-
PDA

عرض كامل الموضوع : محمود درويش وحيفا


بنت الناصرة
01/05/2005, 22:31
احببت ان ابتدأ مشاركتي بتقديم الشكر لأخ عاشق على تخصيص موضوع لفلسطينيات.
لأنه وبما يبدو من إسمك انك من معجبي شاعرنا العظيم محمود درويش اردت ان اقدم لك وللمشاركين هذا المقالة الجميلة وفيها يروي الكاتب عن القاء المميز الذي كان له مع شاعرنا محمود درويش:

فيليب حبيب
الخميس 28/4/2005

جلس في آخـــــــر القاعة وحيداً يتأمل الحضور وكأنه ينتظر أحداً.

وأنا أبعد عنه بضع الامتار محاولاً تجميع الكلمات وقليل من الجرأه لاتكلم أليه....لا فائده.
لقد علمت عن مجيئه منذ بضع ساعات فقط. علمت بأنه هنا اليوم وسيقرأ بضعاً مما كتب. وجئت يأسرع ما أمكنني ثلاثه مائه كيلومترٍ.
وها أنا اقف الان بعيدا عنه بضع الامتار ولا أجرأ ان اذهب اليه وكلما فكرت في ذالك رجفت يداي وشعرت بالخوف! ما سأقول له وعن ماذا سنتحدث؟ ربما لن أستطع ان اتحكم بمشاعري فأنطلق اليه معانقاً اياه مما قد يسبب لي بعض الاحراج.
في الطريق الطويل الى هنا كنت أحاول ان أتذكر ما كتب عن بيروت, عن عكا, عن حيفا وعن القدس. هل هو هذا الواقف امامي أذاً من عاش تحت الحصار في بيروت؟ هل هذا هو من عاش غريبا في المنفى؟ هل هو هذا من رأى الموت والحياه تحت الحصار في بيروت وفجاه أتذكر كتابه "ذاكره للنسيان" فيه كان قد كتب:
" قمت قبل ساعتين. وضعت قطعتي قطن في أذني ونمت بعدها أستمعت الى نشره الاخبار الاخيره. لم تقل أني ميت. معنى ذالك أني حي. تفقدت أعضاء جسمي فوجدتها كامله: عشر اصابع فوق, عشر أصابع تحت. عينان أذنان أنف طويل وأصبع في الوسط وأما القلب فأنه لا يرى.."
حي هو فعلا وها هو يجلس أمامي كاملاً؟ هذا الانسان الذي وجدت بلدي الضائع
في قصائده ونثره. هذا الشاعر الذي حارب الماغنوم والطائرات الاسرائيليه بقلمه وهزمها . أنا بعيدا عنه بضع أمتار وهو وحيدا. شاباً, قوياً, نحيفاً ووسيماً. اجمل بكثير من الصور التي نراها على مغلافات الكتب.
وأنا لا أجرأ ان أحدثه عن شيء يربطنا. كمدينه مثلاً أو ربما طرق تربطنا في "جديده"
أو ربما في "البروه"
. وها انا الان اقف امامه ولا أصدق ما ارى. لقد اعتقدت انه سياتي مع حراسه خاصه وسيصعب علي حتى انا اراه من قريب لكنه يقف الان امامي وأنا لا أجرئ ان أقول له ها أنا من "جديده" وأعرف أخاك وسمعت عن أمك..لقد زرت البروه وأعرف حيفا جيداً, انا أحب حيفا كما أنت تفعل. وكنت في القدس أيضاً....يأخذني شعور غريب بالنخوه والقرابه الى أبن البلد وخصوصا أن أخاه كان مدرسي في الثانويه مع أني كنت سيئاً ولم أحضر واجباتي المدرسيه كاملاً ولم أتقن الاعراب. فأسحب بنفسي بجرأه غريبه الى كرسي بجانبه وأتحدث اليه وكأني أعرفه منذ 1948........


- (خائفاً) مرحبا استاذ محمود! هل تسمح لي لأن اضايقك خمس دقائق؟
- (مبتسماً) خمس دقائق فقط؟
-
(مرتبكاً) دقيقتان!
-
( متمعناً) أجلس أذا ولا تمنع الضوء عن عيني.
-
( بجرأه) اسمي فيليب حبيب من قريه "جديده"
- (مستغرباً)
فيليب حبيب المبعوث الامريكي الى لبنان في 79؟
- لا لا اسمي ليس اكثر منا فكره متفائله من أبي الذي يحلم مثلنا جميعا بالسلام.
-
من أباك أذاً...
- انا أبن ........ نحن نسكن وسط البلد, جدي كان يبيع النحاس! وكان.... "محاولاً أن اشرح له اكثر"
- (مقاطعاً) "جديده" اليوم غير "جديده" أنذاك! هل تعرف؟
- (بلهفه وبسرعه)
أعرف أعرف
- لقد ساد في تلك الايام حكما عسكرياً وفي تلك الايام ( مبتسما) أي قبل ان تولد انت كنت أسكن في حيفا وكنت احتاج كل مره الى تصريح.....
- (مقاطعاً بجرأه وقحه)
أعلم أعلم لقد قرأت كتابك "يوميات الحزن العادي" وأعرف حيفاك جيداً.
- "بتعجب" هل فعلت ذالك؟ وههل تعرف حيفاي فعلاً؟
- طبعاً
أعرفها الان وأعرفها
قبل ثلاثين عاماً أي قبل ولادتي!
- ( بلهفه طفل) وهل حيفا الان أجمل من حيفا أنذاك؟
- لا لا بالطبع لا.
- (مبتسما يكاد ان يضحك)
لماذا أذاً؟
- لا أعرف لقد أعجبتني من خلال كتاباتك أكثر.
- جميل. وهل تقرأ في الالمانيه ام في العربيه أذاً؟
- في العربيه طبعاً. وفي الالمانيه بعض الاحيان.
- حدثني أذا عن الترجمه. عن الكتاب الاخير!


في غضون ذالك بدا الناس بالدخول الى القاعه اتيين اليه مانحين انفسهم شرف معرفته والكلام اليه. وأنا جالسا الى جانبه بعد ذالك واقفاً يسلمُ عليَ الناس معتقدين أني ربما مرافق,ا قريبا أو صديقا له مما منحني شرفا عظيما. بعد ذالك نجحت بالحصول على امضى له.شِاكرا على محادثته الرائعه اليَ والتى لن انساها طوال عمري. مبتسما وقع لي على الكتاب قائلاً : "الشرف كله لي فيليب" مكملاً محادثاته الى الحضور ناظراً الي
وأليهم بتواضع غير أعتيادي لشاعر احدث ثوراتٍ في اللغه وفي ألتاريخ.... كأنه يقول:
" لملذ تمنحوني كل هذا الشرف لماذا ؟ "


لقد كانت هذه الرحله وكما ذكرت.... مغامره لن انساها طوال عمري. لقد وجدت في أخينا ابينا ورفيقنا محمود درويش الانسان الذي كتب كل شيء قرئناه وكل شيء شعرنا به. ليس من الصعب ان تعرفوا انه هو من كتب
تلك القصائد الحزينه عن آلامه وعن آلامنا. ليس من الصعب ان تجدوا الحزن والحيره في صمته.


عندما تمعنت في عينيه الصامتتان وجدته طفلاً بين يدي أمه تحت زيتونه في البروه...تغني له أغنيه لينام.
تمعنت اكثر ووجدته صغيراً حزينا في مخيم للاجئين في لبنان.
تمعنت أكثر ووجدته شاباً نحيفا جميلاً في حيفا...... يسرق الخطيئه من عيون الفتيات.
تمعنت أكثر وجدته رجلاً يكتب للثوره ويحارب العدو بالكلمات .
.تمعنت فرأيته جالسا في قهوه باريسيه يشرب القهوه ببطء وبلهفه سريعتان.
تمعنت أكثر ووجدته جالساً امامي..... يلبس بدله سوداء زقميص أبيض
ويحدثي عن نفسي وعن نفسه....
عندما تمعنت فيه جيدا.........ً
رأيت فيه شموخ الجرمق وجنون بحر حيفا
رأيت فيه ثوره غزه وصمود حجاره القدس.
رأيت فيه سور عكا...وصليب المسيح .....
رايت زيتون جدي وشعرت بدموع جدتي الحاره تسقط على وجنتيَ

أحبائي ورفاقي....
لقد وجدت في ومن خلال الدقائق المعدوده التي جلستها مع محمود درويش. الانسان, المناضل, والشاب المنفي الواقع تحت الحصار يوما وجالسا في السجن يوما أخر. رأيت فلسطين في هيئه رجل يمنح لهذه الارض معانٍ مقدسه.
والان أجلس على مكتبتي في البيت وكتبه مبعثره امامي اراه ثانيه في كل كلمه وكل حرف أقرأه! لقد منحني لقائه شرفا عظيما وسعاده لا استطيع وصفها والسبب يا رفاقي ... ان محمود درويش يمثل فعلاً الصوره الحقيقيه وصدقوني... لكل حرف ولكل كلمه كان قد كتب وكنا قد قرئنا.

سامحوا لهفتي الصبيانبه في الكتابه وسرد القصه والسلام


(منقول)