-
PDA

عرض كامل الموضوع : لا صوت يعلو فوق صوت الجراح


عديد نصار
20/01/2009, 22:56
لو تأملت جيداً، لو أنك تعلمت لغة الأرض وشكل الماضي في "كان ليَ بيتٌ وأهل"، وبناء المستقبل في "سوف نقاتل"، وفعل الحاضر في "أصبح عندي بندقية"، ولو أنك قرأت عن حركات "النصب" الصهيونية ومسيرات "رفع" النعوش ودويّ دائرة "السكون" العربية، ولو أنك تعرف خديعة النائب عن الفاعل في الجملة وكيف تصبح الضحية المفعول بوطنها فاعلاً لفعل القتل في نشرات الأخبار، ولو أنك تعمّقت في قوة الجزم عند انفجار الرفض في الحناجر المحشوة بأخوات لا الناهية عن الخيانة ولام الأمر بالثأر لطفلةٍ سرقوا منها واو العطف في الجلال والجمال والسناء والبهاء.. بالانتقام لمن نشلوا من جواز سفره علامة الاستفهام عن وطنٍ.. هل يراه؟ سالماً منعماً وغانماً مكرما.. لو أنك فتحت يوماً جمجمة عربيٍ نسيته شرعة حقوق الانسان على قارعة المجزرة وتحت بورصة المجنزرة، كي تطّلع على حروف الجر إلى المقابر الجماعية والأسماء المجرورة التي تنوب عنها الأرقام، ولو أنك أطلقت عينيك للبحث عن الضمير المستتر في مطارات العالم الموبوءة بفكرة المستثنى عن لائحة الانتظار والباحث خلف كوفيته عن حرف نداءٍ يدعوه لركوب جناح نورسٍ يكون هو المبتدأ وتكون العودة إلى كرمه الخبر، لفهمت.

لكنك لم تفعل، ولن تفهم.

ولو أنك درست علم النبات وتعمقت في دراسة التحليل الزيتوني للوجود، لو أنك سجلت أسماء الورود التي تخرج من فوهات بنادق الفدائيين لعرفت كيف أن الرصاصة شكل آخر لوردة يقدمها العاشق لأنثى شيدوا فوق ضفائرها مستوطنةً جديدة، وكيف أن الحزام الناسف للخرافات صورة مستعارة لزهرة بنفسج حزينة سباها نبوخذ يوم النكبة إلى صحراء المخيم فصار لها الحق بأن تطلب أن تموت داخل مزهرية فيروز على شرفةٍ مطلةٍ على جذع شجرةٍ تحفظ للقدس هويتها، لفهمت، لو أنك حللت التربة التي زُرعت فيها أغنية الصاروخ لعلمت أن القذيفة تستحيل فيها إلى نخلةٍ خضراء تمحو عار اللغة العبرية وتثبت فكرة العروبة الفصحى، لو أنك سكبت في كوب المنفى الجماعي نكهة النعناع والزهورات التي وضعتها الجدة في حقيبة الوطن قبل سفره إلى معاد المزاد العلني وأوصته بالقراءة والكتابة والصلاة والبكاء، لأنشأتَ جمعيةً لحماية الأوطان من سماسرة التراب، لو أنك لم تحرق البيارات ثم اكتشفت كيف أن الليمون يحفظ لكوكب الأرض شكله الكروي ويجعله مجرد طابة تتقاذفها أقدام الأطفال الذين يصبحون ملائكة قبل النوم وآلهة بعد الموت، لأحببت شكل القنبلة اليدوية في كف مقاوم، لو أنك أحببت الأرض وما فيها من ثمار، لعرفت الفارق بين حقل الألغام وحقل الزيتون، لتفهمت أن ثمة ما يستحق أحياناً أن تحيا من أجله، أو تموت من أجله ان عزت الحياة.. لفهمت.

لكنك لم تفعل، ولن تفهم.

ولو أنك سمحت لأذنيك أن تغرق في عود زرياب واكتشفت مخارج الأحرف العربية المقاتلة في أوتاره المتفجرة غيظاً تحت الجدار الفاصل، وحاولت أن تتمدد على عتبة البزق وسألت أين سترحل هذه القبور إذا صودرت الأرض وصودرت العواطف، لو سلّمت دموعك لربابةٍ تنعي من سلمناهم لأنظمة الملح شعراءَ مقاتلين مواطنين فأعادتهم لنا الأنظمة في التوابيت، لعرفت الآثار السلبية للقمع على مواسم القمح في الشعر، ولو أنّك حملت غيتاراً في لحظة غضبٍ ولحّنت قصيدةً غاضبةً للوركا تستفيض في شتم الفاشيين، لأصبحت يسارياً، ولو أنّك درست التوازنات الموسيقية في وتريات مظفر البذيئة لقدّرت بذاءة المرحلة وبذاءة الصحافة، ولعرفت أن الوطن البديل هو وطن بليد في كراسات التلامذة الذاهبين إلى الموت كل صباح، لو أنك أحببت الموسيقى للبست كفنك وتزعمت جبهةً ثورية جديدة تخطف الطائرات وتبادلها بالحقول..

لكنك لم تفعل، ولن تفهم.

لو أنّك قبلت يد أمك مرة، لقبلت تراب الأرض مرات، ولو أنك انتسبت في طفولتك إلى صفوف الحليب والزيت أمام وكالات الغوث أو انتسبت إلى حملة شهادات الفقر في مخيمات الصفيح ونقابات الرسم على الحيطان، لعرفت قيمة القتال من أجل رغيفٍ نريده أن يأتينا من تنورٍ لم تحمله قافلة النزوح من غربة الموت إلى الموت في الغربة، يوم لم يقْبل جدنا أن يبع داره لشذاذ الآفاق فأعدموه رمياً بالخوف، لعرفت قيمة القتال من أجل وجبة سمكٍ يحملها موج يافا على كتفي موجةٍ تركض خلف الصياد وتقسم عليه أن يترك لها قدميه في خدها رمزاً للهوية النقية.. لو أنّك فقط.. لو أنّك أنتَ أنا، أو أنتَ شهيق مقاتلٍ أو زفيره، لو أنك خصلة طفلةٍ مكتوبةٍ كقصيدةٍ أو ضفيرة، لو أنك لكَ أنتَ وطناً ممنوعاً من الصرف.. لفهمت قضيتنا.. لتطرفت ولرفضت ولسميت نفسك شاعراً متفجراً غيظاً وثورة.
لو أنك فقط تسمع.. أيها العالم.. لو أن لك أذنين على شكل زنبقة : لسميت الأشياء باسمنا: مقاومة.
خضر سلامة