العليا.
تلك هي القضية المطروحة في "إنجيل برنابا" وما من قضية رئيسية فيه غيرها.
ولقد اتبع الكاتب أسلوباً جعله يكيّف سيرة يسوع الناصري المعروفة، بحيث تأتي منسجمة مع القضية انسجاماً كاملاً، حتى لو كانت تتعارض تعارضاً جذرياً مع التاريخ اليهودي والتاريخ الروماني والتاريخ المسيحي. فما الذي فعله؟
اختلق أولاً شخصية جديدة ليسوع اختلافاً كلياً، اسماه "برنابا"، وبوأه المرتبة الأولى بين الرسل، وحمّله هو وحده مسؤولية كتابة سيرة يسوع وتعاليمه.
ومن ثم كتب إنجيلاً جديداً ليسوع جديد بشهادة شاهد جديد.
وقد قسم كتابه إلى 222 فصلاً، تحتل الفصول 91 – 98 مكان القلب منه. ومهّد له بمقدمة تتفق في موضوعها الرئيسي مع الخاتمة، وقد جاء فيها قوله:
"برنابا، رسول يسوع الناصري المسمى المسيح، يتمنى لجميع سكان الأرض، سلاماً وعزاءً. أيها الأعزاء، إن الله العظيم والعجيب قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة، بواسطة نبيّه يسوع المسيح، برحمة عظيمة، للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشرين بتعليم شديد الكفر وداعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر به الله دائماً مجوّزين كل لحم نجس، الذين ضل في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع، لكي تخلصوا ولا يضلكم الشيطان فتهلكوا في دينونة الله. وعليه فاحذروا كل أحد يبشركم بتعليم جديد مضاد لما اكتبه لتخلصوا خلاصاً أبدياً. ولكن الله العظيم معكم، وليحرسكم من الشيطان ومن كل شر. آمين".
أما سيرة يسوع فقد قسمها إلى قسمين يشمل الأول منهما عشرة فصول تروي بتفصيل وإسهاب مولد يسوع وحداثته، فيما يشمل الثاني حياة يسوع العلنية منذ أخذ يبشر حتى يوم رفع إلى السماء. وقد وزّع فصول القسم الثاني على الشكل التالي:
1- يسوع يبدأ الكرازة ويجترح المعجزات (فصول 10 – 46).
2- جنود روما يعبدون يسوع إلهاً، فتنشب في ذاته أزمة نفسية خانقة، يتبرأ على أثرها من اعتبار الناس إياه إلهاً أولاً، ومسيحاً ثانياً، ويتنبأ بمجيء المسيح المنتظر: محمد (فصول 47 – 98).
3- يسوع يعود إلى التبشير، فيشغف به الشعب ويقرّر تنصيبه ملكاً، فيهرب يسوع إلى دمشق ومنها ينطلق إلى صور (فصول 99 – 126).
4- يواصل يسوع تثقيف تلاميذه، ويعلمهم جميع ما يختص بالتوبة والصوم والصلاة والفضائل ويحملهم رسالته إلى الناس (فصول 127 – 153).
5- يسوع يلتقي جنود روما في الهيكل ويعلمهم ما يختص بالخطيئة والحرية والشر والقضاء والقدر (فصول 153 – 191).
6- يسرد "برنابا" أيام يسوع الأخيرة على الأرض و"موته" وارتفاعه إلى السماء (فصول 192 – 222).
أما الخاتمة فقد جاء فيها قوله:
"والتفت يسوع إلى الذي يكتب وقال:
"يا برنابا عليك أن تكتب إنجيلي حتماً وما حدث في شأني مدة وجودي في العالم. واكتب أيضاً ما حل بيهوذا ليزول انخداع المؤمنين ويصدق كل أحد الحق".
".. وبعد أن انطلق يسوع تفرقت التلاميذ في أنحاء إسرائيل والعالم المختلفة. أما الحق المكروه من الشيطان فقد اضطهده الباطل كما هي الحال دائماً. فإن فريقاً من الأشرار المدعين أنهم تلاميذ، بشروا بأن يسوع مات ولم يقم، وآخرون بشروا بأنه مات بالحقيقة ثم قام، وآخرون بشروا ولا يزالون يبشرون بأن يسوع هو ابن الله وقد خدع في عدادهم بولس.
أما نحن فإنما نبشر بما كتب الذين يخافون الله ليخلصوا في اليوم الأخير لدينونة الله. آمين".
أجمع العلماء الذين اكتشفوا الإنجيل المنسوب إلى برنابا ودرسوه دراسةً دقيقة، على أن النسخة الأصلية منه ظهرت في أول الأمر سنة 1709م باللغة الإيطالية عند رجل يدعى كرامر، كان مستشاراً لملك بروسيا. وبعد أن أهداها هذا الملك إلى الأمير أوجين سافوي، أودعت بمكتبة فينا سنة 1738 ولا تزال محفوظة هناك إلى الآن. كما أجمعوا على أن الرسم الموجود على غلاف هذه النسخة هو من طراز عربي، وأن بالصفحة الأولى منها عبارات مكتوبة باللغة العربية، مثل: الله عظيم و•إذا أرديتم (أي أردتم) من الله شيئاً، أرديتم (أي أردتم) خير الأشياء . كما أنه توجد بهوامش النسخة المذكورة عبارات باللغة العربية، بعضها سقيم التركيب والبعض الآخر سليمهُ. ولما فحص هؤلاء العلماء الورق المستخدم في هذه النسخة ودرسوا الخط والأسلوب المكتوبة بهما، اتضح لهم أنها كُتبت في القرن 16 لا في القرن 18 الذي اكتُشفت فيه. كما اتضح لهم أن النسخة المذكورة لم تكن مترجمة من اليونانية التي كُتب بها إنجيل المسيحيين في أول الأمر، بل أنها مكتوبة أصلاً باللهجة الإيطالية التي انتشرت بعد عصر دانتي.ويقول دكتور جورج سال العلاّمة الإنكليزي في ترجمته الإنكليزية للقرآن إنه وجد نسخة من هذا الكتاب أيضاً باللغة الأسبانية تكاد تكون معاصرة للنسخة الإيطالية، كتبها شخص اسمه مصطفى العرندي، يقول إنه ترجمها عن النسخة الإيطالية. وقد جاء في مقدمة النسخة الأسبانية أن راهباً يدعى فرامارينو زار مرة سكتوس الخامس بابا روما سنة 1585م فعثر لديه مصادفة على كتاب للقديس إيريناوس، ينقض فيه تعاليم بولس الرسول، ويشير إلى كتاب يدعى إنجيل برنابا المذكور. وصلى الراهب طالباً أن ينام البابا، فنام. وانتهز الراهب الفرصة وأخذ يبحث في مكتبة البابا، فعثر على هذا الإنجيل وفي الحال خبأه في ردائه وانتظر حتى استيقظ البابا، فاستأذن منه وانصرف. ولما درس الإنجيل المذكور اعتنق الإسلام. وفي ضوء ما تقدم نقول:
أ - إن الإنجيل الذي يؤمن به المسيحيون جميعاً كُتب في أول الأمر بواسطة بعض أتباع المسيح، باللغة اليونانية التي كان يتكلم بها معظم سكان فلسطين وقتئذ. فلا يمكن أن يكون كاتب الإنجيل المنسوب إلى برنابا واحداً من هؤلاء الأشخاص. لأنه لو كان الأمر كذلك لكتب أولاً باليونانية، وترجم منها إلى لغات أخرى، وانتشر تبعاً لذلك منذ القرون الأولى في البلاد التي تتحدث بهذه اللغات، ولكان يوجد منه الآن نسخ أثرية باللغة اليونانية، واقتباسات أيضاً منه في الكتب الدينية القديمة (كما هو حال الإنجيل المكتوب بواسطة متى ومرقس ولوقا ويوحنا، كما ذكرنا فيما سلف) إذ لا يعقل إطلاقاً أن يكون هذا الإنجيل وحده قد اختفى عن أنظار العالم في القرن الأول، ولم يظهر إلا في القرن 16 بلغتين غريبتين عن اللغة التي كانت منتشرة في فلسطين في القرن الأول للميلاد.
ب - إن قصة العثور على هذا الكتاب لا يمكن أن تكون حقيقية، للأسباب الآتية:
(1) إن مؤلفات إيريناوس لا تزال موجودة لغاية الآن، وكلها تتوافق مع الإنجيل الذي بين أيدينا، ومع رسائل بولس الرسول أيضاً
(2) إن برنابا الحقيقي (كما يتضح من الكتاب المقدس) كان قد باع ممتلكاته ووزع ثمنها على الفقراء إكراماً للمسيح الذي بذل نفسه كفارة على الصليب من أجله ومن أجل غيره من الناس (أعمال 4: 36 و37). ثم أتى بعد ذلك ببولس الرسول إلى تلاميذ المسيح وعرفهم به (أعمال 9: 27). كما سافر معه للمناداة بالإنجيل في دربة ولسترة وإيقونية وأنطاكية (أعمال 14: 20 و21) وأورشليم (غلاطية 2: 1) وتحمل معه آلاماً واضطهادات كثيرة بسبب هذه الخدمة (1كورنثوس 9: 6). وبعد ذلك نادى بالإنجيل مع مرقس البشير في قبرص وغيرها من البلاد (أعمال 15: 39). ومما يدل أيضاً على أن برنابا ظل متمسكاً إلى نهاية حياته بالحقائق المسيحية، وفي مقدمتها موت المسيح كفارة على الصليب، أن له رسالة يرجع تاريخها إلى حوالي سنة 100م جاء فيها إننا نحفظ اليوم الثامن (أو بالحري يوم الأحد، لأن السبت كان يدعى اليوم السابع) بفرح وابتهاج، لأنه اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات . كما أن بعض رجال الدين في شمال إيطاليا عملوا قداساً في القرن الخامس، وأطلقوا عليه قداس برنابا ، لأن برنابا هو الذي نادى بالإنجيل في بلادهم في أول الأمر. والقداس المذكور على نمطٍ خاص يُعرف عند المؤرخين بالطقس الميلاني.
(3) إن رؤية المدعو فرامارينو مصادفة للكتاب المنسوب إلى إيريناوس، ووقوع سبات عميق على البابا بناءً على صلاة فرامارينو، وعثوره بعد ذلك بالمصادفة أيضاً على الإنجيل المنسوب إلى برنابا، وسرقته إياه وهروبه دون أن يراه أحد كل هذه تصرفات أقرب إلى الروايات المصطنعة منها إلى الحقائق الواقعة. فليس من المعقول أن يكون البابا قد غطّ في النوم أثناء زيارة الراهب له. وليس من المعقول أن يسرق الراهب الكتاب، فقد كان يمكنه أن يستعيره، أو أن يقرأه على دفعات في مكتبة البابا. ولو فرضنا أن هذا الراهب كان لصاً، فكيف استجاب الله صلاته وأوقع على البابا سباتاً عميقاً ليتمكن للراهب المذكور من القيام بالسرقة المزعومة!!
وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن يكون أحد رسل المسيح الأولين قد كتب هذا الإنجيل . بل من المؤكد أن أحد المدَّعين كتبه في القرن السادس عشر، كما اتضح لنا مما سلف.
إنجيل برنابا - مضمونه وأقسامه
لقد خيل إلى بعض الناس أنّ (إنجيل برنابا) على توافق كامل مع القرآن وأن كلاً منهما يدعم الآخر.
لذا نرى من الضروري اختراق هذه المقولةضاربين في صلب الحقيقة، معرضين عن هوامش الأمور لنصل إلى الموضوع الرئيسي الذي يسعى المؤلف إلى طرحه وشرحه ودعمه.
وإنه ليلخص كله بالنقاط الخمس التالية:
1- إن القول بأن يسوع الناصري هو ابن الله اكفر.
2- وإن القول بأن يسوع الناصري هو المسيح كفر.
3- فيسوع ليس إلا نبيّاً،
4- أرسل ليمهّد لظهور المسيح الحقيقي،
5- الذي هو محمد.
هذا التأكيد يأتي مطلقاً خالياً من أي تلطيف أو تردّد. وهو غالباً ما يرد على لسان يسوع بالذات، في مناسبات كثيرة، تلميحاً وتصريحاً، سواء أمام التلاميذ أو أمام الرؤساء كثيرة، تلميحاً وتصريحاً سواء أمام التلاميذ أو أمام الرؤساء وجماهير الشعب، أو أمام هيئة المحكمة اليهودية العليا.
تلك هي القضية المطروحة في "إنجيل برنابا" وما من قضية رئيسية فيه غيرها.
ولقد اتبع الكاتب أسلوباً جعله يكيّف سيرة يسوع الناصري المعروفة، بحيث تأتي منسجمة مع القضية انسجاماً كاملاً، حتى لو كانت تتعارض تعارضاً جذرياً مع التاريخ اليهودي والتاريخ الروماني والتاريخ المسيحي. فما الذي فعله؟
اختلق أولاً شخصية جديدة ليسوع اختلافاً كلياً، اسماه "برنابا"، وبوأه المرتبة الأولى بين الرسل، وحمّله هو وحده مسؤولية كتابة سيرة يسوع وتعاليمه.
ومن ثم كتب إنجيلاً جديداً ليسوع جديد بشهادة شاهد جديد.
وقد قسم كتابه إلى 222 فصلاً، تحتل الفصول 91 – 98 مكان القلب منه. ومهّد له بمقدمة تتفق في موضوعها الرئيسي مع الخاتمة، وقد جاء فيها قوله:
"برنابا، رسول يسوع الناصري المسمى المسيح، يتمنى لجميع سكان الأرض، سلاماً وعزاءً. أيها الأعزاء، إن الله العظيم والعجيب قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة، بواسطة نبيّه يسوع المسيح، برحمة عظيمة، للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشرين بتعليم شديد الكفر وداعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر به الله دائماً مجوّزين كل لحم نجس، الذين ضل في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع، لكي تخلصوا ولا يضلكم الشيطان فتهلكوا في دينونة الله. وعليه فاحذروا كل أحد يبشركم بتعليم جديد مضاد لما اكتبه لتخلصوا خلاصاً أبدياً. ولكن الله العظيم معكم، وليحرسكم من الشيطان ومن كل شر. آمين".
أما سيرة يسوع فقد قسمها إلى قسمين يشمل الأول منهما عشرة فصول تروي بتفصيل وإسهاب مولد يسوع وحداثته، فيما يشمل الثاني حياة يسوع العلنية منذ أخذ يبشر حتى يوم رفع إلى السماء. وقد وزّع فصول القسم الثاني على الشكل التالي:
1- يسوع يبدأ الكرازة ويجترح المعجزات (فصول 10 – 46).
2- جنود روما يعبدون يسوع إلهاً، فتنشب في ذاته أزمة نفسية خانقة، يتبرأ على أثرها من اعتبار الناس إياه إلهاً أولاً، ومسيحاً ثانياً، ويتنبأ بمجيء المسيح المنتظر: محمد (فصول 47 – 98).
3- يسوع يعود إلى التبشير، فيشغف به الشعب ويقرّر تنصيبه ملكاً، فيهرب يسوع إلى دمشق ومنها ينطلق إلى صور (فصول 99 – 126).
4- يواصل يسوع تثقيف تلاميذه، ويعلمهم جميع ما يختص بالتوبة والصوم والصلاة والفضائل ويحملهم رسالته إلى الناس (فصول 127 – 153).
5- يسوع يلتقي جنود روما في الهيكل ويعلمهم ما يختص بالخطيئة والحرية والشر والقضاء والقدر (فصول 153 – 191).
6- يسرد "برنابا" أيام يسوع الأخيرة على الأرض و"موته" وارتفاعه إلى السماء (فصول 192 – 222).
أما الخاتمة فقد جاء فيها قوله:
"والتفت يسوع إلى الذي يكتب وقال:
"يا برنابا عليك أن تكتب إنجيلي حتماً وما حدث في شأني مدة وجودي في العالم. واكتب أيضاً ما حل بيهوذا ليزول انخداع المؤمنين ويصدق كل أحد الحق".
".. وبعد أن انطلق يسوع تفرقت التلاميذ في أنحاء إسرائيل والعالم المختلفة. أما الحق المكروه من الشيطان فقد اضطهده الباطل كما هي الحال دائماً. فإن فريقاً من الأشرار المدعين أنهم تلاميذ، بشروا بأن يسوع مات ولم يقم، وآخرون بشروا بأنه مات بالحقيقة ثم قام، وآخرون بشروا ولا يزالون يبشرون بأن يسوع هو ابن الله وقد خدع في عدادهم بولس.
أما نحن فإنما نبشر بما كتب الذين يخافون الله ليخلصوا في اليوم الأخير لدينونة الله. آمين".