-
PDA

عرض كامل الموضوع : ميشيل فوكو فيلسوف القوة


رومانوس
13/10/2005, 20:52
ميشيل فوكو

يعد الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو واحدا من اكبر الفلاسفة حضورا وإبداعا وشهرة في الفلسفة الغربية الحديثة ، حيث تأثر كثيرا بكتابات كل من الفلاسفة نيتشه وهيدجر وليفي شتراوس في صياغة فلسفته ورؤيته الفكرية القائمة على تجاوز الخطاب الإنساني أو النزعه الإنسانية من خلال العمل على تقويضها ، إذ يرى ميشيل فوكو أن النزعة الإنسانية لم تخلق لدى الإنسان سوى الأوهام والأساطير معتبرا أن الإنسان ما هو إلا مجرد انعطاف في معرفتنا ،وهو اختراع حديث يعود إلى مئتي سنه ( الخطاب الفلسفي المعاصر /عبد الرزاق الدواي /دار الطليعة بيروت 1992 /ص 128) وهي هنا أي فلسفة ميشيل فوكو تقف بالتضاد المباشر مع الفلسفة الغربية القائمة على الحداثة والنزعة الإنسانية والفكر الجدلي التطوري الذي يأخذ بنظر الاعتبار التاريخ والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تطور المجتمعات البشرية ، ومن ثم ولادة الأجهزة المفاهيمية وجميع القيم التي تدخل في مجالات المعرفة البشرية ، حيث اعتمد فوكو على النزعة التحليلية المعاصرة التي سادت أوروبا في الخمسينات من القرن العشرين حيث النزعة العلمية والصارمة التي تملكها ، إذ اهتم كثيرا بنشأة العلوم وتاريخ الأفكار من حيث الانقطاعات والانفصالات وعن الثوابت التي تحكم حقل الإنتاج المعرفي والنقاش الدائر في عصر معين ( المصدر نفسه ص 133) ، وبذلك شكل فوكو نزعة جديدة ومغايرة عن سابقتها تلغي كل المفاهيم التي جاءت بها الحداثة والمتمثلة بالاهتمام بالذات والحقيقة والعلم والعقل والمعرفة والإرادة الإنسانية ، وهو بذلك يعلن موت ذلك الإنسان ،لم يعد هناك مجال آ خر للتحرر، حيث ينساق فوكو مع عبارة نيتشه " لكي يناضل المرء عليه أن يغطي عينيه بغشاوة من الأوهام " لم يعد هناك تفاعل بشري جديد من اجل خلق عالم افضل كل ذلك يعد وهما في نظر فوكو مستبدلا التاريخ البشري والأحداث البشرية والواقع الاجتماعي المعاش بالنسق أو المفهوم الذي من خلاله يتأسس القهر .هذا النسق يمثل في حد ذاته كما يقول " فكر قاهر وقسري ... بدون ذات ومغفل الهوية ، وهو موجود قبل أي وجود بشري وأي فكر بشري ، انه بنية نظرية كبرى " ( الخطاب الفلسفي المعاصر 132 ) وبذلك يكون قد ألغى فوكو النزعة الإنسانية برمتها حيث يخبرنا أن الذي يتكلم داخل النسق ليس هو الإنسان وليس هو الإله الذي أعلن نيتشه بدوره موته ، وهناك من يرى أن فيورباخ هو أول من أعلن ذلك من خلال اعتبار " أن الله ليس سوى بسط للإنسان "( جيل دولوز / المعرفة والسلطة مدخل لقراءة فوكو /ترجمة سالم يفوت / المركز الثقافي العربي / الطبعة الأولى / سنة 1987 ص 144 ) ، و يمثل فوكو مع مجموعة من الفلاسفة والمفكرين من جيله وهم جيل دولوز وكلود ليفي شتراوس وآرون وغيرهم النزعة القائمة على التعددية العلمية والتشظي والتبعثر وانه لا يوجد أسس واحدة يمكن الانطلاق منها ، ويشبه جيل دولوز هذه الفلسفة في كتابه " الجذمور " حيث يقول " إن نقطة الجذمور تستطيع أن تتشابك مع كل نقطة من شيء آخر وينبغي عليها أن تفعل ذلك " ويقول أيضا " ليس للتعددية ذات أو موضوع وانما هي فقط ارتفاع وابعاد ومشروطات " ( فرانسوا دوس / عالم فوكو ص 157 )

من المؤكد أن ميشيل فوكو لم يكن ميتافيزيقيا عندما أعلن وجود النسق قبل أي وجود بشري بل كان واقعا تحت سطوة النظرة العلمية البحتة والتي تؤمن بالبيولوجيا الحديثة حيث يشبه هذا النسق بالاكتشاف البيولوجي ، وان للجينات نظاما مرموزا يحدد بكيفية مسبقة ما يكون عليه الكائن البشري ( الخطاب الفلسفي المعاصر/ ص 133) وهنا ينتمي ميشيل فوكو إلى الدائرة المتقلبة للصدفة المطلقة والحدث الشاذ الفريد (فرانسوا دوس / عالم فوكو / مجلة المنار / العدد 2 سنة 1985 ص 156 ) إن إلغاء النزعة الإنسانية يعد تجريدا جديدا لفكر قائم على اللامبالاة تجاه الإنسان وما يحدث له ومن ثم جعل الاهتمام ينصب فقط على الشكل أو الرمز أو المفهوم لا غير ، وبذلك نقول أن هذا الخطاب وليد الاختناقات الأيديولوجية التي سادت أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين حيث جاءت كرد فعل تجاه الفلسفة الوجودية والتي تمثل النقيض منها تماما حيث تهتم الأولى بالكائن البشري وجودا وقلقا وحياة وتجليا إنسانيا داخل العالم الذي يعيش ، وبين الفلسفة البنيوية التي تستند على الإيمان بالنظرة العلمية البحته والتي يعرفها ميشيل فوكو على أنها " وعي المعرفة الحديثة المتيقظ والقلق " ومن ثم يكون تعاملها مع الإنسان منعزلا عن ذاته وأحلامه ومشاعره الخ ، حيث أوجدت مفاهيم جديدة لاتشكل الثبات بل الحركه الدائمة والصيرورة السريعة وبذلك لم يعد الإنسان ما هو إلا بريق أو طفاوة على السطح وهنا سطح النسق ذاته الذي يحمل بدوره جميع مراكز السلطة وتوزعها القسري .

إن ميشيل فوكو يحذف من فكره أي نزعة تطورية او تدريجية ومن ثم لا توجد هناك سوى انقطاعات وانفجارات تنبثق في أماكن معينة ، ولكنه يجهل كيفية حدوث هذه الانقطاعات والانفجارات التي تحدث التغيير في مناخات الوجود البشري ، حيث إن اختفاء الإنسان قاد بدوره إلى اختفاءات أخرى كالخطاب والمؤلف والذات المبدعه ، ومن ثم يريد فوكو من التاريخ أن يتشظى إلى جملة من التخصصات المبعثرة بحيث يصبح ذلك التاريخ غير مؤنسن ولاشكل له ( فرانسوا دوس / عالم فوكو ص 156 )

هل هناك انقطاعات أو قطائع نهائية يحدثها اثر معين أو ثورة معينة مع الماقبل ويشكل نهائية له ؟ أجد أن الثورات التي حدثت في تاريخ البشرية لم تحدث قطيعة نهائية مع القيم والثوابت الراسخة الجذور للمعرفة البشرية بل هي عملت على زحزحة عوامل انبثاقها وسوء الاستعمال الرمزي والسلطوي للمعرفة والأيديولوجيا والتصورات ...الخ

هل من الممكن أن تنطبق فكرة موت الإنسان على مجتمعاتنا العربية الإسلامية ؟ من المؤكد أنها مقولة غربية ومرتبطة بالتطور الصناعي والعلمي والتكنولوجي في الحضارة الغربية إضافة إلى تأثير الرأسمالية عليها ، كل ذلك جعل هذه المقولة اكثر صلاحية لدى هذه المجتمعات التي تعيش بشكلل مقنن للقيم والأفكار والسيطرة كما يرى ذلك هربرت ماركوز حيث يقول " إن الديمقراطية تدعم السيطرة بشكل أقوى من الحكم المطلق ، وهكذا تصير الحرية المداراة والكبت الغريزي مصدرين دائمي التجدد للإنتاجية "( الفكر العربي المعاصر / العدد 6/7 / د. بشارة صارجي / البنيوية... غياب الذات ؟ / ص 17 )

إن مجتمعاتنا ماتزال تحكمها بنى وانساق مختلفة جدا عن تلك التي توجد في المجتمعات المتقدمة حيث سيادة العشائري والطائفي والديني إلى حد كبير، ومن ثم إن الإنسان موجود كفرد وكسلطة اجتماعية داخل نسق العشيرة أو الطائفة أما الوجود الجمعي للأفراد فانه محكوم بقدرة الزعامات وجميع الذين يملكون كاريزما اجتماعية معينة ، ولكن إذا كانت الديمقراطية قد خلقت لدى المجتمعات الحديثة السيطرة كما يقول ماركوز ، فأن الحكم المطلق لدى مجتمعاتنا اشد سيطرة وخصوصا بعد التجربة التي عاشتها مجتمعاتنا متمثلة بالأحزاب الشمولية ودولة الحزب الواحد ، إذ يمثل أي الحكم المطلق رمزا للخناق المستمر والمعطل لأية إنتاجية معينة من شأ نها أن تضفي التطور والحراك الاجتماعي .

وهناك من يرى أن ميشيل فوكو عمل على تجريد الذات من أفكارها وابداعها وجميع عوامل الخلق والتأثير في المجتمع من اجل أن يطمس ذاته هو أو يلغي هويته الشخصية وما فيها من خصوصيات معينة لانه لا يريد لذاته التي كانت شاذة أن تنطبق على الذات المبدعة ومن ثم يحدث فصلا بين ذاته أو هويته وبين ذات الإبداع ، حيث عمد إلى نكران أي صيغة من صيغ الهوية الذاتية بل رفض حتى الذات كعامل وحدة ضروري لجميع أشكال الهوية ( مصطفى اعراب / فوكو : بعد الشذوذ الجنسي وتجربة الاختراق / مجلة فكر ونقد ) رغم ما يقال من انه قد أعاد للذات في أخريات حياته بعض من فاعليتها وأهميتها ، ولاننس أن فوكو قد أمضى وقتا طويلا وهو يدافع عن السجناء والعمال المهاجرين وجميع المهمشين والمنبوذين والعاطلين عن العمل ، وهو هنا يؤكد دور الذات في تأثيرها والتزامها الإنساني نحو القضايا التي تخص المجتمع البشري .

ميخوووووووو
28/10/2005, 15:44
thanks 4 this article