-
PDA

عرض كامل الموضوع : دوستوفسكي مفكراً


sweetbaby
10/08/2005, 00:30
تأليف: جيمس ب. سكانلان


الناشر: مطبوعات جامعة كورنيل


ايتهاكا ولندن 2002


الصفحات: 251 صفحة من القطع الكبير


مؤلف هذا الكتاب هو البروفيسور جيمس ب. سكانلان، استاذ الفلسفة في جامعة «اوهايو» بالولايات المتحدة الأميركية وقد نشر سابقاً عدة كتب مهمة نذكر من بينها: «الماركسية في الاتحاد السوفييتي. إلقاء نظرة نقدية شاملة على الفكر السوفييتي المعاصر». وفي هذا الكتاب الجديد لا يتحدث المؤلف عن دوستوفسكي كروائي وانما كفيلسوف، من المعلوم ان صاحب «الجريمة والعقاب» و«الاخوة كرامازوف» كان كاتباً عميقاً جداً، وذا نظرات فلسفية وقد عبر عن ذلك من خلال رواياته، ومن خلال كتاباته الصحفية او النظرية في آن معاً بالطبع فإن البعض يرفضون ان يطلقوا على دوستوفسكي صفة الفيلسوف ولكن للمؤلف وجهة نظر مختلفة فهو يأخذ دوستوفسكي على محمل الجد كفيلسوف وان بطريقته الخاصة.





في السنوات القليلة الماضية ظهرت عدة كتب مهمة عن دوستوفسكي نذكر من بينها تلك السيرة الضخمة التي خصصها له الباحث الأميركي جوزيف فرانك تحت عنوان: «دوستوفسكي بذور التمرد (1821-1849) مطبوعات جامعة برنستون 1976 ثم أكملها عام 1983 بجزء آخر تحت عنون: دوستوفسكي سنوات المحنة. ثم اصدر جزءاً ثالثاً تحت عنوان: دوستوفسكي اهتياج التحرير 1860-1865 (صدر هذا الجزء عام 1986) ثم اكملها عام 1995 بجزء آخر هو: دوستوفسكي سنوات المعجزة 1865-1871.


كل من يريد ان يطلع على سيرة دوستوفسكي الفكرية والروائية ينبغي ان يطلع على هذه السيرة التي لا مثيل لها في اي لغة عالمية ولا حتى في اللغة الروسية ربما..


في الواقع ان معاملة دوستوفسكي كفيلسوف يمكن ان تزعج الكتاب والفلاسفة في آن معاً فالكتاب يعتقدون ان معاملة دوستوفسكي كفيلسوف سوف تؤدي الى اهمال ابداعه الادبي القائم على الخيال الخلاق لا على التفكير المنطقي الصارم الذي يتميز به الفلاسفة واما الفلاسفة فيقولون بأن دوستوفسكي لم يؤلف دراسات فلسفية مطولة على طريقة هيغل مثلاً، ولم يكن يتمتع بتكوين فلسفي ومفهومي دقيق، ولم يكن يحرص اصلاً على ان يدعى فيلسوفاً.


ولكن لا يستطيع احد ان ينكر ان دوستوفسكي كان الاكثر فلسفة من بين جميع الكتاب فرواياته مليئة بالأفكار الفلسفية وهو لا يكتب فقط من اجل المتعة الادبية او الجمالية وانما من اجل ان يوصل رسالة فلسفية او فكرية الى القارئ وقد كان منخرطاً في هموم عصره ومجتمعه الروسي الى ابعد الحدود.


ويرى المفكر الروسي المعروف نيقولاي بيرداييف ان دوستوفسكي لم يكن فقط كاتباً كبيراً وانما ايضاً مفكراً كبيراً ذا رؤية عميقة وواسعة قادرة على استشراف آفاق المستقبل كان ذا عقل جدلي عبقري، واحد كبار الميتافيزيقيين الذين انجبتهم روسيا في تاريخها كله.


وهذا ثناء ضخم يستحقه دوستوفسكي دون شك لكن ما هي القناعات الفلسفية لدوستوفسكي؟ هنا تبدو الامور اكثر صعوبة وتختلف آراء النقاد والدارسين فالبعض يعتبر انه كان عدواً للفكر المنطقي وكان اول من بث هذه الاشاعة الناقد الروسي ستراخوف عام 1883، اي بعد وفاة الكاتب الكبير بفترة قصيرة فقال عنه بأنه لا يوضح افكاره بشكل منطقي وانما يعبر عنها من خلال الصور والمشاعر الهائجة والحبكة الروائية والسرد الشاعري ويؤيده في ذلك حالياً الناقد الأميركي جوزيف فرانك الذي كتب قصة حياة دوستوفسكي في عدة مجلدات كما قلنا و لكن ما العيب في ذلك؟ لماذا لا يحق لدوستوفسكي ان يعبر عن افكاره الفلسفية من خلال شخصيات رواياته وبطريقة فنية؟


ولكن عندما يقبل بعض النقاد الآخرين بدوستوفسكي كفيلسوف فإنهم يصنفونه في خانة الفلاسفة اللاعقلانيين! لماذا؟ لان تصويره المرعب للشخصيات المعذبة او المجرمة او التراجيدية يجعلنا نشعر بلا عقلانية الطبيعة البشرية او لاعقلانية الحياة بالاحرى ومعلوم انه برع في هذا التصوير حتى وصل الى قمة الفن الروائي ويعرف ذلك كل من اطلع على كتبه التالية: ملاحظات من بيت الموتى، ملاحظات من تحت الارض، الجريمة والعقاب، الممسوسون، الخ.. ولهذا السبب فإن بعض فلاسفة الوجودية في الخمسينيات تبنوه، بل واعتبروه الأب المؤسس للفلسفة الوجودية نضرب على ذلك مثلاً كتاب الباحث الاميركي والتر كوفمان: «الفلسفة الوجودية من دوستوفسكي الى سارتر» نيويورك 1956. ولكن دوستوفسكي لم يكن وجودياً ملحداً على طريقة سارتر وانما كان مؤمناً على طريقة الفيلسوف الدنماركي الشهير كيركيغارد.


فعندما يتطلب الامر اتخاذ موقف بين الايمان والعقل فإن دوستوفسكي لا يتردد عن الانحياز الى جانب الايمان وهذا هو موقف كيركيغارد فالايمان هو الاول، لا العقل. واذا ما اطلعنا على كتابات دوستوفسكي وجدنا انه لا يعتبر نفسه مفكراً عقلانياً، بالمعنى الشائع للكلمة في عصره فالمفكرون والنقاد الروس التقدميون في وقته كانوا جميعهم من اتباع فلسفة التنوير واما هو فكان يقول بأنه يوجد شيء آخر اعلى من العقل.


وكان يقول لبعض اصدقائه: هناك مشاكل وجودية كبرى لا يمكن فهمها عن طريق العقل فقط انها تتجاوز حدود العقل وبالتالي فلا يمكن لنا ان نفهمها الا عن طريق الايمان ثم يضيف دوستوفسكي قائلاً بأن الملكة العقلانية عند الانسان هي جزء من طبيعته وليست كل شيء اما الجزء الآخر الذي يلعب دوراً كبيراً في الحياة فهو العامل العاطفي واللاعقلاني: اي الذي لا يمكن اخضاعه للحسابات المنطقية والعقلانية.


مهما يكن من امر فإن الصورة الايحائية اهم لدى دوستوفسكي من القياسات المنطقية او المصطلحات الفلسفية الجافة ولا غرو في ذلك فهو كاتب كبير وفنان من الطراز الاول وبالتالي فلا ينبغي ان نطالبه باستخدام لغة عقلانية منطقية كتلك التي يستخدمها ديكارت مثلاً او كانط او هيغل فدوستوفسكي ليس فيلسوفاً محترفاً وانما فيلسوف وكاتب في آن معاً انه فيلسوف الادباء واديب الفلاسفة.


ان البروفيسور «سكانلان» يبين لنا من خلال كتابه القيم هذا ان الهاجس الفلسفي الأساسي لدوستوفسكي كان هو الانسان ومصير البشرية كان صاحب «الاخوة كرامازوف» يريد ان يكتشف اسرار الطبيعة البشرية، ان يفهمها على حقيقتها اذا كان ذلك ممكناً كان يقول مثلاً: ان الانسان سر بالنسبة لي وهذا السر ينبغي ان يفسر ان يشرح وسوف امضي حياتي كلها في البحث عن هذا السر من اين جاء الانسان، ومن هو الانسان، والى اين المصير؟ ولماذا يعتدي الانسان على اخيه الانسان؟ ولماذا يكون طيباً احياناً وشريراً احياناً اخرى؟ هذه هي بعض الاسئلة التي كانت تشغل بال فيدور ميخائيلوفيتش دوستوفسكي وكل رواياته ليست الا بحثاً مضنياً وطويلاً عن هذا السر عن هذا اللغز ولكن هل ينفتح هذا السر لمخلوق على وجه الارض؟ وهل يمكن لأي كاتب حتى ولو كان عظيماً من عيار دوستوفسكي ان يتوصل الى كشف النقاب عنه؟ أليس الدين هو وحده القادر على تقديم الجواب؟


في الواقع ان دوستوفسكي توصل في نهاية حياته الى جملة من العقائد الفلسفية الأساسية وبعضها يقبله المؤلف ويجده رائعاً وبعضها يرفضه ويعتبره من نواقص دوستوفسكي ما يقبله هو الايمان الروحي العالي والتركيز على انسانية الانسان باعتبار انه روح ومادة وليس فقط مادة كما يزعم الماركسيون والماويون بشكل عام.


وهناك قناعة اخرى رائعة عند دوستوفسكي الا وهي: الايثار والغيرية، اي حب الغير ويبدو انه كان يطبق هذا المبدأ الاخلاقي والفلسفي في حياته الشخصية فمن كثرة انسانيته وطيب قلبه كان يقدم مصالح الآخرين احياناً على مصالحه وكان يتحسس آلام المعذبين والجائعين وكأنها آلامه هذه النزعة الانسانية العميقة هي التي تشكل عظمة دوستوفسكي وهي التي نستشفها من خلال رواياته العديدة اذا ما عرفنا ان نقرأها بشكل صحيح ولكنه من جهة اخرى وقع في حبائل التعصب القومي عندما اعتقد بأن روسيا هي المختارة من قبل العناية الالهية لكي تقود مسيرة البشرية لا ريب في ان محبة الانسان لأمته شيء جيد ولكن لا ينبغي ان يبالغ فيه وينسى ميزات الأمم الاخرى نقول ذلك ونحن نعلم ان كل كاتب يدعي بأن أمته هي افضل الأمم، وهي التي ينبغي ان تقود مسيرة البشرية وحتى في مجال الدين كان دوستوفسكي يعتقد بأن المسيحية في مذهبها الارثوذكسي هي افضل الاديان. وهو ما يعتقده اي مؤمن اصولي في اي دين آخر فمن شدة حبه لروسيا ولرسالتها التاريخية اعتقد انها بدون عيوب.. والحب يعمي ويصم..


هنا نلاحظ ان دوستوفسكي ينقصه الحس النقدي وربما لهذا السبب اتهمه الماركسيون فيما بعد بأنه محافظ بل وحتى رجعي.. وليس مؤكداً ان فهمه للحضارة الغربية كان متكاملاً نقول ذلك على الرغم من اعجابه بجان جاك روسو وخشوعه امام بيته عندما زار جنيف.


في الواقع انه كان مضاداً للفلسفة الوضعية المستوردة من الغرب من قبل مثقفين روس كبار كتشيرنيشفيسكي، وديمتري بيساريف، وغيرهما، وهنا نلاحظ ان الحق كان معه فالفلسفة الوضعية ناشفة اكثر من اللزوم ولا تراعي المشاعر الانسانية والعواطف القلبية فالوضعيون الماديون كانوا يعتقدون بأن كل افعال الانسان ينبغي ان تسير بشكل عقلاني ومنطقي لتحقيق مآربه ولا يهم فيما اذا كانت هذه المآرب حسنة ام سيئة المهم ان يشبع الانسان رغباته وحاجياته الى اقصى حد ممكن ولا يوجد اي هدف آخر في الحياة وكل عمل لا يحقق لي مصلحة شخصية لا قيمة له بل ويعتبرونه عملاً لا عقلانياً ومجانياً وبالطبع فإن دوستوفسكي كان من ألد خصوم هذا الموقف الذي هيمن للأسف على الحضارة الغربية المنفعية والبراغماتية.


Dostoevsky The Thinker


James P.Scanlan


Cornell University Press


Ithaca and London 2002


P. 25

Syria Man
16/08/2005, 10:21
شكرا سويت
:D :D :D

اسبيرانزا
09/11/2008, 18:08
اشكرك جدا :D

xeribo
17/12/2008, 11:52
دوستيفسكي من عمداء الأدب الروسي الكلاسيكي. يعرف كيف ينبش في أسرار نفس الإنسان بطريقة عجيبة.
الجريمة والعقاب,الأبله والمقامر من أكثر الروايات التي فيها دخل المؤلف إلى أعماق أبطال رواياته.

شكرا على الموضوع الجميل.

banna
15/02/2009, 10:24
شكرا سويت

موضوع جميل ورائع
ربي يعطيك العافية
:oops: