-
PDA

عرض كامل الموضوع : المنسي


Godfather
03/02/2006, 18:49
اقتحم المديرية العامة, و دخل غير آبه بالبواب و تنبيهاته, جرى البواب خلفه و أوقفه و قال له :"الى اين تظن نفسك ذاهبا""؟ الم امنعك من الدخول قبل العاشرة و النصف ؟!" . فأجاب:"إنها الثامنة و النصف, وقد بدأ الدوام منذ نصف ساعة, ولدي معاملة يجب أن انجزها".

قال البواب:" أعلم, و لكن المراجعات لا تبدأ قبل العاشرة و النصف".

أجابه بثقة:" على ما يبدو أنك لا تعرف من أنا و من أكون .. هيا .. هيا .. ابتعد عن طريقي و دعني أنهي معاملتي".



فاجأت هذه النبرة الحازمة البواب , فخاف أن يكون شخصا" ذا نفوذ, فقال:" معذرة سيدي .. لم أعرفك أول الأمر , تفضل .. تفضل بالدخول"

دخل إلى الديوان, ألقى التحية على الموظفة التي كانت تعد أطباقا" للإفطار, ووضع المعاملة أمامها, لكنها رفضت التوقيع عليها قبل ان تنهي طعام الإفطار مع رفاقها في القسم ...

فقال لها:" إذن فأنت ترفضين التوقيع على المعاملة, و على ما يبدو أنك لم تلاحظي بعد من أكون, و بأية صفة انا هنا .. على العموم بسيطة".


ذعرت الموظفة إثر هذه اللهجة المهددة, و خافت أن يكون أحد المفتشين, فقالت له:" عفوا" يا سيدي.. الآن فقط عرفتك.. اعذرني.. ها هي معاملتك جاهزة". ثم وقعتها و سجلتها.. فقال لها:" يبدو انك تذكرت الآن لماذا تعملين هنا!". فقالت:" طبعا" يا سيدي.. أنا هنا من أجل خدمتكم و خدمة كل المواطنين".


اتجه الى مكتب الشؤون الإدارية في الطابق الرابع.. دخل الى رئيس القسم الذي كان منهمكا" في تصفح الجريدة, و ألقى التحية و قال:"تحتاج هذه المعاملة إلى توقيعك الكريم". فقال له:" كما تراني الآن, فأنا مشغول, عد بعد ساعتين.. أو عد غداً ".

قال:" لن أخرج من هنا قبل ان توقعها لي.. لأنه على ما يبدو. أنك لم تميز من أكون.. و ما هي مكانتي في هذا المكان, و هذا أمر خطير جدا أن لا تذكر من أكون".


فوجىء رئيس القسم بهذه اللهجة الجريئة, و فكر قليلاً ثم أمسك بالمعاملة و وقعها وقال:" العفو يا مولانا العفو.. العتب على النظر.. سامحني أرجوك". قال له:" إذاً فقد تذكرتني, و تذكرت أيضا" لماذا أنت هنا ؟!". قال رئيس القسم:" وهل يخفى القمر يا سيدي!!... و أؤكد لك أنني هنا لخدمتك و خدمة المواطن و المصلحة العامة".


ثم ذهب إلى مكتب معاون المدير, الذي طلب منه أن يترك المعاملة حتى الأسبوع القادم من أجل التدقيق, فقال له:" إنها مجرد معاملة روتينية, و قد دققتها أكثر من جهة و وزارة, و تدقيقها لا يستغرق أكثر من قراءة البند الوحيد الوارد بها, فارجوك .. أسرع لي بها".


فقال المعاون:" اتركها و لا تدخل بما لا يعنيك.. أنا أعرف عملي تماماً و أعرف ما يتوجب علي فعله".

فقال له بقوة و جزم:" يبدو أنك لم تعرفني, ولم تعرف مع من تتعامل يا أستاذ, على الرغم من أنك قد وُظـِّفتَ هنا من أجلي و من أجل أمثالي.. إلا أنك قد نسيت, أو أنك تتناسى".

ذهل المعاون من طريقة الرجل بالكلام, فتصور أن هذا الرجل مدعوم جدا" حتى يتكلم بمثل هذه القوة, فوقّع على الورقة قوراً و قال:" عفواً يا سيدي, اعتقدتك شخصا" آخر.. أقسم لك.. أرجوك اعذرني, ها هي المعاملة قد انتهت".


قال له:" لا أريدك أن تنسى بعد الآن لماذا أنت هنا .. مفهوم ؟!".

أجابه المعاون:" طبعاً يا أستاذ.. أنا هنا من أجل مصلحة المواطن و الوطن".

Godfather
03/02/2006, 18:53
و أخيرا", أخذ المعاملة إلى مكتب المدير العام, و عندما حاول الدخول, استوقفته السكرتيرة و لم تسمح له بالدخول, و قالت له ان المدير لا يوقع المعملات مباشرة إنما عبر البريد اليومي, و أن البريد لا يُوقـَّع قبل الساعة الواحدة و النصف ظهرا" و ما تزال الساعة الآن العاشرة, فطلب مقابلته, فرفضت إدخاله دون صفة رسميةأو موعد مسبق, فقال لها:" أنا أحق شخص بالدخول إليه, ويبدو أنك لم تلحظي من أكون, أو أن ذاكرتك قد خانتك في معرفة هويتي و تذكر أن مهمتك هنا هي إدخالي إليه".

خشيت السكرتيرة من أن يكون هذا الشخص أحد معارف أو أقرباء المدير العام, بسبب هذه اللهجة الواثقة التي يتحدث بها, فسمحت له بالدخول و قالت:" آه.. تذكرتك.. أنا آسفة جداً يا أستاذ, سامحني.. أنت تعلم ضغط العمل و الناس الكثر الذين يأتون يوميا" إلى هنا, تفضل بالدخول:.

دخل إل مكتب المدير العام, فوجده مشغولا" بالحديث على الهاتف, حياه بإحترام ووضع المعاملة على اطاولة و قال له:" لآ ينقصنا يا سيدي المدير إلا توقيع حضرتكم و الختم". فقال المدير بجفاء منزعجاً:" و لماذا لم ترسله بالبريد, أنا لا أوقع إلا عبر البريد.. و ليس قبل الواحدة و النصف.. هيا اخرج من هنا و أرسلها مع السكرتيرة عبر البريد, و لا تعطلني أكثر".

قال له بلهجة قوية و حازمة:" يبدو أنك أيضا" يا حضرة المدير لم تعرف من أكون.. و يبدو أن أزمة النسيان هذه قد أصابتك أنت أيضا" كما أصابت بقية الموظفين في هذه المديرية.. انظر غلي.. ألم تحزر من أنا و من أكون"

قال الدير بشك و حذر:"لا.. و من تكون؟".

قال:" أنا الشخص الذي يجب أنو توقع له معاملاته.. و الذي يتوجب عليك و على أفراد مديريتك تسيير و تيسير اموره التي تعيقها بيروقراطية القلم و الختم.. أنا الشخص الذي من أجله احدثت هذه المؤسسة و من أجلي أيضا" وظفوك هنا.. و أنت المكلف بتسيير أعمالي.. ألم تعرفني بعد.. كم مضى عليك و أنت تشغل هذا المنصب؟"

خاف المدير و ترك السماعة و قال:"اثنا عشر عاماً "
قال له:" اثنا عشر عاماً و لم تستطع أن تحفظ شكلي بعد و تعرف من أكون ؟؟"

خاف المدير من هذا الكلام (الكبير) و تلك اللهجة القاسية التي لا تنم إلا عن أن المتحدث هو انسان مهم و ذو شأن.. فأمسك المعاملة بيد مرتجفة و وقعها ثم ختمها و قال له:" أهلاً و سهلاً بك يا سيدي.ز أهلاً و سهلاً.. اعذرني يا مولاي فانا لم انتبه.. اعذرني.. من لا يعرفك يجهلك.. ربما نسيت.. و جلّ من لا ينسى.. تفضل.. لقد انتهت معاملتك على الوجه الأكمل.. أنا دوماً في خدمة المواطن و البلد".

Godfather
03/02/2006, 18:54
قال شكرا" و إلى اللقاء". و استدار ليذهب, فاستوقفه المدير لحظات و سأله بشيء من الفضول و الحذر:" و لكن يا مولانا.. لم اعرف بالضبط.. من أنتم, أو من طرف من حضرتكم؟؟"

قال له:" أنا من طرف من وظفك و جعلك مديراً هنا".

فقال الدير:"أتقصد أنكم من طرف السيد (أبو فلان باشا)"

قال:"لا.. بل أعلى بكثير.. أنا من طرف السلطة العليا".

تصبب المدير عرقا", و قال بخوف و وجل:" العفو و المعذرة يا سيدي.. و لكن أفراد السلطة العليا كثيرون, فمن طرف من منهم بالتحديد".

قال:" أنا من طرف أعلى سلطة ... سلطة الدستور".


ابتلع المدير ريقه بصعوبة بالغة, و قال:" يا ألف اهلا و سهلا بكم.. شرفتم مديريتنا, انا و جميع الموظفين تحت أمركم و من أجلكم و من أجل جميع المواطنين الشرفاء. مولاي العزيز.. تفضل بالجلوس, و اسمح لي أن أدعوك و أدعو نفسي لنيل شرف تناول القهوة أو الشاي مع حضرة جنابكم, أم ربما.. تفضلون بعضا" من الوسكي الفاخر, تفضل و اجلس, و اسمح لي بالتعرف على شخصكم و اسمكم الكريم.. انت تعلم.. الناس لبعضها, و قد تجمعنا الأيام مجددا" في مناسبات أخرى ..".


قال:" الحق معك جميعا" لأنكم لم تعرفوني.. لقد نسيتم من أكون و من أنا منذ زمان طويل.. و صرتم تعاملونني كالأجير أو المتسول أو المحتاج, و صرت بالنسبة اليكم مجرد وسيلة للحصول على الأموال.. و دميةً تمارسون من خلالها لعبة السيطرة و التحك, لتشبعوا غروركم و رغباتكم في التسلط و السلطنة على من لا حول لهم ولا قوة من العباد, حتى تشعروا فقط أنكم كبار و أنكم مهمون, و أنكم أصحاب نفوذ و اصحاب قرار, و في أيديكم مصير الناس.. لقد نسيتموني, و نسيتم لماذا أنا هنا و لماذا أنتم هنا... و لكن لا بأس.. هل تريدني أن أخبرك من أكون... سأقول لك من أكون.... "


و بحركة واحدة قفز على طاولة المكتب, و صاح بالمدير الذي تسمّر في مكانه مصعوقا" مما يحصل:" أنا هو الذي بنى هذا البلد حجرةً حجرة... أنا هو الأساس. أنا البداية و النهاية.. أنا هو الإنسان العادي الذي لا حول له و لا سند إلا الله و الدستور, أنا الشخص الذي ادعيتم جميعكم أنكم هنا في خدمته, و من أجله.. أنا المسمّى على اسم الوطن .......

ألم تعرفني بعد... و لَــــك أنا الـمــــــــــــواطــــن".


الكاتب :س.غ
البحث عن النجوم

ريمي جواد
03/02/2006, 22:09
مرسي على الموضوع كثير حلو وبتمنى المزيد منك

رانيا
04/02/2006, 18:47
جميل جدا ...لا أعلم لماذا ذكرني بكتابات محمد الماغوط ...مع تحياتي

Daiski
04/02/2006, 18:58
الفكرة و الاسلوب غاية في الجمال ;-)
جزاك الله خيراً :سوريا:

طفوله
26/02/2008, 20:29
هلئ عزبت حالي وئريت



والجماعه وقعو بالمديريه



مشان المواطن