-
PDA

عرض كامل الموضوع : خريف فلسطيني


ايمان صبحي
23/03/2009, 20:46
خريف فلسطيني...
كنت امشي او ربما كانت الارض تزحف تحت اقدامي.. لست ادري .. تماما كما لم اعد افهم سر ساديتي التي تجعلني ارى الخريف شهادة عشق .. وفتنة جبروت !!.. لم لا وهو الذي يراود الشمس على حين غفلة.. يضبطها متلبسة في حالة عشق وقد كانت تحضن الارض بدفئها .. يرفض بعنفوان الوالد ان يرى ربيبة افقه عاشقة.. فيغضب.. وتنسحب الشمس أمام غضبه تلوذ بالافق.. وكأن العشق اكسير الشباب .. تفقد الارض خضرتها تحت وطأة غضب الخريف ..وهناك خلف السحب ترقد الشمس شاكية باكية .. تبكي السحب لشجونها .. حتى اذا ما استقبلت الشمس دموعها أينعت بأمل عاشق موسم زيتون.. لا زالت الشمس تذكرني ..!!
واتساءل من منا الاكثر قسوة..هذا الخريف الذي يسر برودته أن تبعث القشعريرة في جسدي هذا المساء.. أم ذلك الخريف في اعماقي الذي جعلني أسير ليلا .. هاربة..أنا التي كنت رهينة الكلمات في مساء كهذا تماما... لازلت اذكر ذلك المساء جيدا.. بشهية غريبة وفي ساعة ملبدة بالغيوم كهذه كنت اكتب.. لاكتشف بعد ساعة كم كنت ساديةفي حزني كما في كتابتي .. لقد تحول بياض الورق الى أسود افكاري..وتحولت مشاعر الشجن والغضب في أعماقي الى قصة .. نعم كتبت قصة ذاك المساء .. وبحماقة الكاتب كنت أشعر كمن يشهد ميلادا .. ولم أدر ساعتها اني كنت أكتب شهيدا .. شهيدة على سبيل الدقة .. بعنفوان الفلسطيني الغاضب ترجمت مشاعري لفتاة استشهادية .. ولم أعلم أن الكلمات.. وحدها الكلمات أجادت اللعبة وسخرت مني حتى النهاية .. استثارت الوطن في اعماقي انا العاشقة الى حد الفجيعة .. واعترضت طريقي بالأوراق .. جعلتني كالبلهاء اكتب سعيدة ظنا مني أني أرسم شعورا .. في وقت كنت فيه أقتل انسانا..!!
وكانت سعاد.. فتاة يناديها الخيال و المستقبل أن أقبلي .. تفرد الجامعة لها ذراعيها أن مزيدا من التفوق.. فتاة رسمها خيالي .. وبسادية ذات الخيال جعلتها بكلمة .. فقط كلمة .. ترفض كل المستقبل .. جعلتها صماء عن كل نداء عدا نداء الوطن الثائر في اعماقي.. وكأنني كنت اعاقبها على كونها بطلة افكاري! .. وبهدوء كنت أخط سخرية القدر مني وانا أحولها الى استشهادية بطلة_حسبما اعتقد-.. وببرود الكاتب سطرت حزن والدها .. رسمت دموع صديقتها دون أن آبه .. كل هذا وأنا أظن اني اكتب .. فقط أكتب .. ما كنت أدري أن الأقدار كانت تكتبني آن ذاك..!
وككل ليلة لذت بالسرير هربا من جريمة كنت اكتبها.. استيقظت ذاك الصباح .. كانت الشمس تلوح للأرض وداعها الأخير .. والخريف سيد المكان .. وانهال الخبر علي صاعقة.. أنا التي كانت تدري أن تحت كل رماد جمر يتقد .. لم أنتبه كم كان الهدوء ملتهبا هذا الصباح.. الانتفاضة تدخل شهرها العاشر... والتلفاز يعلن نبأ أول استشهادية في الانتفاضة..تزدحم شاشة التلفاز بالأخبار .. وتزدحم رأسي بأفكار تكاد تفقدني الوعي ..أندفع بخطوات لم أشعر بها .. أفتح درج مكتبي فيخرج عن صمته متشفيا.. وأرى بقايا القصة التي كتبت بالأمس تستلقي بهدوء ساخر .. ترمقني الكلمات فيها بسخرية كمن يعرف حقيقة الجرم الذي جعلتني ارتكب.. قتلت انسانا على ورق بالأمس لأستيقظ فأجده يموت حقيقة ..
الآن بعد ثلاثة أيام على الواقعة .. مشاعري المضطربة حملتني ساعة غروب لأشهد تحطيم الخريف لقصة دفء جميلة أعاقب فيها على صمتي بالبرودة .. أخيرا أعود للبيت .. قدم تؤخر واخرى تقودني الى غرفتي المظلمة..الا من شعاع فضي تجرأ وخرق قانون العتمة .. ربما جاء يواسيني .. أجدني أجلس .. أسند رأسي الى مكتبي ..لم أدر كم طالت غفوتي ..لكنني فجأة استيقظت كمن وجد مسكنا لألم المشاعر الرابض في أعماقي .. أنظر الى المرآة .. ارى عيني تلتمعان.. وأقرأ نظرة الخوف في أوراقي .. نعم أنا لم أقتل أحدا .. لقد سطرت شهادة.. ربما يوجد ألف استشهادية في هذا الوطن..وقصتي شهادة خلودهن جميعا .. بهدوء لم أعهده في نفسي .. وبصمت صاخب تندفع يداي للأوراق استعدادا لكتابة شهادة جديدة .. ارسم فيها بنزعتي السادية ذاتها استشهادية جديدة.. في قصة قد أكون فيها الشاهد والبطل معا ...!!!