-
PDA

عرض كامل الموضوع : الإيمان


شكو زولو
14/11/2004, 16:25
"بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه إذ إن الذي يأتي إلى الله يجب أن يؤمن بوجوده"

(عب 16:11)

يقول الرب يسوع: " الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها يعملها، ويعمل أعظم منها. " (يو 14: 12). ودستور الإيمان الذي أقرته الكنيسة في مجامعها المسكونية يبدأ بكلمة أؤمن بإله واحد ... وليس نؤمن، ليظهر للشعب المسيحي قيمة الالتزام الشخصي لكل عضو في الكنيسة. لذا فالسؤال المطروح: ما هو الإيمان بالنسبة لنا نحن المسيحيين ؟

الإيمان ليس تصديقاً لأفكار أو اعتناقاً لمبادئ، وليس شعورأ أو إحساساً أو عاطفة. الإيمان بالأهم من ذلك ليس كبتاً للشكوك في المواضيع التي لا يقبلها العقل المادي بسهولة. الإيمان هو ارتباط صميمي بشخص حي هو الله. إنه إدراك حي كياني لوجود الله. أن نؤمن بالله يعني أن نأمن له، أن نثق به، أن نجعل منه معتمدنا ونسلم إليه أنفسنا مطمئنين إليه أعمق اطمئنان " فلنودع ذواتنا وبعضنا بعضاً وكل حياتنا المسيح الإله ". أي أن الإيمان لا يكتمل إلا بالحياة، إذ لا يعتبر مؤمناً ذاك الذي يعرف بوجود الله ولكن يتصرف كأن الله غير موجود. كثيراً ما نسمع عبارة " أنا مؤمن، ولكني لا أحب الذهاب إلى الكنيسة". المؤمن ليس ذاك الذي ينادي بفكرة الله، إنما هو الذي يقبل الله إلهاً له، أي محوراً لكيانه كله وموجهاً لحياته. يقول القديس افرام السوري: " أيها الرب وسيد حياتي. " الإيمان حركة القلب إلى الله، والقلب يترجم نفسه كلمات وحركات ونبضات.

وكلمة إيمان تستخدم أرثوذكسياً في معنيين: الأول موضوعي محض يخص حقائق الإيمان النظرية، يحتاج إلى فكر وعقل ودراسة. أما الثاني فشخصي محض، يخص قدرة القلب على الانفعال المباشر لله شخصياً، ويحتاج إلى حب وطاعة ودالة شخصية، كما ذكرنا سابقاً أن نجعل من الله سيداً لحياتنا ونثق به.

وإذا كان الله موضوع الإيمان يفوق كل فكر وتصور، فهذا يعنى أنه لا يمكنني أن أكتشفه من تلقاء ذاتي. لكن الله يحبني لذا أراد أن يكشف لي ذاته، وقوله في إنجيل يوحنا يؤيد ذلك: "أنا أحبه وأظهر له ذاتي. " (يو 14: ا 2). ذلك أن المحبة تدفع المحب أن يكشف ذاته لمحبوبه. وعندما يعلن العقل البشري التسليم الكامل لكل حقائق الله، ففي هذه الطاعة المحبوبة يتقدم الروح القدس ويكشف للعقل البشري كل ما يتعلق بهذه الحقائق الإيمانية: " الروح القدس يعلمكم كل شيء" (يو 14: 26). " طوبى لك يا سمعان بن يونا لأن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات. " (مت 16: 17). والذي يدعونا أن نخضع ونسلم للحقائق الإيمانية أنها أمور أوحي بها من الله، فلا المنطق ولا الفلسفة ولا التحليل الطبيعي، ولا شيء مما تدركه الحواس يستطيع أن يجعلنا ندرك هذه الأشياء لأنها ليست من العالم. فالإيمان إذاً يختلف عن المعرفة العقلية البحتة لأن الله لا يحويه عقل، وهذا أمر طبيعي إذا تذكرنا أن الله هو الكائن اللامحدود، فكيف لعقل المحدود أن يدركه ؟ كيف لكوب فارغ أن يسع مياه البحر؟. ثم كيف للعقل أن يحوي الله ويمتلكه طالما الله هو مصدر العقل نفسه وقاعدته وأساسه؟. وكما أن العين عاجزة عن النظر إلى الشمس لأن نور الشمس يبهرها، هكذا العقل عاجز عن إدراك الله. ولكن كما أن العين لا نستطيع أن تحدق إلى قرص الشمس بل تشاهد انعكاساتها على الكائنات، هكذا العقل أيضا لا يدرك الله، إنما يستطيع أن يهتدي إليه انطلاقاً من آثاره في الكون./ هنا انظر الملحق/.

للإيمان ثلاثة أعداء أولها هو استناد العقل على المعرفة الطبيعية، فالمعروف في الطبيعة أن الإنسان لا يستطيع السير على المياه، ولا نقل الجبال أو انتهار الرياح والأمواج. الإيمان لا يقيم للطبيعة وقوانينها وزناً. " قال يسوع ارفعوا الحجر، قالت له مرثا يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام، قال لها يسوع ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله. ". (يو 11: 39 و. 4). وثاني الأعداء هو الخوف وهو مظهر هن مظاهر حب الذات، فيقف ضد الإيمان ويضعفه ويحرم الإنسان من ثمراته. والمؤمن الحقيقي هو الذي سلم نفسه وجسده لله ولا يخشى شيئا قط مؤمنا بقول سيده: " لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها" و " من آمن بي وإن مات فسيحيا.". وأخطر الأعداء ثالثها ألا وهو الشك أي عدم تصديق وعود الله. والشك هو الذي يولد الخوف إذ هو ابتداء ضعف الثقة والخوف هو الابتعاد التام عن الله.

إيماننا هو أول شروط خلاصنا إذ يقول السيد " من آمن واعتمد يخلص ومن لم يؤمن يدان ". لذلك هذا الإيمان يتطلب تنقية القلب. بالتطهر الدائم المستمر العميق نصبح إلهيين، بالتوبة المتواصلة يصير لله صدى في النفس. ليس الإيمان إذاً إلا أن نحول أنفسنا باستمرار ونتوب حتى نكون قادرين على استيعاب الله. الإيمان هو أن يصبح المرء إنسانا جديداً. " الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه أبى وأنا أحبه وأظهر له ذاتي. "

إعداد الأخ فادي مسيكة

المراجع: مدخل إلى العقيدة المسيحية





الملحق :
مناجاة
وجدث هذه القطعة الشعرية في إحدى ساحات قتال الحرب الأخيرة على جثة أحد الجنود، وقد كتبها في ليلة معركة لقي فيها حتفه، وكانت موقعة بهذه الأحرفpvt.J.J.v:

اسمع يا إلهي إنني لم أكلمك قط قبل الآن

لكنني اليوم أريد أن أقول لك كيف حالك

لقد قيل لي أنك غير موجود، وأنا عندئذ كأبله صدقت ذلك

في الليلة الماضية من حفرة القنبلة التي كنت فيها كنت أرى سماءك

لذلك تحققت جيدا أنهم كذبوا على
لو كلفت نفسي أن أرى كل ما صنعت

لكنت فهمت أنه لا يمكن أن ينكر وجودك

أتساءل إن كنت تقبل أن تصافحني، عل كل أشعر أنك ستفهمني

إنه لمؤسف أن أكون قد أتيت إلى هذا المكان الجهنمي

قبل أن يتيسر لي الوقت الكافي لأعرف وجهك

لعمري أفكر أنه لم يبق لي شيء كثير أقوله

لكنني سعيد لأنني صادفتك هذا المساء يا إلهي

أعتقد أن الساعة ستأتي قريباً
لكنى لا أخشى منذ شعرت أنك قريب بهذا المقدار

هاهي الإشارة يجب أن أذهب يا إلهي

إنني أحبك كثيراً وأريد أن تعرف ذلك

انظر سوف تحدث معركة هائلة، ومن يدري يمكن أن آتي إليك هذه الليلة

رغم أن علاقتي السابقة معك لم تكن حسنة

أتساءل إن كنت ستنتظرني على عتبة بابك

انظر إنني أبكى! غريب أن اذرف أنا دموعا!

آه ليتني تعرفت إليك قبل الآن بكثير

آه يجب أن اذهب الآن: الوداع...

أمر غريب! منذ أن تعرفت إليك لم أعد أخاف الموت